كيف أنجز جراحون أول عملية زرع رحم في بريطانيا؟

أطباء مهرة عملوا معاً في غرفتي عمليات ونجحوا في زرع رحم لامرأة تبرعت لها به شقيقتها الكبرى

اندبندنت عربية \ جاين كيربي

عمل جراحون في المملكة المتحدة على مدى نهار كامل وليلة، على إنجاح إجراء أول عملية زرع رحم في بريطانيا بسلاسة.

ويعود نجاح الجراحة إلى البحث الدقيق الذي سبقها، وإلى أعوام من تبادل المعرفة بين خبراء في مختلف أنحاء العالم، والعمل الجاد والتفاني من جانب الطبيبَين البروفيسور ريتشارد سميث، من جامعة “إمبريال كوليدج لندن”، وإيزابيل كيروغا من “مركز أكسفورد لزرع الأعضاء” Oxford Transplant Centre.

يُشار إلى أن نحو 50 طفلاً قد ولدوا في جميع أنحاء العالم نتيجة عمليات زرع الرحم، التي تمنح النساء اللواتي يفتقرن لرحم سليم فرصةً لإنجاب أطفال.

وفي أول عملية من هذا النوع في المملكة المتحدة، استغرقت عملية إزالة الرحم من شقيقة المتلقية البالغة من العمر 40 سنة نحو 8 ساعات و12 دقيقة، عمد فيها الجراحون إلى ترك مبيضيها لتفادي دفعها إلى انقطاع طمث مبكر.

وقبل ذلك بساعة واحدة، بدأ الجراحان إجراء عملية للمرأة للمتلقية البالغة من العمر 34 سنة، من خلال إعداد جسمها لاستقبال العضو الذي تبرعت به لها شقيقتها. واستغرقت هذه الجراحة 9 ساعات و20 دقيقة، واجه خلالها الفريق بعض التحديات، بما فيها فقدانها ليترين من الدم بشكل تجاوز التوقعات الأولية. ومع ذلك، بعد مرور 10 أيام فقط، تحسنت صحة المتلقية بما يكفي لجعلها تغادر المستشفى ومواصلة مرحلة التعافي على نحو إيجابي. وإضافةً إلى ذلك، فإن دورتها الشهرية كانت منتظمة، ما يشير إلى أن الرحم المزروع يعمل على نحو فعال.

أما شقيقتها المتبرعة بالرحم، فخرجت من المستشفى بعد خمسة أيام من إجراء الجراحة لها، وتعافت هي الأخرى بشكل إيجابي.

ووفقاً للبروفيسور سميث، فإن عملية إزالة الرحم تشبه إلى حد كبير الاستئصال الجذري للرحم. وإضافةً إلى كونه جراح أمراض النساء، يعمل البروفيسور سميث قائداً سريرياً في مؤسسة Womb Transplant UK الخيرية.

وقد تولى هو والآنسة كيروغا قيادة الفريق الطبي الذي ضم أكثر من 30 موظفاً عملوا على جراحة الزرع في أحد أيام الأحد من شهر فبراير (شباط) هذه السنة.

استخرج البروفيسور سميث والآنسة كيروغا أولاً الرحم وعنق الرحم وقناتي فالوب جراحياً من الأخت الكبرى، كما الأوعية الدموية الأساسية المتصلة بالعضو.

وتشمل الأوعية الأولية الشرايين التي تغذي الرحم. ومع ذلك، استهدف الفريق الجراحي أيضاً جمع أوعية داخلية أكبر حجماً تتصل بالفروع الضيقة للرحم.

وأوضح البروفيسور سميث أن الجراحين الذين يقومون بهذا النوع من العمليات، يحتاجون إلى استعادة الأوردة التي تُعد جزءاً لا يتجزأ من وظيفة التصريف الخاصة بالرحم.

