شارل ديغول- مذكرات حرب خيضت من بعيد (أ ف ب) ثقافة و فنون يوم وصف ديغول كيف كان عليه أن يسوي شؤون بلاده في ظل الهزيمة by admin 22 نوفمبر، 2023 written by admin 22 نوفمبر، 2023 27 على خطى تشرشل: في “مذكرات الحرب” سنوات النار كما يصفها الإطفائي الفرنسي اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هما بالتأكيد أشهر زعيمين سياسيين في بلديهما ومن أشهر القادة الذين تعاونوا معاً لدحر هتلر ونازيته خلال الحرب العالمية الثانية. أولهما هو بالطبع رئيس الحكومة البريطانية عند بدايات تلك الحرب، السير ونستون تشرشل والثاني زعيم فرنسا إنما في المنفى الإنجليزي خلال تلك الحرب نفسها. وإضافة إلى القواسم المشتركة الكثيرة بينهما في مجال السياسة والنزعة الليبرالية، كان ثمة ما يجمعهما حقاً وهو رغباتهما الأدبية التي جعلت الإنجليزي بينهما يرغب في كل أنواع الكتابة من التحقيق الصحافي إلى الرواية وصولاً إلى مذكرات عن تلك الحرب نفسها لن يعتمدها المؤرخون على أي حال، حتى وإن كان محكمو جائزة نوبل الأدبية سيعتبرونها “عملاً فنياً فذاً جديراً بجائزتهم”، لكن بعد فوزها سيلفها النسيان، أما الفرنسي فكتب من ناحيته “مذكرات” تلك الحرب نفسها لكنها ستبقى بالنسبة إلى مواطنيه الفرنسيين، عملاً أدبياً وتاريخياً رائعاً. صقيع أبدي حين كتب “مذكرات الحرب” كان ديغول يقترب من الـ60 من عمره، ويخيل إليه من ثم أن دوره السياسي قد انتهى، بل إنه شعر بأن كل ما له علاقة بالسياسة في حياته قد انتهى بدوره، حين جلس إلى طاولة كتابته يخط العبارة الأخيرة في الجزء الثالث والأخير من ذلك الكتاب الذي كان يضعه عن بلاده ودورها ودوره هو شخصياً في الحرب العالمية الثانية. من هنا كان من المنطقي بالنسبة إليه أن تكون تلك العبارة أشبه بـ”صورة ذاتية” رسمها بالقلم نفسه ويقول فيها: “رجل عجوز علمته التجارب والمحن، يعيش في منأى عن المؤسسات والمشاريع، شاعراً بقدوم ذلك الصقيع الأبدي. غير أنه، مع هذا، لا يمل أبداً رصد أي بارقة أمل يحس مجيئها”. كان الرجل “العجوز” بالطبع، شارل ديغول نفسه. أما الكتاب الذي أنهاه يومها على ذلك النحو، فهو نفسه، تلك الثلاثية التي عرفت تحت عنوان “مذكرات الحرب”، وصدرت أجزاؤه الثلاثة بين 1954 و1959. في الفترة نفسها التي كانت تشرشل يصدر كتابه وينال الجائزة الكبرى في الأدب العالمي. مثل كل السياسيين الذين يعملون من أجل بلادهم من دون أن يتوقعوا مكافأة، كان ديغول يعتقد يومها أن ما قام به من أجل بلاده فرنسا، قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها وبعدها، كاف وأن عليه اليوم أن يتوقف عن النشاط السياسي. ما يسمح له بأن يكتب مذكراته مستخلصاً تجاربه ودروس تلك التجارب، لعل الآتين من بعده يعتبرون. ولم يكن الجنرال الفرنسي الحكيم يعرف في ذلك الحين أن الوطن سيدعوه إلى الخدمة السياسية مجدداً، لأنه كان لا يزال في حاجة إليه، ولكن هذه المرة كي