من لوحات المستشرقين عن التراث العربي (موقع الفن الإستشراقي) ثقافة و فنون ياروسلاف ستيتكفيتش يكشف تحولات الأساطير العربية by admin 20 يناير، 2024 written by admin 20 يناير، 2024 77 سعيد الغانمي يترجم كتاب “العرب والغصن الذهبي” ويصوب الإحالات التاريخية اندبندنت عربية / أنطوان أبو زيد ياروسلاف ستيتكفيتش، المستشرق الأميركي، المولود في أوكرانيا (1929)، يسلك مسلك شأن كثر من المستشرقين ممن لهم الفضل في الإبانة عن بعض كنوز التراث العربي، شعراً ونقداً ولغة وعلوماً، لا سيما في كتابه “العرب والغصن والذهبي”، الصادر عن دار الرافدين، بترجمة الكاتب وعالم اللغة والسرديات الأكاديمي العراقي سعيد الغانمي. والغانمي صاحب أكثر من 60 كتاباً بين أبحاث وترجمات، منها “مفاتيح خزائن السرد” و”أقنعة النص” و”الكنز والتأويل” و”منطق الكشف الشعري” و”المخيال الصحراوي” و”خزانة الحكايات”، والعشرات من الدراسات التي تدل على تبحره من التراث السردي والشعري العربي القديم. وفي كتاب “العرب والغصن الذهبي” يتسنى له التدقيق في ما انتهى إليه المستشرق، ستيتكفيتش، مصوباً عديداً من الإحالات في متن الدراسة، لتتطابق مع الأصل العربي ودلالاته المتصلة ببيئة الأسطورة، وتعالقاتها الدينية والأدبية وغيرها. ولعل هذا ما استدعى إعادة طباعة الكتاب بصيغته التي تحفظ للأصل العربي مكانته الأولى، وصورته الحقيقية. مكانة الأسطورة يناقش هذا الباحث المستشرق، وبقوة المحاجة، وبدربة التقصي في مدونة التراث العربي، الديني والأدبي – ولا سيما الشعري منه – مسلمة وجود الأساطير في هذا التراث، مدللاً على ذلك من خلال تتبع الإشارات عن أسطورة الغصن الذهبي وملحقاتها من الصور البدئية (القديمة). وهذا خلافاً للاعتقاد الراسخ، عند الغالبية من النقاد العرب، ولدى الممسكين بإواليات تحليل الخطاب العربي، الذي ينفي وجود الأسطورة في التراث الديني والشعري العربي، أو يراه ملازماً زمن الجهل، أي زمن الفتوة والصراعات الدموية بين القبائل والعشائر، وهو النقيض لزمن الحلم، برأي الكاتب. أما المنهج الذي اعتمده ستيتكفيتش في هذه الدراسة – الفريدة في جرأتها ونفاذها على ما نوضح لاحقاً – فمستمد من منهج الباحث الكندي الشهير نورثروب فراي (1912-1992) الذي كان يعتبر أن التراث الأدبي الإنساني، الشرقي الديني منه والغربي، كان قد ابتكر في مسيرته عديداً من الصور البيانية ذات الدلالات الأسطورية. وقال إن على الباحث أن يعي “الكيفية التي تخفي بها الميثولوجيا نفسها، بحيث تطوع الأساطير لتغدو مصدراً مولداً للمعاني الأيديولوجية واليوتوبية”. ومن ثم فقد وجب على الباحث أن يتقصى هذه الصور الأسطورية الباقية، من متون التراث المعني بالدرس، ويعمد إلى تصنيفها، وتحليل دلالاتها من أجل استخلاص التصور الخاص، في إطاره التاريخي والحضاري. كتاب البحث في التراث العربي (دار الرافدين) ولكن قبل المضي إلى استنطاق التراث العربي المقصود بالدرس، رأى الباحث ياروسلاف ستيتكيفتش لزوم أن يتثبت من وجود كلمة أسطورة، فتبين له ذلك من مجرد تفحص مدونة القرآن الكريم، في آيات مختلفة منه، مثل: الأنعام (6/25)، والنحل (16/ 24)، والمؤمنون (23/83)، والفرقان (25/ 5)، وغيرها. وغالباً ما كانت الكلمة ترد مصحوبة في عبارة “أساطير الأولين”، للتفريق بين حقيقة الكلام المنزل في القرآن الكريم وسائر الأخبار أو القصص المتناقلة عبر الأزمنة، التي تتفاوت فيها الصدقية، ولا يعتد بمضمونها، أو تلك المصنفة بمنزلة الأقاصيص الذي يورد معادلاً لتلك الكلمة، وهي الخرافة – وقد زعم أن خرافة كان قاصاً – وقد حملت معنى الأباطيل والترهات، بعد أن كانت تعني (الأسطورة) لدى أهل مكة ما قبل الإسلام، التاريخ، منقولة عن جذرها اللاتيني (هيتستوريا)، وتعني التاريخ. وقد يكون العرب الجاهليون قد عرفوها من جذرها السرياني (سرتو) بمعنى سطر، أو سطور، بيد أن المقصود من هذا التوكيد ليس البحث عن تاريخية المصطلح بقدر ما كان الانطلاق إلى تبين أثر بعض الأساطير في متون التراث السردي والشعري العربي، ولا سيما أسطورة الغصن الذهبي، والبحث في تحولاتها، وفي مجمل تفاعلاتها وتأثرها ببيئتها التي صدرت منها، في مسلك يصفه الباحث ستيتكفتش بعبارة واحدة “ترميم الأسطورة العربية”. الغصن الذهبي وثمود إذاً، يروي الباحث، نقلاً عن الطبري وابن كثير، في كتابيهما “تفسير القرآن” و”قصص الأنبياء” كيف أن النبي محمداً في إحدى حملاته العسكرية في الطريق إلى تبوك، مر بقبر أبي رغال، فقال: “أتدرون ما هذا؟”، قالوا: “الله ورسوله أعلم”. قال: “هذا قبر أبي رغال”. قالوا: “فمن هو أبو رغال؟”. قال: “رجل من ثمود كان في حرم الله فمنعه حرم الله عذاب الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن ههنا، ودفن معه غصن من ذهب”. فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم فجثوا عليه فاستخرجوا الغصن. ولكن الباحث لا يكتفي بإيراد القصة المنقولة عن لسان الطبري وابن كثير، وإنما يذهب بها إلى استنطاق الإطار الزمني والحضاري الذي حصلت فيهما الواقعة، فتبين له أن النبي محمداً كان يعد غزوة تبوك (9هـ/630 م)، وأنه مر وأتباعه بالمدافن الثمودية – النبطية القديمة في مدينة الحجر، إحدى مدائن صالح. ولا يلبث أن تنكشف له حضارة آفلة، بل مثالاً للعقاب الصارم الذي أصيبت به الأمم الظالمة المتمردة، وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم 21 مرة. ومن ثم يتبين له أن قوم ثمود المقيمين في الأطراف الشمالية من الجزيرة العربية، والمتصلين بالحضارة النبطية، كانوا يحيون حياة مدينية مفرطة في الرغد واللهو، وأنهم – بحسب القرآن الكريم – كانوا ظالمين، فأرسل الله لهم نبياً يدعى صالح، يدعوهم فيها إلى الخير، وأعد لهم اختباراً في ألا ينحروا الناقة. ولكنهم لم يرتدعوا عن ذبحها، لما أتت على جميع مياه ثمود، إبان سقاية الماشية. حكاية رمزية تأسيسية بالطبع، لن نغوص في مزيد من الأخبار والوقائع التاريخية التي يذكرها الباحث لتأكيد رسوخ الأسطورة في الفكر العربي قبل الإسلام، نثراً وشعراً، إذ إن كثيراً من الشعراء الجاهليين كانوا يعرفون حكاية ثمود وأسطورتها، ويؤدونها بدلالات أخلاقية تتفق مع زمنهم، وبما ينسجم مع المحتوى الأيديولوجي للمخيال الجاهلي. ولما أقبل الإسلام تلبست الأسطورة الثمودية عند الشعراء والكتاب العرب لبوس المخالفة الدينية الصريحة التي تستدعي عقاباً لمن اقترفها، أو جاءت دلالتها الأيديولوجية متفقة مع الحدث وثقافة المتكلم أو المدون، ذلك أن الأسطورة، على ما