الفنان موسى عمر. ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: رحيل الفنان العُماني موسى عمر الذي أعطى النسيج الشعبي لغة معاصرة by admin 27 أغسطس، 2023 written by admin 27 أغسطس، 2023 490 في البدء أثارته التجارب العربية والعالمية التي استخدمت الرسم على “الخيش”، لذا راح يستحضر عراقة ذاكرة التقاليد الشعبية العمانية في رحلته لتفهم ابعاد المفاهيم الحداثية التي اعتبرها مصدراً لفردوس تجاربه الجديدة، بيروت – النهار العربي \ مهى سلطان بعد مسار فني مليء بالشغف والعطاء والطموح، رحل مبكراً في غفلة من الزمن الفنان التشكيلي العُماني موسى بن عمر الزدجالي (1971-2023) عن عمر يناهز الـ 52 عاماً، وهو من أكثر الفنانين العمانيين الذين قدموا الفن التشكيلي العماني للعالم، عبر مشاركاته الفنية العديدة على مدى ثلاثين عاماً. ترك الزدجالي بصمته الخاصة التي ميّزت تجربته الفنية وأعطتها مساراً مختلفاً عن المتعارف عليه، سواء من حيث المضمون أو من حيث التقنية والرؤى أو العلاقة بجماليات التراث الشعبي. كان عضواً في “الاتحاد الدولي للفنون” التابع لمنظمة “اليونيسكو” و”جمعية الفنون العُمانية”، و”مرسم الشباب”، وأقام أكثر من 15 معرضاً شخصياً في سلطنة عُمان وقطر والكويت والبحرين ومصر وألمانيا، وشارك في معارض مشتركة أقيمت في دول الخليج العربي وبعض الدول الأوروبية والآسيوية. مثّل سلطنة عُمان في “سمبوزيوم بنك القاهرة عمّان الدولي للفنون التشكيلية” في الأردن عام 2022، بالإضافة إلى مشاركته في أعمال الدورة الـ19 لبينالي آسيا للفنون في العاصمة البنغلاديشية دكا في كانون الأول (ديسمبر) عام 2022 بمشاركة فنانين من 56 دولة. استطاع الفنان موسى عمر خلال العقدين الأخيرين من حياته أن يسجل مرحلة مهمة في تاريخ تطور أسلوبه الفني، فأعماله التجريدية بدت وكأنها آتية من مصادر لا يحدها شيء. أصبحت الأشكال الزخرفية المنحدرة بتفصيلاتها من الذاكرة الشعبية العمانية، مادة سحرية تجتاح سطوح لوحاته وفصول حكاياتها، بعدما أصبح الرسم على الخيش وعلى الأقمشة الشعبية المتوارثة من نسيج القنب بمثابة امتدادات لامتناهية تجمع أعماق الروح الداخلية للتقاليد الفولكلورية الشعبية بتطلعات فنون ما بعد الحداثة والمعاصرة. كل ذلك منحه شاعرية لونية مفرطة عبّر عنها بِرُقَعٍ وأجزاءٍ من النسيج كان يلصقها ويطوّعها كي تتخذ هيئات مبهمة وتوحي بأشكال من تصميمات أقمشة قديمة وزخارف مختصرة ورسوم وعلامات ورموز بدائية، كان يعيد صوغها كدلالات لفن “قديم – معاصر” يتجلى بحلةٍ زاهية. لوحاته القماشية المعلقة في احدى معارضه على هوى ايقاعات شرقية من فعاليات مرسم الشباب الذي تأسس العام 1980، انطلق موسى عمر في العام 1989 الى جانب نخبة من الفنانين الذين أخذوا على عاتقهم تطوير الحركة الفنية في سلطنة عمان من خلال الانفتاح على المشاركة في فعاليات المعارض العربية والدولية. فقد لعبت الجمعية العمانية للفنون التشكيلية منذ تأسيسها في العام 1993، دوراً فعالاً من خلال افساح المجال للمواهب الشابة كي تشق طريقها الى العالمية، وتأمين مشاركاتهم في الورش والبينالات واللقاءات الفنية. في بداياته الفنية استهوت موسى عمر الأحياء القديمة