مشهد من فيلم بطن المهندس (موقع الفيلم) ثقافة و فنون عن عمران روما وآلام المبدع الأميركي وإحباطاته المباغتة by admin 23 سبتمبر، 2023 written by admin 23 سبتمبر، 2023 46 حكايات الأباطرة ومعرض عن العمراني القريب من النازية تكشف للمهندس خواء حياته اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب إذا كانت السينما قد دنت طوال مسارها الطويل والمجيد حتى الآن، من مختلف الشؤون الفنية كالمسرح والموسيقى والرسم وما إلى ذلك، فإن دنوها من فنون الهندسة المعمارية وعلى الأقل في أفلام كبيرة يمكن المرء أن يتوقف عندها، كان أقل بكثير. ومع ذلك ثمة تاريخ لا بأس بطوله، يتعلق بحضور تلك الهندسة في الفن السابع وربما منذ بداياتها المبكرة، وليس فقط كديكورات. فمثلاً في أفلام مثل “عيادة الدكتور كاليغاري” لروبرت فايني أو “متروبوليس” لفريتز لانغ، والإثنان تعبيريان ألمانيان يعودان إلى عهد السينما الصامتة حين كان البعد البصري يلعب دوراً أساسياً في الفعل السينمائي، يُفرَد للهندسة دور أساسي، ليس فقط في شكل الفيلم بل في مضمونه أيضاً وعلى أية حال في جوهر ما يريد قوله، لكن الظواهر من هذا النوع تبقى ضئيلة لا يصل عدد أفلامها ولو إلى نسبة ضئيلة من أفلام تخصص للرسم أو الموسيقى أو غيرهما من الفنون. ومن هنا كان لافتاً دخول السينمائي الإنجليزي بيتر غريناواي على الخط حين انتقل من الفن التشكيلي إلى تحقيق الأفلام السينمائية في سبعينيات القرن العشرين، حيث كان من ضمن مآثره الاهتمام اللافت بتحقيق أفلام تتحدث عن شؤون تتعلق بالعمران مباشرة، ليس في المعنى التوثيقي للكلمة بل ضمن إطار البعد الدرامي نفسه. وإذا كان غريناواي قد عبر عن ذلك في أفلام تعتبر علامات في هذا المجال، مثل “عقد المصمم” و”الطباخ واللص وزوجته وعشيقها” و”الغرق من طريق الأعداد” كل منها تحفة في مجاله، فإنه أوصل حضور الهندسة المعمارية في سينماه إلى ذروته في فيلمه البديع “بطن المهندس” الذي جعل الفن العمراني موضوع الفيلم وشكله بل مبرر وجوده حتى. حدث داخل عمران روما والحقيقة أنه قبل الدخول إلى عالم هذا الفيلم، لا بد من الإشارة إلى أنه إذا كان المرء عاشقاً لمدينة روما وما تمثله في تاريخ الحضارة، فإنه سيقف طوال الفيلم، وحتى بصرف النظر عن موضوع الفيلم مع أن الموضوع يلتصق كل الالتصاق به، يقف مفتوناً بلقطات غريناواي ومشاهده الرائعة من الناحية التشكيلية، والتي ليس لديها ما يمكن أن تحسد عليه نصيب الهندسة في سينما أيزنشتاين أو كوبريك على سبيل المثال، بحسب واحد من الذين علقوا على الفيلم. فبعد كل شيء ما حاول غريناواي عمله هنا إنما هو تحويل المدينة التي تعتبر من أجمل مدن العالم عمراناً لتكون شخصية في الفيلم في حد ذاتها. بل شخصية تضيع في داخلها الشخصيات. ففي النهاية، كل شيء هنا هو قيد البناء كما قيد التفكيك: وبالتالي فإن الاستعارة التي يشكلها وجود المهندس المعماري في الفيلم، قائمة وليس فقط للتأكيد على مدى عدم أهمية التقدم للحدث المقصود لذاته في انعكاسه على هذا المهندس بل كمدخل لتصوير ما يعيشه من ميل إلى تدمير الذات. والمهندس الذي نعنيه هنا هو الأميركي ستورلي كراكليت الذي ينعكس وجوده في روما لبعض الشؤون المهنية بشكل ينعكس على علاقته بزوجته ومجمل الآخرين كما على صحته وحياته نفسها طوال القصة. ولكن ما الذي يفعله هذا المهندس هنا في هذه المدينة التي ويا للغرابة! تكاد روعتها العمرانية تكشف له خواء حياته؟ بيتر غريناواي: من الرسم إلى السينما فالهندسة (أ ف ب) خلفيات معرض عمراني ببساطة لقد أتى كراكليت إلى روما مصطحباً زوجته لكي يتولى الإشراف على معرض عالمي يقام لأعمال عمراني ينتمي إلى بدايات القرن العشرين، هو الفرنسي إتيان لوي بوله – وهو شخصية حقيقية على أية حال -. ولكن منذ وصول الأميركي وزوجته ومن ثم التقائهما في ما يبدأ الاشتغال على المشروع، مع عمراني محلي ينطلق منذ البداية للحومان حول الزوجة، يبدأ كل شيء بالانهيار في عالم كراكليت وليس بالمعنى النفسي والأخلاقي فقط بل بالمعنى الصحي أيضاً. ولا سيما منذ تبدأ الشكوك تساوره بالنسبة إلى جانب من حياة لوي بوله وعمله