ثقافة و فنونعربي يسينين وأيسادورا ومعهما الحقيقة التي ليس مطلوباً أن تكون جميلة by admin 2 أكتوبر، 2020 written by admin 2 أكتوبر، 2020 144 أراد أن تكون حياته قصيرة فأنهاها في الثلاثين من العمر بعد زيجات كثيرة منها حفيدة تولستوي اندبندنت عربية / سامي عمارة كاتب وصحافي في مثل هذه الأيام من كل عام تحتفل الأوساط الأدبية بذكرى ميلاد شاعر الرومانسية الروسية سيرغي يسينين، الذي ولد في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1895، ليختار عامداً متعمداً نهايته على نحو مأساوي ولم يكن قد بلغ الثلاثين من العمر، منتحراً في فندق “انجلتير” في قلب لينينغراد، العاصمة الثقافية للاتحاد السوفياتي السابق، وإن كان هناك من يقول إنه مات مشنوقاً من دون الإشارة إلى الفاعل. الاحتفال بذكرى ميلاده الخامسة والعشرين بعد المئة جاء هذا العام مواكباً لظروف مأساوية تعيشها روسيا والعالم، ما قد يتناسب مع ما أطلقه عليه رواده ومحبوه من أسماء وكُنى، منها “شاعر الريف الحزين”، و”الشاعر المتنمر” تارة، و”المتهور” أخرى. فلم يكن يسينين الذي ولد في ريازان بأعماق الريف الروسي، يميل إلى العقلانية والمنطق إطاراً لسلوكه أو حدوداً لمشاعره، التي اتسمت بالكثير من التطرف والمغالاة، ما ألقى به في بعض الأحيان إلى غياهب التهور والمشاغبة، وأفضى في ختام المطاف إلى تلك النهاية المأساوية التي لحقت به وبمن حوله. في موسكو انتقل يسينين إلى العاصمة موسكو، ليعمل مصححاً مساعداً بإحدى مطابعها، ما أتاح له الاطلاع على الكثير من حصاد الأدب والشعر في وقت مبكر من حياته الأدبية. وكانت جدته قد وضعت أولى لبناتها، وأسهمت بما أسمعته في طفولته من حكايات وأساطير وأغان شعبية في تغذية مواهبه متعددة الأشكال. نظم يسينين الشعر مبكراً. تجلى ما أبدعته قريحته في أولى مراحل العمر الذي لم يطل كثيراً، في ما نظمه من أشعار حول حبه للطبيعة الروسية والحياة الريفية، وفي ما أبدعه من صور شعرية حملت بين ثناياها ما تأثر به من حكايات الجدة، ومفردات حياة الريف. وبأسلوب الحكاية سرد يسينين أولى قصصه ومنها “يار” التي أصدرها عام 1915، وتحدث فيها عن حياة القرية قبل الحرب، وما تركته من بصمات على سيرته الذاتية، بحسب ما رصد النقاد. أما أول دواوينه فقد صدر عام 1916 تحت عنوان “رادونيتسا”، الذي قال عنه نقاد ذلك العصر إنه يعكس حبه الجارف للوطن، ولريفه العامر بمختلف أشكاله، الحزين منها والمبهج، الذي صوره في أبهى “الأطر اللفظية، رومانسية الشكل والمضمون”. وثمة من يقول إن يسينين نجح في ما صاغه من مفردات وصور بهية استطاع بها ومن خلالها أن يعكس حنينه الجارف إلى الوطن، فضلاً عما عكسته من “سخاء الألوان والأصوات”، ومختلف التجارب الإنسانية. يناجي يسينين روسيا في أشعاره فيقول: إذا صرخ القديسون والملائكة سنلقي بك أيها الروسي فلتعش في الجنة التي تستحق أقول لا حاجة لي بها أعطوني الوطن رحل يسينين عما كان يعني له الوطن. غادر قرية قسطنطينوفو، في وقت مبكر من حياته. شد رحاله إلى العاصمة، يتوق شوقاً إلى المجد والشهرة. تلقفته دوامة حياة المدينة، بما كانت تموج به من مشاهد الثورة، لتلقي به بلا هوادة على شواطئ الحنين إلى “بيت الأب”. ذلك ما أجاد تصويره في قصيدته ذات العمق الفلسفي الذي جمع من خلالها ما كان يطرأ على المجتمع من تغييرات ثورية، وما اختزلته الذاكرة من مشاهد دعة حياة الريف، وما يزخر به من طبيعة ثرية. كتب يسينين عن الطبيعة، وعن القرية بأكواخها ومن يسكنها، من دون أن ينسى “الأم”، و”بيت الأب”، وما حفل به من أمسيات. انتهت قصة الحب التي جمعت بين الراقصة الأميركية أيسادورا والشاعر الروسي يسينين بنهاية مأساوية (أ ف ب) البحث عن المجد وفي موسكو التي انتقل إليها باحثاً عن “المجد”، سرعان ما صار يسينين ضيفاً دائماً على منتدياتها الفكرية وحلقاتها الأدبية، فيما حقق قدراً كبيراً من الشهرة وإعجاب سامعيه وقرائه بما كتبه من أشعار تباينت بين الرومانسية المفرطة، وما قد نسميه “شقاوة الصبا والشباب”. ومثلما استهواه الجاد من الأشعار الهادفة، حرص على الاطلاع على ما كان يسمى بـ “أدب ما تحت الأرض”، أو “الأدب المحظور”. شُهْرَته وما نَظَمَه من أشعار، جابا الآفاق كما يقولون. لكن ما اختاره لنفسه من نمط حياة، اتسم في معظم جوانبه بالتمرد والمشاغبة ورفض المألوف، فضلاً عن زيجاته المتعددة التي لم يكتب لها الاستقرار والنجاح، لم يكن ليسفر سوى عما هو أقرب إلى ذلك من قصائد ودواوين، اختار لها عناوين على غرار “أشعار مشاغب”، و”اعترافات عربيد”، و”موسكو الخمارات”. لكن ذلك أيضاً لم يكن ليمنع سقوطه في بحار الهوى والحب والغرام، ومنها ما اتسم بقدر هائل من الرومانسية التي اختار لها عنوان “أنغام فارسية”، تعبيراً عما خالجه من مشاعر، وهدوء نفسي كان انعكاساً لسقوطه “صريع هوى فلسفة الشرق” بما أوحت إليه من حكم وأحكام. على أن ذلك كله، بل ورغماً عن ذلك كله، لم تخل حياة يسينين من البديع والجميل الذي تمثل في ما نظمه من أشعار غنائية الإيقاع، تناقلتها الألسنة، لتسجل بدورها ما كانت تعكسه شخصية يسينين من ازدواجية اقتربت به في أحيان كثيرة إلى الشيزوفرينيا. وقد تمثل ذلك في ما تغنى به من أشعار تمجيداً لثورة أكتوبر الاشتراكية في عام 1917 تارة، وانتقاداً وإدانة للعديد من قياداتها تارة أخرى، وهو ما أودعه قصيدته “بلد الأشرار”. ولعل ما عكسته هذه الأشعار من تناقضات، تقول إن يسينين لم يستطع مقاومة تأثير شاعر الثورة المتمرد فلاديمير ماياكوفسكي من جانب، والوقوع أسير إعجابه بألكسندر بوشكين من جانب آخر. وكان يسينين رأى في أشعار بوشكين ما كان يستهويه فيها من ميل نحو الثورية التي أفضت بأشهر أدباء ذلك العصر وكبير شعرائه، إلى منفاه في منطقة القوقاز جنوب الإمبراطورية الروسية، فضلاً عما تضمنته أيضاً من رومانسية اختتم بها سنوات عمره، ولم يكن بلغ الثامنة والثلاثين من العمر إثر مبارزة مع أحد نبلاء عصره، اتهمه بمغازلة زوجته ناتاليا غونتشاروفا عام 1837. وتقول سيرته الذاتية إنه سرعان ما غادر موسكو قاصداً بتروغراد (سان بطرسبورغ حالياً) لاستئناف ما بدأه من نمط حياة تباينت أوجهه من المجون والمشاغبة، إلى حياة الجد والرصانة. تقلّب كثيراً بين أحضان زيجات لم يقيض الله لها ردحاً طويلاً من الزمن. اقترن بنساء كثيرات، ومنهن صوفيا حفيدة الأديب العالمي ليف تولستوي. لكن الزوجة الأكثر شهرة، التي توقف عندها الكثيرون داخل الاتحاد السوفياتي وخارجه، كانت راقصة الباليه الأميركية إيزادورا أو “أيسادورا” دونكان. وكان يسينين انفصل عن حفيدة تولستوي بعد فترة زواج لم تدم طويلاً، بعد أن وقع في غرام إيزادورا، التي لم يكن يعرف لغتها، في نفس الوقت الذي لم تكن تعرف اللغة الروسية، وإن عشقت الرقص على أشعاره. وفي إطار ما قد يسمى “الحب على صفيح ساخن”، جرت “مشاهد ملحمة ارتباط الشقي المتنمر بالراقصة المثيرة للجدل بسلوكها المتحرر، وعواطفها الجياشة التي جمعت بين شتى المتناقضات”. وحول هذه الدراما الإنسانية ننقل ما كتبه نقاد الأدب الروسي ونشر تحت عنوان “إيزادورا دونكان. الرقص مع الروس”، “يوجد شيء ما (روسي) داخل الراقصة الأميركية المشهورة أيسادورا دونكان (1877-1927)، ليس فقط بسبب علاقة الحب التي جمعتها مع الشاعر الروسي سيرغي يسينين التي انتشرت في أنحاء العالم. ولا لأنها قضت معظم وقتها في روسيا السوفياتية ورقصت لبحارة الثورة. بل لأنها عاشت كل حياتها كراقصة جريئة ومتهورة ومتعجلة. وهذا شيء روسي حقيقي”. قالوا أيضاً، “إن الدراما الحقيقية كانت بانتظار إيزادورا في وقت لاحق بعد الثورة، عندما افتتحت مدرسة للرقص الحديث في موسكو وبدأت عروضها. وفي أحدها التقت سيرغي يسينين عندما كانت إيزادورا ترقص لـ(الشيوعية)”. من الصعب تخيل رد فعل العمّال، فقد اندهش أغلبهم لسبب وجيه: امرأة بعمر محدد، نصف عارية، تقفز على المسرح ملوّحة بوشاح أحمر. ماذا يعني ذلك؟ لكن رجلاً واحداً في ذلك الحدث استجاب كما ينبغي. إنه الشاعر سيرغي يسينين، الذي عرف على الفور أن عليه أن يقوم بشيء ما، مفاجئ ومعبّر في الوقت نفسه. فقد صرخ بصوت عالٍ قائلاً، “الكل إلى الخارج”. ثم قام بأداء رقصة وحشية وحمقاء لكنها مليئة بالشغف أمام إيزادورا. ومن ثمّ جثا على ركبته. عندها قامت إيزادورا بتمسيد رأسه وقالت، “ملاك”. ومن ثم نظرت إلى عينيه قائلة، “شيطان”. هكذا عبّرا عن حبهما. أما كيف استطاعا البقاء معاً، فهذا لغز آخر. فهي بالكاد كانت تعرف بضع كلمات روسية، وهو بالكاد كان يعرف بضع كلمات إنجليزية. لا يوجد شك أنها لم تفهم شعره. لكن يسينين، مثل إيزادورا، لم يعرف فرقاً بين الحياة والشعر. فالشعر كان حياته مثلما كان الرقص حياتها”. نهاية مأساوية وشأن كل الأشياء؛ ما كان له بداية، لا بد أن تحين نهايته، افترق الحبيبان. فلم يكن كل منهما يطيق حياة الآخر. وكانت النهاية مأساوية كارثية، تمثلت في انتحار سيرغي يسينين، كما أشرنا آنفاً، لتختار أيزادورا دونكان نهاية مماثلة بعد عامين فقط من رحيل “حبيب العمر” المشاغب. يقولون إنها قدمت رقصتها الأخيرة في نيس، وخرجت في رداء طويل هفهاف، حرصت على أن تزينه بشال مماثل طويل، لتستقل عربة مكشوفة انطلقت بها وهي تصرخ منادية: “وداعا أصدقائي. إنني ذاهبة إلى المجد!”، وسرعان ما تلقفت إحدى عجلاتها طرف ذلك الشال، لتدور به معلنة عن نهاية مأساوية مماثلة لما لقيها يسينين. هذا ما سجلته السينما العالمية في فيلم اختارت له الاسم نفسه “أيسادورا”، عن حياة الراقصة المتمردة، شديدة التحرر، وقدمته دور السينما المصرية عام 1969، بعد إنتاجه وظهوره على شاشات دور العرض العالمية بعام واحد، وحظي بإقبال غير مسبوق، فائق النظير، فيما فازت فانيسا رد غريف عن دورها بجائزة أوسكار، وبـ”السعفة الذهبية” في مهرجان كان السينمائي الدولي وجوائز أخرى كثيرة. ذلك كله بعض مما تذكّره محبو فن يسينين، وعشاق موهبته المتفردة المتميزة، لدى مراسم افتتاح تمثال إقامته له سلطات العاصمة موسكو في شارع تفيرسكايا، أحد أهم شوارعها الرئيسة قريباً من الكرملين، في ذكرى مولده هذا العام. وشأن الكثير من أشعاره وسيرته الذاتية المثيرة للجدل، احتدم النقاش، وتجاوزت التعليقات الحدود المتعارف وغير المتعارف عليها، حول شكل التمثال وفكرته. فقد ظهر يسينين، وكأنما “ملاك بجناحين سقط من السماء”. احتدم النقاش وتباينت التعليقات، ومنها أن يسينين “لم يكن ملاكاً”، فيما اعتبر آخرون ذلك النصب التذكاري “مبتذلاً ولا طعم له”، ومنهم من قال، “إن النحات قتل يسينين”. ونقل موقع “جازيتا. رو” ما قالته ألكسندرا حفيدة شقيقة يسينين، “ربما كانت الفكرة في حد ذاتها جيدة، لكن تنفيذها لم يعجبني”. وفي الجدل تولد الحقيقة. هذا ما يؤكده يسينين حتى بعد مماته في الذكرى الخامسة والعشرين بعد المئة لميلاده. المزيد عن: سيرغي يسينين/روسيا/أيسادورا دونكان/حفيدة تولستوي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا لا تزال نساء كثيرات يخترن حمل لقب الرجل عند الزواج؟ next post هل يفتح ملف “ترسيم الحدود” المفاوضات المباشرة بين لبنان وإسرائيل؟ You may also like مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.