ياسوشي إينو (1907-1991) (موسوعة الأدب الياباني) ثقافة و فنون ياباني يكتب رواية صينية معاصرة عن الذاكرة الثقافية by admin 28 يناير، 2025 written by admin 28 يناير، 2025 24 البطل الفرد في رواية “طرق الصحراء” لياسوشي إينو ينقذ عشرات الآلاف من وثائق لا يستقيم العيش والتقدم من دونها اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب لم يكن الكاتب الأرجنتيني الراحل خورخي لويس بورخيس، بالطبع، أول من جعل الكتب والوثائق والمخطوطات، شخصيات أساساً في بعض أعماله، حتى وإن كان واحداً من أبرز الذين فتحوا في العصور الحديثة دروباً في هذا المجال، سار فيها، بعض كتاب متفاوتي الأهمية في أعمال أساس لهم، ومن بينهم الإيطالي أومبرتو إكو (في اسم الوردة في الأقل) واللبناني، بالفرنسية، أمين معلوف (في عدد لا بأس به من رواياته التاريخية الناجحة) ناهيك بالبولندي يان باتوفسكي (في مخطوطة وجدت في سراغوسا). فالنص المكتوب مخطوطاً أكان أم مطبوعاً، أغرى الكتاب دائماً، باعتماده موضوعاً، أو محوراً جانبياً، في أعمالهم. ولعلنا لا نبتعد عن الصواب إن نحن نظرنا هنا ناحية الكاتب الياباني ياسوشي إينو، باعتباره واحداً من الذين كتبوا عملاً أساساً من حول النصوص الفكرية والثقافية والسعي إلى إنقاذها من الحريق، على غرار الأميركي راي برادبري في “فهرنهايت 452” التي حولها الفرنسي فرنسوا تروفو فيلماً شهيراً. وكان ذلك بالنسبة إلى إينو في روايته “طرق الصحراء” التي تعتبر منذ نشرها في عام 1959، واحدة من أكثر الروايات شعبية في اليابان خلال النصف الثاني من القرن الـ20، ومع هذا فإن أحداث الرواية لا تدور في اليابان، بل في الصين. في معنى أن إينو الياباني، كتب الرواية الصينية الأشهر في القرن الماضي، لكن “طرق الصحراء” لم تكن، على أية حال، العمل الوحيد الذي استوحاه من تاريخ الصين وغيرها من مناطق شرق آسيا، كما سنرى. أما هنا فموضوعنا هو هذه الرواية التي استأثرت دائماً باهتمام القراء وترجمت إلى عدد كبير من لغات العالم، وفي مقدمها اللغة الصينية، بالطبع. طبعة فرنسية من رواية “طرق الصحراء” (أمازون) الصين أيام الصراعات الكبرى تدور أحداث “طرق الصحراء” في صين الصراعات الكبرى في القرن الـ11 الميلادي، أما بطل الرواية فهو شخص فرد، وجد ذات يوم أن الأقدار قد اختارته للقيام بمهمة تعجز عنها أمم بأسرها: إنقاذ كنز فكري ثقافي لا يقدر بثمن من أتون الحرائق والتزمت والصراعات. وهذا الكنز يتمثل في أكثر من 40 ألف وثيقة تعود إلى ذلك الزمن وتبدو مهددة. منذ ما قبل بدء أحداث الرواية يذكرنا إينو كيف أن الباحثين اكتشفوا عند بدايات القرن الـ20، ذلك الكنز الحضاري الثقافي، في داخل مجموعة من المغارات تعرف باسم “ألف بوذا” ومكرسة للعبادة البوذية، وإذ يقول لنا الكاتب كل ما يمكن قوله حول القيمة التاريخية والفكرية لتلك الوثائق، ينتقل بنا مباشرة إلى الرواية، وهو يشرح لنا كيف تمكنت الأقدار من إنقاذ ذلك الكنز، مؤكداً أن آلة الأقدار في ذلك الإنقاذ كانت رجلاً اسمه خنغتي، وأن المنطقة التي