ثقافة و فنونعربي “10 أيام هزت العالم” ثم تلاشت بعد 70 عاما في الهواء by admin 4 سبتمبر، 2021 written by admin 4 سبتمبر، 2021 42 دفين الكرملين جون ريد أنقذته الأقدار من خيبات الزمن الستاليني اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب كانت واحدة من مفارقات وغرائب أميركا أن فيلماً يتناول جزءاً من سيرة المناضل جون ريد المعروف بكونه واحداً من ثلاثة أميركيين لا غير مدفونين غير بعيد عن جثمان لينين في جدران الكرملين، منطلقاً من كتابه الأشهر، والذي ربما يكون أشهر كتاب وضع عن الثورة البلشفية، ظل إنتاجه يؤجل ويؤجل حتى حل زمن تحقيقه فتم ذلك في واحد من العهود الأكثر محافظة في تاريخ الرئاسة الأميركية: عهد الرئيس رونالد ريغان. يومها بدا الأمر وكأن هوليوود، في شخص النجم والسينمائي وارين بيتي، قد تعمدت أن تغيظ ابنها اليميني الذي تحول بقدرة قادر إلى سيد للبيت الأبيض مقدمة له “هدية” سينمائية ما كان من شأنه أن يستسيغها. ليست المرة الأولى بكلمات أخرى، كان أمراً بالغ الغرابة وربما الدلالة في آن معاً أن يختار وارن بيتي عام 1981 الذي “أعلن” فيه حضور ريغان في البيت الأبيض ذروة انتصار الليبرالية الرأسمالية الأميركية على “الحمر” ليحقق فيه ومن إخراجه، ذلك الفيلم الذي سيقول إنه حلم به كثيراً؛ وأراد أن يحققه منذ سنوات طويلة. مهما يكن من أمر، ها هو الحلم تحقق حتى وإن كان لا بد من الإشاره هنا إلى أنها لم تكن المرة الأولى الذي ينطلق فيها فيلم سينمائي من نص كتاب ريد “10 أيام هزت العالم”، حيث من المعروف أن سيرغاي إيزنشتاين كان منذ عام 1927 قد بنى جزءاً أساسياً من فيلمه “أوكتوبر” المحتفل بالذكرى العاشرة لانتصار الثورة البلشفية، على فصول من كتاب ريد لا شك أنه استخدمها كنوع من التكريم لا أكثر. ففي نهاية الأمر كان جون ريد يعتبر عند تلك المرحلة التاريخية بطلاً أممياً جاء من أميركا ليشارك في صنع “المستقبل الثوري” الذي يصنعه الروس. جون ريد في موسكو العام 1920 (غيتي) الموت باكراً لقد كان من سوء حظ جون ريد أنه لم يقطف ما كان يتوخاه من ثمار تلك الثورة التي آمن بها كثيراً. فهو ما لبث أن رحل عن عالمنا إثر اندلاع الثورة، والصراع من حولها بينها وبين أعدائها من ناحية، ولكن لاحقاً بين أبنائها في داخل صفوفهم من ناحية ثانية وبشكل أكثر قسوة، لا يزال في أوله حيث نعرف أن جون ريد توفي من جراء إصابته بالتيفوئيد تحديداً يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1920 في وقت كان مرغماً على البقاء في موسكو المحاصرة من قبل الحلفاء الغربيين. ومن هنا، تكريماً له، دفن في مكان مخصص لذلك في جدران الكرملين إلى جانب قادة شيوعيين روس كبار وغير بعيد من مواطنيْن أميركيين آخرين حظيا بذلك “الشرف” أحدهما سي إي روثنبرغ مؤسس الجزب الشيوعي الأميركي. وحين رحل ريد وإلى جانب سريره امرأته لويز براينت التي كانت ترافقه في نشاطه الصحافي والثوري، كان يشتغل كما يبدو