يقول المؤلف، هي حكاية رمزية تأسيسية، تتلون أو تتحول دلالتها بتحول السياق الزمني الذي يحتويها. وعلى هذا لن يكون مستغرباً أن يسبغ المخيال العربي الإسلامي على “الأسطورة محتوى أيديولوجياً مذموماً لاعتباره يمثل منظور المجتمع القديم لنفسه، في حين يطلق اسم القصص (قصص الأنبياء) على المحتوى الجديد الذي يطمح أن يتبناه هذا المجتمع”. (ص:17). خلاصات لن يتسنى للمراجعة أياً تكن أن تطاول مختلف النقاط المهمة التي سلطت الدراسة عليها أضواءها. وإنما تكفي الإشارة إلى بعضها، وأذكرها على التوالي: أولاً- أن التراث العربي، السردي والشعري والديني منه على السواء حافل بآثار من أساطير قديمة، ومتوارثة، ودخيلة، وأن الإدانة العقائدية المتزمتة لبعض الأدب الشعبي، مثل الزير سالم وسيرة عنتر والسيرة الهلالية وألف ليلة وليلة وغيرها، لانطوائها على أساطير وقصص متخيلة، لن يحول دون اندراجها في قلب التراث الأدبي العربي. ثانياً- أن للأسطورة وظائف، أو دلالات، ترتبط حكماً بزمان ظهورها، على نحو ما بين الباحث لدى تبيينه كيف أن الغصن الذهبي، وقد صار إلى النبي الأكرم محمد، منتزعاً من أبي رغال، خائن قومه ثمود والمرجوم من قبلهم، إنما كان رمزاً للمصير المشؤوم الذي قد يؤول إليه أعداؤه المنافقون من قريش، الذاهب إلى محاربتهم في غزوة تبوك. ولئن تحاشى الباحث ستينكفيتش المماثلة بين قصة النبي صالح في مواجهته ثمود وضلالها، وقصة النبي محمد بهذه الغزوة، فإنه أوحى بإمكان اتفاقها مع تلك اللحظة المفصلية من مغازي النبي لترسيخ دعائم دعوته. ثالثاً- أن أسطورة الغصن الذهبي، وما تعالق بها من أساطير فرعية أو صور بدئية، على قولة نورثروب فراي، من مثل ناقة الله أو الناقة المحرمة وغيرها، استدعت من الباحث إعادة تصنيفها بناءً على معتقد مغرق في القدم، كان جائزاً فيه حصول الطوطم والمحرم ورجم كل من ينتهك المحرم، أي الناقة، سواء كان أبا رغال، أو قداراً. رابعاً- أن ثمة نظائر لأسطورة الغصن الذهبي في تراثات الشعوب، على ما يبينه الباحث في الفصل الثامن من دراسته، سواء في الإنياذة والإلياذة، ولا سيما في الأناشيد الهوميرية، حيث نرى هرمس أخا أبولو ممسكاً بالصولجان الذهبي، إضافة إلى عصا موسى السحرية، وأخيراً نبتة الخلود لدى الباحث عنها جلجامش. الكتاب إذاً مراجعة عميقة، وبثقافة موسوعية، يتآزر فيها التاريخ مع السيرة النبوية الشريفة، وتحليل التراث الشعري الجاهلي والعباسي، إلى جانب علم الأنثروبولوجيا وتحليل التراث الديني (التوراة والقرآن الكريم) والحضاري، لأسطورة الغصن الذهبي، وأبعاده والعبر المنهجية منه، وهي كثيرة لمجتمع المعرفة، المعني بهذه الكشوف. وفي الختام، يجدر التنويه بالجهود التي قام بها الكاتب المترجم سعيد الغانمي، تصويباً، وتحقيقاً، ومراجعة لمضامين الدراسة لتكون منسجمة مع معطيات التراث العربي والإسلامي الخاصة بالموضوع. المزيد عن: الغصن الذهبيالأسطورةالتراث العربينصوص تاريخيةآثارفكرالذاكرةبحث 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مخرجان ينجزان فيلمين مقتبسين عن رواية الفرنسي المشاكس أوكتاف ميربو next post العثور على كوكب بحجم الأرض على مقربة منها You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024