يحدث فيها ذلك كله تقع في الشمال الغربي للصين، في إقليم يتعايش فيه عدد كبير من الشعوب التي تألفت الأمة الصينية منها، على مدى الأزمان، من صينيين أصليين وخيكسيا وأواغور وخيطان وغيرهم. وهذه الشعوب التي كان عليها أن تتعايش مع بعضها بعضاً في تلك المنطقة، كانت تعيش في معظم الأحيان، على أية حال، صراعات لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد. مغارات “ألف بوذا” وبوذا ولما كانت الديانة البوذية المسيطرة تعرف قيمة الوثائق المودعة في مغارات “ألف بوذا”، وأن الخطر يحيق بها، كان لا بد لأقدارها من أن تختار من تعهد إليه بالمهمة التي تكاد تبدو مستحيلة: مهمة إنقاذ الوثائق. ونجدنا هكذا وجهاً لوجه مع خنغتي وهو أصلاً من أبناء مدينة كايغنغ، عاصمة إمبراطورية صونغ الصينية في ذلك الحين. وخنغتي هذا، يصل مع بدء الرواية إلى العاصمة لكي يقدم نفسه إلى المسؤولين بصفته متبارياً في ما كان يسمى الاختبارات الإمبراطورية”. وهو ما إن بدأ خوض الاختبارات حتى كشف عن مهارات وقدرات وقدر من الذكاء لا تضاهى، غير أن هذا كله لم يمنعه، إذ كان السفر قد أنهكه، من أن ينعس في النهاية غافلاً عن الاختبارات الأخيرة. وسقط هكذا من دون قصد منه، فأصيب بالإحباط ليبدأ تجواله وتشرده في المدينة، على غير هدى. وفي ما هو يتجول، تمكن ذات لحظة من أن ينقذ من موت محقق امرأة من شعب الخيكسيا، كافأته على إنقاذها بأن أعطته قطعة قماش طرزت عليها كتابة بحروف لا يفهمها ولا يفقه لها معنى. انبهار وفك طلاسم وإذ ينبهر صاحبنا بتلك الكتابة، يقرر فك طلاسمها، شاعراً بأن بلاد الخيكسيا قد باتت تشكل نقطة جذب له بحيث لم يعد أمامه من مهرب إلا في الذهاب إلى هناك. وتغير هكذا بالنسبة إليه هدف حياته، وراح يغوص في الدروب التي توصله إلى بلاد حلمه الجديدة. وهو بالفعل وصل إلى المكان بعد 11 شهراً، ولكن، ليجد نفسه مجنداً في طليعة القوات العسكرية التابعة للخيكسيا، وهي قوات مؤلفة أصلاً من مرتزقة صينيين. ويتحول خنغتي تبعاً لهذا إلى مقاتل شرس، في معارك لا يتردد دون خوضها، عند حدود صحراء غوبي، معارك لا تبدو ذات أهداف، باستثناء السيطرة على الشعوب والهيمنة على أراض تربى فيها أحسن خيول في العالم، وتفتح الآفاق انطلاقاً منها لشتى أنواع التجارة مع المناطق الواقعة غرب الصين. وبذلك يصبح بطلنا مقاتلاً عنيداً، ولكن من دون هدف خاص به. ومع هذا، يبدو لنا واضحاً عند هذا المستوى من الأحداث أن ثمة ثلاثة اعتبارات تتحكم بمصير هذا البطل، حتى من دون أن يعي ذلك تماماً: وانغلي، رفيق سلاحه ورئيسه المحبوب، أميرة من شعب الواغور، فاتنة خلبت لبه وصارت حب حياته، وأخيراً كوانغ، الأمير التاجر، المتسلط الذي صار خنغتي خادمه الأمين. على ظهر الحمير وهنا في خضم هذه الحياة الأفاقة والشجاعة التي صارت حياته، يدرك البطل أن الأقدار هي التي تسيره الآن على هواها، وهي التي تدفعه إلى أن يتعلم الأبجدية الخيكسية، مكتشفاً الأفكار البوذية معتنقاً لها، في وقت لم يكن العامة قد صاروا بوذيين حقيقيين بعد. ومن خلال اكتشافه