أبولينير والرفاق بريشة ماري لورينسين (موقع الفن الفرنسي) ثقافة و فنون أبولينير الأب الشرعي لحداثة القرن الـ20 عاش 38 سنة كأنها دهر by admin 14 ديسمبر، 2023 written by admin 14 ديسمبر، 2023 151 “كحول” أتت لتذكر بأنه لم يكن مجرد مروج لثورة الحداثة بل واحد من صناعها الكبار اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في نهاية الأمر، وعلى العكس من أي انطباع قد تتركه مسيرة حياته لدى المهتمين بالأدب الحديث عند بدايات القرن الـ20، ولا سيما ما يتعلق منه بالشعر والنقد، لم يعش غيوم أبولينير (1880 – 1918) سوى 38 سنة، ومع ذلك عرف ذلك “الطفل النابغة”، بحسب تعبير ماري لورنسين، و”ذلك الملك غير المتوج للثقافة وللنقد الفني”، بحسب تعبير بابلو بيكاسو – والاثنان كانا من أقرب أصدقائه، عرف كيف يحدث رجة عميقة في دوائر الفن والأدب في فرنسا قبل أن تتوسع ثورته لتشمل مناطق واسعة من أوروبا. ربما لا يكون أبولينير بالنسبة إلى الشرطة الفرنسية سوى فرنسي من أصل أجنبي اتهم ذات يوم بمحاولة سرقة لوحة الموناليزا. وربما لم يكن بالنسبة إلى المهاجرين الروس سوى العشيق المفترض لسيدة روسية الأصل والأب غير الشرعي لابنتها إليزابيث إيبرهارت، التي ستصبح عاشقة الصحراء وتموت غرقاً في مياه الصحراء الجزائرية لاحقاً، وربما لم يكن بالنسبة إلى المجتمع المخملي الفرنسي سوى مغامر آفاق ذي شخصية غريبة ساحرة، لكن أبولينير، بالنسبة إلى عالم الفن والأدب هو أكثر من هذا بكثير، إنه المؤسس الحقيقي للحداثة الشعرية الفنية والأدبية، والمساند الأول لتجليات تلك الحداثة في عالم الاضطراب آنذاك. فلئن كان الهواة اكتشفوا عند بدايات القرن الـ20، لوحات بيكاسو وبراك وخوان غري فدهشوا بها، فإن جزءاً أساسياً من الفضل في هذا يعود إلى أبولينير الذي لعب دوره كناقد فني، بصورة كاملة وأسهم بذلك في خلق تيارات بأسرها. أما السورياليون فانهم، بعد رحيل أبولينير بسنوات سيظلون يعتبرونه الأب الشرعي لهم. لكيلا لا ننسى المهم غير أن هذا كله لا شك ينسينا جانباً لا بأس به من إبداع أبولينير الذي لكثرة ما ربط اسمه وفنه بالنقد والتاريخ والترويج للأفكار الجديدة والقلبات المسرحية الكبرى في عالم الإبداع، بات الأمر في حاجة إلى التذكير بين الحين والآخر بأنه، إضافة إلى ذلك كله، كان أيضاً شاعراً، بل ربما كان شاعراً قبل ذلك كله، بل ربما أن كل اهتماماته “الجانبية” لم تكن أكثر من تزجية الوقت بالنسبة إليه في انتظار ربات إلهامه يتحركن فتظهر تلك الأشعار العظيمة – بمقاييس حداثات القرن الـ20 بالتأكيد – التي هي عمله الأساس بعد كل شيء. ومن تلك الأشعار ما تضمه بالطبع مجموعته الكبيرة الأولى التي لا بد أن تعد دائماً فاتحة الحداثة الشعرية في زمن كل الحداثات: القرن الـ20، “كحول” التي صدرت بصورتها المتكامل، وللمرة الأولى في عام 1913 في باريس التي كان قد استقر فيها نهائياً منذ عام 1903 وكان بالكاد تجاوز الـ20 من عمره ويتطلع إلى الحصول على الجنسية الفرنسية لمجرد أن يخوض الحرب لاحقاً في صفوف الجيش الفرنسي. وما مجموعة “كحول” في نهاية الأمر سوى “نشيد إلى الحداثة” بدءاً من قصيدتها التي ستعد دائماً الأشهر، “منطقة”، وهي بدورها أنشودة تحيي باريس الجديدة الملتهبة التي ها هي طابعات الآلة الكاتبة يحللن فيها مكان ربات الإلهام القديمات. والحقيقة أن هذا التجديد في حد ذاته شكل ثورة مدهشة لن يفوت القرن الـ20 كله أن يعيش تحت حماها، حيث لن تنسى عبارة أبولينير التي أشار فيها إلى أن الرؤى الجديدة تحتاج إلى لغة جديدة، لغة نابعة من حياة الشارع اليومية. وهذا ما تعنيه بالتأكيد قصيدة أخرى كبيرة من قصائد المجموعة، “جسر ميرابو” حيث يقول ببساطة “يحل الليل وترن الساعة/ تذهب الأيام وأبقى”. وهي قصيدة تتلاقى هنا تماما مع تاليتها “أنشودة اللامحبوب” التي تضم لندن إلى باريس كمكان للكآبة يذرعه الشاعر بحثاً في شوارع مدينة الضباب ساعيا للعثور على “أزعر يشبه محبوبي”. غيوم أبولينير (1880 – 1918) (غيتي) لغة الأزقة المبتذلة هي في نهاية الأمر لغة الأزقة المبتذلة. اللغة التي لا تمت بصلة حقيقية إلى تلك الأرياف الانطباعية الحالمة والملونة التي كان النصف الثاني من القرن السابق (الـ19) قد عودنا