سارة برنار تؤدي دور فيدرا في مسرحية راسين (موقع المسرحية) ثقافة و فنون “فيدرا” الإغريقية أغرت راسين وبروست وزولا ودوبروفسكي by admin 31 أكتوبر، 2023 written by admin 31 أكتوبر، 2023 126 وجد الكتاب الفرنسيون في مسرحية يوريبيدس العمل الأكثر معاصرة في تراث اليونان القديم اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب حتى وإن كانت مسرحية “فيدرا” كما كتبها يوريبيدس أكثر من مرة في أزمنة المسرح الإغريقية المجيدة، تنطلق كغيرها من مسرحيات ذلك التراث، من الأساطير التي تهتم أكثر ما تهتم باللعنة والأقدار وهبوط الإنسان إلى جحيمه، فإن هذه المسرحية، وتحديداً كما أعاد جان راسين أحد أكبر التراجيديين الفرنسيين في القرن السابع عشر الاشتغال عليها، بدت للمحدثين مسرحية شديدة الحداثة بمعنى أن موضوعها يكاد يلامس الحياة الحميمة لشخصياتها حتى ولو نحينا أسطوريتها جانباً، ومن هنا لم يكن غريباً أن تحضر فيدرا، الشخصية كما تحضر “فيدرا” المسرحية بكل وضوح في سياق أعمال روائية وغير روائية وغالباً من منطلق تفسيري كما سنرى بعد سطور، وتحديداً من خلال ما لايقل عن ثلاثة كتاب فرنسيين كبار يمكن القول إن كل واحد منهم قد استلهمها بصورة مباشرة في عمل واحد على الأقل من أعمالهم، فمن إميل زولا إلى سيرج دوبوفسكي مروراً بـ”شيخ الحداثة الروائية الأوروبية” عند بدايات القرن العشرين، يمكننا أن نلاحظ حضوراً بيناً لفيدرا بالمنظورين اللذين أشرنا إليهما، من خلال تشابه ما بين أحداث ترويها الروايات الحديثة، ولكن بشكل أكثر لفتاً للنظر، من خلال حضور المسرحية نفسها كعرض في لحظة حاسمة من تلك الأحداث. علاقة محرمة قبل الانتقال إلى الحديث عن الروايات الثلاث التي نتناولها، وباعتبارها الأشهر والأهم بين جملة أعمال أخرى معاصرة لها تدنو من مسرحية “فيدرا” وشخصيتها بشكل أو بآخر، لا بد من بضعة سطور تذكر بعم تتحدث المسرحية في أصلها الإغريقي، بكل بساطة عن تلك اللعنة العائلية التي تلقي بظلها الكثيف والقاتل هذه المرة، على فيدرا تلك الصبية التي زوجت من الملك تيزياس، لكنها سرعان ما وجدت نفسها هائمة من زواج سابق، بابنه هيبوليت، من ناحية استجابة للهيب العاطفي الذي استشعرته منذ اللحظة الأولى التي رأته فيها، وبعد ذلك من جراء انشغال زوجها بحروبه ما يجعله دائم الغياب عنها مهملاً لها، ومن هنا تعيش فيدرا نوعاً من علاقة محارم مع هيبوليت الذي كان من شأنه أن يكون ابنها على رغم تردد الشاب إن لم يكن تعففاً فخوفاً من بطش أبيه، وكان حدس هيبوليت في مكانه إذ سرعان ما انكشف أمر علاقته بزوجة أبيه، فما كان من الأب إلا أن أمر بقتله ظلماً بالتأكيد ما وضع حداً لحياة فيدرا بدورها. وطبعاً لسنا في حاجة هنا إلى مواصلة الحكاية، ليس فقط لأن بقية الأحداث معروفة، بل أيضاً لأن المهم هو ذلك اللهيب الذي حرك عواطف تلك المرأة. بين راسين وزولا وذلك اللهيب هو ما استوقف الكتاب الثلاثة الذين استلهموا “فيدرا”، ولكن نقلاً عن راسين وليس عن يوريبيدس بالنظر إلى أن كاتب عصر لويس الرابع عشر، كان على أية حال ضئيل الاهتمام بالبعد الأسطوري للحكاية، لكنه في المقابل كان بالغ الاهتمام بالبعد الواقعي وبسيكولوجية تلك العاشقة. وهذا الاهتمام الأخير هو ما جعل “فيدرا” كما اقتبسها جزءاً أساسياً من مخزون المسرح المعاصر لا سيما وأن معظم الذين اشتغلوا على أعمال لهم من خلالها ابتعدوا في تلك الأعمال عن الصيغة والدلالات الإغريقية متوقفين عند العصرنة التي قام بها راسين مفتتحاً أزمنة عصرية في التعامل مع المرأة. وكان ذلك ما دفع إميل زولا في عام 1895 وهو يكتب الرواية الثانية “النهمة” – من سلسلته “آل روغون – ماكار” المؤلفة كما نعرف من نحو عشرين رواية منفصلة الأحداث ومتصلتها بشكل أو بآخر، التي تتابع زمناً طويلاً من حياة عائلة تعيش التقلبات الاجتماعية والسياسية في فرنسا زمن الإمبراطورية الثاني، دفعه ليس فقط إلى أن يجعل حكاية غرام رينيه زوجة سيكار، بابن هذا الأخير مكسيم، متطابقة إلى حد كبير مع حكاية فيدرا/ هيبوليت، غير أن هذا التطابق لن يمر هنا مرور الكرام، بل سيتجلى من خلال حضور رينيه ومكسيم