من تقديم معاصر لأوبرا تتويج بوبيا (موقع الأوبرا) ثقافة و فنون لماذا ارتضى مونتفردي المشاركة في تلحين رواية “لا أخلاقية”؟ by admin 6 أكتوبر، 2023 written by admin 6 أكتوبر، 2023 80 أسئلة مستنكرة وحائرة حول “تتويج بوبيا” إحدى الأوبرات الكبيرة الأولى في تاريخ هذا الفن اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب لم يكن كلاوديو مونتفردي (1567 – 1643) موسيقياً كبيراً رائداً، وواحداً من أوائل رجال الدين الذين غاصوا في الموسيقى الدنيوية تنظيراً وممارسة وتلحيناً على وجه الخصوص، بل كان كذلك واضع أول أوبرا في تاريخ هذا الفن، في مجاله الغربي على الأقل. فمن المعروف طبعاً أن أوبراه “أورفيو” كانت الأوبرا الأولى التي أخرجت الغناء الجماعي والفردي من عالم الأوراتوريو الترتيلي والكنسي إلى عالم الأداء الدرامي المستند إلى المسرح في امتزاج بدا غريباً أول الأمر، مع الموسيقى والديكورات الفخمة وما شابه ذلك، ومن هنا يسود السجال في أوساط النقد والتاريخ الموسيقي المعاصر من حول واحدة من أولى الأوبرات الكبرى التي تنسب عادة إلى مونتفردي، ولئن كان السجال الأساسي هنا يدور من حول سؤال يجد مشروعيته في ما تركته لنا المدونات التاريخية ويتعلق بالجزء الذي يمكن عزوه إلى هذا الموسيقي المؤسس من الجزأين المختلطين اللذين تتألف منهما “أوبراه” المعروفة باسم “تتويج بوبيا” التي يُنظر إليها أحيانا بأنها العمل المتكامل الأول الذي أسس ذلك المسرح الموسيقي الشامل متفوقة حتى على “أورفيو“، فما هذا إلا لأن العمل نفسه يحمل توقيعاً ثانياً لموسيقي لم يحفظ لنا تاريخ هذا الفن لا إسمه ولا أية أخبار موثوقة تتعلق به، لكنه يخبرنا أنه كان مشاركاً لمونتفردي في تلحين تلك الأوبرا، والسؤال التالي والمنطقي هو إذاً: وما هو الجزء الذي يدين لذلك الشريك الغامض من ألحان “تتويج بوبيا”؟ الشراكة مع شاعر سيئ السمعة غير أن ذلك السؤال الأساسي يولد أسئلة ثانوية تكاد الإجابات المفترضة عنها أن تكون محاطة بقدر كبير من الألغاز وضروب الغموض، ولعل أهمها بالتالي هو ذلك المتعلق بمعرفة أي من المخطوطين الموروثين لتلك الأوبرا واللذين عثر على أحدهما محفوظاً في نابولي والآخر في البندقية، هو الأصح والذي يمكن نسبته إلى مونتفردي علماً بأن ثمة بين المخطوطين فروقات كثيرة في الأسلوب وطريقة التدوين والخط حتى، ما حير المعنيين دائماً، بيد أن الأهم من ذلك كله، والذي يخرج عن نطاق التفاصيل الفنية والتقنية، يكمن في مكان آخر: ترى كيف حدث لذلك الموسيقي الكبير الذي كان في الوقت نفسه معلماً محترماً في كنيسة القديس ماركوس في البندقية أن تلاقى مع ذلك الشاعر السيئ السمعة والمسلك الذي كانه توماسو بونيلا لينهل منه النص الشعري الذي بنى عليه أوبراه، ناهيك بأن النص نفسه لا يبدو بأية حال من الأحوال جديراً بأن يكون قد لفت نظر مونتيفيردي حقاً؟ ثم، يتابع المتسائلون باحثين عما إذا كان ذلك النص حقاً نصاً لا أخلاقياً كما جرت العادة على النظر إليه واعتباره “شواذ” في مسيرة الموسيقي الكبير، أم أنه على العكس من ذلك إنما كان في جوهره نصاً وعظياً أخلاقياً رعته النخبة المثقفة في البندقية وطلبت من مونتيفيردي تلحينه كنوع من “أمثولة أخلاقية فينيسية همها أن توجه الإدانة إلى أقوياء يستخدمون جبروتهم لاستغلال الضعفاء” كما قد يمكن تفسيرها، من ناحية جدلية على الأقل. وتفسيرها هذا يأتي بالطبع من التاريخ المعروف وليس من داخل العمل نفسه. كلاوديو مونتيفيردي (1567 – 1643) (غيتي) بين الفن والواقع التاريخي فإذا كان النص المستخدم في تلحين تلك الأوبرا يختتم على انتصار للشر يتمثل في اقتران نيرون في نهاية الأمر بمحبوبته بوبيا التي كانت قد أمضت وقتها طوال أحداث الأوبرا وهي تمارس شرها متسلطة على من هم أضعف منها، فإن الجمهور كان يعرف، من تاريخ تلك الحكاية في واقعها الحقيقي، أن نيرون نفسه، بعد الأحداث التي تختتم الأوبرا غضب من محبوبته هذه وضاق بتصرفاتها وشرها إلى درجة أنه لم يتورع ذات لحظة عن ركلها بقدمه في بطنها ما