لو كوربيزييه: مساع مع عملاء الاحتلال لتدمير العاصمة الفرنسية (ويكيبيديا) ثقافة و فنون يوم كان المعماري لو كوربيزييه يسعى لمحو حي “ماريه” الباريسي من على الخريطة by admin 6 سبتمبر، 2023 written by admin 6 سبتمبر، 2023 40 لو تواطأ معه نازيو الماريشال بيتان لكانت العاصمة الفرنسية تشوهت وفقدت طابعها الإنساني اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب لم يكن سراً التقارب الغريب بين المعماري الفرنسي لو كوربيزييه ونظام الجنرال فيليب بيتان الفاشي الفرنسي الذي حكم هذا البلد بفضل احتلال أدولف هتلر له ووقوف كثر من الفرنسيين إلى جانبه. ففي زمن الهزيمة الفرنسية المريعة أمام جحافل الألمان عام 1940، لم يقف معظم الفرنسيين، وبخاصة طبعاً اليمينيون منهم، مناصرين لحكومة فيشي اليمينية المتطرفة التي شكلتها القيادة العسكرية الألمانية المنتصرة فقط، بل إن أعداداً كبيرة من المثقفين والمبدعين الفرنسيين راحت تنضم بالتدريج وأكثر فأكثر إلى السلطات الخاضعة للاحتلال. وكان المعماري الفرنسي الأكبر في ذلك الحين لو كوربيزييه في عداد هؤلاء بل حتى في الصفوف الأولى بين أولئك الذين سارعوا بتقديم آيات الولاء للمحتلين، وهؤلاء استقبلوه بترحاب حينها فراح هو يحلم بمشاريع ضخمة يسود عليها وتحقق له أحلاماً عمرانية كانت راسخة لديه و”حان الوقت لتنفيذها”، ولكنه في الحقيقة لم يتمكن من تنفيذ أي منها، وليس لأن السلطات لم تتجاوب معه، بل لأن زمن الاحتلال لن يكون كافياً لتنفيذ أي منها، إذ إن أحلام لو كوربيزييه كانت من الضخامة بحيث إن مجرد الشروع في أي واحد منها سيحتاج إلى سنوات من الإعداد. ويقيناً أنها لو كانت مشاريع صغيرة لوجدت طريقها إلى التنفيذ، ولكان المعماري الكبير تمكن من تشويه تلك المدينة التي قد تنم مخططاته لها عن عدم استساغته لها بل رغبته في تدميرها. حي “ماريه” الباريسي العريق وقد نجا من براثن الفكر الفاشي (موقع باريس) تساؤلات بريطانية أو هذا في الأقل ما كان يدور ذات يوم في بال الكاتب الإنجليزي أنتوني دانيلز المعتبر من أكثر الإنجليز اطلاعاً على الشؤون الفرنسية وأنماطها الثقافية وتدخلاً فيها، ومن هنا لم يفته أن يبدي غضبه الشديد حين تجول في معرض باريسي أقيم لأعمال المعماري الشهير في العاصمة الفرنسية عام 2015، ولاحظ ذلك التبجيل الذي يبديه الفرنسيون تجاه معماري كان يستحق، في رأيه، الإعدام جزاء له على تعاونه خلال الحرب مع المحتلين، ولكن أكثر من ذلك جزاء له على مسعاه خلال تلك المرحلة لـ”تشويه” العاصمة الفرنسية وبخاصة من خلال مشروع طموح يذكر الناقد الإنجليزي أن لو كوربيزييه سعى مع سلطات فيشي لتحقيقه ويقوم على محو حي “ماريه” وسط العاصمة غير بعيد من الباستيل، من الوجود لإحلال طريق عريض وبضع ناطحات سحاب مكانه، أجل، كان ذلك هو المشروع الأقرب إلى فؤاد ذلك المعماري الذي جعل من نفسه طوال سنوات نشاطه “النقيض التام للبارون هوسمان” محافظ باريس أواسط القرن الـ19 والذي أعطى مدينة النور سماتها العمرانية التي لا تزال تعتبر حتى اليوم بالغة الحداثة والجمال، وبدت من الشهرة والقوة خلال تلك المرحلة الزمنية بحيث إن مدناً كثيرة في العالم حاولت محاكاتها ومن بينها القاهرة في زمن علي مبارك والخديوي إسماعيل. نوع من الحداثة غير أن هذا لم يكن مغرياً لكوربيزييه، كان يغريه فقط أن يخوض “نوعاً من حداثة” لا شك لو أنه تمكن من تحقيقها لكانت أدت إلى تغيير كبير، وفي اتجاه الأسوأ، لتلك السمات العمرانية العظيمة التي تطبع باريس وجعلت والتر بنيامين يعتبر هذه الأخيرة مدينة العالم وعاصمة القرن الـ19، وهذا كله كان هو ما أثار دهشة أنتوني دانيلز وغضبه وهو يتجول في معرض عام 2015، لينتهي به الأمر إلى نشر مقال في مجلة “ذا كوادرنت” الأسترالية تحت عنوان “تبجيل لو كوربيزييه”، كان في النهاية مرافعة تتهم الفرنسيين بقصر النظر وموات الذاكرة، بالتالي، مناسبة ليذكرهم بذلك الكتاب الذي أصدره لو كوربيزييه عام 1941 وفي عز بدايات حقبة الاحتلال الألماني والخيانات الفرنسية المتلاحقة، عارضاً فيه مشاريعه “التدميرية” بحسب وصف الناقد الإنجليزي، ولئن كان الفرنسيون، كما قال دانيلز في مقاله، قد نسوا تلك الجريمة التي حاول معماريهم القومي الكبير أن يرتكبها في حق عاصمتهم بمحو واحد من أجمل وأرقى أحيائها عن بكرة أبيه، ها هو