دمشق تطالب بانسحاب إسرائيل من أراضي الجنوب والشرع يؤكد أن المؤتمر “فرصة استثنائية تاريخية نادرة” للبلاد
وضع البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني في دمشق اليوم الثلاثاء الخطوط العريضة لبناء دولة جديدة في سوريا عقب الإطاحة بحكم بشار الأسد، مشدداً على أهمية تحقيق العدالة الانتقالية وترسيخ قيم الحرية وحصر السلاح بيد الدولة.
وأكد المجتمعون رفض “التصريحات الاستفزازية” الأخيرة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن بلاده لن تسمح لقوات الإدارة الجديدة بالانتشار جنوب دمشق، متمسكين بوحدة سوريا “وسيادتها على كامل أراضيها”.
واعتبر المجتمعون في بيان ختامي من 18 بنداً تلته عضو اللجنة التحضيرية هدى الأتاسي بحضور الشرع، “أي تشكيلات مسلحة خارج المؤسسات الرسمية جماعات خارجة عن القانون”، في إشارة ضمنية إلى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الذراع العسكرية للإدارة الذاتية، وفصائل ومجموعات لا تزال تحتفظ بسلاحها منذ الإطاحة بالأسد.
ودعا البيان الختامي السلطات إلى “تشكيل لجنة دستورية لإعداد مسودة دستور دائم للبلاد يحقق التوازن بين السلطات ويرسخ قيم العدالة والحرية والمساواة ويؤسس لدولة القانون والمؤسسات”.
وشدد على “ضمان حرية الرأي والتعبير ومشاركة فئات المجتمع كافة في الحياة السياسية ونبذ كل أشكال العنف والتحريض والانتقام”، إضافة إلى “تحقيق العدالة الانتقالية من خلال محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات وإصلاح المنظومة القضائية”.
وتمسك المجتمعون بأن البيان الختامي “خطوة أساسية في مسيرة بناء الدولة السورية الجديدة”.
وكانت إسرائيل نقلت قواتها إلى منطقة منزوعة السلاح تراقبها الأمم المتحدة داخل سوريا بعد أن أطاحت المعارضة المسلحة الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول من أمس الأحد إن إسرائيل لن تسمح بوجود “هيئة تحرير الشام” في جنوب سوريا، ولا أية قوات أخرى تابعة لحكام البلاد الجدد، مطالباً بأن تكون تلك المنطقة منزوعة السلاح.
ترحيب السعودية
ورحبت وزارة الخارجية السعودية بعقد مؤتمر الحوار، معربة عن أملها في “أن يسهم ذلك في تحقيق تطلعات الشعب السوري الشقيق وتعزيز وحدته الوطنية”، وأكدت دعمها “لجهود بناء مؤسسات الدولة السورية ولأمن واستقرار سوريا وسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها”.
فرصة استثنائية تاريخية
وقال الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم إن هناك “فرصة استثنائية تاريخية نادرة” لإعادة بناء الدولة، وذلك خلال كلمته في مؤتمر الحوار الوطني الذي وصفته الحكومة الجديدة بأنه علامة فارقة بعد حكم عائلة الأسد الذي استمر عقوداً.
واجتمع مئات السوريين في القصر الرئاسي في دمشق لحضور المؤتمر الذي يستمر يوماً واحداً، وأشاد به مؤيدون باعتباره غير مسبوق، لكن منتقدين يخشون أن يكون مجرد واجهة لعملية انتقالية يقودها أساساً الزعماء الجدد في سوريا.

قال الشرع في كلمة من قصر الشعب في دمشق إن “وحدة السلاح واحتكاره بيد الدولة ليس رفاهية بل هو واجب وفرض” (رويترز)
ولا تزال خريطة الطريق السياسية للبلاد غير محددة المعالم إلى حد بعيد، باستثناء حكومة انتقالية جديدة تتولى السلطة في أول مارس (آذار) المقبل ولم يُعلن عن أعضائها بعد، وقد أكد الشرع الذي يواجه دعوات من دول غربية وعربية لقيادة عملية تشمل جميع الأطياف، أن إجراء انتخابات قد يحتاج خمسة أعوام.
ووصل مئات السوريين إلى القصر الرئاسي في دمشق لحضور المؤتمر ومشوا على السجادة الحمراء التي كانت مخصصة في السابق لعدد قليل من كبار الشخصيات الأجنبية الذين كانوا يزورون الرئيس السابق بشار الأسد قبل أن تطيح به المعارضة أواخر العام الماضي، لينصّب قادة المعارضة أحمد الشرع رئيساً موقتاً للبلاد في يناير (كانون الثاني) الماضي، والذي تعهد على الفور بإجراء حوار وطني لمناقشة مستقبل البلاد.
