ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: “فن من أجل القضية”… معرض استذكاري لزمن الكبار by admin 6 يناير، 2024 written by admin 6 يناير، 2024 148 المدهش في المعرض مجموعة الأعمال الغرافيكية للفنان مصطفى الحلاج الملقّب بـ”شيخ الفنانين العرب”، الذي حيكت الكثير من الروايات حول حريق قسم كبير من إنتاجه في محترفه خلال القصف الإسرائيلي لبيروت العام 1982، وثمة من يعتقد بأنّ بعض الأعمال قد نجت وأودعها الفنان في عهدة أصدقائه المقرّبين، بيروت- النهار العربي – مهى سلطان تكريماً لغزّة ومروراً بتاريخ مآسي الشعب الفلسطيني ونضاله، يقيم صالح بركات معرضاً تذكارياً بعنوان “فن من أجل القضية” في الغاليري التي تحمل اسمه (كليمنصو- شارع جوستينيان- حتى 11 كانون الثاني/ يناير 2024)، جمع فيه اعمالاً لم نرها في معارض بيروت منذ عقود. عبر أكثر من 50 عملاً فنياً، تُعيد هذه الأعمال عقارب الزمن الى الوراء في عملية نبش الماضي، وهي تعود إلى نخبة من كبار الفنانين العرب المحدثين، جنباً الى جنب مع بعض الفنانين المعاصرين. رسومٌ ولوحات وأعمال طباعية وفن تجهيزي، يتراءى فيها الحنين الى الزخم العاطفي الذي كان يميّز المرحلة الذهبية من “الفن- الملتزم”. ويصحّ في هذا المجال ان نطلق على المعرض صفة الاستذكار لحقبة زمنية (طوباوية إلى حدٍ ما)، كانت مليئة بالأمل وشعارات الصمود والتصدّي والمقاومة للعدو الصهيوني. هذه الشعارات أسالت الكثير من الحبر وأشعلت نارها أفئدة الفنانين وحرّكت عواصف غضبهم وتوجساتهم وحرائق ألوانهم وألهمت موضوعاتهم بحماسٍ لا مثيل له، في الحقبة التي احتضنت فيها بيروت مشاعل الأحلام بالحرّية لدى الفلسطينيين (لاسيما المقيمين)، سواءً كانوا شعراء او فنانين أو مثقفين، ليس من المغترب الفلسطيني فحسب بل من كل حاضرة عربية. انّه زمن ثورة الحداثة في بيروت، عاصمة الثقافة و”ملتقى الشرق والغرب” وموئل المثقفين العرب. هكذا يعيدنا المعرض بالذاكرة الى حقبة ما قبل وبعد هزيمة العام 1967، امتداداً إلى حقبة السبعينات، وصولاً الى المرحلة الراهنة. “ثلاث لوحات- يقول بركات- دفعتني لتنظيم هذا المعرض، لوحة الفنان السوري برهان كركوتلي التي رسمها العام 1979 عن أم فلسطينية تلقّن طفلها درساً عن غزّة، في الحقبة التي أصبحت قطاعاً تحت السيطرة الإسرائيلية في أعقاب اتفاقية السلام. لوحة للفنان اللبناني محمد الروّاس، تجسّد مأساة قصف غزة (2010) وجريمة تدمير العدو الإسرائيلي لسفينة “Mavi Marmara” الآتية من تركيا محمّلة بمواد الإغاثة والمساعدات الطبية. لوحة الفنان العراقي ضياء العزّاوي التي رسمها عن مجازر صبرا وشاتيلا العام 1982، وقد حملت شعاراً مؤداه: “نحن لا نُرى إلاّ جثثاً”. هذه العبارة هزّت مشاعري في الوقت الذي تخطّى فيه عدد شهداء غزّة العشرين ألف قتيل غالبيتهم من الأطفال، كأنّ هؤلاء الضحايا مجرد أرقام كي تبدأ المطالبة الدولية بوقف النار”. ضياء العزاوي- نحن لا نُرى إلاّ جثثاً من وحي مجازر صبرا وشاتيلا العام 1982 من درب الآلام الى عام النكسة في الباحة العليا للمعرض ينتصب وجه “الملثّم” في لوحة كبيرة من سلسلة الفنان أيمن بعلبكي، الذي أثار سحب إحداها من مزاد دار كريستيز اللندنية مؤخّراً زوبعة في الأوساط الإعلامية العربية. هذا