كتاب “مصير باريس” موجود دائماً لتذكيرهم بذلك، وتذكيرهم بصورة أكثر تحديداً بالمشروع الضخم الذي لا يشكل محو حي “ماريه” سوى جزء بسيط منه، أما الجزء الأهم من المشروع فيقوم على تزويد وسط باريس، وفي امتداد نحو الجهات الأربع، بطريقين عريضين يخترقانها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب فتتقاطعان تماماً عند ساحة الكونكورد التي تقع في نقطة المركز من باريس تماماً، ويقيناً أن الخط شرق – غرب من ذلك المشروع لا يمكنه أن يتحقق إلا بإزالة حي “ماريه” تماماً، حيث بجرة قلم، يفتي لو كوبيزييه بذلك داعياً إلى ملء المساحات التي ستفيض عن الطريق بعدد من ناطحات السحاب على الطريقة النيويوركية تحديداً. مدينة مريضة متهالكة وهنا لا يتوانى الناقد الإنجليزي عن إخبار قرائه كيف أن المعماري كثيراً من تحدث عن مدينة باريس بوصفها “حيزاً عمرانياً مريضاً بل متهالكاً بات في حاجة إلى كثير من العمليات الجراحية”، بل إن دانيلز يذكر في هذا السياق كيف أن معرضاً أقيم لأعمال لو كوربيزييه، ولكن في لندن هذه المرة، جعل من بين فعالياته عرض فيلم عن حياة هذا المعماري ومساره المهني يصوره في أحد المشاهد التوثيقية وهو يحمل قلماً في وقفته أمام خريطة كبيرة لمدينة باريس، يشير به على طريقة كبار الجنرالات العسكريين، إلى المناطق الباريسية التي يتعين محوها بكاملها أو بشكل جزئي وفي مقدمتها حي “ماريه”، ومن الأمور ذات الدلالة هنا أن دانيلز يشبه وقفة لو كوربيزييه وطريقته في الشرح والتفسير بمشاهد مأثورة عن الجنرال الإنجليزي المعروف بلقب “بامبر هاريس”، الذي تصوره أفلام لاحقة وهو يحمل قلماً مشابهاً لقلم المعماري يشير به إلى المدن الألمانية التي يجب محوها من الوجود حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. مصير ما… لباريس مهما يكن من أمر، فإن دانيلز يكرر في مقاله مرات عديدة أنه في حديثه هذا عن “سيد المعماريين الفرنسيين في زمنه” لا يأتي بشيء من عنده، بل يستند إلى ما كتبه لو كوبيزييه نفسه في نصه “مصير باريس” الذي “يبدو في نهاية الأمر وكأنه تقرير مرفوع إلى السلطات الفاشية”، بل ربما “إلى الماريشال بيتان نفسه” إذ يقول المعماري إن “باريس ستضم عما قريب، وإن ظلت الأمور على حالها كما هي الآن، مليونين أو ثلاثة ملايين من السكان، بيد أن نوعية هؤلاء الناس تتطلب منا إعادة نظر حقيقية، بالتالي لا شك أن باريس ستكون في حاجة حقيقية إلى التخلص من تلك الجماهير الطفيلية، من كل أولئك الذين ليس لديهم ما يفعلونه حقاً في هذه المدينة، ويتوجب بالتالي أن يتوجهوا للعيش في الأرياف الزراعية، أو للعمل في المصانع التي يتوجب نقلها من العاصمة إلى أماكن أخرى بعيدة عنها”، والحقيقة أن عنوان هذا “التقرير” يبدو في حد ذاته حاملاً كل دلالاته بالنظر إلى أنه يدعو إلى أن يكون لباريس مصير آخر غير مصيرها الراهن، ينبغي لمصيرها الأكثر جدارة بها، يضيف لو كوربيزييه، “ألا يرتبط بالخيار الإنساني على أهميته، بل بالخيارات التي تتجاوز هذا النوع من التفاهة العادية لصالح قوانين جمالية لا مفر من الرضوخ لها”، وهي بالطبع قوانين يرى المعماري – الكاتب أنه لا بد أن يكون هو نفسه أداتها الحتمية. وباختصار هنا، من الواضح أن ما يتحدث عنه لو كوربيزييه في هذا النص إنما هو خلق “إنسان جديد” يتلاءم مع المدينة وقد أعيد خلقها لتتلاءم مع قوانين جمالية موضوعة سلفاً ونابعة من “الفكر النير” لفرد مميز من الأفراد، لا خلق المدينة من جديد للتلاؤم مع سكانها! والحقيقة أن ما من فكر يصور الفاشية في أبشع تجلياتها اللاإنسانية بقدر ما تفعل هنا أفكار هذا المعماري الكبير التي من المؤكد أن نظام فيشي نفسه لم يكن ليجرؤ على مماشاته في مشاريعه هذه، يختم أنتوني دانيلز وكأنه يبدي دهشته لكون الفرنسيين لا يزالون يبجلون المعماري ولم يطالب أحد بمحاكمته إن لم يكن بتهمة التعاون مع النازيين فبتهمة العداء للإنسانية في الأقل! المزيد عن: المعماري لو كوربيزييهالماريشال بيتانأنتوني دانيلزحي ماريه الباريسيالسلطات الفاشية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post زادي سميث تجمع بين الحداثة الرائعة والأصالة العتيقة في رواية “الاحتيال” next post الفلسفة دخلت مرحلة الحداثة عندما صنعت وعيها بذاتها You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024