باشو رائد شعر الهايكو الياباني (صفحة الهايكو - فيسبوك) ثقافة و فنون نجوم الغانم تضفي على شعر الهايكو تلاوين الذات by admin 16 فبراير، 2024 written by admin 16 فبراير، 2024 157 في ديوان “البحر والأفق في ممر ضيق” تضيف فصلاً خامساً في مسعى تجريبي اندبندنت عربية / أنطوان أبو زيد تخط نجوم الغانم، الشاعرة والمخرجة السينمائية الإماراتية، في ديوانها الجديد “البحر والأفق في ممر ضيق” (دار روايات)، مساراً جديداً في تجريب شعر الهايكو، بعد أن أنجزت تسع مجموعات شعرية في نوع قصيدة النثر، وترجمت أعمالها حتى الإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها. تعني لفظة الهايكو نوعاً شعرياً، بل قصيدة في التراث الشعري الياباني، وهي في غاية القصر، ويعبر فيها الشاعر عن انطباعاته حيال اندثار معالم الأشياء من أمام ناظريه، أو حيال مشهد طبيعي يستدعي التأمل فيه، أو حدث يمس وجوده. وتعزى أبوة هذا النوع الشعري “الهايكو” إلى شاعر ياباني يدعى باشو ماتسو (1644-1694)، الذي إليه تهدي الشاعرة كتابها، في مستهله قائلة: “إلى باشو الذي ذهب، وهو يهمس للريح قائلاً انتظري…”. ولا تكتفي بتلك الإشارة، وإنما تنبه القراء، في “التوطئة” بما معناه، إلى أنها قد تتجاوز الشرط الذي وضع للهايكو – ذكره بالاسم – قالباً لشعرها في الكتاب، والذي تتعلم الغناء من خلاله، وهو التزام الهايكي بقصيدة الأبيات الثلاثة، أو الأسطر الثلاثة في حالة نجوم الغانم، ما دام النوع الغالب عندها قصيدة نثر، لأن “الرؤى أجهزت عليها”، و”سرقت لساني الأصوات”. ومن المعلوم أن التركيبة الوزنية لقصيدة الهايكو هي (5/7/5) تخالف التوزيع الإيقاعي والعروضي العربي، وتتباعد اللغتان العربية واليابانية صرفياً ونحوياً وصوتياً وكتابياً. ومع ذلك، وجدنا عديداً من الشعراء العرب، شأن الشاعرة الغانم، يتأثرون بتراث الهايكو الشعري، ويحاكون بنيانه ولكن بحرف عربي، ويتذوقون بدورهم حلاوة التأمل العميق في المشهد موضوعهم الشعري، ويوجزون عبارتهم إيجازاً بليغاً وموحياً. وأحسب أن الشاعرة نجوم الغانم لما أدركت استحالة تطبيق شروط الهايكو الأصلية، المشار إليها أعلاه، استعاضت عنها بأفضال أخرى، من مثل التأمل في المشاهد التي يتيحها فصل الشتاء (فصل الرياح الباردة)، وكذلك الربيع (فصل تفتح أزهار الكرز)، والصيف (فصل القيظ)، والخريف (فصل الاختباء)، و(فصل البكاء الأخير). وعلى هذا، تنقسم مجموعة الغانم خمسة أقسام، هي خمسة فصول تواكب في كل منها فصلاً طبيعياً، مما ذكرناه أعلاه، وتضيف إليها فصلاً من مكنوناتها ومشاعرها الدفاقة. فصل الرياح الباردة الديوان الجديد (دار روايات) ينطوي هذا الفصل على 60 قصيدة هايكو، يتألف كل منها من ثلاثة أبيات، أو أسطر شعرية، وقد صاغتها الشاعرة لتتناول بها على التوالي البحر والهواء والممرات الضيقة والثلج والأسوار والنوارس والنهر وموج الليل واللص جان جينيه والنبيذ والله وكوخاً، وغيرها… وفي ما نقتبسه من قصائد الهايكو، التي وقفتها الشاعرة على ملمح من ملامح الشتاء، نحاول تبيان أهم ما تميزت به لغة الغانم الشعرية، وما افترقت به عن الهايكو الأصلية، وما أضافته إلى الشعر العربي المعاصر بعامة. “البحر يرتفع من ثقب في الحديقة/ الطيور تأكل ظلال الأسماك/ فناء البيت ملح وبقايا عواصف”، من النظرة الأولى، بل الثانية، يتبين للقارئ أن الشاعرة نجوم الغانم، وإن اتكأت على نوع الهايكو، لتسويغ نظم الشعر على الشكل الثلاثي المعروف، فإنها تخطت حدوده من الهايكو الأول، وإن صح أن قصيدة الهايكو، بحسب قواعد الكتابة اليابانية، يركز فيها الشاعر على عنصر واحد من المشهد الشعري، من دون غيره، فإن الشاعرة تجعل من المشهد لوحة شعرية، يتناوب فيها ثلاثة عناصر، هي البحر والطيور والفناء، يضيف كل منها بعداً، أو طرفاً من هذه اللوحة الشعرية السينمائية بلقطاتها الثلاث، من الخارج إلى الداخل. وإن بدا التزام الشاعرة حدود الهايكو (العنصر الوحيد) في بعض القصائد، من مثل (“حين كنت أغرق/ شربت كثيراً من ماء البحر/ هكذا تعلمت