ناشيونال غاليري في حاضره (موقع المتحف) ثقافة و فنون 200 عام على “عالمية” الفنانين الإنجليز عبر “ناشيونال غاليري” by admin 26 يناير، 2024 written by admin 26 يناير، 2024 88 الفنون التشكيلية في المملكة المتحدة ولدت وتخطت المحلية في وقت واحد عبر طريق باريس اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هو سؤال دائماً ما شغل المؤرخين وتنوعت الإجابات عليه وصولاً غالباً إلى حد التضارب مع أنه يبدو للوهلة الأولى سؤالاً بسيطاً: هل يمكن أن يكون ثمة تاريخ محدد لولادة تيار أو حراك فني يمكن اعتماده للاحتفال بتلك الولادة من دون أن يكون ثمة معترضون؟ في كثير من الأحيان يمكن أن يكون الجواب: أجل شرط أن يكون هناك حدث تاريخي محدد يبرر اعتماد لحظة معينة. وهو حدث يتمثل في معرض ما أو صدور بيان واضح أو تضافر جهود ونتاجات عدد من فنانين يسلكون في إبداعاتهم دروباً متقابلة، ولكن حتى في مثل تلك الحالات لن يكون التحديد على الدقة التي يصار بها إلى التعبير عن الولادة بقدر ما يكون ثمة إعلان عن تراكم يجعل الولادة ولادات وتراكماً يتواصل طوال فترة من الزمن يبرر اختيار لحظة محددة ربما تكون عشوائية، للاحتفال بالتيار وإعلان لحظة معينة باعتبارها اللحظة التي يمكن أن يحتفل بها كموعد تاريخي لظهور ذلك التيار، لكن الحياة الفنية الإنجليزية ستبدو دائماً وكأن ثمة لحظة من ذلك النوع لكن اختيارها لن يكون عشوائياً بأي حال من الأحوال. ولنقل على الفور أن احتفالاً ما يمكن أن يقيمه الإنجليز في هذه الأيام بالذات بوصفها الذكرى المئوية الثانية لولادة الحياة الفنية الإنجليزية من ناحية وانطلاقها إلى أوروبا من ناحية ثانية من دون أن يساجلهم أحد في ذلك مستنكراً. منافس حقيقي للوفر ومهما يكن من أمر فلا بد أن نوضح أن الذكرى لا تتعلق تحديداً بولادة الفن التشكيلي الإنجليزي بل بانطلاقته إلى العالم ومن العروض الفرنسية الأولى لعدد كبير من نتاجاته انطلاقاً من باريس التي نعرف أنها دائماً ما لعبت مثل هذا الدور بالنسبة إلى الفنانين الأجانب الأفراد، كما بالنسبة إلى التيارات الفنية مهما كانت عالميتها، بمعنى أن باريس اعتادت دائماً أن تكون الممر الإجباري إلى العالم. ولقد حدث ذلك عند بدايات ربيع عام 1824، ولكن كما لو كان ذلك وحده لا يكفي، شهد العام نفسه فتح أبواب ما سيسمى منذ ذلك الحين “ناشيونال غاليري” (المتحف الوطني) وفي المكان نفسه الذي يشغله ذلك المتحف حتى اليوم وسط العاصمة لندن، ليعتبر أول مكان وموعد لبداية احتكاك الجمهور اللندني العريض بالفن التشكيلي –وفنون أخرى ستنضاف تدريجاً إلى ذلك الصرح الذي ينظر إليه اليوم باعتباره واحداً من أرقى المتاحف الفنية في العالم قد لا ينافسه في ذلك سوى متحف اللوفر الباريسي الذي يتشارك معه في كونه في الأصل، قصراً تحول إلى متحف. من أعمال كونستابل- بداية مجيدة (غيتي) احتفال مزدوج ومهما يكن من أمر فلا شك أن الربيع المقبل سوف يكون موعداً تاريخياً ملائماً، من ناحية للاحتفال ببلوغ “المتحف الوطني” 200 عام من عمره، إضافة إلى احتفال الفن الإنجليزي بولادة “عالميته”. وهي ولادة قد يكون من أظرف الذين أعلنوها الكاتب الفرنسي شارل نودييه، ومباشرة قبل تحول المعرض الباريسي للفن الإنجليزي إلى ظاهرة اجتماعية. فنودييه وفي كتاب أصدره حينها بعنوان “نزهة من مدينة دياب إلى جبال اسكتلندا” عبَّر عن انبهاره وبشكل خاص بلوحة الإنجليزي جون كونستابل “عربة التبن” مختصراً ذلك الانبهار يقوله “إنه الماء والهواء والسماء وقد اجتمعوا معاً”. ويبدو أن أول الذين لفتهم هذا القول كان تاجر اللوحات وجامعها المقيم في باريس ينطلق منها إلى أوروبا كلها، جون آروسميث الذي توجه من فوره إلى بلاد الإنجليز كي يكتشف بنفسه أن كونسابل إنما يشكل واحداً فقط من كثر من فنانين لا شك أن أعمالهم “شديدة الإنجليزية، لا سيما في علاقتها مع الطبيعة ومع الواقع ومع يوميات حياة الناس ستكون ذات شأن إن هي خرجت من منغلقاتها المحلية لتصل إلى العالم الخارجي”. وهكذا إذ نال آروسميث الموافقة المطلوبة لعرض لوحات كونستابل في باريس، بات من السهل عليه أن يتعاقد مع رفاق آخرين له راحت أعمالهم تعرض تباعاً، لا سيما أن معلقين فرنسيين كباراً راحوا يخصونها بمقالات