اختلفوا مع ترمب ففتح عليهم “أبواب الجحيم”… من هم؟

تباينت الأسباب بين خلافات السياسة الخارجية والسلوك الشخصي ومعارضة مصالح الرئيس

اندبندنت عربية / عيسى النهاري محرر الشؤون السياسية @ES_Nahari

كثر هم الذين اختلفوا مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فأقصاهم أو استهدفهم ولم يبتسم لهم مستقبلهم المهني في الحكومة أو الكونغرس. ويظهر رصد “اندبندنت عربية” أن ما لا يقل عن 20 مسؤولاً في إدارتيه الأولى والثانية استقالوا أو أقيلوا نتيجة خلافهم مع ترمب، وتباينت الأسباب بين اختلاف وجهات النظر حول السياسة الخارجية والسلوك الشخصي ومصالح الرئيس الشخصية.

محاولات العزل والتحقيق

من الأسباب التي قادت إلى اختلاف ترمب مع عدد كبير من مسؤولي إدارته الأولى هو التحقيقات ومحاولات العزل التي استهدفته، مما جعل عدد الإقالات في عهده يفوق أية إدارة في التاريخ الأميركي الحديث، إذ أقال ترمب جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي عمل بين 2013 إلى 2017 بسبب تحقيقه في مزاعم تدخل روسيا في حملة ترمب الانتخابية والتأثير في انتخابات 2016 لصالح المرشح الجمهوري، ثم دخل في خلاف مع المحقق الخاص روبرت مولر الذي أشرف على التحقيق المستقل وانتهى الأمر بتنحيه.

وكانت وزارة العدل من الحقائب الوزارية غير المستقرة، وتعاقب عليها في الولاية الأولى وزيران رسميان ووزير بالوكالة، الأول جيف سيشنز، الذي أجبره ترمب على الاستقالة بعد تنحيه عن الإشراف على التحقيق في التدخل الروسي بسبب تضارب المصالح، إذ تبين أنه التقى السفير الروسي ولم يفصح عن الأمر في جلسة تأكيد تعيينه، مما مهد إلى تعيين المحقق الخاص مولر، مما أغضب ترمب، وجعله يعتقد بأن سيشنز خان ولاءه له. تبعه ماثيو ويتاكر موقتاً، ثم وليام بار الذي استقال بعد تصاعد الخلاف مع ترمب وتصريحه بعدم وجود تزوير واسع في انتخابات 2020 التي فاز بها جو بايدن.

وكثر هم أعضاء الكونغرس الذي هاجمهم ترمب بسبب مواقفهم من محاولة عزله، مثل ميت رومني، إضافة إلى آخرين هاجمهم بسبب اعترافهم بفوز بايدن مثل نائبه مايك بنس، ومرشحين جمهوريين للكونغرس ومناصب الولايات سعى إلى الإطاحة بهم وترشيح موالين له فيها. ولعل من أبرزهم ليز تشيني، النائبة الجمهورية، التي صوتت لعزل ترمب فجرى عزلها من الحزب وخسرت مقعدها في 2023 على رغم مكانة والدها.

ريك بيري، أول وزير للطاقة في عهد ترمب، كان هو الآخر من ضحايا التحقيقات التي طاولت ترمب، إذ استقال في نوفمبر 2019، على خلفية ضغوط سياسية مرتبطة بتحقيقات الكونغرس حول دوره في فضيحة أوكرانيا، على رغم نفيه ارتكاب أية مخالفات. بصفته وزيراً للطاقة، زار بيري أوكرانيا وتواصل مع عدد من المسؤولين الأوكرانيين، وورد اسمه في شهادات جلسات الاستماع بوصفه أحد المسؤولين الذين شجعوا على انخراط الإدارة الأميركية في الضغط على الحكومة الأوكرانية لفتح تحقيقات في أنشطة هانتر بايدن في أوكرانيا بهدف خدمة مصالح ترمب السياسية. ومع ذلك، أصر بيري على أن استقالته لم تكن نتيجة مباشرة لتلك التحقيقات.

خلافات سياسية

تولى منصب وزير الخارجية ريكس تيلرسون في 2017 قبل إقالته في غضون عام عبر تغريدة على “إكس”، بسبب الخلاف حول كوريا الشمالية، إذ كان الوزير يدعو إلى الدبلوماسية بينما رأى ترمب أنه يميل إلى تقديم تنازلات كثيرة، قبل أن يفاجئ ترمب الجميع بلقائه الزعيم الكوري الشمالي. كما اختلف الرجلان حول الاتفاق النووي مع إيران، فتيرلسون دعا إلى الالتزام به بينما أراد ترمب الانسحاب منه.

