أورسون ويلز (1915 – 1980) (أ ف ب) ثقافة و فنون شكاوى العملاق أورسون ويلز من معاناة “شكسبيريات السينما” by admin 15 سبتمبر، 2023 written by admin 15 سبتمبر، 2023 55 الفنان الذي أعطى المغرب سعفة ذهبية بفضل “عطيل” اقتبس فيلمين فقط عن الكاتب المسرحي الكبير اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب هناك بالتأكيد ما يصل عدده إلى 500 مخرج سينمائي، وما يوازيهم من تقنيي التلفزيون انكبوا في مناطق عدة من العالم ومنذ البدايات الأولى لفنون الصور المتحركة، على اقتباس مسرحيات شكسبير للشاشة الكبيرة ثم لأختها الصغيرة، ومع ذلك يعتبر الفنان الأميركي الكبير أورسون ويلز “السينمائي الشكسبيري الأول بلا منازع” مع أنه لم يحقق طوال مساره سوى فيلمين عن مسرحيتين لشكسبير هما “ماكبث” و”عطيل”، إضافة إلى فيلم عنوانه “فالستاف” مقتبس عن مسرحيات شكسبيرية عدة، وشريط وثائقي عن “تصوير عطيل”. والحقيقة أننا بالنسبة إلى ويلز أمام متن سينمائي ضئيل إذا ما قارنا إنتاجه هذا بما حققه لورانس أوليفييه أو فرانكو زيفريللي أو كنيث براناغ أو حتى الروسي كوزنتسيف في المجال الشكسبيري. وقد تسري هذه المقارنة الكمية كذلك على مقارنة نوعية يتبين من خلالها أن من بين السينمائيين الشكسبيريين الآخرين من كانوا أكثر نجاحاً بل حتى تجديدية من أورسون ويلز. فما الحكاية؟ وما الذي يميز هذا المبدع الكبير، في هذا المجال تحديداً، عن الشكسبيريين الأقحاح الآخرين؟ إنه في المطاف الأخير سؤال كثيراً ما حير النقاد والمؤرخين وأجلوا الإجابة عليه، وإن عزوا الأمر برمته إلى شخصية ويلز نفسه العملاقة، كما إلى شكسبيرية تنضح في مجمل عمله السينمائي والمسرحي تعطيه تلك المكانة. وهو أمر ربما يكون على أية حال في خلفية فوزه اللافت والغريب بواحدة من أولى “السعفات الذهبية” في تاريخ مهرجان “كان” في الجنوب الفرنسي (1951) وهي سعفة أعطيت للمغرب حيث إن الفيلم صور في ذلك البلد العربي، كما أشرنا غير مرة في هذه الزاوية بالذات. محاضرة حول تجربتين المهم أن ويلز يعتبر دائماً السينمائي الشكسبيري الأول، ويبدو أن أحداً لن يتمكن أبداً من سحب هذا اللقب منه. أما هو وعلى رغم أنه قال مراراً وتكراراً في تصريحات صحافية كان لا يبخل في الإدلاء بها خلال سنواته الأخيرة، إن “اقتباس النصوص الشكسبيرية كان أسهل ما قمت به في حياتي، بالنظر إلى أن هذا المعلم الكبير كان، وقبل ولادة السينما بمئات السنين، واحداً من أعظم كتاب السيناريو في تاريخ هذا الفن”، فإنه لم يبخل في شكواه من المعاناة التي صادفها على الأقل خلال تحقيقه فيلميه الشكسبيريين “الحقيقيين” الوحيدين “ماكبث” و”عطيل”. وقد أجمل تلك الشكوى في محاضرة ألقاها عام 1954 خلال مهرجان إدنبورغ السينمائي ضمن إطار “المدرسة الصيفية لمعهد الفيلم البريطاني”، ونشرتها يومها كاملة مجلة “سايت أند صاوند” التي يصدرها المعهد. ولقد خص ويلز يومها هذين الفيلمين بحصة وافرة من المحاضرة التي عنونها “الاستماع الثالث” وقال فيها بشكل خاص ومنذ مفتتحها أنه ليس من المتحمسين المناصرين عادة من دون شروط لاقتباس شكسبير على الشاشة الكبيرة؟ ولكن لماذا؟ “بالتحديد لأنني لا أعرف حقاً ما إذا كان ثمة بالفعل تزاوج حقيقي ممكن بين شكسبير والشاشة. وأعتقد أنني أنا نفسي لم أحقق نجاحاً كنت أصبو إليه عبر جهودي في هذا المجال”. مشهد من “ماكبث” شكسبير من إخراج ويلز (موقع الفيلم) وهنا يفسر ويلز هذا التصريح الصادم بقوله “في زمننا هذا، هناك مسائل كثيرة ليست ثمة إمكانية لمناقشتها أمام 60 مليون شخص. ومع ذلك ها هو السينمائي المعاصر مطالب بأن يفعل ذلك أمام هذا العدد الهائل من المتفرجين. وللإفلات مما يبدو مبتذلاً في هذا الطلب يكون على السينمائي أن يرجع إلى النصوص الكلاسيكية، مما يفسر تكاثر السينمائيين الذين يجدون أنفسهم يخوضون تجارب شكسبيرية تمكنهم من تحقيق ذلك. ويقيناً أن تلك التجارب تؤدي إلى نتائج كارثية حتى وإن كان ثمة بعض التجارب التي لا تفعل ذلك”. لا للفيلم الكبير هنا إذ يؤكد هذا، ينتقل ويلز للحديث عن تجربته (التي لم تكن قد شملت