نابوليون بونابرت في اختيارات الكاتب الديغولي (غيتي) ثقافة و فنون عندما حاول أندريه مارلو في بداياته إنصاف نابوليون كمبدع by admin 15 مارس، 2024 written by admin 15 مارس، 2024 134 كاتب ديغول المفضل يكتب بلغته الجزلة سيرة للإمبراطور الفرنسي تحمل طابع هذا الأخير وأسلوبه اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب من الواضح أن الكاتب والباحث الفرنسي بيار هنري سيمون ليس هو الذي أنهى حياته خبيراً في ما يتعلق بكل ما يمت إلى الصين بصلة، لم يكن من المعجبين الكبار بمعاصره أندريه مالرو. ومن هنا حين سئل يوماً عن رأيه في أدب مالرو الذي كان كاتباً روائياً مرموقاً ومؤرخ حضارات قبل أن يشغل منصب وزير الثقافة في فرنسا، أيام حكم صديقه الجنرال ديغول؛ قال ببساطة بدا كلامه معها كالبديهة: “على أية حال بالنسبة إلي أفضل كتاب يحمل اسم مالرو هو “حياة نابوليون بقلمه” لأنه لا يحتوي على أية جملة من إبداع هذا الكاتب”. كان جواباً لئيماً بالطبع لكن كثراً كانوا يرون رأيه إذ تمكن صاحب “الأمل” و”الشرط الإنساني” من أن يخلق لنفسه كثراً من الأعداء. ليس طبعاً بسبب أعماله الروائية بل تحديداً لأنه بدا في نهاية الأمر راكعاً بتبجيل أمام رجال السياسة الكبار هو الذي بدأ مستهل حياته الإبداعية بكتابه عن نابوليون لينتهي بواحد من كتبه الأكثر إثارة للسجال “السنديانة التي يقطعونها” وهو عن الجنرال ديغول. وفي هذا السياق، لئن كان مالرو قد عادى بل حارب حتى ضد الجنرال فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية فإن ذلك إنما كان لأنه اعتبر فرانكو من حثالة الدكتاتوريين لا أكثر. ونعرف أن مالرو كان في المقابل يعتبر ديغول “إمبراطوراً كبيراً” بالتحديد لأنه كان يرى فيه كاتباً كبيراً. أما بالنسبة إلى نابوليون فهو دائماً ما كان يُنقل عن ميشليه مؤرخ الثورة الفرنسية الأشهر بأن نابوليون هو “بالتأكيد واحد من أكبر رجال التاريخ ناهيك عن كونه أعظم كتاب ذلك التاريخ”. ومن هنا ذلك الكتاب المبكر عن نابوليون والذي أصدره مالرو عام 1930 مفتتحاً سلسلة كتب أصدرتها “المجلة الفرنسية الجديدة” عن منشورات غاليمار تتناول سيراً للكبار في مجالات شتى مكتوبة بأقلامهم. غربلة واستبعاد ومن هنا طبعاً الحكم الظالم بالتأكيد الذي أصدره سيمون ليس في حق مالرو. لكن اللافت أن هذا الأخير اكتفى بالابتسام حين نقل القول إليه متمتماً: “ومن أنا مقارنة مع عظمة نابوليون حتى يسيئني قول يوجه إليه ومن طريقي ذلك المديح؟”. ولئن كان هذا الجواب ينم عن شيء من التواضع فإنه كان يؤكد ضعف مالرو تجاه الكبار هو الذي حين أراد أن يكتب سيرة نابوليون فضل إلى تحمل أية جملة يكتبها بنفسه مكتفياً بأن يكون كل ما يدونه عن سيرة الإمبراطور مجرد تجميع لصفحات وفقرات مأخوذة من مراسلات نابوليون ومدوناته وحتى أوامره العسكرية والحوارات التي أجريت معه في توليفة سيقول المعلقون لاحقاً إن أهم ما فيها “أنها تتحدث عن صاحب تلك السيرة بقدر ما تتحدث عن كاتبها حتى وإن لم يكتب بنفسه حرفاً منها”. ففي عالم