مهدت هذه الخلافات لانتقال مايك بومبيو من قيادة “سي آي أي” إلى الخارجية، وبقي فيها حتى نهاية الإدارة الأولى لكن ترمب فاجأ كثيرين عندما غرد بأنه لم يضمه للإدارة الثانية، فيما يبدو لاستيائه من محاولته الترشح ضده في الانتخابات التمهيدية بالحزب الجمهوري، وانسحب الأمر على نيكي هيلي التي استبعدها أيضاً بعد ترشحها ضده وانتقاداتها العلنية له.

كما شهدت إدارة ترمب الأولى تغييرات كثيرة في منصب مستشار الأمن القومي، أحد أهم المناصب في دائرة صنع القرار بالبيت الأبيض. وعلى مدى أربع سنوات، تداول على هذا المنصب خمسة أشخاص، ما يعكس حجم التباين داخل الإدارة في ما يخص قضايا الأمن القومي. بدأت الولاية مع تعيين مايكل فلين في يناير 2017، إلا أن فلين لم يستمر سوى 24 يوماً، ليصبح بذلك أقصر من تولى هذا المنصب في التاريخ الأميركي، إذ استقال فلين على خلفية تضليله مسؤولين كباراً، بينهم نائب الرئيس بنس، في شأن اتصالاته مع السفير الروسي لدى واشنطن.

وبعد مغادرة فلين، تولى الجنرال المتقاعد كيث كيلوغ المنصب موقتاً إلى حين تعيين هربرت ماكماستر، الذي استمر في منصبه من فبراير 2017 حتى أبريل 2018، حين أعلن مغادرته نتيجة خلافات متراكمة مع الرئيس، لا سيما في ملفات إيران وروسيا وأسلوب إدارة الملفات الأمنية، لكن ترمب أكد بقاء علاقتهما الودية.

عين بعده جون بولتون، أحد أكثر مستشاري الأمن القومي تشدداً ضد خصوم واشنطن، لكن العلاقة بينه وبين الرئيس لم تدم طويلًا، وأقاله ترمب من المنصب في سبتمبر 2019 عبر تغريدة وسط خلافات في شأن طريقة التعامل مع كوريا الشمالية التي رفض لقاء زعيمها، والانسحاب من أفغانستان، فضلاً عن رغبته في اتخاذ نهج أشرس ضد طهران. وجاء بعده روبرت أوبراين، الذي شغل المنصب حتى نهاية ولاية ترمب في يناير 2021. واتسمت فترة أوبراين بهدوء نسبي مقارنة بسابقيه، وينسب إليه الحفاظ على قدر من الاستقرار في فريق الأمن القومي.

كما تعاقب على منصب وزير الدفاع ثلاثة أشخاص، إذ تولى جيم ماتيس المنصب في 2017، لكنه استقال في 2018 بسبب خلافات مع ترمب في شأن سياسات الأمن القومي، أبرزها سحب القوات الأميركية من سوريا. خلفه باتريك شاناهان الذي شغل المنصب بالوكالة، ثم استقال في 2019 بسبب قضايا شخصية تتعلق بتورطه في تحقيقات جنائية مرتبطة بخلافات شخصية مع زوجته، ثم تولى مارك إسبر المنصب حتى إقالته في 2020 بعد رفضه نشر الجيش ضد المتظاهرين في احتجاجات “حياة السود مهمة”.

وشهدت ولاية ترمب الأولى توتراً في شأن ملف الهجرة، مما أدى إلى استقالة كيرستن نيلسن من منصبها كوزيرة للأمن الداخلي في أبريل 2019، ومن الأسباب الرئيسة لاستقالتها كان عدم رضا ترمب عن تعاملها مع الزيادة في عدد العائلات القادمة من أميركا الوسطى إلى الحدود الأميركية. وواجهت نيلسن انتقادات حادة بسبب فصل الأطفال عن عائلاتهم عند الحدود، وهو ما أثار استياء واسعاً، وفي مقابلة لاحقة أشارت إلى أن هناك توجهات داخل الإدارة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة، وأنها شعرت بأن الوقت حان للتنحي.

