عراقيات يتعرضن للتحرش والابتزاز للحصول على أموال الرعاية الاجتماعية

تسجيل شكاوى من قبل مواطنات وتقديم 150 ألف طلب لرجال لغرض شمولهم بالرعاية الاجتماعية باعتبارهم إناث

اندبندنت عربية / شذى العاملي صحافية عراقية @ShadhaAlamili

الرعاية الاجتماعية حق من حقوق أي مواطن يتقدم للحصول عليها، وهي تشمل عدداً من الشرائح وفقاً لقانون الرعاية الاجتماعية رقم 11 لعام 2014، الذي ينص على تقديم الحكومة العراقية الدعم للأشخاص الذين يحتاجون إليها.

ويشمل هذا القانون الفئات من الأسر والأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر من العراقيين ومواطني الدول الأخرى المقيمين في العراق بصورة دائمة ومستمرة وقانونية، من العاطلين من العمل، الأرامل، والمطلقات، وزوجات المحكومين، والأيتام، والزوجات المهجورات من قبل أزواجهن، والعجزة.

وتتفاوت مبالغ تلك المساعدات بحسب الفئات وتصنيفها، ويصل عدد المستفيدين حالياً إلى ستة ملايين فرد والعدد إلى تزايد.

ويقضي دور وزارة العمل والشؤون الاجتماعية برفع المستوى المعيشي لفئات مهمشة ولعدد من الأسر التي تعيش تحت خط الفقر، على رغم “تسجيل بعض التجاوزات والخروقات التي قد تشوب نشاطات الرعاية الاجتماعية التابعة للوزارة”، بحسب مواطنين.

ووفق متابعين، فقد “تعددت أوجه تلك الممارسات في أروقة ومفاصل بعض الهيئات والجهات الحكومية، وقد يتخطى الأمر التجاوزات المالية وتتعداها لأخرى إدارية، وقد تصل حد الابتزاز وخصوصاً النساء من الأرامل والمطلقات والقُصر”.

يتفق الجميع على أن إجراءات الاستفادة من المنحة قد تكون معقدة وصعبة في بعض الحالات للحصول على الحقوق التي يكفلها القانون العراقي.

ولتوضيح هذه المسألة، تواصلت “اندبندنت عربية” مع المشمولين بمنحة الرعاية الاجتماعية، وكذلك بعض الجهات منها منظمات وشخصيات معنية بهذا الشأن.

وتحدثت رئيسة منظمة نسوية رفضت ذكر اسمها قائلة “تعاني بعض النساء وبخاصة الأرامل والمطلقات المشمولات براتب الرعاية الاجتماعية، من عراقيل خلال متابعة وتسيير معاملاتهن، منها مطالبة بعض الموظفين بالرشوة للإسراع بالمعاملة ونيل المستحقات”.

تقول عواطف هـادي (45 سنة)، “طالب موظف من اختي الأرملة بمبلغ قدره 750 ألف دينار (572 دولاراً)، للإسراع بإنهاء معاملتها وإدراجها ضمن المستحقين، والمبلغ يمثل أضعاف ما قد تتقاضاه كبدل منحة لأشهر، وهي فعلياً لا تملك هذا المبلغ ولكنها ستضطر لاستلافه كي تدفعه للموظف”.

“الفئات الهشة” مصطلح يطلق على من لا يستطيع التصدي أو مواجهة أي نوع من أنواع التجاوزات (اندبتدنت عربية)

وعلقت إحدى عضوات منظمة نسائية رفضت ذكر اسمها قائلة “تتعرض الكثير من النساء للابتزاز والتحرش والمساومات والضغوطات ما اضطرهم للتخلي عن حقوقهن بدل تقديم التنازلات”.

وتقول تمارة باسم “أنا أرملة أحد ضحايا الإرهاب أتابع تسيير معاملتي ولم أسلم من التحرش، وكي أتابع إجراءات معاملتي طلب مني الموظف (ي. أ) رقم هاتفي بحجة إعلامي بكل جديد بما يخص معاملتي، بعدها بدأ بارسال الصور وإرفاقها بكلمات غزل، ثم طلب تحديد موعدِ للقاء، حينها قررت التخلي عن حقي، وتركت كل شيء وحالياً لا أفكر بمتابعة أي معاملة رسمية”.

ولدى محاولة “اندبندنت عربية” الاتصال بالوزارة لاستيضاح حقيقة الأمر، رفض المسؤولون الإجابة أو التعليق على ما ورد من شكاوى تخص المواطنين.