هذا النوع من الكتابة التي توصف عادة بـ”الموضوعية التاريخية”، أن تختار من بين ألوف الصفحات ما يخدم بنية كتابك، معناه أنك تمارس نوعاً من “الغربلة” والتنسيق والدمج على طريقة المونتاج السينمائي، في الوقت الذي تمارس فيه نوعاً من الاستبعاد تماماً كما سيقال عن السينما الوثائقية التي، ومهما كانت قوة موضوعيتها، تقوم بدورها على “الغربلة والاستبعاد” خدمة لفكرة مسبقة تحملها عن موضوعك الذي تريد إيصاله إلى متلقي عملك لتؤكد عبره، ليس بالضرورة عن حقيقة ذلك الموضوع بل على وجهة نظرك الخاصة فيه موصوفة على لسان أو بقلم أو كاميرا من يكون اختيارك لـ”التعبير عنه” توصيفاً لرأيك فيه. ولا شك أن الصورة التي تنتهي ممارستك العمل على موضوعها بإيصالها إلى المتلقي، مبررة لما قاله الكاتب والسينمائي الفرنسي آلان روب غرييه الذي كان يمثل في إبداع الرواية الجديدة الفرنسية منذ سنوات الخمسين من القرن العشرين ذروة الكتابة الموضوعية الخالية من أية ذاتية فإذا به يؤكد في مذكراته التي أصدرها آخر حياته قائلاً: “أنا في نهاية الأمر لم أكتب إلا عن ذاتي”. ومن هنا على وجه اليقين “لم يكتب مارلو في نصه عن الإمبراطور إلا عن ذاته”. أندريه مالرو: احتشام في التعامل مع الكبار (غيتي) بين الكاتب والإمبراطور ومن هنا نعود إلى كتابه “حياة نابوليون بقلمه”. وحكاية هذا الكتاب تنطلق في رغبة توافق عليها الكاتب وناشره لإصدار سلسلة الكتب التي ذكرناها أعلاه وكان عنوان السلسلة “مذكرات كاشفة”. وهو عنوان تمسك به مالرو مقدماً سيرة نابوليون كما لو كان هذا الأخير يكتبها بالفعل. ومن هنا كان حرص مالرو على أن يشتغل بنفسه على كل ما يؤثر عن نابوليون أنه دونه بقلمه – أو التي من المفترض أن يكون قد تولى على أية حال إملاءه على مساعدين ولا سيما في ميادين القتال وخلال مغامراته الحربجية حيث لا يكون لديه من الوقت ما يكفي لتناول أوراقه وأقلامه لتدوين الأوامر العسكرية ولكن حتى هنا من الجليّ أن اللغة كانت لغة نابوليون والأسلوب أسلوبه “وإلا لكان من شأن مارلو أن يتدخل ضابطاً ومصلحا ولكن من المؤكد أنه لم يحتج إلى فعل ذلك”-. ففي النهاية تمخض عمل مارلو عن نوع من مزيج خلاق لا يحمل معظمه توقيع صاحب الشأن لكنه حمل روحه التي سيمكننا لاحقاً وعبر مراجعة نصوص كتبها مارلو طوال العقود التالية من حياته، أن نلاحظ وجودها ضمن سياق رواياته أو كتبه غير الروائية وغالباً على ألسنة شخصيات شديدة السمو تملأ تلك النصوص. وفي هذا السياق ها هو نابوليون يتحدث عن الفرنسيين والسلطة ضمن إطار رسالة وجهها إلى مسؤول فرنسي يدعى السيد ريموزات يقول له فيها: “لا شك أنكم يا معشر الفرنسيين تحبون الملوك حباً جماً. فالحكم الملكي هو الوحيد الذي تجدونه ملائماً لكم بحيث أنكم أيها السيد ريموزات تشعرون بالراحة أكثر بمئة مرة منذ بتّم تتوجهون إلي بالحديث قائلين: يا مولانا!”