هنري جيمس (1843 – 1916) (غيتي) ثقافة و فنون نظرات يلقيها هنري جيمس على الأدب الفرنسي ردا للجميل by admin 8 سبتمبر، 2023 written by admin 8 سبتمبر، 2023 149 الكاتب الأميركي يعترف لبلزاك بتفوقه ويدهش أمام ما حققه دوماس الابن وهو بعد فتي اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب هناك أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى الفرنسيين يتعلق بالكاتب الأميركي هنري جيمس، وهو الدين الذي دائماً ما استشعره هذا الأخير تجاه الأدب الفرنسي، وبصورة خاصة تجاه أونوريه دي بلزاك. أمر غالباً ما ينسى ولكن حين يخطر في البال قد يفسر كثيراً من علاقة صاحب “الكأس الذهبية” و”جناحا اليمامة” بفرنسا مميزاً إياها عن أوروبا التي كان يعتبرها مربط خيله وكتب معظم رواياته الكبرى مستلهماً إياها وعلاقة شخصياته بها، وهي في أحيان كثيرة شخصيات من العالم الجديد تتجول في العالم القديم. ولعل ما ينسى أكثر في هذا السياق نفسه هو أن جيمس كان يتقن الفرنسية منذ طفولته، وأن هذا الإتقان هو الذي مكنه من أن يقرأ أمهات الروايات الفرنسية في لغتها الأصلية، ولقد انصبت قراءته ذات فترة متقدمة على بلزاك تحديداً فراح يعتبره أستاذه الكبير والمميز في الكتابة الروائية. ومن هنا لم يكن غريباً أن يدبج هنري جيمس خلال فترات متقطعة من نضوجه الكتابي عدداً كبيراً من المقالات عن الحياة الأدبية الفرنسية وكبارها ينشرها في مجلات أميركية وإنجليزية، ولكن في المقابل سيبدو غريباً أن تلك المقالات لن تجمع وتنشر مترجمة إلى الفرنسية إلا بصورة متأخرة، بل ربما للمرة الأولى قبل عقد ونصف العقد من الآن تحت عنوان “الوضع الأدبي الراهن في فرنسا”. وحسبنا أن نشير لمزيد من الاستغراب إلى أن كلمة “الراهن” هنا تعني ما قبل قرن من الآن، ذلك أن جيمس كتب مقالاته عند مفتتح القرن الـ20. صحيح أن قراء فرنسيين قد تعرفوا باكراً إلى بعض تلك المقالات، ولكن غير مجموعة كحالها إذ نشرت بعد ذلك بـ100 عام. الحق على أندريه جيد مهما يكن من أمر هنا، فقد يكون من الضروري القول إن هنري جيمس نفسه قد غاب، حتى برواياته الكبرى، عن الحياة الأدبية الفرنسية منذ رحيله عام 1916 ليعاود الظهور فقط بعد انقضاء نصف القرن الـ20، حين انحصر الاهتمام بإنتاجه الأدبي الذي كان قد ظلم على أية حال من قبل أندريه جيد، الذي كان هو من أصر على استبعاده من النشر حين كان الحاكم المطلق لدى منشورات “غاليمار” في عشرينيات القرن الماضي، وكان يعتبر شخصيات أدب جيمس “مبتذلة” و”نظرته إلى أوروبا” سطحية، معلناً أن “هنري جيمس ليس ذا أهمية ككاتب على الإطلاق. هو مثقف ذكي لا أكثر”. ولقد ظلت فرنسا عقوداً طويلة واقعة تحت سطوة هذه الفكرة، مما غيب الكاتب الأميركي وغيب بالتالي أي اهتمام به، ولكن مع صدور الكتاب الذي نتناوله هنا، عاد الاهتمام يتجدد ليس بهنري جيمس فقط، بل وبنظرته الأميركية المبكرة من خلال إطلالاته “المفاجئة” على كتاب لسنا ندري ما إذا كانت قد أتيحت لهم الفرصة (على الأقل لمن كان حياً منهم يوم كتب عنه جيمس) كي يستمتع بـ”نظرة العالم الجديد إلى أدبه”. والحقيقة أن تلك النظرة إذ ظهرت بعد غياب، حتى وإن كانت قد راقت لكثر، لا سيما إذ اعتبرت بصورة عامة تعويضاً عن الإجحاف البريطاني المتواصل في حق الأدب الفرنسي، تبدت على أية حال انطباعية فات أوان الاتكال عليها، أو لنقل بتعبير آخر إنها اتسمت بأسلوب يمت إلى “أدب الإخوانيات” اللطيف بصلة. فعند بدايات القرن الـ21 كان النقد، لا سيما الفرنسي منه، قد بدأ يتخذ مسالك أكثر تركيبية ومعاصرة، ومن هنا اكتُفي باعتبار جهود هنري جيمس “مجرد تعبير عن اعتراف كاتب أميركي بفضل الروائيين الفرنسيين عليه” في أحسن الأحوال. آراء تبسيطية والحقيقة أننا حين نستعرض مقاطع عديدة من كتاب هنري جيمس هذا لا نلمح إلا آثار ذلك العرفان بالجميل، فها هو يكتب مثلاً عن أناتول فرانس أن “هذا الكاتب إنما يجدد اعترافنا الأخلاقي تجاه بلده. ومن هنا نعتبره ظاهرة على الشاكلة التي نظرنا بها منذ البداية إلى بيار لوتي. باختصار، إنه يمثل في هذه اللحظة الترف الكبير الذي يعبر عن بلده، ترف مساعدتنا على أن نستسلم أمام حقبة تعترف بأنها