ويضيف قائلاً: “إن أحد الجوانب المثيرة للاهتمام هو أن مهارتي الجراحية كجراح أورام سرطانية، تتضمن استخراج الأعضاء مع الحفاظ على هامش من الأنسجة الطبيعية السليمة، وإغلاق الأوعية الدموية أثناء العملية في الوقت نفسه”

وأشار إلى أن “المهارات الجراحية لزرع الأعضاء تختلف، بحيث تستوجب استخراج عضو طبيعي سليم يحتوي على أكبر عدد ممكن من الأوعية غير المغلقة قدر الإمكان”.

وتابع يقول: “نعمل أنا وإيزابيل بسلاسة وتناغم، من دون أي أنانية، وتعاوننا يحصل بشكل انسيابي حول منصة الجراحة. أما ذلك اليوم بالتحديد فقد كان متواضعاً للغاية. وصلنا في السابعة صباحاً إلى مركز تشرشل لزرع الأعضاء مع أسرة المتبرعة والمتلقية، ثم عقدنا اجتماعاً لإجراء المناقشات اللازمة ما قبل الجراحة (تُستعرض فيه عادةً جوانب مختلفة من الجراحة، والأخطار أو المضاعفات المحتملة، واعتبارات التخدير، وجاهزية المعدات).

وكان من بين أفراد الطاقم الطبي الذين شاركوا في الاجتماع، جراحون وممرضون وأطباء تخدير وفنيون.

عمل البروفيسور سميث والآنسة كيروغا أولاً على استخراج الرحم من المتبرعة، قبل أن يقوم فريق “الطاولة الخلفية” بإعداد العضو للزرع. وأشار البروفيسور إلى أن “هذا العضو بالذات كان يتمتع بإمدادات دم فريدة للغاية”.

وأضاف: “كان في الواقع يحتوي على مجموعة من الأوعية الدموية التي لم أرها من قبل طيلة حياتي المهنية. وقد جعلت عملية التشريح أصعب بعض الشيء مما كان يمكن أن تكون عليه، لكننا أنجزنا العمل في نهاية المطاف”.

في غرفة العمليات المجاورة، وقبل ساعة من اكتمال عملية إزالة الرحم من الشقيقة الكبرى، بدأ الجراحون إجراء عملية للأخت الصغرى لتجهيزها بهدف استقبال الرحم الجديد. ثم انتقل البروفيسور سميث والآنسة كيروغا من العمل على المتبرعة إلى الاهتمام بالمتلقية. وشرع البروفيسور سميث في إزالة بقايا رحمها غير المكتمل الذي وُلدت به.

في غضون ذلك، حُزم العضو بعناية ونُقل بين غرفتي الجراحة في بيئة معقمة للغاية لمنع أي تلوث. واحتوى كيس نقل الرحم المعقم على محلول نضح بارد، تم وضعه في وعاء يحتوي على ثلج.

وجرى خلال جراحة الزرع، ربط الأوعية المرتبطة بالرحم بالمتلقية لمساعدة العضو على البقاء في مكان ثابت نسبياً كيلا يتحرك حول الحوض. وكان الجزء الأكثر أهمية في عملية الزرع هو ربط الأوعية الصغيرة للغاية التي تمد الرحم بالدم.

أثبتت هذه المرحلة أنها الجانب الأكثر تعقيداً وتحدياً في العملية برمتها، وقد تولت قيادتها الآنسة كيروغا طوال الوقت. وبعد إنشاء جميع الوصلات الوعائية بنجاح، تمت خياطة الكفة المهبلية للمتبرعة، وهو جزءٌ يبلغ طوله نحو سنتيمتر واحد، في مهبل شقيقتها.

وإذا ما تمكنت المتلقية من إكمال عائلتها بإنجاب طفل، فستتم إزالة الرحم بعد نحو ستة أشهر لتجنيبها الحاجة لمثبطات المناعة طوال حياتها.

وقال البروفيسور سميث: “استناداً إلى الأدبيات العالمية، نحن ندرك أن احتمال الإخفاق عند زرع الرحم يتفاوت ما بين 20 و25 في المئة. وعادة ما تنجم مثل هذه الإخفاقات عن التعفن (تدمير الجسم لأنسجته) والتخثر. لذا، من الناحية الفنية، نحن مجهزون جيداً للتعامل مع هذه المشكلة. لكن النتائج اللاحقة يمكن أن تكون مثيرةً للقلق”.