عليها في الرسم خاصة، ولكن في الشعر أيضاً. فاليوم، في “كحول” نحن في مواجهة المدن وحثالتها وصراحاتها ولغتها الجديدة التي تتقدم من دون قفازات “اللهم إلا قفازات التحدي”، كما سيقول مارينيتي الذي سيكون في بياناته “المستقبلية” كثير من لغة أبولينير. والحقيقة أن مارينيتي كان من أبكر الذين أدركوا فحوى تلك المجموعة الشعرية الأولى، وقد نقول “المؤسسة” التي ذكرنا أبولينير عبرها بأنه واحد من سادة الشعر الكبار وليس فقط ناقداً وباحثاً “يروج” لمبدعين سلموه أمرهم وانطلقوا هم يجددون في قصائدهم ورسومهم متناسين أنه هو بالتحديد ليس فقط مروجاً لثورة حداثية، بل واحد من صناعها الكبار. مهما يكن في الأمر فإن أبولينير كان ابن عصره. كان من أوائل الذين اكتشفوا أن العصر الجديد هو عصر السيارة والتكنولوجيا والسينما والراديو، فكانت دعوته واضحة لأن تبذل الكتابة، والفن، كل ما في وسعهما من جهود لمواكبة هذا العصر ومستجداته. بدايات رمزية ولد أبولينير في عام 1880، وتلقى دراسة عادية، واتجه أول ما اتجه لكتابة الشعر متأثراً بغلاة رمزيي نهاية القرن الـ19 من أمثال فرلين وريمبو ومالارميه، وكان من شأنه أن يصبح على غرارهم شاعراً رمزياً مطبعاً رمزيته بشيء من الرومانسية، لولا أن بداية القرن الـ20 فاجأته بجديدها. ولولا أنه اكتشف ابتداءً من عام 1903، تلك الحلقة الفنية المؤلفة من رسامين، معظمهم أجانب مقيمون في فرنسا، كانوا هم في طريقهم لأن يصبحوا طليعة الحياة الفنية الفرنسية. وإذ جاء تعرف أبولينير على هؤلاء، وفي مقدمتهم بيكاسو وبراك، بالتواكب مع ارتباطه بالكاتب المسرحي العبثي الفريد جاري (صاحب “أوبو ملكاً”)، انقلبت حياة صاحبنا بأسرها، وأدرك أن الرمزية انتهت، وكذلك انتهى الفصل بين الفن والكتابة. فالرسم الجديد، التكعيبي خصوصاً، هو شعر أيضاً وشعر مميز. ومن هنا تمازجت لديه ضروب الإبداع تلك وبدأ يكتب النقد ويتابع الحياة الفنية الجديدة بالنقد والتحليل. وفي الوقت نفسه راح يمارس، ويدعو إلى، نوع من الشعر والكتابة التكعيبيين، وفيهما تتجاور الأفكار والتعابير في دعوة إلى القارئ لكي يقيم توليفاً يشارك عبره الشاعر (والكاتب) إبداعه. بالنسبة إلى أبولينير كانت تلك هي لغة العصور الجديدة. ومن هنا ما يقال دائماً من أن هذا الكاتب والشاعر والمغامر الأفاق قد رج الحياة الثقافية بأفكاره الرديكالية حول “دور الأدب” وحول تفوق الحقيقة على الجمال. بالنسبة إليه – وعلى عكس الرمزيين، معلميه القدامى، لا معنى للفن إن لم يكن حقيقياً. وهذا الشعار هو الذي جعل كثيرين يعتبرونه على رغم صغر سنه، الوالد الشرعي للجماليات الجديدة، تلك الجماليات التي راحت – على لسان أبولينير – تطالب الشعر بأن يسبر أغوار كافة سمات الحياة والحقيقة، ويعبر عنها بلغة معاصرة، حديثة ومفهومة. كان أبولينير مؤمناً بأن على الشعر أن يستغل الأفكار الجديدة لكي يتماشى مع العالم الحديث. والعالم الحديث كان بالنسبة إليه عالماً تتواكب فيه الفنون. وكان يرى خصوصاً أن فن السينما الذي يجمع الفنون كافة، سيكون له شأن كبير مع مرور الزمن. غزارة في الإنتاج لقد عرف غيوم أبولينير كشاعر وكاتب قصص وكاتب مسرحيات أيضاً (واحدة من مسرحياته وعنوانها “حلمات ترزياس” لا تزال تعد حتى الآن أول مسرحية سوريالية)، لكنه إضافة إلى ذلك كله، كتب أيضاً المئات من المقالات النقدية وفي كافة الفنون، ولا سيما في الفن التشكيلي، حيث تدين له الحياة الثقافية، حتى اليوم، بأفضل ما كتب عن التكعيبيين. وإضافة إلى ذلك، أيضاً، ترجم أبولينير عديداً من النصوص وكتب مقدمات كتب. كان يكتب كثيراً وبكثافة وسهولة، وفي كل مكان، بما في ذلك خنادق الحرب العالمية الأولى التي خاضها مجنداً وأصيب خلالها بجرح في رأسه ما أن شفي منه حتى أصابته إنفلونزا إسبانية عنيفة سرعان ما قضت عليه يوم التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1918. المزيد عن: غيوم أبولينيرالحداثةبابلو بيكاسولوحة الموناليزا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الغجر أو”الهناجرة” المنبوذون في مصر يعودون الى الضوء next post الذكاء الاصطناعي موشك على تغيير علاقتنا بالهواتف إلى الأبد You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024