في مسرحة راسين التي قدمت على “المسرح الإيطالي” في باريس بلغة دانتي ومن بطولة سيدة المسرح الإيطالي في ذلك الحين آديلاييد ريستولي. واللافت هنا هو أن رينيه التي تتقن الإيطالية تتجاوب مع المسرحية وتفهم حواراتها بينما يبقى مكسيم في منأى عن الصدمة التي تحدثها المسرحية في رفيقة سهرته، وذلك في لحظات عديدة من فصول المسرحية، حين تحترق رينيه بفعل ما تعانيه وهي تراه مجسداً على خشبة المسرح وقد بات هذا مرآة لحبها ومعاناتها ويقظة ضميرها ومخاوفها. باختصار، للمأساة التي كانت تعرف أنها تعيشها، لكنها لم تكن مدركة حجمها وفظاعتها قبل ذلك. مارسيل بروست: من ألبرتين إلى فيدرا (غيتي) …ومارسيل بروست أيضا شيء مثل هذا نجده في الجزء المعنون “ألبرتين تختفي” (1913 – 1927) من الأجزاء العديدة التي تتألف منها رواية مارسيل بروست الكبرى “البحث عن الزمن الضائع”. وهنا لدى بروست لن يفوت القارئ أن يرصد كيف أن ذكر مسرحية راسين يكاد لا يغيب عما يرويه في هذا الجزء من أحداث تتقاطع مع حياته وضروب معاناته في الوقت الذي تستخدم لغة المسرحية أيضاً كـ”سند جمالي” همه تعزيز حضور الجماليات اللغوية والخطاب الغرامي في أدب الكاتب الكبير، الذي من الواضح أن تلك اللغة هي أكثر ما يهمه هنا، لكن استخدام “فيدرا” هنا لا يقتصر على ذلك، بل إنه يمثل بالنسبة إلى الراوي نوعاً من مرآة تعانق حكايتي غرام عاشهما هو الآخر ولا يتوقف عن استذكارهما من ناحية مع غيلبرت ومن ناحية أخرى مع البرتين نفسها، ويتفجر ذلك كله من خلال ما يروى لنا من عرض باريسي لمسرحية “فيدرا” يعلق عليه في مقالة لافتة الصحافي بارغوت الذي كثيراً ما يذكر لدى الحديث عن لوحة للرسام الهولندي يان فيرمير هي “مشهد من دلفت” حيث يروي لنا بروست في الرواية الكبرى كيف أنه وقع ميتاً بعدما شاهد اللوحة في معرض باريسي بدوره، أما العرض المسرحي الذي يروى لنا في “البرتين تختفى” فيتعلق بقيام سيدة المسرح الفرنسي الشهيرة لابارما بأداء الدور وحضور الراوي للمسرحية من تأديتها ما يفتح ذاكرته على تلك المأساة المزدوجة التي عاشها وتكاد تشبه مأساة فيدرا… معالجة معاصرة أما بالنسبة إلى الرواية الثالثة فهي تبدو أكثر حميمية حيث إننا هنا في إزاء رواية للكاتب والناقد دوبروفسكي عنوانها “ابن” كتبها في عام 1977 لتصنف حينها، من قبل النقد الفرنسي على الأقل بوصفها أول رواية تدخل صنفاً أدبياً سمي بالترابط معها للمرة الأولى “تخييل الذات” بوصفه نوعاً أدبياً جديداً ينهل الكاتب أحداثه من حياته الخاصة مستطرداً في وصف وقائع تلك الحياة، ولكن مرفقة بنوع من تفسيرات واستنتاجات قد لا تكون هي نفسها ما يستنتجه القارئ. هو نوع من السيرة الذاتية في نهاية الأمر لكن كاتبه يعطي نفسه حريات أوسع كثيراً من تلك التي يسمح بها لنفسه كاتب تلك السيرة. وتدور “أحداث” هذه الرواية في نيويورك من خلال أستاذ أدب فرنسي يعيش هناك تلك المرحلة من حياته منصرفاً إلى تدريس طلابه أعمالاً أدبية فرنسية لا شك أنه لم يكن من الصدفة بالنسبة إليه أن تكون “فيدرا” راسين ليست فقط على رأسها، بل هي التي يستخدمها في مرجعية لا يتوقف عن اللجوء إليها والعودة إلى الغوص فيها حتى حين يكون منصرفاً إلى تحليل أعمال أدبية أخرى، وذلك ما يكشف له بسرعة، كيف أنه في نهاية الأمر بات مهووساً بذلك العمل الأدبي الكلاسيكي بالنظر إلى ما فيه من تقاطع مع علاقته بأمه، العلاقة التي سوف نكتشف و(يكتشف هو معنا) أنها كانت السبب الحقيقي الذي جعله يختار الابتعاد إلى نيويورك، بعدما كان يغيّب ذلك الدافع مبعداً إياه إلى عمق ضروب نسيانه، ثم ها هي المسرحية تعيده إليه، بل بخاصة من خلال أسئلة لطلابه الذين لاحظوا مستغربين هذا الهوس الذي يتملك بفيدرا… فيدرا الشخصية و”فيدرا” الراسينية في الوقت نفسه. المزيد عن: يوريبيدسمسرحية فيدراالمسرح الإغريقيجان راسينإميل زولامارسيل بروست 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تأمين صحي لكل السعوديين مدى الحياة في 2024 next post العمارة العربية تبحث عن هويتها في الحداثة الاستشراقية You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024