بعد، لا فيلمه عن “فالستاف” ولا شريطه عن “تصوير عطيل” بل كانت مقتصرة على “ماكبث” و”عطيل”) فيخبر مستمعيه أن تصويره “ماكبث” الذي استغرق 23 يوماً كان مجرد إعادة تصوير لما كان صور سابقاً، “ومن لديه منكم فكرة ولو بسيطة عن الجهد الذي يتطلبه تصوير فيلم من الأفلام، يمكنه أن يدرك كم أنني كنت سريعاً في تحقيق هذا الفيلم”. وهنا يشير ويلز إلى أنه في الحقيقة ومنذ شرع في تصوير “ماكبث” لم يكن ينوي تحقيق فيلم كبير “وهو أمر غير معتاد طبعاً، لأنني أرى أن كل مخرج حتى حين يحقق أي فيلم كان، يضع نصب عينيه رغبته المشروعة في أن يكون فيلمه كبيراً. أما أنا فإنني لم أفكر بتحقيق فيلم كبير انطلاقاً من تلك المسرحية في أية لحظة من لحظات العمل عليها. كل ما كنت أفكر فيه كان مجرد أن يطلع من بين يدي فيلم جيد، فإن تمكنت من ذلك خلال 23 يوماً فسأكون، في رأيي، قد شجعت سينمائيين آخرين على مجابهة ما قد يواجهونه من صعوبات بسرعة أكبر من المعتاد بكثير”. “لم يثن عليّ أحد” وهنا يبتسم ويلز ويضيف أنه يأسف لأن ما من ناقد في العالم رأى أن “من الصواب الثناء عليّ وعلى سرعتي في تحقيق ذلك الفيلم خلال تلك الفترة القياسية”، بل على العكس يفيدنا المخرج الكبير بألم، “وجدوا في الأمر فضيحة وهي أن تصوير فيلم من هذا المستوى لم يستغرق سوى 23 يوماً. والحقيقة أنهم لم يكونوا بعيدين من الصواب في ما ذهبوا إليه. أما أنا فلم يكن في مقدوري أن أكتب لكل واحد منهم رسالة أشرح له فيها كيف أنه ما من شخص في هذا العالم أبدى استعداده لمدّي بمبلغ يمكنني من التصوير يوماً إضافياً واحداً”. مشهد من “عطيل” على طريقة أورسون ويلز (موقع الفيلم) وهذا التأكيد المرير يدفع ويلز هنا إلى اقتراح السعي للعثور على طريقة في الإنتاج تماثل طريقة “المخزون” المسرحي (الريبرتوار)، لكنه يعترف أن هذه الطريقة التي جربت في أميركا قد أخفقت هناك”. ومن هنا نجد السينمائي يعلن أنه، و”على أية حال لا يخجلني أبداً أن تكون في اقتباسي لـ(ماكبث) نواقص جمة”. وهذا ما ينقله للحديث في المقابل عن تجربته الشكبيرية الثانية. تجربته مع اقتباس “عطيل” فيخبرنا أنه إذا كان قد أنجز التجربة الأولى في 23 يوماً، “فإنني احتجت إلى أربع سنوات كي أنجز (عطيل)، لكنني سأوضح لكم الأمر هنا. ففي الحقيقة استغرق إنجاز الفيلم العدد نفسه من أيام التصوير الفعلي، ولكن الصعوبات كمنت في أننا كنا نتوقف عن التصوير دائماً لأسباب إنتاجية، فترات طويلة جداً نصرف خلالها فريق العاملين في الفيلم إما لأنني كنت مضطراً للتغيب فترة للعمل ممثلاً في أفلام الآخرين، وإما لأننا كنا عاجزين عن تدبير الأموال التي تمكننا من مواصلة العمل، وإما لخوضنا مشكلات قضائية من أنواع مختلفة. ومن هنا استغرقنا في الإنجاز كل تلك السنوات”. اقتباسات حرة مهما يكن من أمر، يضيف ويلز، فـ”ماكبث” يبدو في نهاية المطاف “أشبه بـ(إسكتش) تمهيدي للوحة تشكيلية كبيرة رسمت بخطوط أحادية اللون وتنم عن وجود تراجيديا كبيرة خلف تلك الخطوط، أما (عطيل) فيبدو، سواء أحببناه أم لم نفعل، وكأنه تلك اللوحة الأكثر اكتمالاً”، بل يضيف ويلز هنا أنه يعتقد مخلصاً أن فيلمه هذا عن “عطيل” هو من القرب من المسرحية الشكبيرية بقدر ما كانت أوبرا فردي المقتبسة من المسرحية نفسها قريبة من شكسبير. ويستطرد ويلز هنا قائلاً إن بواتو (كاتب النص الأوبرالي لفيردي)، وفيردي نفسه كان من حقهما “الذي مارساه بقوة، أن يحدثا في نص شكسبير ذلك التبديل الذي مكن النص من أن يتكيف مع نوع مختلف من الفنون (الأوبرا). وأنا، إذ أخذت في حسباني أن السينما إنما هي بدورها نوع من أنواع الفن، تماشيت مع هذا المبدأ مطبقاً إياه على السينما، مبدأ تكييف النص الكلاسيكي مع هذا الفن بكل حرية وصرامة”. المزيد عن: ويليام شكسبيرأورسون ويلزعطيلماكبثفيرديالأوبراالشاشة الكبيرة 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post احتجاجات مايو 1968 الطلابية في فرنسا وسمت العصر next post سنان أنطون يجعل الحلم الأميركي كابوسا عراقيا You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024