يعبّر الجنوبيون عن اغترابهم عن سائر اللبنانيين وتوجسهم منهم (Getty) عرب وعالم يوسف بزي يكتب عن: الجنوبيون بعيدون جداً عن لبنان؟ by admin 22 فبراير، 2025 written by admin 22 فبراير، 2025 23 أهل القرى الحدودية يرون أنفسهم مميزون حتى عن “الشيعة” الآخرين، كما لو أنهم أكثر نقاء وإخلاصاً، فلا يترددون مثلاً في وصم سكان الضاحية بسلبيات كثيرة، أخلاقية أو سلوكية. ومرد ذلك نسبياً إلى فارق الريف-المدينة، وإلى افتراق في التجارب والأحداث والعلاقات، وذاكرة الاحتلال. جريدة المدن اللكترونية / يوسف بزي – كاتب وصحافي لبناني النبرة والأحاسيس التي تصوغ كلام أهل الجنوب، خصوصاً منهم سكان الشريط الحدودي، تحيل الدولة اللبنانية والكيان اللبناني إلى معطى غريب أو فكرة غائمة. يعبّرون عن اغترابهم عن سائر اللبنانيين وتوجسهم منهم. فهؤلاء الأخيرون، بكل أطيافهم وطوائفهم ومناطقهم و”ثقافاتهم” يبدون مغايرين تماماً، ويسعون إلى بلد أو سياسة أو حياة أو معتقدات وقيم وطرائق تفكير مختلفة جداً، ويهددون هوية أهل الجنوب ومصيرهم. يقول أحدهم: “ألا يكفينا بلاء إسرائيل؟ فليتركونا (اللبنانيون) بحالنا. إن لم يكونوا عوناً لنا فلا يتأمروا على مقاومتنا”. تهيمن على الجماعة السكانية هناك، المتماسكة بعصبية دينية وتقاليد اجتماعية وحتى لغوية، سردية ممتدة من نكبة فلسطين 1948 إلى النكبة الأخيرة في حرب 2024-2025. وهي ذاكرة متخمة بدورة متواصلة من الحروب والغزوات والحملات التهجيرية، ومتعاقبة من غير خاتمة. ومقرونة دوماً بشعور عميق أنهم وحدهم دون سائر اللبنانيين يواجهون تلك المحن، أو على الأقل يتحملون العبء الأكبر منها، حتى بالمقارنة مع الجنوبيين القاطنين شمال الليطاني. يمكننا إحالة هذا إلى القطيعة القسرية التي أحدثها الاحتلال على امتداد 23 عاماً (1978-2000) لما كان يسمى “الشريط الحدودي”. انسلاخ لمدة زمنية طويلة عن لبنان. وبعد ذلك، أتت رواية “التحرير” بسلاح المقاومة الإسلامية (حزب الله)، الذي تولى مهمة “تأهيل” المجتمع المُحرَّر وإدماجه في مجتمع المقاومة الذي وحده سيتولى كسر دورة الحروب بحرب خلاصية أخيرة تتوّج بتحرير فلسطين والصلاة في القدس. ولا يكون ذلك إلا باعتناق هوية دينية متشددة، ومشدودة إلى عالم سياسي وغيبي وطقوسي في آن معاً تجسده ولاية الفقيه الخمينية والخامنئية، التي سيضاف إليها راهناً، الهالة القدسية لحسن نصرالله. والقطيعة الثانية حدثت على الأرجح، عند المفترق التاريخي بين السواد الأعظم من اللبنانيين و”بيئة” حزب الله عام 2005، متبوعاً بحرب 2006. إذ نما العداء بينهما، وحل الاستقواء والسلاح والخوف والكراهية كسمة وحيدة للعلاقة بينهما. وفي الأثناء، ابتعد أهل الجنوب أكثر بشعور أن لا حاجة بهم لدولة لبنان وجماعاته التي لا تقاسمهم لا خيارهم ولا ثقافتهم ولا معتقدهم. فهم لا يُتعبون أنفسهم بسؤال: “لماذا الطوائف الأخرى تكنّ لنا كل هذه الخصومة؟”