ساتياجيت راي (1921 -1992): جمهوري المحلي أولاً (موقع السينما الهندية) ثقافة و فنون وصية فنية وسياسية من مخرج الهند الكبير ساتياجيت راي by admin 25 يناير، 2025 written by admin 25 يناير، 2025 26 “أنا أحقق أفلامي لشعبي وتعجبني سينما العالم الكبيرة من دون أن أحاول تحقيق ما يماثلها” اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب قبل ثلث قرن من الآن رحل عن عالمنا فنان السينما الهندية البنغالية المخرج ساتياجيت راي (1921- 1992)، واعتُبر رحيله خسارة كبيرة لسينما العالم وللجانب المضيء من الفنون الهندية، وهو الذي كان قد أطل على العالم بتلك الفنون منذ النصف الأول من خمسينيات القرن الـ20، الجزء الأول من فيلمه الكبير “باتر بانشغالي”، فأحدثت إطلالته ثورة مدهشة. ثورة تواصلت مع أفلام أخرى راحت تعرض في المهرجانات الأوروبية أكثر مما في صالات بلاده، فانضم بذلك، كظاهرة إلى أولئك السينمائيين الذين تبدو عبارة “لا مكان لنبي في بلده”، وكأنها وجدت لتوصيفهم. خلال السنوات الأخيرة من حياته راح راي يرد على أسئلة الصحافيين والهواة بأكثر مما يحقق أفلاماً. ولقد تجمعت في ذلك الحين تصريحاته وتعابيره لتشكل ما يمكن اعتباره وصية فنان كبير عند موته. وهنا مختارات منها تتعلق بالسينما ودور السينمائي في الحياة كما في السياسة. في رده على سؤال لناقد فرنسي قال راي، “تسألونني عن مخرجين كرسوا حياتهم وأعمالهم لقضايا سياسية كانوا معنيين بها؟ حسناً… إيزنشتاين قدم عوناً لثورة كانت قد انتصرت واستتب الأمر لها قبل تدخله. حال إيزنشتاين تقول لنا إن المخرج يلعب دوراً إيجابياً، ويمكنه أن يقدم عوناً كبيراً للثورة. ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً إن لم تكن هناك ثورة انتصرت مسبقاً بالفعل. أما المخرجة ليني ريفنشتال مخرجة هتلر المفضلة، فكانت تساعد على استتباب خرافة تعزز الأيديولوجيا النازية. وفي ذلك الزمن كان النازيون أقوياء جداً. خلال أولى سنوات الفاشية، حتى المثقفون كانوا مرتبكين وقد اختلطت الأمور عليهم. عندها كان طاغور نفسه يعتقد أول الأمر أن ما يقوم به موسوليني كان أمراً رائعاً، وسيلعب دوراً إيجابياً. وظلت تلك معتقدات طاغور حتى نبهه رومان رولان إلى أنه مخطئ في نظرته، وأنه لم يدرك أبداً كل ما يترتب على استشراء الفاشية”. السينمائي ودوره وبالنسبة إلى دوره الاجتماعي كمخرج سينمائي قال راي لمحاوريه يوماً، “يمكنكم تلمسه من خلال الموقف الذي أعبر عنه في فيلم (العدو). ففي هذا الفيلم لدينا شقيقان أصغرهما ينتمي إلى جماعة (الناكساليت). أما الأكبر فليس ثمة أدنى شك في أنه معجب بأخيه الصغير لشجاعته ومعتقداته. الفيلم لا يحمل أي إبهام في هذا السياق. ومع هذا وجدتني كمخرج أكثر اهتماماً بالأخ الأكبر مني بالأصغر، وذلك ببساطة لأن شخصية الأكبر شخصية متأرجحة. فهذا الشخص انطلاقاً من هويته السيكولوجية، ومن