وأكد الشرع اليوم في كلمته أن “سوريا التي حررت نفسها بنفسها يليق بها أن تبني نفسها بنفسها”، مضيفاً أنها “فرصة استثنائية تاريخية نادرة، وعلينا استغلال كل لحظة فيها لما يخدم مصالح شعبنا وأمتنا”، ومشدداً على ضرورة توحيد مختلف الفصائل المسلحة تحت قيادة عسكرية واحدة، قائلاً إن “سوريا لا تقبل القسمة، فهي كل متكامل وقوتها في وحدتها”.
مناقشات سرية
وانقسم المشاركون إلى ست مجموعات عمل لمناقشة منظومة العدالة الانتقالية والدستور وبناء مؤسسات الدولة والحريات الشخصية والنموذج الاقتصادي لسوريا في المستقبل والدور الذي سيلعبه المجتمع المدني في البلاد، وقد كانت سرية بحضور منسق يخصص لكل مشارك دقيقتين للحديث، إضافة إلى وجود قيود على إزالة أية وثائق من قاعة المؤتمر.
وقال مشاركون إن المناقشات كانت جيدة التنظيم لكنهم لا يزالون يشعرون بالقلق من مدى تأثير إسهاماتهم في العملية السياسية التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” بصورة كبيرة حتى الآن.
غياب الشمول
وذكر المنظمون أن التوصيات ستساعد في صياغة إعلان دستوري يستهدف وضع المبادئ الأساس للنظام الحاكم الجديد في سوريا، وستنظر في هذه التوصيات الحكومة الانتقالية الجديدة، فيما يقول مؤيدون إن هذه العملية تمثل تحولاً ملحوظاً عن الحكم الاستبدادي لعائلة الأسد الذي كان يواجه في كثير من الأحيان المعارضة السياسية بالاعتقال.
واعتبرت الإدارة الذاتية الكردية في بيان الثلاثاء أن مؤتمر الحوار الوطني “لا يمثل” الشعب السوري، مؤكدة أنها “لن تكون جزءاً” من تطبيق مخرجاته، بعد استثنائها من الدعوة لحضوره.
وأوردت في بيان “نعلن أن هذا المؤتمر لا يمثل الشعب السوري، ونحن، كجزء من سوريا، ولم يتم تمثيلنا، نتحفظ على هذا المؤتمر شكلاً ومضموناً، ولن نكون جزءاً من تطبيق مخرجاته”، التي حددت الخطوط العريضة لبناء دولة جديدة عقب إطاحة الأسد.
وفي السياق قال ثلاثة دبلوماسيين إن المؤتمر سيحظى بمتابعة وثيقة من عواصم عربية وغربية علقت إقامة علاقات كاملة مع القيادة الجديدة في سوريا، مثل الإلغاء المحتمل للعقوبات شرط احتواء العملية السياسية لكل أطياف السكان المتنوعين عرقياً ودينياً، بينما ذكر ثلاثة مبعوثين أجانب في سوريا أن الدبلوماسيين المقيمين في البلاد لم يدعوا لحضور المؤتمر، كما لم يقبل المنظمون عروضاً قدمتها الأمم المتحدة للمساعدة في التحضير.

انطلقت في قصر الشعب في دمشق أعمال مؤتمر الحوار الوطني (رويترز)
وتفرض الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول أخرى عقوبات على “هيئة تحرير الشام” كجماعة، كما تفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات واسعة النطاق على سوريا، لكن الجانبين أصدرا موقتاً إعفاءات لبعض القطاعات خلال الأسابيع الماضية.
أعمال مؤتمر الحوار الوطني
وانطلقت في قصر الشعب في دمشق أعمال مؤتمر الحوار الوطني، وفق ما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، في إطار مساعي السلطات الجديدة إلى إدارة المرحلة الانتقالية بعد إطاحة بشار الأسد.
وكانت السلطة الجديدة بقيادة الشرع أعلنت، منذ وصولها، إلى دمشق عزمها على تنظيم مؤتمر الحوار الوطني، وقد حضها المجتمع الدولي مراراً، خلال الأسابيع الماضية، على ضرورة أن يتضمن تمثيلاً لجميع أطياف السوريين.
المزيد عن: أحمد الشرعمؤتمر الحوار الوطني السوريالإدارة الذاتية الكرديةأسعد الشيباني