الخميس, فبراير 20, 2025
الخميس, فبراير 20, 2025
Home » ( 100 عام) على ولادة الروبوت في مخيلة مسرحي تشيكي

( 100 عام) على ولادة الروبوت في مخيلة مسرحي تشيكي

by admin

 

عندما أعلن كارل تشابيك بدايات عصور ما بعد الإنسانية وانتصار الآلة وذكائها على البشر

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

كان ذلك في مثل هذه الأيام تماماً قبل 100 سنة، وتحديداً خلال الأعوام الخمسة الأولى من عشرينيات القرن الماضي، يوم شهدت الحركة المسرحية الأوروبية بخاصة والعالمية بصورة أكثر عموماً، عروضاً بعدد لا بأس به من اللغات، لمسرحية عنوانها “روبوتات روزوم الكونية”، واختصرت في كل مكان عرضت فيه بعنوان “رور” وأين؟ في نيويورك وفيينا ووارسو وبرلين وبودابست وبلغراد ولندن وموسكو وبروكسل و… تل أبيب، لتحط رحالها أخيراً حينذاك في مسرح الشانزليزيه الباريسي، حيث يتواصل عرضها أشهراً طويلة. وكان مؤلف المسرحية الكاتب التشيكي الذي يعد اليوم من كبار كتاب هذا البلد، كارل تشابيك (1890 – 1938). وكان كتبها أول الأمر في عام 1920 لينشرها في العام التالي قبل أن تعرض في أي مكان، لكن افتخاره بها سيصل إلى ذروته في عام 1926 حين تحولت إلى مسرحية غنائية. والحال أن ذلك كله جعل من مسرحية الخيال العلمي تلك، حدثاً فنياً، ولكن اجتماعيا أيضاً من نوع نادر، لكنها أتت في الوقت نفسه بالنسبة إلى كثر، كمصدر رعب وتوقعات ترتجف البشرية لها، إذ أتت بموضوعها لتضع هؤلاء البشر أمام مصير شديد البؤس يكاد يشبه تماماً المصير الذي يرعب اليوم أحفاد أولئك أمام هبة الذكاء الاصطناعي. فالإنسان كان في ذلك الحين كما هو اليوم أمام السؤال الحاسم: البشرية إلى أين؟ وللأسباب والعناصر نفسها التي تجعل الإنسان اليوم يتساءل عن مستقبله ومصيره كإنسان، ولكن إذا كان كارل ماركس قد قال مستنداً إلى هيغل إن التاريخ يمكن أن يبدأ تراجيدياً ليصبح كوميدياً، ها هو الإنسان اليوم يجد نفسه تحديداً أمام الروبوت يعكس الآية، إذ ما بدا في نهاية الأمر كوميدياً في مسرحية كارل تشابيك، بات اليوم ينذر بأن يضحى تراجيدياً.

الصراع بيننا وبينهم

كما أشرنا أعلاه، والعنوان نفسه على أية حال يوحي، نحن هنا أمام مسرحية خيال علمي من النوع الذي كان يصنف “استباقياً” ويسمى اليوم “دستوبيا”. ففي المسرحية بشر بالتأكيد، لكنَّ فيها بخاصة بشراً آليين (أندرويد، أو روبوتات والمفرد روبوت) اخترعهم العالم (روزوم) الذي زودهم بكل ما يتسم به البشر باستثناء العواطف. فالواحد منهم خالٍ من أية عاطفة أو مشاعر، يتحمل العمل، وعمل السخرة بخاصة المجاني منه، بطاقة لا حدود لها. ومن هنا اسمه روبوت الذي يعني عمل السخرة تحديداً. وإذ يتمكن (روزوم) من إنتاج أعداد من تلك الروبوتات بكميات لا حدود لها، يضحى من الطبيعي الاتكال عليها في كل الأعمال والنشاطات التي تقوم بها بدلاً من البشر بلا تذمر أو شكوى أو مكافأة. غير أن ثمة أمراً ما يدفع تلك الروبوتات إلى الانتفاض ضد البشرية التي خلقتها، وتكون النتيجة أنها تزيل تلك البشرية من الوجود، في وقت يكتشف فيه اثنان من تلك الروبوتات الحب ما من شأنه بالطبع أن يعطي آمالاً مستقبلية من نوع خاص جداً. ولا بد أن نذكر في هذا السياق، بأن ثمة في المسرحية شخصية إنسانية – هي شخصية المهندس (الكويست) الذي سيكون البشري الوحيد الذي سيبقى على قيد الوجود بعد زوال أبناء جنسه فـ(الكويست) يخبرنا عند مفتتح المسرحية قائلاً، “إننا نحن معشر أبناء البشر، قمة الحياة والوجود، لا شيء سيثير اهتمامنا بعد الآن، لا العمل ولا الأطفال، ولا البؤس. لن يثير اهتمامنا من الآن وصاعداً سوى اللذات والمتع. سنحتاج منها إلى أكبر قدر ممكن بأسرع ما يمكن. أما أنتم فما بالكم ترغبون بالحصول على أطفال؟ ما فائدتهم بالنسبة إلى أناس لا يفعلون شيئاً؟ ولا يفيدون في شيء؟”.