والحواري بما فيها من تناغم وإيقاعات شرقية، لذا واظب لسنوات على رسم معالمها قبل أن ينتقل الى رسم تكوين الزخارف المعمارية والتاريخ البحري بكل مغامراته والرموز التي احتضنتها ايقاعات المدن الشرقية القديمة، من قباب ونوافذ ومربعات سحرية وأكفّ وأعين وأقمارٍ ملوّنه وسلالم وأبراج ومسطحات زاخرة بالطلاسم والتعاويذ والنقوش الشعبية. فالنزعة اللاتشخيصية في فنه أخذت تركن الى توليف العناصر المادية ذات البعد المكانيّ الذي يعبّر عن القيم الإنسانية والمعطيات الحضارية. وأخذ هذا المنحى لديه يتمتع بحضور ملحوظ في الساحة الفنية العربية منذ اواسط التسعينات، لما تحظى به اعماله من خصوصية نابعة من أسلبة التراث برؤية حديثة. وهو أسوة بفناني جيله وجد في المخزون البصري القديم عالماً كثيفاً وغنياً بالتفاصيل (من أبرز أعمال تلك المرحلة سلسلة لوحات المدن والأبراج القديمة والتكاوين التراثية). ظهر لدى موسى عمر عشقه لملامس السطوح الناتئة واستخدامه الرموز الشعبية العمانية في فنه، جاء ذلك كنتيجة وثيقة الارتباط بالتحولات الفنية التي تكرست عبر خبرات مرسم الشباب وعلى وجه الخصوص تجارب الفنان حسين عبيد، الذي كان ولا يزال من الفنانين الطليعيين الذين دمجوا ما بين التراث العماني والمعاصرة وأعطوا السطوح الملونة أشكالاً نافرة في محاولة للكشف عن الارتباط بالذكريات، وتداعيات أشكال المباني العمانية القديمة وحكايات جدارياتها ونقوشها وتعاويذها المتراكمة عبر العصور. تكوين على قماش من اعمال الفنان العماني موسى عمر النسيج بلغة المعاصرة في البدء أثارته التجارب العربية والعالمية التي استخدمت الرسم على “الخيش”، لذا راح يستحضر عراقة ذاكرة التقاليد الشعبية العمانية في رحلته لتفهم ابعاد المفاهيم الحداثية التي اعتبرها مصدراً لفردوس تجاربه الجديدة، وقد صاغها ككشوفات عن كيان ثقافي حقيقي كامن في تحفيز الذاكرة الشعبية، الذي كان ناهضاً في المعارض والبينالات الدولية. ثم أخذت اعماله تشق طريقها نحو المعاصرة من خلال استغلال جماليات الخامات والتركيز على السطح التشكيلي وايحاءاته البصرية المتأتية من ثقافة ما بعد الحداثة (فن التجميع) والمعاصرة لاسيما بعدما اختار لنفسه طريقاً في التعاطي مع أنواع الأقمشة والنسيج كخامات معاصرة قابلة للتأويلات والتنوع في المضامين من خلال القص واللصق والتصميم والطيّ. جاء هذا التوجه منسجماً من جهة مع الفنون التطبيقية التي راجت في الفنون الإسلامية بزخرفها وجمالياتها كفنون قديمة وتراثية، ومنسجمة في آن واحد مع اتجاهات فناني الـ textile art ولاسيما فناني وفنانات contemporary quilt making “فن اللحاف المعاصر” الذي تزعمته في الولايات المتحدة الرائدة جين راي لوري منذ خمسينات القرن العشرين، وتطور هذا الفن في الثمانينات مع ثورة كاليفورنيا التي قادتها النساء البيض الحاصلات على التدريب الجامعي، من خلال مزج تقنيات صنع اللحاف مع مبادىء الفن المعاصر، وكذلك من خلال انشاء تصميمات أصيلة تجمع بين القديم والجديد. ثم انضم تحت لواء هذا الفن العديد من الفنانين المعاصرين الذين استلهموا مبادئهم من Duchamp و Rauschenberg و Warhol وسواهم، هؤلاء شجعوا إعادة تقييم ما يمكن اعتباره فناً من خلال