يوجد حلاً لمعضلة كانت قد باتت تبدو أشد إيلاماً على فرنسا من كل معضلات الحرب العالمية الثانية، نعني المسألة الجزائرية. لكن هذه حكاية أخرى بالكاد نجد أثراً لحديث عنها في “مذكرات الحرب”. ونستون تشرشل: جائزة نوبل لم تعط لنظيره الفرنسي (غيتي) كتاب صريح وقاس “مذكرات الحرب” هو تحديداً عن أوضاع فرنسا، ومعايشة شارل ديغول تلك الأوضاع. ومن هنا حصره مؤلفه في ذلك الإطار وقد جعل غايته الرئيسة الإجابة عن جملة من أسئلة كانت مطروحة في فرنسا ومن حولها، بصدد ما حدث فيها خلال تلك السنوات المرعبة. ولأن ديغول هو ديغول، جاء الكتاب صريحاً واضحاً، مليئاً بالمعلومات والتحليلات الصائبة. وكذلك مليئاً بإجابات كان كثر من الناس، في فرنسا وخارجها، ينتظرونها. ومن هنا أهمية “مذكرات الحرب” ليس في تاريخ شارل ديغول وحسب، بل في تاريخ فرنسا أيضاً، ومن ثم، في تاريخ الحرب العالمية الثانية. فالحال أنه إذا كان كثر من الناس يعرفون أشياء كثيرة عن مجريات تلك الحرب وتواريخ معاركها وانتصاراتها وهزائمها، بل حتى عن تاريخ الاجتماعات السياسية الكبرى التي علمت السنوات الأخيرة للحرب منذ لاح نصر الحلفاء ممكناً، فإن كثراً كذلك يجهلون الخفايا والخبايا ومناورات الكواليس، جاهلين المبدأ الأساس الذي يقول إن الصراع المسلح ليس في نهاية الأمر سوى استمرار للسياسة بطرق أخرى. وشارل ديغول يصف في كتابه هذا، استمرار السياسة وتحكمها في الحرب. شهادة أمام التاريخ الكتاب في اختصار هو كلمة ديغول وشهادته أمام التاريخ حول تلك السنوات. ولما كانت أحداث معينة تبدو عصية على الفهم من دون الأحداث السابقة لها، كان من الطبيعي للكاتب الجنرال أن يبدأ الجزء الأول وعنوانه “النداء” بنوع من الديباجة الطويلة يشرح فيها كل تلك الجهود التي بذلها، قبل اندلاع الحرب -وهو يتوقع بالطبع اندلاعها- من أجل إقناع العسكريين الفرنسيين النائمين على أمجاد غابرة، كما من أجل إقناع سياسيين تقليديين يقدمون مصالحهم السياسية الشخصية على المصالح الوطنية المعرضة للمخاطر التي باتت ملموسة، بأن الحرب ليست لعبة ولا نزهة. إنه في هذا النص -الذي تغلب عليه التقنية بعد كل شيء- يرينا كيف أنه قال لمواطنيه المسؤولين في كل القطاعات، أن الحرب المقبلة حين تندلع -وهي ستندلع بالتأكيد- ستكون حرباً تلعب فيها المدرعات دوراً رئيساً، بعيداً من النيات الطيبة والخطابات الفارغة وشجاعة الشجعان. فـ”إذا بنينا قوات مدرعة سيكون لنا مكان بين المتحاربين… أما إذا لم نفعل فستكون الهزيمة بالمرصاد لنا”. .. وكانت الهزيمة شاملة نعرف أن فرنسا لم تفعل وكانت الهزيمة شاملة. وحده ديغول الذي كان يقود وحدة مدرعات محدودة الحجم، تمكن من القيام بهجوم مضاد على القوات الألمانية، مما جعل الرئيس بول رينو يعينه نائباً لوزير الدفاع. لاحقاً سقط النظام الفرنسي تحت وقع الهجوم النازي، فما كان من ديغول إلا أن التجأ إلى لندن حيث أطلق نداء الثامن من يونيو (حزيران) الشهير ودفع الفرنسيين في اتجاه سلوك درب المقاومة، جامعاً ما تفرق من أحزابهم الديمقراطية واليسارية، على الضد من مجموعات كبيرة العدد اكتفت إما بالاستسلام أمام الألمان، وإما بالاستزلام لهم. أما ديغول فإنه قاد المقاومة عبر راديو لندن، في الوقت نفسه الذي كان يناضل ضد حلفائه الإنجليز بخاصة ممثلو ونستون تشرشل. وضد روزفلت الذي لم يكن التيار التعاطفي قد مر بينهما. وهذه الصراعات الخلفية التي كثيراً ما كانت تعوق المقاومة الفرنسية، كما أعاقت قدرة السوفيات في المقلب الآخر من أوروبا على مجابهة النازيين، هي التي يسردها ديغول في تفاصيلها في الجزء الثاني من الكتاب وعنوانه “الوحدة” وفيه يغطي سنوات النار الواقعة بين 1942 و1944. ويغطي أيضاً أعمال المقاومين في تواز مع كواليس السياسة، الفرنسية وسياسة الحلفاء في آن معاً، مقدماً في طريقه صوراً سياسية لتشرشل وروزفلت ولستالين. أما في الجزء الثالث من الكتاب وعنوانه “الخلاص” فنجدنا هذه المرة أمام فرنسا وقد تحررت وصار في وسع الجنرال ديغول أن يشعر بأن جزءاً كبيراً من شعبها بات مكللاً بغار الانتصار. هنا سيغلب الكلام السياسي على الكلام العسكري مرة أخرى، ذلك أن ديغول بعد التحرير، وجد نفسه في قمة السلطة في فرنسا وقد دُعي لتشكيل حكومة للبناء. لعبة أطفال ومن هنا يبدو لنا من خلال النص الديغولي هنا أن الرجل بات يحارب على جبهات عدة: جبهة الوضع السياسي لألمانيا حيث كان من أوائل المطالبين بتثبيت وضع لا مركزي لها، وجبهة الحرب الباردة التي لا يريد أن يخوضها كثيراً، وأخيراً جبهة الوضع الداخلي حيث عليه الحفاظ على توازن دقيق داخل السلطة والبلد. غير أن هذه الجبهات الثلاث ستبدو، إذا ما وصلنا إلى الفصول الأخيرة من ذلك الجزء من الكتاب، أشبه بلعبة أطفال مقارنة بجبهة جديدة وجد ديغول نفسه مضطراً للخوض فيها من جديد: جبهة السياسيين التقليديين الذين ما إن انتهت الحرب واجتهد ديغول وحلفاؤه لإعادة البناء، حتى عادوا يطلون برأسهم بكل مكرهم وأنانيتهم ومصالحهم. والحقيقة أن ديغول يختم نصوص كتابه هذا عن تلك المرحلة، لا سيما عند اعتزاله الحكم وسط تفاقم مثل تلك الوضعية، معتبراً نفسه غير عائد إلى السلطة أبداً بعد ذلك… طبعاً نعرف أن شارل ديغول (1890 -1970) عاد للسلطة، وتمكن على رغم كل الصعوبات من بناء ما يسمى الجمهورية الخامسة، ومن المساهمة الأساسية في حل القضية الجزائرية بعدما نحى السياسيين التقليديين من “أكلة الجبن”، من ثم من الوصول إلى رسم سياسات فرنسية مستقلة على الصعيد العالمي استفاد منها العرب كثيراً. المزيد عن: الجنرال شارل ديغولونستون تشرشلفرنساالحرب العالمية الثانية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تعليق إقامة طبيب في جامعة أوتاوا بعد نشره تعليقات على خلفية الصراع في غزة next post داخل إمبراطورية “حماس” المالية You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024