السباحة نحو الحياة”)، فإنها تسارع إلى الإيحاء بضيقها من تلك الحدود، وميلها إلى مخالفة “جوقات الشعر”، التي تكرر القوالب الجاهزة، وتستعيد قصيدة باشو النموذجية، حتى الإملال: “كلهم ينشدون خلفك باشو/ الضفدع يقفز إلى البركة/ ما أكثر جوقات الشعر” . الشاعرة نجوم الغانم (صفحة الشاعرة – فيسبوك) ومع ذلك، تتأرجح قصائد الهايكو في هذا الفصل بين العنصر الوحيد والتيمة المركزية المطلوبة في هذا النوع، وعناصر رديفة أو تلك التي تستدعيها بصورة لا واعية، على ما ذكرنا أعلاه. “ينقضي النهار سريعاً/ يتأخر المساء/ الأيام في حيرة من ألاعيب الوقت”. روحانية باشو في الاقتباسات الشعرية من فصل “الرياح الباردة” (الأول) من مجموعة الغانم الشعرية، ما ينطبق على سائر الفصول من جهة التزامها قواعد الهايكو. ولكن الأهم هو جعلها هذه الهايكوات، منبراً لذات معانية، ومتأهبة دوماً لإسقاط تلاوينها النفسية على المناظر التي تعرض لها، في الربيع والصيف والخريف على التوالي. بل يمكن القول إن الشاعرة تسعى جاهدة إلى استيعاب روحانية باشو، مؤسس هذا النوع الشعري، وما تقتضيه النزعة التأملية اليابانية من إبطاء في إيقاع الكلام، وتحميله القدر الأكبر من الإيحاء، في صيغ تركيبية موجزة، وصور شعرية مبتكرة، ومشاهد مختارة بعناية لتناسب الفكرة المعالجة. “الريح تحني رأسها/ حين تعبر روحك/ باشو” . وعلى هذا النحو، تتشكل لوحة الفصل الكبرى، قصيدة هايكو إثر قصيدة، عبر مناظر منتقاة، وقد توشحت بحالات متفاوتة، من الهناء والوحشة والضيق والحب والهلع من هرب الزمن والحس الطفولي المقترن بحلولية الكائن في كائنات الطبيعة على المنهج الرومنطيقي المعروف. “وضعت اللون على اللوحة/ ففاضت جوانبها/ بالكلمات”. ولئن جهدت الشاعرة في النطق بلسان ذات كبرى، رديفة لذات باشو مؤسس الهايكو، ولمن تلاه من الناسجين على منواله، فإنها لا يسعها أن تواري بعضاً من وجدانية غنائية متلازمة مع أجواء الفصل الجاري توصيفه، “لا أدري أين أخبئ أصوات حكاياتن/ سأمنحها غرف قلبي/ وأعرف أن الكون كله لن يكفي لها” . تأملية الهايكو لا نجد داعياً لتكرار الكلام على محدودية المقالة، واستحالة إيفاء الأثر الكامل حقه من الإحاطة والتدقيق في ملامحه وخصائص أسلوب الشاعرة نجوم الغانم فيه، وإنما يتاح لنا، أقله، إلى أهم ما يمكن للقارئ التركيز عليه لحسن تعاطيه مع هذا النوع الشعري الجديد نسبياً على الجمهور العربي – في ما لا يتجاوز الـ60 عاماً على حد علمنا – ومن تلك السمات اللافتة والدالة على الهايكو، استغراق الشاعر في تأمل منظر طبيعي، وترجمة ذلك التأمل شعراً، في ثلاثية لا لبس فيها، يتناسل الكلام بعضه من بعض، حول فكرة واحدة مستمدة من منظر الفصل المعني، ومن دون مبالغة في صوغ العبارة، ولا تغريب في إخراج الصور الشعرية، على ما يوجبه فن الهايكو. ولعل هذه التأملية، وإن لمحناها لماماً في شعرنا العربي، قديمه وحديثه، فإنها لا تندرج في عداد أركان البلاغة العربية، ومن ثم يحسن تطعيم شعر قصيدة النثر بها، التي راكمت الشاعرة الغانم أعمالاً بها ذات حضور وألق. وإذ نورد أمثلة من الفصول الخمسة، على النزعة التأملية المشار إليها، نشير إلى أن الشاعرة نجوم الغانم أضافت حساسية جديدة إلى الشعر العربي المعاصر، واكتسبت من قصيدة الهايكو ما فاتها من قصيدة النثر المشعة والكثيرة الإيحاء والمكثفة، على ما دعت إليه سوزان برنار. “حمله البحر على كتفيه/ أغرقته/ الموجة”. “ذاهبة في الطريق نفسه/ بخفقة قلب/ ومخاوف لا تاريخ لها”. “الجنادب تضيف صريرها إلى أزيز الطائرات المروحية/ ستنضم إليهم الألعاب النارية وصافرات الإسعاف/ هكذا نستقبل السنة الجديدة في دبي”. المزيد عن: شاعرة إماراتيةديوانقصائدشعر الهايكوالطبيعةالفصولالبحرالأفقاللونالتجريب 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الوقاية من سرطان عنق الرحم في لبنان تواجه نقص الوعي والانفتاح next post الأطلال والخرائب ذاكرة العالم بأمجاده وحروبه You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024