حقبة معادية للأدب”. وهو يكتب عن بول بورجيه أنه “كاتب يسكن الضمير تماماً كما يسكن كتاب من طينة إميل زولا العالم الخارجي، أما ارتباطه بالضمير فليس ارتباط زائر موسمي له هدف محدد، بل زيارة مقيم مستديم”. ويكتب عن فلوبير “من المؤكد أن في مقدورنا أن نعترض على من يقولون إن أهمية (مدام بوفاري) الأسمى، لا تكمن إلا في قدرة كاتبها على استعراض الانحراف الأنثوي، ومع ذلك سيكون من الخطأ الحديث عن بطلة فلوبير هذه كامرأة رخيصة، بالتالي كمعبرة عن الطبيعة البشرية المستعرضة هنا بأروع ما يكون بينما هي في الحقيقة معروضة من قبل الكاتب فقط عبر عدد ضئيل وعابر من علاقات ممكنة”. وفي المقابل يقول جيمس عن إميل زولا “إن ما يحيط به القارئ لأدب زولا بكل سهولة ليس سوى قوة إرادته ورغبته في التوغل داخل موضوعه ما يجعله يستند بكل قوة وإصرار إلى ما يوثقه من أحداث وأماكن قبل بدئه الكتابة”. وتكمن قوة زولا الأساسية في رأي الكاتب الأميركي في كونه “يلتهم تلك الوثائق التمهيدية التهاماً، ويعرف كيف يستوعبها تماماً في ذهنه”. الأحاسيس أدوات للكتابة أما بالنسبة إلى غي دي موباسان فإن الأميركي يرى أن أداته الخاصة في عمله إنما هي أحاسيسه. “إنه يحيط بالعالم من خلال تلك الأحاسيس بالتأكيد، الأحاسيس التي لا يمكنه أن يكتب إلا انطلاقاً منها، أو بالأحرى يعرف معرفة جيدة كيف يصف في نصوصه تلك الأحاسيس فينتج من ذلك مؤلفات مميزة، ولعل في إمكاننا أن نقول إنه ليس ثمة ولو صفحة واحدة في كتبه لا تشهد على قوة وصفه لتلك الأحاسيس”. وفي تعليق هنري جيمس على ألكسندر دوما الابن نجده يشيد بكون هذا قد تمكن من كتابة رائعته “غادة الكاميليا” وهو بعد في الـ25 من عمره ما يشكل مأثرة إبداعية “تستوقفنا حقاً، بخاصة أننا ندهش أمام نضج كاتب لم يتوفر له، بعد، الوقت الذي يمكنه من الانفصال عن أوهام صباه من ناحية ويساعده على امتلاك أدوات فنية تجد انعكاسها كبيراً وأساسياً في هذا النص القوي والبديع”. إنصافا لبلزاك وفي ما يتعلق بأستاذه الكبير بلزاك يلفتنا ما يكتبه هنري جيمس حقاً حين يقول “منذ سنوات عديدة ونحن نعتبر من الأمور المسلم بها أن بلزاك عظيم، ولكن على الطريقة الرخوة والثقيلة التي يملكها أولئك الذين يتجنبون العمل الكلاسيكي تجنبهم الدنو من موس الحلاقة قائلين: أوه إنه حقاً عظيم بقدر ما تشاءون لذلك لا نتكلم عنه”. أونوريه دي بلزاك: أستاذ عن بعد (ويكيبيديا) مع ذلك فإن ثمة في ما يتعلق ببلزاك بالنسبة إلى هنري جيمس، أمراً لا بد من ملاحظة ثباته الدائم وهو التعقيد البالغ في مواضيعه، ذلك التعقيد الذي يبدو كما الحال لدى شكسبير، وكأن الكاتب قد سبق له أن خبره في ذاته، داخل ضميره المثقل، وداخل تاريخ روحه، كما داخل الاستعراض المباشر لحساسيته، ويقيناً أن بلزاك يبدو دائماً قادراً على العثور على هذا كله وهو جالس في زاوية موقده، حيث يتمتع كما أراه برفقته الطيبة منغلقاً عليها وعلى ذاته في حميمية مطلقة ما يجعلها تستحق أن نسميها ثروته الطيبة شديدة الذاتية”. حياة للكتابة بقي أن نذكر أخيراً أن هنري جيمس المتحدر من أسرة نيويوركية إيرلندية الأصل تضم إليه عدداً من المفكرين والكتاب من بينهم أبوه الفيلسوف الذي يحمل الاسم نفسه وأخوه المفكر ويليام جيمس كما أخته الكاتبة أليس جيمس، ولد عام 1843، وتلقى منذ وقت مبكر تعليماً أوروبياً في فرنسا كما أشرنا وفي لندن وألمانيا، ثم تخلى عن دراسة الحقوق ليعيش في باريس وسط كوكبة من كبار كتاب المرحلة المحيطين بالروسي إيفان تورغنيف قاطنها في ذلك الحين منصرفاً إلى الكتابة الأدبية ومركزاً على موضوع العلاقات بين أميركا وأوروبا، وهو الذي أمضى حياته في الكتابة متنقلاً بين العالمين القديم والجديد حتى رحل عن عالمنا في لندن عام 1916 من دون أن يتزوج أو يخلف أبناء. المزيد عن: هنري جيمسغوستاف فلوبيرأونوريه دو بلزاكأندريه جيدغي دي موباسانباريس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post استنفار في لندن بحثا عن سجين هارب متهم بالإرهاب والعمل لمصلحة إيران next post الأفرو أميركية آفا دو فرناي تقتحم العنصرية في البندقية You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024