من تقديم مبكر لمسرحية كارل تشابيك (موقع العرض)

عالم من دون أحاسيس

ما تعدنا به مسرحية تشابيك هنا إذاً إنما هو عالم تحل فيه روبوتات على أكمل ما يكون، محل إنسانية لم يعد الكمال شيمتها منذ زمن بعيد. عالم تقوم فيه الروبوتات بالأشغال كلها على أفضل ما يكون، ومن دون أن تقف في وجهها عقبات صغيرة كثيراً ما أعاقت حركة البشر، مثل الأحاسيس وضروب التبرج والزينة. في عالم الروبوتات لا شيء سوى الفاعلية وما يشبهها، مما ذهل الباريسيون وهم يصغون إلى حيثياته بالفرنسية على لسان زعيم الروبوتات راديوس الذي لعب دوره أنطونان أرتو – ولسوف يقال إن لعبه الدور هو الذي أصابه بذلك الجنون الذي لن يبرحه طوال ما تبقى من سنوات حياته – إذ يقول زاعقاً ذات لحظة من لحظات المسرحية، “لقد انتهت سلطة الإنسان. فنحن إذ استولينا على المصنع بتنا سادة الوجود بأسره وبهذا ولد عالم جديد. هو عالم الروبوت”. ونذكر هنا أن المناسبة كانت أيضاً مناسبة ولادة ذلك المصطلح الجديد، روبوت من بنات خيال جوزيف تشابيك، الأخ الأصغر للمؤلف، وهو مصطلح سيدخل العدد الأكبر من قواميس لغات الأرض منذ ذلك الحين. المهم أن تلك المسرحية التي لم تشكل على أية حال سوى جزء من نتاج تشابيك الأدبي والصحافي وحتى الفلسفي والعلمي الكبير، جعلت له وفي الأقل لبقية سنوات حياته التي ستنتهي في العام التالي لتدمير هتلر ونازييه لتشيكوسلوفاكيا منطلقاً لاندلاع الحرب العالمية الثانية عبر احتلالهم منطقة السوديت، جعلت له سمعة عالمية تضافرت مع سمعته المحلية، التي راحت منذ تخرج في الجامعة كفيلسوف يهتم بالفلسفة العلمية، مفضلاً أن يخوض ميداني الكتابة الصحافية والأدب العلمي اللذين برع فيهما، لكن ضمن حدود محلية، وفي الأقل، حتى ظهور مسرحية الروبوت التي تضافرت فيها اهتماماته كلها لتقدم للإنسانية تلك الحكاية التي أرعبت كثراً، لكنها عرفت كيف تضحك كثراً أيضاً، وبخاصة أولئك الذين لم يصدقوا أن ما تحكيه يمكن أن يحدث يوماً. والحقيقة أن تشابيك لو كان حياً بيننا اليوم لكان واحداً من العاجزين عن تصديق ما بات عليه الذكاء الاصطناعي الذي لن يكون من الصعب اعتباره النتاج بالتواتر، لما تنبأ هو نفسه يوماً بولادته، ولكن بين مصدق ومكذب على أية حال.

بين أعمال كثيرة مشابهة

بقي أن نذكر، لمناسبة حديثنا عن كارل تشابيك، أن مسرحية الروبوت التي نتحدث عنها، لم تكن الوحيدة في مضمارها بين نتاجاته العديدة هو الذي أكثر من كتابة أعمال استباقية ليس على سبيل تسلية قرائه، بل كنوع من دق ناقوس الخطر، وانطلاقاً من نوازعه الشخصية الإنسانية وتعهده بينه وبين نفسه الدفاع عن إنسانية الإنسان دفاعاً لعله وجد في هذه المسرحية نفسها تتويجاً له. فهو في النهاية، وربما على ضوء النجاح الذي كان للمسرحية التي نتناولها، وعلى الصعيد العالمي، عاود الكرَّة من جديد، وأصدر خلال السنوات التالية بل حتى بدءاً من عام 1922 التالي لصدور مسرحية الروبوت، أي قبل تقديم هذه المسرحية محلياً وعالمياً، ثلاث مسرحيات لا تقل قوة عنها وإن عجزت أي منها على تحقيق نجاح يماثل نجاحها: “كراكيتيت” عام 1922 و”النيزك” عام 1934، ثم “الوباء الأبيض” عام 1937، علماً أن المسرحيات، وغيرها من أعمال تشابيك قد اهتمت بمعالجة مواضيع إنسانية متقاربة تدور من حول الأخطار التكنولوجية أو الأيديولوجية التي تهدد العالم وأهله. ولقد وصلت مكانة تشابيك في الأدب العالمي بفضل تلك النصوص إلى حد أنه وفي العام الذي توفي فيه كان أحد كبار الكتاب المرشحين جدياً للفوز بجائزة نوبل الأدبية، ولكن يبدو أن رحيله قد حسم الأمر سلباً بالنسبة إليه!

المزيد عن: الروبوتمسرحالحركة المسرحية الأوروبيةالمسرحي التشيكي كارل تشابيككارل ماركس

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili