مشهد من فيلم "يوميات نائب في الأرياف" المقتبس عن توفيق الحكيم () ثقافة و فنون “يوميات نائب في الأرياف” فيلم توفيق صالح بين الواقعية والروح الساخرة by admin 14 ديسمبر، 2024 written by admin 14 ديسمبر، 2024 16 كيف استحوذ السينمائي المصري “الكسول” على الرواية؟ اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب في حديث أجراه الناقد كمال رمزي مع المخرج الكبير توفيق صالح، ونشر في مجلة “الفنون” القاهرية في أبريل (نيسان) 1985 يفسر المخرج سر اختلافه مع الكاتب القدير ألفريد فرج، حول سيناريو فيلم “يوميات نائب في الأرياف” المأخوذ كما لا يخفى على أحد، عن رواية بنفس الاسم للكاتب توفيق الحكيم، محاولاً أن ينفي للمناسبة ما اشتهر عنه من أنه يثير المشكلات، ويسبب المتاعب للكتاب الذين تعامل معهم، مثل عبدالحميد جودة السحار، الذي سامه العذاب، على حد تعبير الكاتب الراحل في تجربتهما المشتركة في “درب المهابيل”، عن فكرة لنجيب محفوظ بدأت كما روى لنا هو نفسه على شكل مزحة. كما يروي صالح كيف أنه ألقى جانباً السيناريو الذي كتبه محمد أبو يوسف وعز الدين ذو الفقار وعبدالحي أديب، لمشروع الفيلم عن رواية توفيق الحكيم التي نحن هنا في صدد الحديث عنها، حين دعاه الفنان الكبير عز الدين ذو الفقار لإخراج “صراع الأبطال”. يقول توفيق صالح: “كان من المفروض أن يخرجه (أي فيلم “يوميات نائب في الأرياف”) حسين كامل، ولسبب أجهله عهد إلى بتنفيذه، واعترضت على السيناريو، ذلك أنه بدا لي متأثراً بأفلام كلود ليلوش… فالبطل مثلاً في أحد المشاهد، يحلم بالبطلة الفلاحة “ريم” وهما يتدحرجان معاً على الجليد في سويسرا. باختصار، لم يكن السيناريو يعبر بدقة عن الرواية وعندما أعدت كتابته غضب ألفريد فرج غضباً شديداً!!”. ومن المعروف أن الفريد فرج الذي كان قد أنجز السيناريو لهذا الفيلم، كان حينها من كبار كتاب المسرح في مصر، فاعتبر موقف توفيق صالح من السيناريو الذي أنجزه وبدا فخوراً به، إهانة شخصية لمكانته في عالم الإبداع في مصر. ومع ذلك يمكن القول إن توفيق صالح كان على حق في تدخله في صياغة سيناريوهات أفلامه وإخضاعها لأسلوبه كفنان له رؤيته الخاصة، وإن اتسمت تصرفاته بالشراسة، التي قد تصل إلى الحدة أحياناً لمصلحة العمل الفني، وربما تشفع له النتائج التي حققها في أفلامه، عند أصدقائه من الكتاب، إذ أصبحت هذه الأعمال جزءاً متميزاً من تاريخ السينما المصرية بما تحمله من ثراء فني وخصوبة فكرية. ملصق فيلم “يوميات نائب في الأرياف” المقتبس عن توفيق الحكيم (مواقع التواصل) فيلم عن التخلف يعود توفيق صالح في “يوميات نائب في الأرياف” الذي عرض عام 1969، إلى عالم القرية المصرية، والذي سبق أن عالجه في رائعته “صراع الأبطال” (1962) وفي كليهما عاد توفيق صالح إلى الماضي – الأربعينيات في “صراع الأبطال” والثلاثينيات “يوميات نائب” ليعيد قراءة أسباب التخلف ومظاهره التي يعانيها الريف المصري… وإذا كان “صراع الأبطال” يعد تصويراً حاداً للمواجهة المتواصلة بين العلم والجهل، ويكشف عن تحالف الإقطاع مع عناصر التخلف وتسخير الفلاح المصري البائس، واستنزاف طاقاته والاستيلاء