كونه كائناً بشرياً مملوءاً بالشكوك، بدا لي أكثر إثارة للاهتمام كشخصية فنية. الصغير كان قد سبق له أن ماهى نفسه مع القضية التي يحملها. وهذا يجعله جزءاً من موقف شامل ويفقده أية أهمية خاصة. وهكذا ما إن تستتب السلطة لجماعة (الناكساليت) حتى يفقد كل سمة شخصية”. وفي سياق آخر يتعلق هذه المرة بدور الكاتب لا بدور المخرج علق راي قائلاً، “في بعض الأحيان يحكم النقاد على فيلم يحققه مخرج معين انطلاقاً من عمل إبداعي كتبه آخر، متناسين وجود هذا الأخير في العمل ومتناسين أن الأفكار أصلاً أفكاره، معتبرين العمل كله، من ألفه إلى يائه ملكاً للمخرج. وهو أمر غير صحيح على الإطلاق. أنا يحدث لي غالباً أن أختار قصة أو حكاية، من أجل بعض عناصرها التي تجتذبني. وخلال عملية كتابة السيناريو المقتبس عنها قد أحدث تبديلاً في الموضوع، لكن من المؤكد أن معظم العناصر الأصلية ستظل على حالها، أي كما دوَّنها الكاتب الأصلي. وفي أحيان كثيرة أيضاً يتطور السيناريو كنظرة نقدية تجاه العمل الأصلي. فأنت حين يحدث لك أن تعيد قراءة القصة مرات عدة، قد تشعر أن شخصية معينة لا ينبغي أن تتصرف بالطريقة التي جعلها الكاتب تتصرف بها. ومن هنا تجري بعض التعديلات. أنا بالنسبة إليَّ ما إن أقرأ قصة وأصبح متمرساً فيها متعمقاً، حتى أتركها جانباً، لأبدأ بالكتابة انطلاقاً من ذكرياتي عنها لا أكثر. وفي النهاية إذا وجدت أن بعض التبديلات مقنعة، أبقي عليها وأنسى النص الأصلي”. بوستر فيلم “العدو” لساتياجيت راي (موقع الفيلم) نضج مبكر وجمهور محلي ولمناسبة هذه الإشارة إلى حديث الذكريات أخبر المخرج الهندي الكبير مستمعيه خلال ندوة في معهد الفيلم البريطاني في لندن أدارتها ماري سيتون كاتبة واحدة من أفضل سيره، وكان كاتب هذه السطور مشاركاً فيها في معهد الفيلم البريطاني قائلاً، “أعتقد أنني، شخصياً، نضجت في مرحلة مبكرة من حياتي وعلامة النضج لديَّ، كما أعتقد، كانت اهتمامي بأن أحقق أكبر قدر ممكن من التكثيف الدرامي ضمن إطار بنية سردية بسيطة… بل سطحية حتى. والحقيقة أنني حين أصوغ أفلامي لا أفكر أبداً بالمتفرج الغربي. أفكر فقط بجمهوري البنغالي الخاص، وأبذل محاولات دؤوبة لاصطحاب جمهوري معي في رحلتي الفنية، وهذا أمر أعتقد أنني نجحت فيه دائماً. في البداية كان هذا الجمهور بسيطاً يخلو ذهنه من أي تعقيد متطور. وكان جمهوراً معتاداً على مشاهدة الأفلام البنغالية الساذجة. من هنا أحسست منذ البداية أن عليَّ أن أقوده في دربي بهدوء وبطء. في بعض الأحيان قد أكون بالغت في التعقيد في هذا الفيلم أو ذاك… وهنا كانت مجازفتي كبيرة بأن أخسر ما كنت بنيته مع هذا الجمهور”. واستطراداً لفكرة التعقيد هذه، أضاف راي يومها قائلاً، “أنا لا يمكنني أبداً أن أفعل ما يفعله فلليني أو برغمان. فجمهوري ليس جمهورهما… كما أنني لا أشتغل ضمن الإطار الذي يشتغل هذان الفنانان عليه. عليَّ دائماً