البوذية، اكتشف خنغتي وجود النصوص البوذية المقدسة التي يطلق عليها اسم “سوترا”. ويكون، بذلك، قد خطا الخطوة الأخيرة التي تقوده إلى أن ينقذ في المدينة المقدسة (التي تحف بها المعارك، ومن ثم الحرائق، من كل ناحية إذ حاصرتها القوات الخيكسية، وقوات مسلحي الشمال الغربي)، وكل ذلك الكم الهائل من الوثائق التي تحمل نصوصاً وكتابات بوذية لا يمكن العثور عليها في أي مكان آخر، ومن هنا نفاستها، وأهميتها. ولسوف يبدو واضحاً أن ما من أحد غيره كان في إمكانه أن يقوم بالمهمة، التي سيكتشف في نهاية الأمر أن يد الأقدار كانت هي التي قادته منذ البداية إليها. فهو، إذ يتأمل حياته ومسارها في الصفحات الأخيرة من الكتاب، يتبين له، أن خط حياته ومساره، إنما سار في تلك الوجهة منذ اللحظات الأولى، وبما في ذلك سقوطه في الاختبارات الإمبريالية التي صارت بالنسبة إليه الآن مجرد ذكريات بعيدة. أما المشهد الذي يرضيه، في النهاية، ويجعله ضاحكاً في وجه أقداره، فهو مشهد الـ60 حيواناً من حمير وغيرها التي حملت على ظهورها النصوص والوثائق واللفائف، مجتازة الصحراء التي تخبئها عن نور القمر الساطع. إن هذا المشهد هو الذي يدفع خنغتي إلى التساؤل عما إذا لم يكن قد وجد أصلاً وعاش حياته كلها، لكي يعيش تلك الليلة الفاتنة. إنها الأقدار! يهمس لنفسه مبتسماً راضياً. ياسوشي إينو (1907-1991) كان واحداً من أكثر الكتاب شعبية في اليابان. وهو على رغم أنه كان شديد الارتباط بثقافة بلاده، كانت عينه على الخارج أيضاً. ومن هنا قام بجولات خارجية عدة، ولا سيما في الصين التي كان واسع الاطلاع على ثقافاتها وتاريخها. وهو وضع من وحي جولاته الصينية كتاباً روائياً عن جنكيزخان “الذئب الأزرق”، كما وضع كتباً عدة وصفت رحلاته إلى الصين، ناهيك بأنه حين رحل عن عالمنا قبل قرابة نحو من ثلثي قرن كان يشتغل على رواية عن حياة كونفوشيوس لم يكملها أبداً. المزيد عن: ياسوشي إينورواية طرق الصحراءرواية صينيةالذاكرة الثقافيةخورخي لويس بورخيسأمين معلوفأومبرتو إكو 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post مبادرات لدعم القارئ والناشر في معرض القاهرة للكتاب next post قضايا الحرية والهوية والاغتراب تشغل 5 مجموعات قصصية You may also like ظاهرة الزواج العصري المأزوم في مقاربة فلسفية 30 يناير، 2025 “موجز تاريخ الأدب البولندي” يرصد محطات الشيوعية وما... 30 يناير، 2025 فيلم “الخرطوم”: توثيق إرث ضائع وسط لهيب الحرب 30 يناير، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: أفاعي موقع مسافي في... 28 يناير، 2025 جماليات التجريد الغنائي في لوحات جنان الخليل 28 يناير، 2025 قضايا الحرية والهوية والاغتراب تشغل 5 مجموعات قصصية 28 يناير، 2025 مبادرات لدعم القارئ والناشر في معرض القاهرة للكتاب 28 يناير، 2025 هل يستحق “إميليا بيريز” 13 ترشيحا لـ”الأوسكار”؟ 28 يناير، 2025 المؤرخ الفرنسي هيرفي لو برا: لا يوجد عرق... 28 يناير، 2025 هل كان بلزاك نابوليونيا أم اكتفى بالإمبراطور كأدب؟ 28 يناير، 2025