على مقدراته، فإن “يوميات نائب في الأرياف” يطرح رؤية توفيق صالح وتوفيق الحكيم لعلاقة القانون بالواقع وأن القانون الذي لا يعبر عن مصالح السواد الأعظم من الشعب، يعد قانوناً جائراً. وأن العدل الحقيقي هو الذي يتوخى مصلحة الإنسان البسيط الكادح ويحميه. ويبرز الفيلم والرواية من خلال إظهار التناقضات الصارخة التي تزخر بها الحياة اليومية نتيجة للتطبيق الجامد للنصوص القانونية والحرص – القاتل – على سلامة الإجراءات ودقتها، كما يكشف عما يعانيه الفلاح من عسف الإدارة وتسلطها، وعجز القضاء المكبل بأصفاد الإجراءات البيروقراطية عن الدفاع عن هؤلاء الفلاحين الذين يعوقهم الجهل، والخوف، والفقر، عن الدفاع عن أنفسهم ضد جلاديهم الرسميين. ويتخذ الفيلم – شأن الرواية – من كتابة اليوميات أسلوباً للسرد محاولاً إضفاء أكبر قدر من الإيهام بالواقع، وأن ما نراه هو تسجيل حقيقي لتجربة أحد وكلاء النيابة في منطقة ما بالريف المصري في الثلاثينيات. ويقسم منذ البداية، عناصر المواجهة في الفيلم إلى ثلاثة هي: الإدارة ويمثلها رجال الشرطة، والعمد والمشايخ والقضاء الذي يعد وكيل النيابة جزءاً منه، والشعب – كما يكتب توفيق صالح في عناوين الفيلم – الذي يعاني عسف الإدارة وظلم القانون. مقتل شاب وسيم يقوم السيناريو، كما النص الأصلي للرواية على أية حال، على خط رئيس يتمثل في التحقيق في مقتل الفلاح الوسيم قمر الدولة علوان، الذي أصيب بطلق ناري مجهول وحين تم استجوابه لم ينطق سوى باسم “ريم”، الفتاة الجميلة وأخت زوجته المتوفاة – خنقاً – والتي تقيم معه وترعى ابن أختها الوليد. وتغذي الخط الرئيس عدة خطوط فرعية بمثابة روافد، تسهم في تصوير معاناة القرية المصرية في تلك الفترة ويشير معظمها بوضوح وجلاء إلى المتهم الأصلي، والفاعل الحقيقي في معظم الجرائم التي ترتكب بحق الأهالي: إنه في نهاية الأمر ليس سوى النظام الحاكم بجناحيه السياسي والاجتماعي… وهو الفاعل المجهول المعلوم الذي تنشغل صفوته الحاكمة وأحزابه المتصارعة بالوصول إلى كراسي الوزارة، وإرساء قواعد ديمقراطية سياسية زائفة، تقوم على التزوير الرسمي من طريق يدها الباطشة في السلطة. ومهما يكن من أمر هنا، لن نتوقف طويلاً عند الرواية التي كتبها توفيق الحكيم ونشرها في العام 1938 فهي نالت منذ ذلك الحين شهرة واسعة على عكس ما سيكون الأمر معه بالنسبة إلى الفيلم الذي حقق بعد صدور الرواية بثلاثين عاماً ولم ينل حظه من النجاح الجماهيري، ولكنه نال إعجاباً كبيراً في صفوف النقاد الذين اعتبروه واحداً من أفضل نتاجات القطاع العام في مصر، بل حتى من أنجح منجزات استعانة السينما المميزة بروايات مصرية كبيرة لا تقل عنها تميزاً. غير أن هذا الفشل في الصالات كان المصير المشترك لكل تلك الأفلام التي أدت خساراتها في شباك التذاكر إلى نسف القطاع العام برمته. لقد حقق صناع تلك الأفلام ثأرهم لاحقاً حين بات ذلك النوع من الأفلام جزءاً من التراث القومي وراحت الأفلام تحقق حضوراً عالمياً ومحلياً، ولكن هذه المرة بفضل تحول محطات التلفزة الأكثر ذكاءً، إلى منصات تعرضها لملايين المتفرجين من أجيال أكثر وعياً تساءلت بدهشة كيف أنها