. الحرب كيلا نفقد شرفنا وفي المقابل نراه يقول لأحد قواده، الجنرال سافاري في رسالة جوابية: “إن لهجة رسائلك التي تبعث بها إلي لا تروق لي أبداً. وأنت تضجرني بحديثك الدائم عن الحاجة إلى السلام. فأنا أعرف الوضع في الإمبراطورية، بأفضل ألف مرة مما تعرفه. وبالتالي فإن الاتجاه الذي تسلكه مراسلاتك لا يترك علي أي تأثير إيجابي. أنا في النهاية أريد السلام ولي مصلحة فيه تفوق مصلحة أي إنسان آخر… وبالتالي فإن كل ما تقوله حول هذا الأمر يبقى من دون طائل. وذلك بكل بساطة لأنني لن أخوض سلاماً غير مشرف أو سلاماً يسمح بالعودة إلى حرب عنيفة مرة كل ستة أشهر. والآن آمل منك بألا تعود إلى هذه الأمور في مراسلاتك مرة أخرى. إنها أمور لا تعنيك، فلا تتدخل فيها بل آمل بألا ترد على رسالتي هذه…”. وفي مجال آخر تماماً، نرى نابوليون، وبحسب مالرو يوجه رسالة لصديقة له تدعى ماري لويز دي هاينو يقول لها فيها: “سيدتي العزيزة جداً. لقد تلقيت منك رسالتك التي تخبريني فيها أنك استقبلت المستشار الأكبر وأنت مستلقية في سريرك. وإنني لأنوي هنا أن أطلب منك ألا تستقبلي أحداً وأنت في السرير تحت أي ذريعة وكائناً من كان. فمثل هذا الاستقبال غير لائق بالمرأة إلا بعد أن تتخطى الثلاثين من عمرها”. ما لا يليق بالكبار ومهما يكن في هذا السياق ربما علينا أن نلاحظ أن كتاب مالرو عن نابوليون لا يتمادى في الحكي عن أية شؤون تخص ما هو حميم من سيرة بونابرت ولكن ليس عن حياء ولا لأن الإمبراطور لم يتناول مثل تلك الشؤون في مدوناته. ففي نهاية الأمر كان يمكنه أن يستخدم العديد من المعلومات وردود الفعل الجوانية في الرسائل التي كان يكتبها، على سبيل المثال، موجهة إلى زوجته جوزفين يبثها فيها لواعج قلبه شاكياً من جفائها تجاهه، لكنه – أي لكن مالرو- لم يفعل ومن منطلق أساسي أن ما كتبه الإمبراطور لم يكن ليليق بعظمته ومن الواضح أن مالرو كان لا يريد من “كتابه” إلا أن يقدم صورة عن عظمة نابوليون قد تكون بقلمه، كما هو حالها بالتأكيد، لكنها مقدمة عبر اختيار الكاتب الديغولي الكبير… الذاتي. المزيد عن: أندريه مالرونابليون بونابرتالجنرال ديغولالجنرال فرانكوالحرب الأهلية الإسبانية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post هجوم وتراشق وجدل… دراما رمضانية موازية “خارج الشاشة” next post بريتيش كولومبيا تريد مقاضاة وسائل التواصل التي تؤذي صحة الناس You may also like براعة باخ في كونشرتوات براندنبورغ وأثرها الدائم 19 نوفمبر، 2024 في روايته الجديدة… أوبير حداد يصوّر الحرب بعيني... 19 نوفمبر، 2024 16 فيلم رعب تسببت بصدمة نفسية لممثليها 19 نوفمبر، 2024 العداوة والعدو كما فهمهما الفلاسفة على مر العصور 19 نوفمبر، 2024 قصة واحدة من أكبر الأكاذيب في تاريخ حكايات... 19 نوفمبر، 2024 أول ترشيحات “القلم الذهبي” تحتفي بالرعب والفانتازيا 17 نوفمبر، 2024 شعراء فلسطينيون في الشتات… تفكيك المنفى والغضب والألم 17 نوفمبر، 2024 “بيدرو بارامو” رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا 16 نوفمبر، 2024 دانيال كريغ لا يكترث من يخلفه في دور... 16 نوفمبر، 2024 جاكسون بولوك جسد التعبيرية التجريدية قبل أن يطلق... 16 نوفمبر، 2024