وتتعلق تحديداً بمشروعية النظر إلى هذا العمراني بكونه يستحق المكانة التي يوضع فيها، ولا سيما من خلال المعرض التكريمي نفسه. وذلك لـ”اكتشاف” الأميركي بالتحديد أن سلفه الفرنسي الكبير كان دائماً مصدر إلهام للعمراني الألماني النازي ألبيرت سبير الذي عُرف بارتباطه مع هتلر وتعاونه مع موسوليني في الوقت نفسه. وهكذا بالتوازي مع بدء انهيار أسطورة بوله التي كان مهندسنا الأميركي قد بناها لنفسه كمصدر وحي له، من الناحية الأخلاقية على الأقل، تبدأ جملة من آلام فعلية عنيفة تنتابه ولا سيما في معدته. التماهي مع بوله وهو في هذا إنما يتماهى على أية حال مع ما عرف عن لوي بوله نفسه من آلام مماثلة. وانطلاقاً من هنا، تتضافر الآلام والإحباطات في الحياة اليومية التي يعيشها بوله في روما. وهي تهاجمه ليس فقط حين يكون وحيداً، بل خاصة حين يقوم بالتجوال بين المباني الرومانية العريقة. فهناك يشعر بأعلى درجات الخواء. ويفكر عميقاً في حركة التاريخ التي تجعل “كل شيء محكوماً عليه بالفشل منذ البداية، مثل انحطاط الأباطرة الرومان، الذين يتم الاستشهاد بهم بانتظام طوال الفيلم؛ حيث تبعث فيه ذكرى هادريان الأول، ولكن أيضاً أغسطس أو كركلا، صورة جميلة ولكن… للهلاك”. وينتابه بقوة الشعور بأن أعمالهم الكبرى (من الكولوزيوم بالطبع، إلى البانثيون) ليست في حقيقتها سوى قبور بالكاد تتمكن من تمويه كينونتها هذه. أما ما يلح على المهندس الأميركي طوال الوقت فهو بالطبع ذلك المعرض الذي يشكل بعد كل شيء، العنصر الأساسي الآخر في القصة: المعرض الذي يعيش من أجله كراكليت في روما. والذي لم يرض كراكليت بالإشراف عليه أصلاً إلا ليقينه من أن صاحبه كان ثورياً حقيقياً. أما الآن فها هو يشك في كل شيء، شكّه طبعاً بزوجته التي لا تهتم الآن بما ينتابه قدر ما تهتم بذاك الذي بات غريمه وسيكون قاتله في نهاية الأمر. ومن هنا وبقدر ما يكتشف كراكليت أكثر وأكثر تفاصيل حياة بوله يزداد تماهيه معه إلى درجة أنه يستوعب هواجسه، وأهمها الوسواس المرضي، ومن هنا آلام المعدة التي تعذبه طوال الفيلم، والتي لن ينتبه كثيراً إلى أنه إنما استعارها في نهاية الأمر من بوله نفسه. الزوجة تسمم زوجها ويفاقم هذا ما سـ”يكتشفه” كراكليت من خلال استعادته تاريخ الإمبراطور الروماني أوغسطوس أن زوجة هذا الأخير ليفيا كانت هي التي قتلته بالسم لكي يخلو لها الجو مع عشيق لها. وهنا فوراً وفي لحظة إشراق كئيبة، ينطلق تماهي كراكليت من عشيق زوجته إلى الإمبراطور نفسه ليبدأ هاجساً جديداً فحواه أن زوجته هذه إنما هي في الحقيقة تقمص لليفيا، وها هي بالتالي تسعى لتسميمه!… “ولو بزعم إنقاذه من آلامه المعوية المبرحة”. ولعل اللافت أكثر من أي شيء آخر هنا هو أن هذه الفكرة تستبد بكراكليت فيما يتجول في قصر “الريزورجيمنتو” الذي بناه الملك فكتور عمانوئيل مشرفاً من عليائه على روما في القرن التاسع عشر. والحقيقة أن دخول هذا القصر على خط هواجس المهندس وآلامه، يجعل منه، أي من القصر نفسه، شخصية مركزية وعلى الأقل في مجال فهم نية المؤلف: ففي الواقع، هو أولاً وبالتأكيد أهم نصب تذكاري للشعب الإيطالي لأنه يرمز إلى الوحدة الإيطالية في أعقاب الجهود العديدة التي بذلها فكتور عمانويل. وثانياً، هو على هذا النحو مثال جيد للبناء وربما بالمعنى المجازي ما يجعل له الموقع المركزي في الفيلم، مادياً لأنه يسمح بإطلالة على المنتدى الروماني أو كاتدرائية القديس بطرس أو حتى الكولوزيوم، بالتالي فهو يجمع بين العصور القديمة وعصر النهضة والحداثة، ولكن أيضاً ثانياً ومعنوياً، بوصفه المكان المركزي لـ”الحدث” الخاص بالمعنى الأخلاقي. ما جعله وفي الوقت نفسه يعيدنا إلى البداية (المعرض) ليوصلنا بعد ذلك مباشرة إلى نهاية كراكليت. المزيد عن: فن العمارةروماالسينما والعمارةالسينمائي الإنجليزي بيتر غريناواي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “مايكروسوفت” تزود “بينغ” بالذكاء الاصطناعي في البحث عن الصور next post المحقق بوارو يتعامل مع الخوارق في فيلم الرعب “مطاردة في البندقية” You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024