ثقافة و فنونعربي يحيى جابر يمسرح هموم شيعة البقاع اللبناني by admin 26 أكتوبر، 2022 written by admin 26 أكتوبر، 2022 56 عباس جعفر ممثل وحيد على خشبة تجمع بين الكوميديا الشعبية والبعد الاجتماعي اندبندنت عربية \ كاتيا الطويل @katiatawil بعد “مجدرة حمرا” و”شو… ها” وسواهما من المسرحيات التي تتناول أحوال الشيعة من النسيج الاجتماعي اللبناني، استطاع الكاتب والمخرج المسرحي اللبناني يحيى جابر أن يبرهن مرة جديدة أن ما يكتبه يتحول على خشبة المسرح إلى مادة إبداعية مميزة. وعبر مسرحيته الجديدة “هيكللو” التي تعرض على خشبة مسرح المدينة في الحمرا، ثم تقوم في جولة على المناطق، استطاع هذا المخرج المجبول بهموم الشارع اللبناني وأهله أن يثبت لجمهور المسرح أنه ما زال يملك الكثير ليقوله، وأن الواقع والحقيقة والمآسي تتحول بين يديه إلى نصوص مسرحية متوهجة فنياً. في مونولوغ يمتد لنحو الساعتين بينهما استراحة، يقدم الممثل اللبناني الشاب عباس جعفر دوره ونص يحيى جابر بكل مهارة وتماسك. ولا يكتفي جعفر بتقديم النص فحسب، وهو نص يعتبر طويلاً لمونولوغ، بل يجسد الكلمات ويلتحف بها ويبدع في تأدية دوره. وقد يتوقع المشاهدون هذه المسرحية أن العرض سيكون كوميدياً، كاريكاتورياً، خفيفاً، لكن عباس جعفر يثبت للمتفرجين مع مرور الدقائق أنهم مخطئون وأنه يستطيع أن يتجاوز ما عرف به في مسيرته الفنية وأن يقتحم مضمار المسرح الناضج العميق مقدماً أداءً متماسكاً فيه مهارة وانضباط وحرفية عالية. السيرة الذاتية والمونولوغ عباس جعفر مؤدياً أكثر من شخصية (خدمة الفرقة) يتأرجح هذا العمل بين فضاءين اثنين: بين سيرة عباس جعفر الذاتية ومونولوغ في حال أهل شيعة البقاع. موضوعات متداخلة متراكبة مرصوفة بحنكة فنية تحول عباس جعفر إلى حكواتي ماهر ينتقل بالحاضرين من شيعة بدايات القرن العشرين، ويسير بهم تاريخياً وصولاً إلى حال الشيعة في يومنا هذا. يسرد جابر في نصه نزوح الشيعة وحروبهم وصراعاتهم مع الاستعمار الفرنسي، كما يسرد حركة انتقالهم من جرود بعلبك إلى المدينة حيث المدارس والكهرباء والمستوصفات، ليقول في بدايات العرض بما يشبه التأنيب والعتاب، بأن الشيعة ما كانوا لينزحوا إلى المدن لو وفرت لهم السلطات المحلية العلم والطبابة وسبل العيش في ضياعهم وأريافهم. في حديث عن عشائر العرب وعشائر الشيعة والأصول والعرض والثأر والعادات والتقاليد والهجرة والمداهمات والمجازر، ينقل جابر حي الشراونة إلى خشبته، ينقل المجتمع الشيعي بخصاله ومعتقداته ويومياته وهمومه، وبالعناوين الظالمة الملتصقة به. ينقل قوة المرأة الأرملة التي تهرب بأولادها بعد وفاة زوجها، ينقل قوة العمة والجدة اللتين تحتالان على الدولة وتحملان العائلة على أكتافهما، ينقل الإيمان بسيدة بشوات وبالست زينب على حد سواء. ينقل الألفة بين الشيعة والموارنة في بعلبك والخوف من الفتنة بين المسيحيين والمسلمين. نص زاخر بالموضوعات والأفكار والقضايا. نص يحمل في طياته هموم المطلوبين والمظلومين وسجناء رومية الذين ينتظرون محاكماتهم. نص ينقل رفض زواج القاصرات ورفض المتاجرة بالأعضاء ورفض المتاجرة بالأيتام لاستدرار المال من “الكفلاء”. نص يفضح الأحكام المسبقة والقاسية التي يعانيها شيعة البقاع ويتحملون عواقبها منذ ولادتهم، فبينما يولد أطفال العالم أبرياء محبوبين يولد أطفال الشيعة “مطلوبين”، يجب أن يقوموا بواجب الثأر لأحد أفراد عائلتهم وعشيرتهم. يرقص ويضرب على الطبلة (خدمة الفرقة) لكن هذا العمل ليس صفعة جافة في وجه الواقع، بل على العكس، تمكن جابر من الإفادة من خفة دم عباس جعفر ومن مهاراته الكوميدية ليؤطر الموضوعات القاسية بنكهة فكاهة وظرف. يغلف جابر نصه بثوب الإضحاك، وهو ليس إضحاكاً كاريكاتورياً ساخراً، فهو يوظف اللهجة البعلبكية وشخصيات المجتمع الشيعي المضحكة بطباعها وحنكتها وخصالها. فبين التطرق إلى خصائص آل زعيتر ووصف الصراعات بين العشائر ونقل أجواء حي الشراونة وتجسيد شخصية الشيخ نوفل المغرقة في الثنائيات الضدية، يحبب جابر المتفرج، مهما كان انتماؤه الديني والسياسي والأيديولوجي، بهذه البيئة الطيبة الوفية لعاداتها والمتمسكة بقيمها، يحبب المتفرج بالإنسان الشيعي: هذا الطيف المجهول الذي يرزح تحت أعباء حياتية كثيرة. عباس جعفر حكواتي متلون على غرار “حرباء” مسرحية ظريفة بارعة يغير عباس جعفر صوته ولهجته ولغة جسده بحسب تغير الدور الذي يتقمصه. فيتنقل بمهارة بين أدوار نسائية وأدوار ذكورية، حتى إنه يجسد أدواراً غير بشرية توقع المتفرج في ذهول أمام مقدرته التمثيلية الهائلة. ساعتان تقريباً من التقلب والتقليد والغناء والرقص والتقمص، يؤدي عباس جعفر خلالهما من دون أن يخطئ، من دون أن يبالغ، من دون أن يتفاعل مع أي فرد من أفراد جمهوره، هم الذين لم يتوانوا عن إطلاق نكات وتعليقات بصوت مرتفع ضاحك وكأن المونولوغ تحول إلى حوار بين الممثل وجمهوره. يجسد هذا الحكواتي الشاب في نص يحيى جابر وتحت إدارته كينونة الشيعة وقصصهم ويتنقل داخل فضائهم اليومي الروتيني بمهارة، خالقاً منذ البداية فضاءً مسرحياً يجبر الجمهور على دخوله معه وعلى نسيان عباس جعفر الذي يعرفه قبل ذلك. استطاع عباس جعفر تفادي الوقوع في فخ المبالغات المبتذلة أو الكاريكاتورية الصارخة في أدائه، كما خرج عن الصورة النمطية التي يعرفه فيها جمهوره، فقدم لحظات صادقة من حياته، كما قدم لحظات غضب وحزن وعفوية مدروسة وموظفة بذكاء. حركة الجسد وحركة الصوت وحركة اللهجة تضافرت وجعلت النص يتوهج مع عباس جعفر وجعلت هذا العمل إيماءة جميلة ناضجة واعية للواقع والهموم. “هيكللو” مسرحية شيعة البقاع وآل جعفر والطبقة “المحرومة” من المجتمع تتحمل عواقب “الإيتيكيت” التي يلبسها إياها المجتمع اللبناني. وقد أثبت يحيى جابر مرة أخرى أنه الكاتب والمخرج القدير والمثقف الذي يستطيع أن يقدم أهل الشارع الشيعي برؤية ثاقبة، وأنه المخرج النحات الذي كرس عباس جعفر ممثلاً متمكناً بالأداء الممتاز الذي قدمه، من دون أن يقع النص أو الكاتب أو الممثل في أي لحظة من اللحظات في فخ الوعظ أو الإدانة الأخلاقية الدينية أو “كليشيهات” الأمثولة الوطنية وشعارات العيش المشترك. المزيد عن: مسرحية لبنانية\\كوميديا شعبية\مونودراما\البعد الإجتماعي\الهموم اليومية\البقاع اللبناني 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post المعارضة الإيرانية المشرذمة تبدأ بالتوحد دعما لحركة الاحتجاجات next post لولا مونتيس من قصور لودفيغ البافاري إلى بؤس نيو أورلينز الأميركية You may also like استعادة كتاب “أطياف ماركس” بعد 20 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 تحديات المخرج فرنسوا تروفو بعد 40 عاما على... 28 نوفمبر، 2024 21 قصيدة تعمد نيرودا نسيانها فشغلت الناس بعد... 28 نوفمبر، 2024 الرواية التاريخية النسوية كما تمثلت لدى ثلاث كاتبات... 28 نوفمبر، 2024 بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024