أجهز عليها فوراً، والحقيقة أن هذا كله لا شك يعتمل في ذهن المرء وهو يشاهد اليوم هذه الأوبرا التي يمكن اعتبارها العمل الذي يقدم في صالات العالم الأوبرالي أكثر من أي عمل آخر لمونتفردي بما في ذلك تحفته “أورفيو” وعلى الأقل منذ نحو 60 عاماً من الآن حين اشتغل الموسيقي نيكولاوس هارتونكور على صياغة لها جمعت بين المخطوطين اللذين أشرنا إليهما، فاتخذت الأوبرا منذ ذلك الحين صيغتها التي اعتبرت نهائية في توليفتها، ولكن دون حل المعضلات الأخرى التي تجابه تاريخها والمتعلقة في الأقل بمسألتين أولاهما: كيف قيض لرجل كنيسة أن يسبغ موسيقاه الرائعة على عمل ينتهي بانتصار الشر على الخير في ممارسة لم تكن معهودة في ذلك الحين؟ والثانية هي بالطبع تلك التي تحيلنا إلى السؤال الأخلاقي الذي طرحناه أول هذا الكلام، حتى ودون أن نملك معلومات كافية حول “شريك” مونتفردي في تلحين هذا العمل، فهل يمكننا هنا مزج المسألتين للافتراض بأن تدخل ذلك “الشريك” إنما كان هنا بالتحديد، أي إنه هو، ولأسباب يصعب توضيحها عند المستوى الحالي من البحث التاريخي، اجتزأ الحكاية ليتوقف عند نهاية رآها مناسبة لأفكاره، دون رضى مونتفردي، أو حتى دون معرفته؟ ثم ما الذي كانه دور الشاعر بونيلا في ذلك التوقف وهو الذي كان معروفاً بتهتكه وسعيه الدائم إلى مخالفة المواثيق الاجتماعية والتعاليم الكنسية؟ إجابات غائبة الغريب في الأمر أن اللجوء إلى التمعن في سير مونتيردي العديدة المتوافرة، لا يعطينا أية إجابات عن هكذا أسئلة، فهل معنى هذا أن تلك الـ”التجديدات” التي ربما تكون في نهاية الأمر، اختصارات بالأحرى، تمت بعد رحيل مونتفردي؟ وفي مثل هذه الحال، أين كان ورثة ذلك الفنان الكبير؟ ولماذا لا نجد أثراً لتدخل الكنيسة التي كان مونتيفيردي ينتمي إليها في الأمر؟ الحقيقة أن هذا كله يبقى غامضاً، والغريب هنا هو أن حكاية مثل هذه كان من شأنها في الأقل، خلال الستين عاماً التي مرت حتى الآن على البدء في “إعادة اكتشاف” أوبرا “تتويج بوبيا”، أن تفتح ملفاً متكاملاً يشغل عالم الفن وأهله فكيف لم تفعل؟ ولماذا يُكتفى عادة بالعودة الخجولة إلى حد كبير، إلى الاكتفاء بطرح مثل الأسئلة التي نطرحها هنا، فقط لمناسبة صدور إسطوانة تضم تسجيلاً جديداً لهذه الأوبرا، أو لمناسبة إعادة تقديم لها؟ وما هذه على أية حال سوى أسئلة إضافية تزيد الغرابة غرابة. وبقي أن نعود هنا إلى بدايات هذا العمل الذي لم يقدم للمرة الأولى إلا في عام 1642 قبل عام من رحيل مونتيفيردي وعلى خشبة مسرح القديسين جوفاني وباولي في البندقة، وفقط بعد ذلك بتسعة أعوام في نابولي، ما يفسر وجود مخطوطين مختلفين إلى حد كبير للعمل نفسه، وربما يفسر البعد “اللا أخلاقي” الذي يسم التقديم الثاني دون أن يكون التقديم الأول مطبوعاً به، ما من شأنه أن يلقي أضواء كاشفة على القضية برمتها! …وماذا عن الموسيقى؟ ومهما يكن من أمر يمكن موافقة النقاد والمؤرخين الذي يقولون دائماً إن هذا العمل بصرف النظر عن أشعاره وحبكته، أخلاقية كانت أو غير أخلاقية، وبوصفه العمل الكبير الذي لحنه مونتفردي قبل موته، يظل واحداً من أعماله الأكثر نضجاً وجمالاً من الناحية الموسيقية كما من ناحية هيكلته للشخصيات ورسمه العلاقات بين آلهة الرومان وأهل البلاط في عاصمتهم أيام نيرون الذي تدور الأحداث في بلاطه ومن حول المؤامرات والمناورات التي تحيكها بوبيا للوصول إلى عرشه… وهو ما تفلح فيه في نهاية الأمر لتختتم الأوبرا على ذلك الفلاح، لكنه سرعان ما يكلفها غالياً: يكلفها حياتها التي ضحت بكرامتها كامرأة وبمن حولها كي تصل بها إلى أعلى الذرى كما يقول لنا التاريخ، لا سياق الأوبرا كما أشرنا. المزيد عن: الموسيقي كلاوديو مونتفرديالموسيقى الكلاسيكيةالأوبراأوبرا تتويج بوبيا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post جيهان فرحات تعيد قراءة التراجيديا الاغريقية والميثولوجيا next post لماذا أوقف السادات “المنتصر” الحرب ضد إسرائيل؟ (2) You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024