الأتمته تنصف الفئات الهشة

وصف الباحث الاجتماعي محمد فخري المولى النساء المطلقات والأرامل بالطبقات أو “الفئات الهشة” وهو مصطلح يطلق على من لا يستطيع التصدي أو مواجهة أي نوع من أنواع التجاوزات، فالنساء يعشن في مجتمع ذكوري ذي صبغة عشائرية جعل من الصعوبة عليهن أن يُعبرن عن رفضهن أو يملكن القدرة على الرد لمن يسوء لهن. فضلاً عن كونهن الجزء الأضعف في اتخاذ القرار، في ظل وضع اقتصادي صعب لبعضهن وروتين إنجاز المعاملات.

لذا ستخفض الأتمتة والشفافية نسبة هذا النوع من الاستغلال.

طلبات إعانة

بعد تقديم أكثر من 400 ألف طلب إلكتروني من قبل النساء، تَبيّنَ بعد التدقيق أن 150 ألف طلب من بينها تقدم بها رجال لغرض شمولهم بالرعاية الاجتماعية باعتبارهم إناث. وأعلن وزير العمل رفع 20 دعوى قضائية بحق أصحاب ارقام هواتف وصفحات وهمية.

وأعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، في 29 فبراير (شباط) 2024، إطلاق حملة استرداد أموال أسر تتجاوز رواتبها الرعاية الاجتماعية.

ونفى أحمد خلف، رئيس هيئة الرعاية الاجتماعية، وجود أسماء وهمية قائلاً “هناك متجاوزون على القانون من الموظفين والمتقاعدين الذين سبق لهم أن قدموا على منحة الرعاية واستمروا باستلام مبالغ حتى بعد منحهم الرواتب التقاعدية أو رواتب الوظيفة”.

وأضاف “يوجد 35 ألف متجاوز والعدد قد يصل إلى 300 ألف خلال الأشهر المقبلة. ففي عام 2023 وجدنا ما يُقدر بـ 193 ألف متجاوز وفي مطلع 2024 رصدنا أكثر من 24 ألف متجاوز على منحة الرعاية الاجتماعية. بالتالي وصل قدر المبالغ التي استُردت من المتجاوزين إلى أكثر من 220 مليار دينار عراقي (نحو 168 مليون دولار أميركي) أضيفت إلى صندوق الحماية الاجتماعية لغرض شمول أسر جديدة لشبكة الحماية، وما زال العمل مستمراً لكشف التقاطعات مع دوائر الدولة.

مقاطعة البيانات

وقال مدير عام دائرة الحماية الاجتماعية في الوزارة عبدالرحمن المنصوري، أنه “تم استرجاع مبالغ نقدية والمبالغ المتبقية على المتجاوزين ألزموا بدفعها على شكل أقساط”، مؤكداً “استمرار عملية الكشف عن هؤلاء من خلال إجراء عمليات التقاطع مع كافة وزارات ومؤسسات الدولة، وتتم العملية عبر مقاطعة البيانات التي تصلنا من ديوان الرقابة مع قاعدة بياناتنا، ويتم إيقاف الإعانة عن المتجاوزين فوراً وإبلاغ مرجعياتهم الإدارية، وتقوم الدائرة باستقطاع المبالغ من راتبه، وفي حال رغبته بالدفع نقداً نحصل على المبلغ بصورة مباشرة”.

أما العقابي فقد صرح “حالياً لا يمكن التحايل على قانون الحماية الاجتماعية رقم 11 لعام 2014 لا سيما مع مقاطعة بيانات كل المستفيدين والمتقدمين بواسطة هيئة الرعاية وبالتعاون مع وزارات ومؤسسات الدولة، إضافة إلى مقاطعة وزارة التخطيط للمعلومات أيضاً”.

وأشار إلى المقترح الذي قدمته الوزارة إلى مجلس النواب لغرض زيادة رواتب هيئة ذوي الحاجات الخاصة من 170 ألف دينار (129 دولاراً) إلى 250 ألف دينار (ما يعادل 190 دولاراً)، وقال إن “الوزارة ومنذ سنتين عملت على بناء أكشاك عصرية في بغداد وبقية المحافظات وأماكن أخرى لاستغلالها من قبل المستحقين، لكن المواطنين لم يرغبوا في العمل بها”. ومن أجل دعم القطاع الخاص، فقد صوّت أعضاء مجلس النواب على 35 فقرة من قانون التقاعد والضمان الاجتماعي من أصل 108 فقرات.

نحو 359 مليون دولار تصرف للرعاية الاجتماعية (اندبندنت عربية)

ووصف العقابي عام 2024 بعام العمل وصولاً لشمل فئات جديدة من المحتاجين برواتب، كالأرامل والمطلقات والعاجزين. فضلاً عن توفير القروض الصغيرة للشباب الباحثين عن العمل تتراوح بين 20 و50 مليون دينار (بين 15 و38 ألف دولار).