الوجه الغامض الذي تنطوي نظرة عينيه على الكثير من البأس والحزم والعزيمة، هو لمقاتل فدائي أو جهاديّ منذور للموت وموعود بالجنة. الغريب انّ شخصية “الملثم” قد تلبّست عدة معاني ودلالات، واتخذت تفسيرات عديدة وستظلّ تأويلاتها مرهونة بالزمن والأحداث ومجرياتها وأبعادها الجيو-سياسية في الحقبة الراهنة. من أشغال كاتيا طرابلسي، التي حوّلت القذائف الحربية الى أنصاب نحتية جميلة، يبرز عملان ألبست أحدهما نسيج الثوب الفلسطيني للدلالة على الهوية، وسلّمت الآخر مفاتيح الأبواب المنسية لأهالي فلسطين. إنّها ايضاً أبواب بيت المقدس، التي استوقفت ريشة الفنانة جمانة الحسيني، تتغنى بها رسماً مزيناً بقصيدة الشاعر سميح القاسم قوله “معي أنتِ، معي في القلب في العينين في الصوت، معي من رعشة الميلاد حتى رعشة الموت، معي أنتِ”، وهي تفتح أبواب الرؤية أمام مشهد من داخل القدس العتيقة، بمساجدها وكنائسها وبيوتها، بجدرانها البيض وقبابها الذهبية وزخارفها بلون الفيروز. من مدينة الحلم والقداسة ينقلنا حلمي التوني الى صورة حسناء من فلسطين (1977)، بثوبها المجدولة خيوطه من ألوان الأرض والبرتقال والزيتون. منظر لواجهة مدينة القدس للفنانة جمانة الحسيني- زيتية- 1970 بالأحمر الغسقيّ والأسود الفحيم يتلوّن مشهد طريق الآلام الذي رسمه فاتح المدرّس، بتعبيرية باهرة، في ليل ليس كالليل وفي غسق النهار الهابط على الأرض، حيث يتراءى حشد من الناس ينتظرون المخلص. وفي هذا السياق من استعادة حياة الناصري، ثمة لوحة رائعة لضياء العزّاوي، تنبري للعيان بأسلوب بين التجريد الهندسيّ والتشخيص، تتقاطع فيها المسطحات على شكل صليب غير متكامل، يشير الى عمق الألم على الأرض العربية. بين بغداد وفلسطين ثمة مسافة مصانة بأهداب الشِعر وخفقان القلب، والخيال السارح بين حروف القصائد، التي يستلهمها العزّاوي في مجموعة من اللوحات الزيتية (1976)، في صوغ يحيل الى أسلوبه الأخّاذ في التجريد، الى حيث المدى اللوني المبني على تراكم الآفاق وإلهامات الشعر والتقشف في البنية السردية للأشكال، التي تبدو كأجسامٍ مفكّكة مع عصافير مقتولة وأشياء مبهمة. ثمة العشرات من الأعمال الطباعية للعزّاوي في غاليري صالح بركات، تعكس ذلك الامتلاك للتاريخي- الاسطوري المُدمج بجروح الإنسانية وعذاباتها في صوغ تعبيري جميل، يؤكّد على ثراء تجربته الفنية وتنوع أدواته الفنية. تتمثل أحداث “نكسة حزيران” او عام الهزيمة (1967) ببعض الأعمال المقطوفة من خضم الإنتاج الفني العربي، من بينها لوحة “سقوط القدس” للفنان رفيق شرف، ذلك المتمرّد على الانكسارات الذي أيقظت الهزيمة العربية شعوره بالانتماء الى الشرق، كما أحدثت انعطافاً كبيراً في توجّهاته الفنية والفكرية، فضلاً عن رسم بالحبر الصيني للرسام الفلسطيني كمال لبلاطة (الأم والطفل)، ليأتي صدى هذه الأحداث المؤلمة وتداعياتها في لوحة للفنان عارف الريّس، التي تفتح مجال الرؤية على فضاء من لهب الجحيم، حيث حرائق شمس نارها يسطع في ليل الأزمنة. وفي المعرض عدد من الملصقات عن فلسطين، فضلاً عن عشرات الرسوم أبرزها للفنان توفيق عبد العال وإميل منعم، واللافت هو الأسلوب التبسيطيّ الشرقي الطابع الذي يتراءى في لوحة الشهيد (1976) للفنان فوزي بعلبكي. مصطفى الحلاّج- الهجرة- حفر على