. فهم باتوا مقتنعين أنهم “أشرف الناس”، ولهم وحدهم شرف السلاح والشهادة ومقارعة العدو والتضحية. كما أنهم شديدو الإيمان بأنهم أهل مظلومية تاريخية، تمنحهم دوماً ميزة الصواب أبداً، فيما الباطل يلازم كل آخر، ولو ورّطهم حزبهم في القتال إلى جانب بشار الأسد مثلاً، أو في الاعتداءات المسلحة في العاصمة والمناطق الأخرى، أو في حملة الاغتيالات المروعة التي شهدها لبنان، والترهيب والعنف ضد الأفراد والجماعات، آخرها كان في أثناء الانتفاضة الشعبية عام 2019. وأهل القرى الحدودية يرون أنفسهم مميزون حتى عن “الشيعة” الآخرين، كما لو أنهم أكثر نقاء وإخلاصاً، فلا يترددون مثلاً في وصم سكان الضاحية بسلبيات كثيرة، أخلاقية أو سلوكية. ومرد ذلك نسبياً إلى فارق الريف-المدينة، وإلى افتراق في التجارب والأحداث والعلاقات، وذاكرة الاحتلال. الابتعاد الجغرافي، يعمقه ويوسعه الابتعاد “الروحي”، الأيديولوجي. فإذا كان الشطر الأكبر من اللبنانيين، يميل إلى سردية إعادة بناء الدولة مثلاً، أو حصرية السلاح، أو “لتكن هذه خاتمة الحروب”، فإن الجنوبيين مهمومون بسردية أخرى، قوامها الظن بالتهديد الوجودي المتواطئ عليه بين إسرائيل وأميركا والدول العربية والطوائف اللبنانية الأخرى. فليس في وجدانهم ووعيهم أي فارق بين حزب الله وبينهم. فالحزب هو المذهب والإمامة والنفس والهوية التامة. هو الأصل. أما الكيانية اللبنانية فهي حادثة تاريخية طارئة، وإن كان لا بد منها، فلتكن على صورتهم وإيمانهم ومن أجل حربهم. أضف إلى ذلك، أن الاعتقاد القديم، بأن الجنوب كان هامشياً في التاريخ اللبناني، ومتأخراً عن سائر المناطق، تنمية ومشاركة وحضوراً وتمثيلاً، تحول إلى معتقد ثابت، كدوغما، لا يدحضها التحول الهائل في مكانة الطائفة بالسلطة والحكم وأركان الدولة ومصادر الثروة، والتعليم.. إلخ. فظل “الثأر” لماضي الحرمان الغابر، ركناً أساسياً في العلاقة مع اللبنانيين. لا ينفي هذا وجعهم وفداحة شعورهم بالانكسار، بل العكس، فالنكبة يعيشونها بلا إنكار. إلا أنهم يعتبرونها “امتيازهم” الإضافي عن سائر اللبنانيين، ويؤكدونها كامتحان إلهي سيُكافأون عليه لا بد بانتصار مهدوي.. يغير وجه العالم. ولذا، تبدو السياسات اللبنانية وخطاباتها عن السلم والسيادة والاستقلال، والازدهار الاقتصادي، وتنفيذ القرارات الدولية، وانتعاش السياحة والأعمال، وعودة لبنان إلى الحضن العربي.. كما لو أنها لغة أجنبية من الصعب تعلمها أو التلفظ بها. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post سيناء الرافضة التهجير تتحين لحظة الإعمار next post الشيعة بين حزب الله وزعامة بري: متاهة التحولات You may also like الشيعة بين حزب الله وزعامة بري: متاهة التحولات 22 فبراير، 2025 سيناء الرافضة التهجير تتحين لحظة الإعمار 22 فبراير، 2025 الجنوبيون في لبنان… عودة إلى ديار مفخخة 22 فبراير، 2025 الأردن وإعادة ترتيب الأوراق بمواجهة داخلية وحزم إقليمي 22 فبراير، 2025 معادن أوكرانيا… ماذا نعرف عنها ولماذا يريدها ترمب؟ 22 فبراير، 2025 في إجراء “غير مسبوق”.. الإطاحة بعدد من قيادات... 22 فبراير، 2025 رياح القلق تتقاذف الأسد في صقيع منفاه بموسكو 20 فبراير، 2025 خطوط نتنياهو الحمر تصادر “اليوم التالي” مسبقا 20 فبراير، 2025 لماذا اعتذرت “بي بي سي” عن فيلم حول... 20 فبراير، 2025 حفتر وحكومة المركز… صراع السيطرة على النفط في... 20 فبراير، 2025