وتعليقات مبهورة بدورها. وكان الأكثر حماسة في هذا المضمار الكاتب ستندال الذي اشتهر بكتاباته عن الفنون الإيطالية بقدر ما اشتهر بروايته الكبيرة “الأحمر والأسود”. وهكذا كان يكفي أن يكتب ستندال: “ها هم الإنجليز يرسلون إلينا مناظر رائعة من إبداع مستر كونستابل، مناظر لست أدري ما إذا كنا قادرين من ناحيتنا على منافستها…”، كان يكفيه أن يكتب ذلك حتى يتدفق الجمهور الباريسي لمشاهة أعمال فنية وصلته من بلد اعتاد أن يتنمر على فنانيه. موافقة صعبة من مجلس العموم وهكذا كانت بداية رحلة الفنون الإنجليزية إلى العالم الخارجي وذلك في الوقت الذي فتح فيه “المتحف الوطني” فنون العالم أمام شعب لندن. ويمكننا على أي حال أن نفترض بأن ذلك التزامن المدهش إنما أتى محض صدفة، بل إن المكان نفسه لم يكن مقصوداً لذاته على رغم الأهمية التي ستكون له في ما بعد. كل ما في الأمر أن المصرفي الواسع الثراء جون جوليوس آرجنشتاين كان قد جعل من ذلك المبنى الضخم مقر عيشه لكنه عند نهاية حياته قرر أن يوصي بانتقال المبنى ليصبح في عهدة الحكومة ليشمل الانتقال مجموعته الضخمة من اللوحات والتحف الأخرى التي أمضى حياته في جمعها. وكل ذلك مقابل 60 ألف جنيه إنجليزي قد لا تكفي لشراء لوحتين أو ثلاث من لوحات ذلك الكنز. ومع ذلك احتاج الأمر إلى تصويت البرلمان (وتحديداً مجلس العموم)، للحصول على موافقة السلطات على صفقة الشراء ما قد يبدو مضحكاً اليوم، لا سيما إذ نستعرض الأعمال التي كانت معلقة على جدران ذلك المبنى الذي سرعان ما بات من المعالم الرئيسة في لندن يفوق عدد زواره في العام الواحد عدد الزوار الذين يزورون أي معلم آخر من معالم المدينة. وتقول إحصاءات ترد في تاريخ هذا المتحف إن ما خلفه المصرفي الثري كان يتألف من مجموعة رائعة من لوحات لا تقدر بثمن، ومنذ ذلك الحين، ولعل أشهرها لوحات لكلود جيليه مثل “سيفال وبروكري” وبخاصة “ملكة سبأ تأخذ المركب في سوهو”. وهما لوحتان تنافسان “بورتريه شاب” لرمبراندت ومجموعة من لوحات روبنز التي تصور حياة الملكة الفرنسية، وغيرها من أعمال أضيفت لاحقاً ومنها عدد كبير من رسوم هوغارث الكاريكاتيرية ومنها ما يصور مشاهد رائعة ضمن إطار مجموعته الشهيرة “العرس على الموضة”، ناهيك إلى مئات الأعمال التي أضيفت لاحقاً إلى ما خلفه آنجرشتاين. ما نهبوه من البلدان المحتلة مهما يكن حتى من دون تلك الأعمال الكبيرة والرائعة التي ستضاف إلى مقتنيات “المتحف الوطني”، بما في ذلك تلك القطع البديعة التي نهبها الإنجليز من مصر أيام احتلالهم لها، كما من مناطق أخرى من “العالم الثالث” لا تكف شعوبها عن المطالبة باستعادتها، وحتى وإن كانت لندن قد تأخرت عن كبريات المدن الفرنسية والنمسوية والإسبانية والألمانية طبعاً والهولندية وغيرها في مجال امتلاكها متحفاً وطنياً، فإن “الناشيونال غاليري” عرف كيف ينسي الناس في العالم أجمع ذلك التأخر وبخاصة من خلال مقتنياته اللاحقة وتنوعها، ولكن كذلك من خلال استثارته فضولاً جعل عدد زواره في عامه الأول يزيد على 80 ألف زائر وهو رقم كان يعتبر مذهلاً في ذلك الحين. فهل علينا أن نضيف أن من أسهل الأمور علينا اليوم أن نضرب هذا الرقم مئات الأضعاف حتى نصل إلى رقم تقريبي يجعل من هذا المتحف واحداً من أكبر متاحف العالم وأشهرها اليوم؟. وبقي أن نذكر على أي حال أن مساحة المتحف قد تضاعفت مرات كثيرة على مدى 200 عام بل بدأت زيادتها منذ العام الأول وكان ذلك لمناسبة إهداء السير جورج بيمون مجموعته الأضخم من اللوحات والتحف الأخرى إلى المتحف فرفضت الدولة قبولها لعدم توفر مكان يسعها، لكنها ما لبثت أن وافقت على تسلمها في العام التالي بعد أن اتخذ مجلس العموم قراراً بتوسعة المتحف الذي ما برح يتوسع أكثر وأكثر منذ ذلك الحين إلى درجة لم يعد فيها متسع لأي توسع إضافي! المزيد عن: الفن التشكيلي الإنجليزيناشيونال غاليريمتحف اللوفرالرسام الإنجليزي جون كونستابلالكاتب الفرنسي ستندالرمبراندت 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post نورمان جويسون سينمائي أميركي معمر ناهض العنصرية next post ألبرتو مانغويل: الأدب يمنح الأمة هويتها والانترنت إلهاء You may also like اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024