لم تشاهد هذه الأفلام من قبل! الثأر المتأخر ليس كل شيء مهما يكن، لا بد من التوقف هنا عند هذه المسألة بالذات، لأنها تبدو في نظرنا بالغة الأهمية، وتحديداً كدرس لم يكن واضحاً في الماضي. درس لعل حالة “يوميات نائب في الأرياف” تكشفه وتعيده إلى واجهة الحياة الثقافية. وربما بصورة يجعل منها درساً في كيفية التعامل اليوم مع القضية السينمائية واقتصاداتها، ولا سيما في بلدان كالسعودية في المشرق العربي ودولة المغرب في أقصى الغرب من العالم العربي. فلماذا هذان البلدان؟ ببساطة لأن ثمة مؤسسات رسمية في كل منهما استوعبت الدرس السينمائي الجدي بصورة واضح. وهي ترى أن هذا الدرس يفيد أن السينما وإنتاجاتها الأكثر رقياً وارتباطاً بحضارة البلد وثقافته، لم يعد في مقدورها أن تكون كما كان منتجوها يتمنون دائماً، مشروعا تجارياً مربحاً. لو كانت الأمور على مثل تلك البساطة لما احتاج واحد من كبار صانعيها، ونعني هنا تحديداً توفيق صالح، إلى أن يتوقف عن تحقيق أفلامه الكبيرة التي كان من المحتم لها أن تتسبب بخسائر مالية لمن يمولها ما إن توقف القطاع العام عن تمويل شرائطه الصعبة وذات القيمة الفنية التي لا تضاهى، ويوصف بأنه كسول يخشى الإقدام على مغامرات فنية جديدة. ومن هنا يرفض المشاريع العديدة التي تعرض عليه من هذا الجانب أو ذاك، مكتفياً بالتحسر على ما آلت إليه أوضاع السينما مبرئاً الجمهور من أن يكون هو السبب، ولا سيما بعد أن رممت أفلامه بفضل جهود مشتركة بين المرحومين المصري علي أبو شادي والمغربي نور الدين صايل، وذلك لمناسبة عروض ضمن إطار مهرجان مراكش حظيت بإقبال جماهيري، بل حتى شبابي مدهش، وكان في مقدمها “يوميات نائب في الأرياف” الذي من خلال عرضه جاء ليقول: لاحظوا دائماً أن السينما الكبيرة ليست سوى مشاريع تحقق من أجل المستقبل. ترى أليس هذا مآل الفن الكبير؟ وأليس من واجب المؤسسات الرسمية أن تنفق على هذا المستقبل، مراهنة على دور تلعبه ساكتة مؤمنة بأن الفن شأن الفنانين أنفسهم؟ المزيد عن: توفيق صالحكمال رمزييوميات نائب في الأريافتوفيق الحكيمنجيب محفوظ 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Federal government asks labour board to intervene in Canada Post strike next post في باريس… على خطى الروائيين وأبطال رواياتهم You may also like سجالات بيرانديللو المسرحية الأخروية عند بوابة المقبرة 18 ديسمبر، 2024 في سبعين رحيله… ستيغ داغرمان طفل الأدب السويدي... 18 ديسمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: حُلي من مدافن البحرين... 18 ديسمبر، 2024 الباليه الفرنسي الذي انتظر 60 عاما ليوقظه الحريق 18 ديسمبر، 2024 (23) ممثلا كرهوا أفلاما قاموا ببطولتها 18 ديسمبر، 2024 استعادة فرنسية لإرث ابن خلدون المغاربي في سياقه التاريخي... 17 ديسمبر، 2024 فيصل دراج يكتب سيرة الذات والجماعة في “كأن... 17 ديسمبر، 2024 ما الذي بقي من إرث المسلمين الأفارقة في... 17 ديسمبر، 2024 “الطاولة السوداء”: حوار الألوان والتناقض في رؤية ماتيس 17 ديسمبر، 2024 مرصد كتب “المجلة”… جولة على أحدث إصدارات دور... 16 ديسمبر، 2024