ستة ملايين فرد

وأفاد أحمد خلف رئيس هيئة الرعاية الاجتماعية “بأن منحة الحماية الاجتماعية مدرجة ضمن القانون رقم 11 لعام 2014 التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وفي عهد حكومة السوداني، وصل تخصيصها السنوي إلى ما يعادل 470 مليار شهرياً (أي بما يعادل نحو 359 مليون دولار) تصرف للرعاية الاجتماعية، كما وصل عدد المشمولين إلى ستة ملايين فرد، أي مليوني و200 ألف أسرة.

وبيّن خلف أن الأسر المكونة من فرد واحد تتسلم 125 ألف دينار أي 95 دولاراً وقد تصل إلى 325 ألف دينار (أي 248 دولاراً) إذا كان رب الأسرة إمراة. ويضاف مبلغ 50 ألف دينار لكل فرد إضافي، وتقدم هذه المنح شهرياً. ويمكن التقديم عليها من على منصة “مظلتي” الإلكترونية التابعة لموقع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وهي حالياً متاحة لتسجيل النساء والأرامل والأيتام.

وتابع خلف “في أكبر عملية مسح ميداني أجريت أواخر 2023 ومطلع 2024، تبين أن المشمولين فعلياً ممن استلموا بطاقة الدفع الإلكتروني (كي كارد)، بلغوا 900 ألف أسرة جديدة أضيفوا لشبكة الحماية. وهذا يعتمد على المبالغ التي تخصصها الدولة ضمن الموازنة الاتحادية السنوية، ونحن بانتظار تعديلات سقف الموازنة لإكمال إجراءات الشمول لعام 2024”.

نفقات 2024

يوضح مدير إعلام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، نجم العقابي، أن الوزارة طالبت بمبلغ ستة ترليونات و200 مليار دينار (أي أكثر من أربعة مليارات دولار) لسد نفقات الإعانات لعام 2024، لمنح مساعدة لنحو مليونين و200 ألف أسرة في بغداد والمحافظات عدا عن إقليم كردستان وعدد آخر من غير المستحقين.

وكشفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية على موقعها الإلكتروني أن عدد المشمولين بالرعاية الاجتماعية سبعة ملايين فرد، وأنه تم تخصيص رواتب رعاية اجتماعية لـ 90 في المئة من المتسولين، كما شملت الرعاية 900 ألف أسرة.

معوزون غير مشمولين

يقول المواطن علي عزيز من بغداد “قدمت على طلب الرعاية منذ عام 2007 وحتى الآن لم يعلن اسمي، وكلما راجعت الدائرة المختصة يخبروني أنني بحاجة إلى وساطة لمساعدتي”، ويتابع “قبل خمسة أشهر زارتني الباحثة واطلعت على حال منزلي، ويبدو أن وجود جهاز تلفزيون لفتها، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن وأنا أنتظر صدور الموافقة علماً أنه منزل أسكنه بالأيجار”.

أما المواطن محسن علي محسن، فيقول “تقدمت عام 2019 بطلب لشمولي بالرعاية وزارتنا الباحثة قبل خمسة أشهر ولم يستجد شيء من حينها”.

مبنى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (واع)

السيدة وداد منصور (64 سنة) غير موظفة، قدمت على رواتب الرعاية الاجتماعية قبل أكثر من سنتين عن طريق ملء استمارة إلكترونية على منصة الوزارة ولم تحظ بأي رد، على حد قولها.

الشاب علي خليل (28 سنة)، من ذوي الاحتياجات الخاصة، قدم طلباً للحصول على إعانة، فطلب منه أحد العاملين رشوة لإدراج اسمه ضمن المستفيدين، وقال إنه لم يستطع رفع رشوة وبالتالي لم يحصل على أي مساعدة.

أما المواطن إبراهيم حامد فيقول “منذ 15 عاماً وأنا أتسلم راتب رعاية اجتماعية، وبعد توقف الراتب وحين راجعتهم أخبروني أنه لم يعد مسموحاً لي باستلام الراتب”.

ابنة أم فاطمة تبلغ من العمر 12 سنة وتعاني من مرض السكري، فقدمت طلب رعاية وقابلت اللجنة الطبية التي حددت نسبة المرض بـ50 في المئة، لكن الطلب رُفض من دون توضيح الأسباب.

لكن قصة سمارة مختلفة، فقد أجبرها زوجها على مطاوعته في فكرة الطلاق قانوناً في المحاكم والإبقاء على الزواج شرعاً بعقد رجل الدين المجاز، للحصول على معونة اجتماعية خاصة بالمطلقات. وبعد إتمام الإجراءات تقول “حصلت فعلاً على المعونة، حاولت كثيراً ثني زوجي عن طريقته هذه، وخفت الوقوع في الحرام لأنني طليقته قانوناً، إلا أنه أقنعني أن الموضوع شرعي ولا خلل فيه”.

زواج صوري والغرض راتب رعاية

حالة منتهى تشبه إلى حد ما قصة سمارة، فمنتهى التي تجاوزت الـ35 من العمر تقول “طلبت من صديقاتي إيجاد شخص يقبل الزواج بي لفترة وجيزة من دون إتمام المراسم، ومن ثم تطليقي في المحكمة لأحصل على المعونة، ووصل بي الأمر أن أنشر إعلان زواج على منصات التواصل الاجتماعي، وحصلت على عروض كثيرة شرط اقتسام مبلغ المعونة مع الطرف الآخر، ونفذت الفكرة فعلاً، إلا أنني لم أنه الإجراءات الخاصة بالمعونة لأنها تحتاج إلى طوابير انتظار وزيارة باحث، وخشيت من احتمال كشف العملية برمتها”.

خلال الشهر الأول من هذا العام تم جمع 712 متسولاً (أ ف ب)

وأعلن قسم الحماية الاجتماعية في محافظة بابل على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، إيقاف أكثر من 15 ألف متجاوز على الحماية الاجتماعية بعد مقاطعة بياناتهم مع دائرة المرور، إذ تبين أنهم يملكون سيارات حديثة وقد بلغ تقدير حجم مجموع رواتبهم ثلاثة مليار دينار عراقي (نحو مليونين و290 ألف دولار).

منحة الطلبة

استفسر المواطن داوود خالد عن الوجبة الغذائية التي من المفروض أن يتسلمها شهرياً من قبل الرعاية، ولكن الوزارة انقطعت عن تسليمها بعد شهر واحد من توزيعها.

ويتساءل المواطن علي العراقي عن أسباب توقف منح الطلبة لمستحقيها، قائلاً “اثنان من أبنائي في المرحلة المتوسطة والثالث في المرحلة الابتدائية، استلمت منحة الطلبة لشهر واحد فقط (ديسمبر/ كانون الأول 2023) عن اثنين من أبنائي، لكن أين منحة أبنائي لبقية الأشهر؟”.

وتتلخص شروط منح الطلبة لعام 2023 بأن تصرف لذوي الأسر الفقيرة من المشمولين برواتب الرعاية الاجتماعية. ويحصل عليها الطالب لمدة ثلاثة أعوام، ويكون التسجيل إلكترونياً، ويشترط أن يكون الطلبة ضمن التعليم الحكومي فقط.

هل بإمكان المنح البسيطة أن تغطي حاجة مستحقيها وبخاصة في ظل الغلاء المعيشي؟

أجابت الخبيرة الوطنية في الشأن الاجتماعي عبير مهدي الجلبي “بل تعد جيدة وذلك لوجود حصة تموينية إضافية، وهناك منحة لطلبة الأسر المستحقة للإعانة من المستمرين في الدراسة، منهم طلبة الابتدائية تقدر بنحو 30 ألف دينار شهرياً (22.90 دولار)، وطلبة المتوسطة والإعدادية 50 ألف دينار شهرياً (38.17 دولار)، أما طلبة الكليات فمنحتهم 100 ألف دينار شهرياً (76.34 دولار)، و150 ألف دينار شهرياً (114 دولاراً) للماجستير والدكتوراه فضلاً عن الضمان الصحي المجاني وخدمات اجتماعية أخرى”.

هل يشتمل المتسول بالإعانة الاجتماعية

أفادت الجلبي بأن وزارة الداخلية هي الجهة المسؤولة عن جمع المتسولين من الشوارع، وخلال حملتها خلال الشهر الأول من هذا العام تم جمع 712 متسولاً مع أن أغلب المتسولين مشمولون بالإعانة بمعنى أنهم يتقاضون معونة شهرية من وزارة العمل، التي يبقى على عاتقها إيجاد أماكن مناسبة لإيداعهم لحين حسم قضاياهم مع المحاكم المختصة، باعتبار التسول جنحة يعاقب عليها القانون.

وختمت الجلبي “هناك عدد كبير من الأيتام مشمولون بالإعانة سواء كانوا في دور الأيتام أو خارجها، ويقرب عددهم من عشرة آلاف يتيم”.

المزيد عن: العراقابتزازتحرشتجاوزاتوزارة العمل والشؤون الاجتماعيةمطلقاتأراملعاطلين من العملحقوقرشاوى