وأضاف: “مع ذلك، وبعد مضي ثلاثة أو أربعة أيام على العملية، فإن احتمال الفشل تضاءل بشكل كبير، ومن المحتمل أن ينخفض إلى أقل من 10 في المئة”.

وأوضح أنه “بمجرد مرور أسبوعين – وتحديداً عندما تكون المرأة في دورتها الشهرية الأولى بعد الجراحة – يصبح احتمال إنجابها طفلاً في تلك المرحلة مرتفعاً للغاية، ويتراجع في المقابل خطر الفشل في الحمل بشكل كبير. ومع ذلك، يمكن أن يكون هذان الأسبوعان الأولان مثيرين لقلق وتوتر كبيرين للغاية بالنسبة إلى الجراح الذي يتعين عليه الانتظار ومراقبة التطورات”.

في المقابل خضعت الخزعات المستخرجة لتقييم وظائف الرحم المزروع للفحص في البداية في لندن، وتم التحقق من سلامتها أيضاً من جانب فريق ماهر في “المركز الطبي في جامعة بايلور” Baylor University Medical Centre في دالاس، في الولايات المتحدة الأميركية، الذي نجح في إجراء عمليات زرع أخرى للرحم.

ويرى البروفيسور سميث أن هذا الإجراء يعطي أملاً جديداً للنساء اللواتي وُلدن في ظروف مدمرة. ويوضح أن “هناك فتيات صغيرات، ربما في سن الرابعة عشرة تقريباً، لم تكن لديهن فترات حيض. وعندما يزرن طبيبهن العام ويخضعن للفحص، يتبين ألا رحم لديهن. إنها بمثابة كارثة مطلقة”.

وأضاف: “لا يوجد حل لهذه المشكلة حتى الآن، إلا باللجوء إلى التبني أو استئجار رحم… لكن الوضع تغير بعد هذا التقدم الطبي. إنه تطور مثير حقاً”.

وفي ما يتعلق بالفوائد المحتملة لهذا الإجراء بالنسبة إلى النساء المتحولات جنسياً، أوضح البروفيسور سميث أن هذا الاحتمال لا يزال بعيداً. ولفت إلى وجود اختلافات في تشريح الحوض، وبنية الأوعية الدموية، وشكل الحوض، إلى جانب التحديات الميكروبيومية (الكائنات الحية الدقيقة كالفطريات والبكتيريا والفيروسات) القائمة والتي يتعين التغلب عليها.

وأردف بالقول: “في رأيي، إذا أصبحت عمليات زرع الرحم لدى المتحولين جنسياً خياراً ممكناً، فإن تحقيق ذلك سيتطلب سنوات عدة قبل الوصول إلى تلك المرحلة. إذ إن هناك الكثير من الخطوات التي يجب اتباعها. بالتالي، أتوقع أن يستغرق الأمر ما لا يقل عن 10 سنوات إلى 20 سنة”.

الآنسة كيروغا أشارت من جانبها إلى أن البرنامج الراهن للمتبرعين الأحياء في المملكة المتحدة، يركز في المقام الأول على النساء اللواتي ترغب إحدى قريباتهن من الأسرة في التبرع بأرحامهن.

وخلصت إلى القول إنه “في المستقبل، قد نصل إلى نقطة قد يكون لدينا فيها أيضاً صديقات أو متبرعات سخيات وخيرات، كما هي الحال مع غيرها من عمليات زرع الأعضاء. ومع ذلك، في الوقت الراهن، ينصب تركيزنا الأساسي على النساء اللواتي يأتين إلينا برفقة أقارب لهن، يرغَبن في التبرع لهن برحمهن.

© The Independent

المزيد عن: تاريخ زرع الأعضاءزرع أعضاء المتبرعينزرع أنسجةزرع الأعضاء