مازونيت- 1980 بين الواقع والخيال المدهش في المعرض مجموعة الأعمال الغرافيكية للفنان مصطفى الحلاج الملقّب بـ”شيخ الفنانين العرب”، الذي حيكت الكثير من الروايات حول حريق قسم كبير من إنتاجه في محترفه خلال القصف الإسرائيلي لبيروت العام 1982، وثمة من يعتقد بأنّ بعض الأعمال قد نجت وأودعها الفنان في عهدة أصدقائه المقرّبين، حين انتقل للعيش في دمشق التي مكث فيها حتى وفاته في حادث حريق مأساوي في محترفه (في مركز ناجي العلي) حيث كان يعمل هناك، أودى بحياته وقضى على قسم كبير من أعماله. رغم أنّه ينتمي إلى جيل التغريبة الفلسطينية، جيل حق العودة مِن قهر الشتات، لكن شهرة الحلاج ليست قائمة على كونه فناناً فلسطينياً واعياً بُعمق قضيته فحسب، بل لأنّ فنه مرتبط بالحفر على سطح الذاكرة، آخذاً الواقع المُعاش إلى آفاق ذات أبعاد ميتافيزيقية. فقد دمج بين ثقافات العالم القديم وحضاراته (الأساطير المصرية والرموز الكنعانية) في تشكيل سردياته ومقاماتها ما بين الحكاية والرمز، وما بين الواقع والخيال. فأعماله بطابعها السوريالي تستند إلى حدّ كبير على الرموز التي يفيض بها وجدانه (الهلال والعصفور والشمس والحصان والديك والثور…). لذلك تُعتبر أعماله ذات مناخات غرائبية ميثولوجية، غير انّها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحركة النضال الفلسطيني. أما رسوم برهان كركوتلي، فهي مثل قطع الدانتيلا، الموصوفة بشخصية متفرّدة، لها ملامحها التي لا تخطئها العين. لُقّب بحكواتي الثورة ورسامها، ولئن غلبت صفة “الفن الملتزم” على اعماله، فقد ظلت تحمل سمات فطرية تجعلها تقترب من الرسوم الشعبية التي تعجّ بالتفاصيل الزخرفية وكذلك من فن المنمنمات. انّه الفنان الدمشقي الذي رسم لفلسطين أكثر من أي موضوع آخر، حتى ظنّ الكثير بأنّه فلسطيني لإيمانه بالكفاح دفاعاً عن القضية، غير أنّ دمشق تركت تأثيراتها على ذاكرته البصرية بروافدها الجمالية ومخزونها المعماري والزخرفي. في رسومه تتصدّر المرأة مكانة رئيسية ومحورية، فهي رمز للنضال الفلسطيني والعمل الفدائي المسلح، ورمز للأرض وذاكرة الطفولة والعائلة. رسوم بالأسود والأبيض من اعمال الفنان برهان كركوتلي في المعرض تأتينا من المَغرب العربي لوحة للفنان محمد المليحي بأمواجها الملونة، ومن الجزائر لوحة غرافيكية حروفية من أناشيد رشيد القريشي، يقابلهما عملٌ تجهيزي من مرحلة الإعصار لعبد الرحمن قطناني، منفّذ بالأسلاك الشائكة في تشكيلٍ دائري نافر، يتراءى من بعيد مثل وردةٍ أو فوهة طوفان، أو كتحفة معاصرة. وفي سياق التجارب المعاصرة ايضاً تطلّ سلسلة لوحات تغريد درغوث، بأسلوبها التعبيري الذي يستدرج المشاعر الإنسانية نحو رمزية الفاجعة، من خلال تيمة قطع الكيان الغاصب لأشجار الزيتون على أرض فلسطين، للدلالة إلى مأساة الاقتلاع من الجذور. ولا نعرف ما إذا كان أسامة بعلبكي في رسم “الباب الخشبي القديم المغلق بسلسلة ذات قفل حديدي” أراد أن يفتح أَقْفال الماضي على ألم الهجران أو أن يختم جروح حق العودة. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post أعمال أدبية تستحق القراءة في 2024 next post رضوان السيد يكتب عن: المصائب «التي» لا تأتي فُرادى! You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024