السلوك الشخصي وصراع الأجنحة

ويثبت ترمب مراراً أن لا ثابت ولا عصي عن الإقالة في إدارته، فحتى ستيف بانون الذي كان يوصف بأنه عقل ترمب أقيل قبل أن يكمل عاماً في منصبه ككبير المستشارين الاستراتيجيين، ومن الأسباب هي أن بانون اعتاد التسريب لوسائل الإعلام وإخراج الصراعات الداخلية مع مسؤولي الإدارة إلى العلن، مما دفع الرئيس إلى التخلي عنه على رغم التوافق الفكري، ووصفه ترمب لاحقاً بأنه “فقد عقله” واتهم بانتهاكه اتفاق السرية.

كما استقال توم برايس أول وزير للصحة في إدارة ترمب الأولى في سبتمبر 2017، بعد تعرضه لضغوط شديدة بسبب فضيحة تتعلق باستخدامه طائرات خاصة مكلفة على حساب دافعي الضرائب. وخلال فترة قصيرة، أنفق برايس أكثر من مليون دولار على رحلات جوية خاصة وعسكرية، في وقت كانت فيه إدارة ترمب تدعو إلى تقليص الإنفاق الحكومي. وأثارت هذه الفضيحة موجة انتقادات واسعة، وأعرب ترمب حينها عن “خيبة أمله” بسبب سلوك برايس.

آخرون استقالوا أو أجبروا على الاستقالة بسبب الصراع مع أجنحة نافذة في إدارة ترمب، منهم جون كيلي كبير موظفي البيت الأبيض ذو الخلفية العسكرية الصارمة، الذي اختلف مع جاريد كوشنر، وكان يريد فرض نظام واضح داخل البيت الأبيض، بينما كان ترمب يفضل أسلوباً حراً وغير تقليدي في العمل، ويتجاوز أحياناً التسلسل الإداري ويتخذ قرارات مفاجئة من دون التشاور مع فريقه.

ينضم إليه أنتوني سكاراموتشي الذي شغل مدير الاتصالات بالبيت الأبيض لـ10 أيام فقط ثم أجبر على الاستقالة بعد تجاوزه مسؤولين كباراً في الإدارة، وتحول إلى مناهض شرس لترمب. كما استقال شون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض مباشرة بعد تعيين سكاراموتشي، لأنه كان يعتقد بأنه يفتقر للمؤهلات اللازمة، وشعر بتضاؤل دوره في الإدارة.

وبعد فوز بايدن بالسباق الرئاسي، أقال ترمب كريستوفر كريبس رئيس الأمن السيبراني بسبب تأكيده نزاهة الانتخابات. ومهد رفض ترمب للنتيجة إلى اقتحام مناصريه للكونغرس لتعطيل عملية المصادقة، مما دفع وزير الصحة أليكس عازار إلى الاستقالة احتجاجاً على تصرفات ترمب والهجوم الذي وصفه بأنه “يلطخ” إنجازات الإدارة.

ضحايا الإدارة الثانية

بعد فضيحة “سيغنال”، واجه ترمب ضغوطاً لإقالة بعض كبار مسؤولي إدارته مثل مستشار الأمن القومي مايك والتز الذي أنشأ مجموعة في تطبيق المحادثة لمناقشة معلومات حساسة عن الغارات الجوية ضد الحوثيين في اليمن، إضافة إلى وزير الدفاع بيت هيغسيث الذي شارك تفاصيل حول توقيت العمليات وأنواع الأسلحة والصواريخ المستخدمة، لكن الرئيس لم يرضخ لمطالب إقالتهما.

ومع ذلك، أقيل عدد من مسؤولي مجلس الأمن القومي، ويعتقد أن هذه الإقالات مرتبطة بما يعرف بفضيحة “سيغنال”. من بين المقالين: تيموثي هوغ، مدير وكالة الأمن القومي، ونائبته ويندي نوبل، إضافة إلى ثلاثة مسؤولين في مجلس الأمن القومي هم براين والش وتوماس بودري وديفيد فيث، وتشير تقارير إلى أن هذه الإقالات جاءت استجابة لضغوط من الناشطة اليمينية المتشددة لورا لومر، التي حثت الرئيس ترمب على إقالتهم بدعوى أنهم لا يظهرون الولاء الكافي له.

المزيد عن: ترمبمارك إسبرجون بولتونولاية ترمب الأولىإدارة ترمب الثانيةمايك بنس