توسيع أنواع أخرى من خامات الأشياء التي يمكن استخدامها في إنشاء الفن. هكذا مرت صناعة اللحاف بتحول من غطاء سرير متواضع علّقه ذات يوم روشنبرغ كقطعة فنية ملطخة بألوان أحلام اليقظة، إلى شكل فنيّ تبوأ مكانه في المتاحف المعاصرة. وفي هذا السياق تحدث موسى عمر عن علاقته بالفن المعاصر فاعتبره بأنه ليس وسيلة وأداة للتعبير والتخاطب مع الآخر فحسب، “بل انني أرى فيه تلك القوة الخفية المستعصية الكامنة في شغاف الروح، تلك التي تصنع عالماً موازياً للواقع المعاش ومتقاطعاً معه في آن معاً. لذلك فإنني استخدم الرمز في كثير من أعمالي لإيماني العميق بما يمتلكه الرمز من مساحات تعبيرية شاسعة بحجم السماوات، حيث يمكنني التحليق فيها كطائر أسطوري يملك ألف جناح”. من اعماله القماشية اغنيات الشمس الماضي الذي يستقر في المستقبل في أعمال موسى عمر ثمة لحظات من بدايات جديدة يتحول فيها الفنان الى راصد يخترق جسد ذكرياته، فهو شديد الميل الى جعل لوحاته قصائد من خامات الأقمشة، حيث يستقر الماضي في المستقبل، في منطق تجريدي يجمع أوصال المحلية بالعالمية. فهو يتواطأ مع نفسه، لينسحب نحو الماضي، نحو عناصر من ملامس متنوعة من أقمشة وعجائن ورموز تنساب برقة وتناغم وانسجام وتسبح في رحاب ألوان زاهية نابعة من داخل الحياة الشرقية في سلطنة عمان، ومن إيقاعاتها العفوية والتلقائية، من جذورها التراثية الحاضرة بملامس أقمشتها وتطريزها، من وتيرة طيّها وشدها وجذبها وتركيبها كقطع من تنقيبات الاحلام. فهو يتلاعب بألوان وأشكال خامات الأقمشة كسلسلة لامتناهية سرعان ما تجد العديد من الحلول التشكيلية – التجريديةـ كما لو أن تلك الأشكال هي نصوص لما سمّاه “أغنيات الشمس”، وهو عنوان معرضه الشخصي الذي نظم في مسقط العام 2018، تغنى فيه بشمس النهار على مرافئ الذاكرة العمانية، وما تتركه من انطباعات وذكريات. في سلسلة منسوجاته ثمة تداعيات من ذكريات منسية، من روائح دكاكين العطارين وعوالم المنسوجات الهندية التي انطبعت في ذاكرته عن السوق الشعبي لمدينة مطرح وهي مسقط رأسه وملعب طفولته، فهي موروثات ثقافية – فنية ورثناها كما يقول الفنان “عن الآباء والأجداد”، تغلغلت في أشكال أقمشة الملابس وغطاءات الرؤوس، كما لو انها قصائد من عادات القبائل وطقوس الأعياد وأفراحها. يُعتبر الفنان الراحل موسى عمر من أكثر الفنانين الشباب شهرة، لاسيما بعد اقامته لمعرض “قميص الأحلام” الذي أقامه في متحف الزبير، وقدم مختارات منه في العام 2013 في سياق مشاركته في بينال تونس، مستلهماً قصة قميص النبي يوسف (عليه السلام). فهو في العقد الأخير من حياته أراد أن يقيم حواراً مع النص الديني المكتوب في محاولة لإغناء الجانب الروحي في تجاربه الطليعية التي تحكي عن طاقات الأقمشة الشرقيةـ وصيغ بواعث الحكاية وسحر ألوانها وزخارفها المدموغة بإيقاعات من رحيق الأزمنة. المزيد عن: موسى عمر الفن التشكيلي سلطنة عمان 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ترودو: «السبع» ستدعم أوكرانيا مهما طالت الحرب next post أزمة أشباه الأفيونيات في أوتاوا: دعوات للتغيير في طرق المعالجة You may also like عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024