فيودور دوستويفسكي- صورة جانبية وحقيقية من خلال كتابات ليست للنشر (غيتي) ثقافة و فنون يوميات دوستويفسكي التي لا غنى عن قراءتها by admin 1 يناير، 2024 written by admin 1 يناير، 2024 151 صفحات عميقة همها الإجابة عن سؤال واحد: كيف نصلح العالم تبعاً للمثل العليا الروسية؟ اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب الاثنين 1 يناير 2024 12:34 فيودور دوستويفسكي: صورة جانبية وحقيقية من خلال كتابات ليست للنشر (غيتي) ربما يصح القول دائماً إن ما من كاتب روائي كبير في تاريخ هذا الفن يبدو لنا مساوياً للروسي دوستويفسكي بالنسبة إلى عمق الترابط بين رواياته وحياته، وكذلك بين تلك الروايات والحياة وكتاباته الأخرى التي على رغم عمقها والإبداع الخلاق الذي يقف وراءها تقل شهرة عن أدبه الإبداعي. من تلك الكتابات تلك المجموعة في كتاب “يوميات كاتب” الذي لا بد من القول إنه لا غنى عنه لفهم خلفيات الروايات الدوستويفسكية، فالحال أن كثراً من الناس في جميع أنحاء العالم يعرفون روايات دوستويفسكي، من طريق القراءة المباشرة في معظم لغات الأرض، كما من طريق الاقتباسات السينمائية التي باتت لا تعد ولا تحصى، غير أن عدداً أقل جداً من الناس يعرف كتابات دوستويفسكي الأخرى، من رسائل ومذكرات ويوميات ونصوص متنوعة ومتفرقة ولا سيما منها “يوميات كاتب” التي تعد بالنسبة إلى أهل الاختصاص، ضرورة لا مفر منها من أجل الإحاطة المتكاملة بعمل صاحب “الإخوة كارامازوف” وبكيف كان يفكر، وكيف كان يشتغل على رواياته، وتحت أية ظروف كتب كل رواية منها. إعادة اعتبار من هنا، بعد أن صارت روايات دوستويفسكي حاضرة في كل ذهن وفي كل بيت، كان لا بد من إعادة الاعتبار الجماعية إلى النصوص الأخرى الموازية. وفي مقدم هذه النصوص، تلك الصفحات التي كان الكاتب يدونها لاستخدامه خصوصاً خلال الفترة بين 1872 و1881، وهي فترة السنوات الـ10 التي شهدت كتابته بعض أهم أعماله الأدبية. وهكذا إذ جمعت تلك النصوص لاحقاً ونشرت تحت عنوان “كراسات”، جرى دائماً التوضيح في مقدمها، أنها إنما كانت فقرات اعتاد دوستويفسكي تسجيلها على أوراق متفرقة ودفاتر صغيرة، ليعود إليها، فيما يكتب رواياته وغيرها من النصوص. دوستويفسكي وصفحات بخط يده (غيتي) ولأن لتلك الفقرات والصفحات طابعاً خاصاً، حيث إن الهدف منها لم يكن على الإطلاق أن تنشر تعمد الناشرون والمترجمون أيضاً ترجمة ونشر تلك النصوص كما هي من دون أية تصحيحات أو إضافات، حتى ولو بدت في بعض الأحيان غير متماسكة، وفي أحيان أخرى حافلة بأخطاء إملائية، فالمهم أنها، إذ تخضع للقراءة والتمحيص، على ما هي عليه، تصبح أداة شديدة الفاعلية لمعرفة مزيد عن “صنعة” دوستويفسكي الأدبية، وحتى عن آرائه الحقيقية في زمنه وأهل زمنه، آراء كان يصعب تلمسها حقاً في ثنايا كتاباته “الرسمية”. إسطنبول الأرثوذكسية من هنا اعتبر الاختصاصيون تلك الصفحات وسيلة لمعرفة