على جزء ثان من الكتاب نفسه لم يكتمل أبداً. ومع ذلك فإن ريد وقبل “مغامرته الروسية” كان قد واكب أحداثاً ثورية كثيرة في مناطق مختلفة منها المكسيك التي وضع عنها كتاباً حُول في السبعينيات إلى فيلم مكسيكي في جزأين. في خدمة المبادئ والحال أن الكتب التي تركها جون ريد وكانت قليلة العدد من جراء موته وهو بعد في شرخ الشباب وذروة الحماس السياسي والثوري منخرطاً في العمل الصحافي، تنم عما يمكننا أن نسميه نتاج “ثائر محترف” آمن باكراً بالفكر الاشتراكي ووضع موهبته الصحافية وفكره وقلمه بل حياته كلها في خدمة مبادئه. وكما قلنا قبل سطور كان من “حسن حظه” أن يرحل قبل تفكك كل تلك الأحلام تفككاً خيب آمالاً كثيرة بل دفع كثراً من طينته الصادقة وثقافته الرفيعة إلى الانتحار يأساً. ولكن ليس هذا موضوعنا هنا بالطبع. موضوعنا هو ذلك الكتاب الذي ظل وربما حتى الآن أيقونة فكرية وثورية وربما إيمانية أيضاً، وربما الكتاب الأميركي الوحيد الذي ظل ناشروه يفخرون بكون لينين نفسه قد وضع مقدمة طبعته الأولى، دون أن ينسوا ما سنشير إليه بعد قليل من أن ستالين سيكون أول النافرين منه! غلاف كتاب “10 أيام هزت العالم” (أمازون) تحية غير متوقعة فما هو كتاب “10 أيام هزت العالم” الذي بصرف النظر عن موقفي لينين وستالين منه، هاجمه كثر ولكن حيّاه لدى صدوره وبعد ذلك، كثر آخرون ومنهم الباحث الأميركي اليميني جون فـ. كينان المناوئ الأول للشيوعية في الولايات المتحدة وصاحب مفهوم “الاحتواء” الذي انبنى عليه جزء كبير من سياسة المقاومة الأميركية للمد الشيوعي، الذي كتب في مقال تقريظي أن كتاب ريد هذا “يتفوق على أي كتاب آخر كتب حول ذلك الموضوع في حينه”؛ وأنه “سوف يبقى في الذاكرة الجماعية بعد أن تنسى كل الكتب المماثلة الأخرى”؟. الكتاب هو بكل بساطة رصد صحافي من موقع التأييد لتلك الأحداث التي شهدت انتصار الثورة البلشفية بما في ذلك الهجوم الموفق على قصر الشتاء وهو الهجوم الذي كان حاسماً يومها. ولعل أهم ما في الأمر هنا هو أن جون ريد أعلن بنفسه أنه لم يكن موضوعياً في رصده للأحداث وكتابته عنها. صحيح أنه كان في روسيا حينها ممثلاً لصحيفة “ذا ماسس” (الجماهير) التي كانت من ناشري الفكر الاشتراكي والتقدمي، لكنه لم يرسل إلا لكونه هو الآخر من المؤمنين بالفكر الاشتراكي كما حال زوجته التي رافقته في معظم تنقلاته هناك كمناضلة لا تقل عنه حماساً، حتى وإن كان فيلم وارن بيتي سيضع بعض التوابل على قصتها وعنه بحيث يصبح الفيلم في بعض الأحيان أشبه بقصة غرام ودراما فراق مع أنه لا شيء في الكتاب يؤكد ذاك. شاهد عيان فالكتاب تصوير صحافي بقلم كفوء ولغة مبسطة لأمور كثيرة عايشها جون ريد وكان شاهد عيان عليها ومحللاً سياسياً بارعاً لها، وفي أحيان كثيرة منبهاً من مخاطر وتصرفات كان يدرك خطورتها أكثر بكثير مما يفعل القادة السياسيون الذين كان طوال الوقت شديد القرب منهم محاوراً لهم ناصحاً حين تدعو الحاجة. وفي هذا كله سيكون من