من لقاءات مجلة "شعر" التي كتب فيها سركون بولص (دار مجلة "شعر") ثقافة و فنون نصائح طريفة من سركون بولص الى وديع سعادة by admin 2 أغسطس، 2024 written by admin 2 أغسطس، 2024 100 رسائل وقصائد متبادلة وصداقة تكشف عن ذاتين عاريتين اندبندنت عربية / محمد السيد إسماعيل في كتاب لا يزيد على 89 صفحة، يقدم سليمان بختي قطعاً أدبية رفيعة في ما يعرف بأدب الرسائل أو “التراسل” بين الشاعرين العراقي سركون بولص واللبناني وديع سعادة، ففي كتابه “رسائل وقصائد بين سركون بولص ووديع سعادة” (دار نلسن) يستعيد بختي فناً كان مزدهراً خلال النصف الأول من القرن الـ 20، وكلنا نذكر الرسائل المتبادلة بين مي زيادة وجبران خليل جبران، وبين أنور المعداوي وفدوى طوقان، وبين غادة السمان وغسان كنفاني، وبين محمود درويش وسميح القاسم، وبين حميد سعيد وسامي مهدي. والحقيقة أن الكتاب الذي بين أيدينا يضم فقط رسائل سركون بولص التي تلقاها وديع سعادة، أما رسائل سعادة إلى بولص فيقول إنها ضاعت من الأخير، ولهذا استعاض بختي عنها بالقصائد التي كتبها وديع سعادة في سركون بولص، والكتاب عموماً يقدم “قطعة من حياة ربطت بين شاعرين جمعتهما القصيدة وبيروت والمنفى والصداقة”. يبدو لي أن القصيدة الحديثة، أو ما عرف بالشعر الحر باصطلاح نازك الملائكة، بدأت منقسمة على نفسها عبر تيارين أساسين، تمثل الأول في مجلة “الآداب” بتوجهها القومي العربي وإيمانها بوظيفة الشعر السياسية والاجتماعية، وضمّ ذلك التيار كلاً من بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وآخرين، ومثَّل الثاني مجلة “شعر” بنزوعها إلى التجريب وتثوير اللغة وتهميش الوظيفة الشعرية المباشرة، وهو ما يتضح من قول أدونيس إنه “لا غاية للإبداع سوى الإبداع”، وضمّ أنسي الحاج ويوسف الخال وأدونيس الذي انفرد بإصدار مجلة “مواقف” في ما بعد متأثراً بالمواقف والمخاطبات للنفري. ويعد وديع سعادة وسركون بولص من الجيل التالي لتيار مجلة “شعر” الذي ازدهر بعد هزيمة 1967، إذ رسخ هذان الشاعران مع غيرهما قصيدة النثر بجمالياتها المعروفة. شفافية جارحة التزم سركون بولص في رسائله بروح الشعر وشفافية جارحة وكأنه يروي لنفسه، ولعل قيمة الصدق هي أهم ما نشهده في هذه الرسائل، يقول لوديع سعادة “لا تكن مثقفاً يجمع أقنعة المشهورين”، وهذا توجه جمالي جديد يكون فيه الشاعر عارياً لا متخفياً وراء قناع، ونحن مع سركون ووديع ومجايليهم، مع شعراء متمردين على أنفسهم وعلى الآخرين، لا ينشدون سوى أقصى حدود الحرية على اعتبار أن حال الشعر، كما يقول سركون في إحدى الرسائل هي “الحال الوحيدة الحقيقية”. هذه الحال التي تكشف أعماق الذات في مواجهة التواء المعرفة، “ابصق على المثقف الغبي الذي يحاضرك عن معرفة النفس والخرق الثقافية الأخرى”، وهو “ما يتغذى عليه تلاميذ الجامعة ذوو النظارات الطبية، والشعراء الذين يعالجون مسائل العصر بجبين مقطب”. كتاب الرسائل (دار نلسن) ولا شك في أن هذا يذكرنا بقول خليل حاوي “أنا لست منكم طغمة النُساك واللحم المقدّد في زوايا الصومعة / لن يستحيل دمي إلى مصل / كذبت كذبت / جروني إلى الساحات عروني / اسلخوا عني شعار الجامعة”. إن سركون مثل حاوي ينصح وديع قائلاً “عليك أن تفتح فمك فجأة وأنت في الشارع، ومن حولك طنين الخلية الإنسانية، وتقذف من أحشائك ذلك البركان الذي هو أنت”، وفي رسالة أخرى يبدو كمن يخترق درعاً مميتاً صانعاً ثقباً أو ثقبين، “ينبثق منهما الضوء ونعرف بيقين أن النهار هناك، نهارنا الحقيقي المتخفي داخل الليل”. ولنلاحظ خيال الشاعر في رسم كل هذه الصور، وليس غريباً أن يستشعر سركون برودة لغة الأميركان، متمنياً وحسب صفحة واحدة عربية من الشعر، يقول “إنني أتضوَّر في الشوارع بحثاً عن كسرة من اللغة العربية”. قصائد ورسائل “آلام بودلير وصلت”، هذا عنوان إحدى قصائد سركون الباكرة التي كتبها في بيت وديع سعادة في شبطين بعد ترحاله من العراق إلى بيروت سيراً على الأقدام، يقول سركون في مطلع هذه القصيدة: “وصلت إلى الأحد / في الأصل كنت راعياً يفترس أرخبيلاً ممزّقاً من الأرواح / في الماضي الذي لا يمكن صيده / أخرج إليه فيهرب”. أما في ما يخص وديع سعادة فقد أورد له الكاتب مجموعة من القصائد ومنها “محاولة للوصول إلى بيروت من بيروت” التي يقول في بعض سطورها: ” كان عليّ أن أخرج اليوم لأمسد / بأصابعي الصغيرة قذيفة الأعداء / أن أذهب في طريق يذوب أسفلتها مستعيداً عمال منجمه الذين تناثروا بديناميت”. وفي قصيدة أخرى يخاطب سركون وبسام حجار قائلاً: “أعطني رداءك يا سركون / بردت / دفئني بترابك / وأنعش هذا التراب يا بسام / أدلق عليه كأسك”. ثم يكتب مجموعة كبيرة من الرسائل الشعرية إلى شعراء ومفكرين مثل أدونيس وعيسى مخلوف وديفيد معلوف وألن غينسبرغ ومحمد الماغوط ومارتن لوثر، يقول مخاطباً أدونيس: “مفرد بصيغة الجمع؟ / أنا لا أرى غير جمع بصيغة المفرد”، ويقول لمحمد الماغوط “حزن في ضوء القمر / وفي ضوء الشمس / وفي العتمة كذلك”، ويكتب لألن غينسبرغ “هل تسمع؟ العالم كله يعوي”، ولمارتن لوثر “كل أحلامنا كانت أوهاماً”. وسنلاحظ أن هذه القصائد تحمل في كلماتها أصداء الصداقة الحقيقية مع سركون وبسام حجار، والصداقة الشعرية، إن صح التعبير، مع أدونيس ومحمد الماغوط وألن غينسبرغ وغيرهم. يقول في قصيدة أخرى: “اخترع ذئاباً وجناً وخرافاً ورعياناً وفراشات / رفاقك مثلك شاخوا / ويقعدون على حجر صغير / اخترع لهم مسافات”. ومن الطبيعي ألا يفوت وديع سعادة رثاء سركون بولص الذي مات بعد لقائهما الأخير في أحد مهرجانات الشعر بشهر واحد، متأثراً بمرض السرطان، فكتب قصيدة عنوانها “باخرة ضائعة في الأحشاء”، ومما ورد فيها: “لا وصول / كل مدينة “أين”/ ترحال في الجغرافيا / ترحال في الذات / ترحال في الحياة / ترحال في الشعر/ فما يهم هو الرحلة وليس الوصول”. وذكرُ وديع لمدينة “أين” إشارة إلى ديوان سركون بولص “الوصول إلى مدينة أين”. والحقيقة أن سركون هو شاعر اللامكان أو الذي لا يستقر في مكان، فقد عبر أماكن كثيرة مثل العراق ولبنان والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، وهو ما يبدو ظاهرياً عبوراً في الجغرافيا لكنه في حقيقته عبور في الذات وعبور في اللغة التي هي “وطنه الافتراضي الوحيد الذي حفر فيها عميقاً علَّه يجد نفسه في وطن”. في النبذة التي يقدمها الكاتب عن سركون بولص يقول إنه ولد في قرية الحنانية، وفي الـ 10 من عمره انتقل مع العائلة إلى كركوك وكون فيها “مجموعة كركوك” الشعرية مع فاضل العزاوي ومؤيد الراوي وجان دمو، وبعد سفره إلى سان فرانسيسكو عام 1971 عقد صداقة مع ألن غينسبرج وبوب كوفني وغريغوري كروسو، وصدر له “الوصول إلى مدينة أين”، و”الأولي والتالي”، و”حامل الفانوس في ليل الذئاب”، وله رواية بعنوان “صحراء العالم”، ودراسة عن الرواية الحديثة وأخرى عن السياسة والفكر في أميركا. وعن وديع سعادة يقول الكاتب إنه شاعر لبناني عمل في الصحافة العربية ثم هاجر إلى أستراليا وأصدر 12 ديواناً منها “ليس للمساء إخوة”، و”الحياة الحياة”، و”رجل في هواء مستعمل يقعد ويفكر بالحيوانات”، و”مقعد راكب غادر الباص”، و”بسبب غيمة على الأرجح”، و”محاولة وصل بين ضفتين”. ويشير الكاتب إلى أن أعمال وديع سعادة الكاملة صدرت عن دار “النهضة العربية”، ونشير من جانبنا إلى أن هذه الأعمال صدرت أيضاً عن “الهيئة المصرية العامة للكتاب”. وأخيراً فإن “رسائل وقصائد بين سركون بولص ووديع سعادة”، كتاب ممتع ومفيد للقارئ العام وللباحث الشعري في الوقت نفسه. المزيد عن: شاعر عراقيشاعر لبنانيقصيدة النثررسائلقصائدنصائحالشعر الحديثبسام حجار 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post معركة لوتي وزولا على “مجمع الخالدين” عنوانها “شرق – غرب” next post بايدن ونتنياهو يناقشان نشر قوات أميركية جديدة لدعم إسرائيل You may also like المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024 من هي إيزابيلا بيتون أشهر مؤثرات العصر الفيكتوري؟ 21 نوفمبر، 2024