أن أكتفي بجمهور معتاد على الفنون البسيطة. لقد اشتغلت مع الجمهور الهندي أكثر من 30 عاماً. وبكل صراحة لم تحدث كل تلك السنوات أي تغيير في نظرته العامة إلى السينما… لم يحدث أي تغيير، خصوصاً في البنغال. في أحيان كثيرة تقابلون مخرجين هم من التخلف والرجعية والحماقة بحيث يصعب عليكم أن تصدقوا أن مثل هؤلاء موجود حقاً، وأنهم مخرجون حققوا أفلامهم في الوقت نفسه الذي كنت أنا أحقق أفلامي فيه. إن الظروف، على أي حال، تجبرني دائماً على إبقاء حكايات أفلامي عند مستوى سهل المنال بالنسبة إلى الجمهور. فما الذي أفعله حينذاك؟ أملأ الأفلام بالمعاني والدلالات السيكولوجية والظلال، جاعلاً العمل كله عملاً شاملاً قادراً بالتراكم على أن يوصل الكثير – وإن لم يكن كل شيء – إلى شعبي وجمهوري”. هؤلاء مخرجوه المفضلون وفي النهاية وفيما يتعلق بسؤال طرحه الحضور في تلك الندوة نفسها على المخرج الكبير قال مبتسماً، “تسألونني عن المخرجين الذين تعجبني أعمالهم؟ حسناً، في مقدمتهم فرنسوا تروفو وأكيرا كوروساوا – وبالمناسبة سأشير هنا إلى أنني أحب أفلام كثير من المخرجين اليابانيين. فهم، في صورة عامة صانعو أفلام عظماء… وبهذه العبارة أعني أنهم يشتغلون في شكل رائع على كل مستويات تحقيق الفيلم. كوروساوا نفسه يمتلك نزعة إنسانية رائعة، كما يمتلك الأسلوب والنسغ الفني. أسلوبه مختلف كثيراً عن أساليب مواطنيه، ربما أقول إن ثمة شيئاً من الغرب لديه. كذلك أحب مخرجي أفلام رعاة البقر والغرب الأميركي، بيد أنني في هذه الأيام أراني أحب أفلاماً أكثر مما أحب مخرجين، خصوصاً أنني أعتقد أن المخرجين في هذه الأيام لا يصلون إلى ما كنت تتوقعه حقاً منهم. أحب خصوصاً فيلم “مذكر – مؤنث” لجان لوك غودار، لكن ثمة في المقابل أفلاماً كثيرة لغودار لا أستمتع بها”. المزيد عن: المخرج ساتياجيت رايبوليوودالفنون الهنديةطاغورالسينما البنغاليةفرنسوا تروفوأكيرا كوروساوا 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post الايكونوميست: أميركا والرئاسة الإمبراطورية next post عن صناعة الترفيه وأنتوني هوبكنز: الحياة حلم You may also like عن صناعة الترفيه وأنتوني هوبكنز: الحياة حلم 25 يناير، 2025 سيرة جديدة تكشف وجها آخر من المركيز دو... 24 يناير، 2025 أنجيلينا جولي ونيكول كيدمان: بين الخيارات الآمنة والأدوار... 24 يناير، 2025 هرتزوغ أسطورة السينما الألمانية يبدع في الـ83 24 يناير، 2025 الضحك قرين الجرأة… هكذا اختفت الصحافة الساخرة في... 24 يناير، 2025 عندما قام برونيليسكي بمهمة غامضة في أزقة روما 24 يناير، 2025 معرض القاهرة للكتاب يستوحي شعاره من “الحوار الديني” 24 يناير، 2025 جوائز “الراتزي”: “أوسكار” أسوأ الأفلام 24 يناير، 2025 ( 60 قصيدة ) لعشرين شاعرا أميركيا حازوا... 24 يناير، 2025 رحلة هتشكوك الغامضة من أحياء لندن البائسة إلى... 24 يناير، 2025