الكاتب وحساسيته على سجيتهما، بعيداً من نباهة المفكر وبرودة أعصابه حين يكتب وهو يعرف أن ألوفاً سيقرؤونه، وهكذا، مثلاً، إذا كان دوستويفسكي قد أشاد كثيراً ودائماً بمواطنه وزميله ليو تولستوي، في العلن فإنه في تلك النصوص يبدو أقل عدلاً، إذ ها هو يقول إن موهبة صاحب “الحرب والسلام” شديدة التواضع. فماذا عن أعداء القيصر، ومناهضي الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، الذي كان يخيل إلى كثر أنه هو واحد منهم؟ إنهم – في رأيه – مجموعة من الحمقى وأعداء الوطن، إنهم مجرد “ديمقراطيين كريهين” على النمط الغربي، أما فرنسا فهي بالنسبة إليه “ليست أكثر من أمة ميتة قالوا كل ما كان لديهم لقوله وانتهى أمرهم”. أما الشعب الروسي فإنه “شعب أرثوذكسي، ولا يمكنه أن يكون إلا كذلك، وإذ ييمم هذا الشعب وجهه إلى مكان مقدس “فإن هذا المكان هو بالضرورة القسطنطينية (إسطنبول)” التي تخصه وحده دون غيره من الشعوب! غير أن السياسة لم تكن الشيء الوحيد الذي يشغل بال دوستويفسكي، إذ ها هو يحدثنا في نصوص أخرى، عن حياته، وعن كتاباته، وعن الأدب الذي يقرؤه بصورة عامة. فيكتب مثلاً: “عند ذلك انطلقنا أخي وأنا، نحو حياة كنا نحلم والهين، بما لا نعرف ما هي. كنا مؤمنين بشيء ما. ولم نكن نجهل شيئاً نحن الاثنين حول ما هو مطلوب منا من أجل اختبار الرياضيات، ومع هذا لم نكن نحلم إلا بالشعر والشعراء…”. أو يكتب: “أخي… أنا لم أفقد شجاعتي، إن الحياة في كل مكان، في داخلنا، وليست في العالم الخارجي. فالشمس ترى دائماً. هلم بنا، وداعاً يا أخي… هل من الممكن لي ألا أمسك بالقلم بعد الآن أبداً؟ أجل، إن لم أكتب سأهلك… أفضل 15 عاماً في السجن بشرط أن يكون قلمي في يدي”. أو: “الحقيقة أن من الأمور الواضحة أن الاشتراكية الوليدة قد قورنت، آنذاك، حتى وعلى يد القائلين بها، مع المسيحية: لقد اعتبرت الاشتراكية، باختصار، تصحيحاً وتحسيناً للمسيحية يتلاءمان مع العصر والحضارة. كانت كل تلك الأفكار الجديدة تسحرنا آنذاك في سانت بطرسبورغ، وكانت تبدو لنا مقدسة وأخلاقية، وإنسانية في شكل خاص، غايتها أن تصبح شريعة لكل النوع الإنساني من دون أي استثناء”. النشوة لدى بيلنسكي لاحقاً، إذ يزور دوستويفسكي، المناضل السياسي والناقد الأدبي بيلنسكي، الذي كان قد أبدى إعجاباً مبكراً بروايات دوستويفسكي الأولى، يكتب: “لقد خرجت من عنده وأنا في حال من النشوة، توقفت عند زاوية بيته، ونظرت إلى السماء، كان نهاراً مضيئاً، ونظرت إلى العابرين وشعرت بكليتي أن لحظة رنانة في حياتي قد عبرت منعطفاً أبدياً، وأن شيئاً جديداً كل الجدة قد بدأ لتوه، شيئاً لم يسبق لي أن رأيته حتى في أكثر أحلامي شغفاً، كنت في تلك اللحظة حالماً رهيباً”. وفي صفحات أخرى يدون دوستويفسكي ملخصاً لإفادته أمام اللجنة القضائية المكلفة التحقيق في قضية بتراشفسكي على النحو الآتي: “يتهمونني بأنني قد قرأت مقال أمسيات بتراشفكسي حول “المراسلات بيلنسكي/ غوغول علناً. أجل لقد قرأت ذلك المقال لكن، هل في وسع ذلك الذي وشى بي أن يعرف ما هي المراسلات التي أفضلها على غيرها؟ هل في وسعه أن يتذكر ما إذا كان ثمة في أحكامي القيمية (وأنا لم أورد أية أحكام من هذا النوع)، ولكن في إشاراتي وحركاتي أثناء القراءة، ما يشير حقاً إلى تفضيلي قسماً من المراسلات على قسم آخر؟ إن هناك في عالم الأدب كثراً من الناس صاروا يعرفون كثيراً عن خلافي مع بيلنسكي، وانقطاعي عنه خلال العام الأخير (…). أما بتراشفسكي فإنه يؤمن بأفكار فورييه ونظريات فورييه نظريات مسالمة. تسحر الناس بأناقتها، وتخلب الألباب بما تحتويه من حب غامر للناس. وهو الحب الذي يحرك فورييه فيما هو منكب على صوغ نظريته، وتندهش النفس إزاء ذلك بتناسق تلك الأفكار… في منظومة فورييه الفكرية، ليس ثمة أي مكان للحقد”. واقعية مختلفة وعن أدب الواقع يكتب دوستويفسكي أن “الفكرة التي صنعتها لنفسي عن الواقع والواقعية تختلف تماماً عن فكرة واقعيينا ونقادنا، ان مثاليتي، مثلاً، أكثر واقعية من كل ضروب الواقع التي يتحدث عنها واقعيونا أنا الذي لا أنفك أغوص في وصف ذكي لما عشناه نحن معشر الروس، خلال السنوات الـ10 الأخيرة من تاريخ أخلاقنا، فهل هذا كله من قبيل الخيال؟ ومع هذا كل ما عشناه كان حقيقة، وكل وصف له يبدو وصفاً حقيقياً، هي الوقائع التي تحل في عالمنا حقاً. أما نحن فإننا وصلنا بمثاليتنا حتى إلى التنبؤ المسبق لما سيكون عليه الواقع بعد حين”. أما عن بلزاك الذي كان أحد كتابه المفضلين، فيقول دوستويفسكي إن “بلزاك كاتب كبير، وشخصياته هي من نتاج الذكاء الكوني، إنها ليست روح الزمن، بل روح الأزمان كلها التي هيأت مثل تلك النهاية في الروح الإنسانية، عبر نضال الشخصيات التي رسمها قلم هذا الكاتب”. إن ملاحظات من هذا النوع، ومقتطفات من رسائل ومدونات أخرى، تبدو في نهاية الأمر قادرة أكثر وأكثر على إدخالنا روح وذهن فيودور دوستويفسكي (1821 – 1881)، من ثم على وضعنا في صلب عمله، والإجابة عن كثير من أسئلة يمكن القارئ، بعد أن يتمتع ويرهف ذهنه بقراءة بعض أعمال دوستويفسكي الكبيرة مثل “الشياطين” و”الأبله” و”الإخوة كارامازوف” وبالطبع “الجريمة والعقاب” أن يرى فيها صورة شديدة الواقعية لمكان الإنسان وعيشه في هذا الكون، ولكن أن يرى في الكتابات غير الروائية لهذا الكاتب الكبير، ولا سيما في “يوميات كاتب” خلاصة حقيقية لذلك الفكر العظيم، والذي قد نتفق معه أو نختلف، لكننا بالتأكيد سنجدنا إزاءه في مواجهة دوستويفسكي الحقيقي. المزيد عن: دوستويفسكيروسيابيلنسكيالكنيسة الأرثوذكسية الروسية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الفن الرابع يضيء سماء ليبيا بعد غياب دام 25 عاما next post لماذا يعارض جزائريون تطبيق التحقق الإلكتروني لدخول الجامعات؟ You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024