الخطل موافقة بعض الشيوعيين المتعصبين لاحقاً على أن جون ريد قد بالغ كثيراً في تضخيم دوره وقدرته على مخاطبة القادة الثوريين مخاطبة الند للند. ويحضرنا في هذا السياق ما يذكره جورج أورويل في مقدمة كتابه “مزرعة الحيوانات” الذي سيكون لاحقاً واحداً من الكتب الأكثر انتقاداً، من الداخل، للفكر الستاليني، من أن قيادة الحزب الشيوعي البريطاني قد منعت تداول الكتاب بكل بساطة. وكان ذلك الموقف متناغماً على أي حال مع موقف ستالين الذي لم يتفوه بكلمة عن الكتاب خلال السنوات الأخيرة من حياة لينين الذي كان من كبار المعجبين بريد وكتابه، لكن ستالين ما إن تسلم السلطة حتى أمر بمنع الكتاب وحظره في المدارس. لماذا؟ ببساطة لأن ريد الذي لا يتوقف عن الحديث عن لينين و”ذكائه الاستراتيجي” وعن قيادة تروتسكي المدهشة للجيش الأحمر، لا سيما خلال الهجوم على قصر الشتاء، لم يذكر ستالين في طول الكتاب وعرضه سوى مرتين وبشكل عارض. ومن هنا ذلك الإغفال لـ”10 أيام هزت العالم” في عدد كبير من البلدان الشيوعية طوال المرحلة الستالينية، ليعود إلى الواجهة من جديد بعد موت ستالين. الأميركيون يستعيدونه مهما يكن من أمر، فمن الواضح أن السلطات الأميركية لم تكن أكثر من ستالين رأفة بكتاب جون ريد وذكراه، هي التي تجاهلته طويلاً متغافلة كونه مواطناً أميركياً عرف كيف يصنع بالنسبة إلى ثورة الشعب الروسي صنيع لافاييت الفرنسي تجاه الشعب الأميركي. غير أننا نعرف أن كثراً من الأميركيين ومن دون أن يكونوا شيوعيين أو يوافقوا جون ريد على أفكاره، عرفوا دائماً كيف يبجلونه ويصدرون الكتب تلو الكتب عنه كأيقونة من أيقونات الفكر الإنساني والتقدمي الأميركي وهو ما نفترض أن فيلم وارين بيتي قد أسهم فيه، من دون أن ننسى حج كثيرين منهم إلى مكان دفنه حين يزورون موسكو بعدما انتهى زمنها الاشتراكي. المزيد عن: وارن بيتي\10 أيام هزت العالم\فيلم حمر\هوليوود\الثورة البلشفية\جون ريد 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Viral gastroenteritis: Symptoms and seeking help next post دلائل لهجرات أفريقية قبل 400 ألف عام في الجزيرة العربية You may also like بول شاوول يكتب عن: أمير القصة العربية يوسف... 25 ديسمبر، 2024 محمد أبي سمرا يكتب عن.. جولان حاجي: الكتابة... 25 ديسمبر، 2024 (20 رواية) تصدّرت المشهد الأدبي العربي في 2024 25 ديسمبر، 2024 “الحياة الفاوستية” رحلة في عوالم غوته السرية 25 ديسمبر، 2024 “أن تملك أو لا تملك” تلك هي قضية... 25 ديسمبر، 2024 أضواء جديدة على مسار فيكتور هوغو السياسي المتقلب 24 ديسمبر، 2024 صبحي حديدي يقارب شعر محمود درويش بشموليته 24 ديسمبر، 2024 الثنائي هتلر – ستالين في ما هو أبعد... 24 ديسمبر، 2024 رحيل محمد الخلفي الممثل الرائد الذي لم ينل... 24 ديسمبر، 2024 كاتب مسلسل “يلوستون” أبدع قصة ويسترن معاصرة وصنع... 24 ديسمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.