الجمعة, ديسمبر 27, 2024
الجمعة, ديسمبر 27, 2024
Home » وباء كورونا وموسيقى شوبان يبنيان رواية واسيني الأعرج

وباء كورونا وموسيقى شوبان يبنيان رواية واسيني الأعرج

by admin

“ليليات رمادة” بين تاريخ كوفيلاند الجزائرية وواقعها المأزوم

اندبندنت عربية \ نبيل سليمان 

كان وباء كورونا في شهوره الأولى عندما أسرعت إليه الرواية والقصة. وكان أول ما قرأت من ذلك رواية الكاتب السوري الكردي جان دوست “في قبضة الكابوس.. ثلاثون يوماً من حصار كورونا”. ولعل السيرية ولعبة اليوميات هما ما أنقذا الرواية من فخ الكتابة الإبداعية عن الراهن. وسرعان ما تواترت الأخبار الثقافية: “ليالي الكورونا: الحب في زمن الكورونا” لأماني التونسي، و”النزيل رقم 1″ لعبد الرحمن عسل، و”الكورونا في زمن الفراعنة” لعمرو فريد، وكذلك المجموعة القصصية “الكمامة الزرقاء” لأسامة إبراهيم، وأولاء جميعاً من مصر. وما إن أطل هذا العام حتى أطلت من قطر رواية “كورونا الحب والحرب: ملحمة كتبت أثناء الحجر” لجاسم سلمان، معلنة أنها الرواية العربية الأولى عن “كوفيد”، مع أن رواية الجزائري واسيني الأعرج “ليليات رمادة” (دار الآداب) أعلنت في الآن نفسه أنها الأولى. وبعد شهور صدرت في المغرب المجموعة القصصية “كوفيد الصغير” للطيفة لبصير. وبين يدي الآن رواية مخطوطة مغوية للكاتب السوري الكردي، هي “جرس إنذار” والكاتب، مثل جان دوست، لاجئ في ألمانيا.

مدينة كوفيلاند

يقدم واسيني الأعرج لروايته بما ينسبها إلى الحكاية العربية المتوارثة في صيغة “كان يا ما كان”، وتتبع ذلك ملاعبة التأرخة والتخييل، وتشغيل “استراتيجية اللا تعيين”، فيسمي الفضاء الروائي بـ”كوفيلاند” ويعينها بأنها مدينة بمثابة وطن، وسوف يلي أنها مدينة الأوبئة، ووطن الأوبئة، وأنها قاومت الأوبئة منذ القرن الميلادي الأول حتى اليوم. وهذه الكوفيلاند التي لا تخفى صياغتها من جماع وباء “الكوفيد-19” وكلمة “لاند”، تعددت أسماؤها التاريخية بمقتضى الأوبئة التي ضربتها. ففي سنة 1965 مثلاً، سميت أنطونيلاند تيمناً بطاعون أنطونين. وفي القرن السادس سميت جوستينيالاند تيمناً بطاعون جوستينيان الذي أودى بخمسين مليون إنسان. وبذا تكون كوفيلاند فضاءً عالمياً – كونياً، فيه مثلاً أوروبا وفيه الجزائر، وفيه سوريا كما توجه رمادة في حديثها عن مؤرخي كوفيلاند ومنهم لوسيان السميساطي السوري، الذي قال إن التبرك بالأوبئة يقلل من الخسارات. وعلى طريقة الإسناد العربية الكلاسيكية نصل بأسماء كوفيلاند إلى نهاية القرن التاسع عشر، عندما ضربتها الحمى الصفراء فصار اسمها المدينة الصفراء “جوانفيل”، وظلت تحمل هذا الاسم حتى استقلت عام 1962، كما سيلي تبيانه.

الجزء الأول من الرواية (دار الآداب)

تطور الاسم بعد الاستقلال إلى أرض الجراد “كركيلاند” ثم السيدا عام 1981، عندما وقع فيها انقلاب أبيض فصار اسمها سيدلاند، ثم صار “كوفيدلاند” وجرى تخفيفه إلى كوفيلاند، الذي يظهر في العنوان الفرعي للرواية بجزأيها. ومن المهم هنا ما تتابعه الرواية من أن حرب الأسماء الطاحنة ما زالت قائمة حتى اللحظة، ومن أن جيلاً آخر يريد أن يقطع مع أسماء الأوبئة.

بعد أن هيأت استراتيجيةُ اللا تعيين قراءة الرواية لأن ترى في كوفيلاند هذه المدينة أو هذه البلاد، أو تلك، أسرعت إلى التلميح والتصريح، وإذا بكوفيلاند هي الجزائر التي كابدت الاستعمار العثماني، فالفرنسي، إلى أن استقلت عام 1962، وهي بلد المليون ونصف المليون شهيد. ففي هذه المدينة / الوطن / البلاد “كل شيء يتهاوى”، “كوفيد” فضح هزال الدولة. لا دولة. “الحياة هنا أصبحت بلا عمود فقري”. وترى رمادة أن الوباء هو التاريخ الوحيد، وأن كل شيء تغير، والزمن يمر ثقيلاً ككتل الرصاص. وإذا كان العالم في حالة استنفار، وإذا كانت هذه فرصته ليتعلم أنه صغير أمام الطبيعة – لكنه لا يتعلم – فكوفيلاند/ الجزائر تكاد تكون كلها مصابة بالوباء، لكن مسرحية قنوات التلفزة الوطنية تبدأ في المساء. وهذه رمادة التي تشعر كأن كوفيلاند بدأت تتوحش، بينما يرى أخوها بكر المحارب للفساد “هذه البلاد لكي تصلح تحتاج إلى طاغية متنور، غير متوفر اليوم”.

بلاد فقدت عقلها

والخلاصة الروائية هي أن كوفيلاند تسير اليوم نحو حتفها برضا حكامها وشعبها، فقد أظهر الوباء هشاشة كل شيء، والحس الانتحاري يخترقها. وسوف نقرأ أن خمسين مليون انتحاري هم سكانها. وستكتب رمادة لحبيبها شادي أن هذه البلاد لم تفقد ذاكرتها ودمها فقط، بل عقلها أيضاً. ومن ورث الفرنسيين فيها هم سدنة التاريخ المسروق الذين استباحوا الأجساد والبلاد الذين يخبئون الوباء اليوم. وإذا كانت كوفيلاند تقاوم الأوبئة، فهي آيلة إلى الموت ممزقة إلى أجزاء صغيرة، بعدما كانت مثالاً للحياة والاستمرار، وهنا تخرج الرواية من الدلالة الجزائرية إلى ما هي عليه سوريا وليبيا واليمن و… مثلما تخرج إلى ما هو عليه العالم اليوم، حيث تضاعف من وبائية “كوفيد-19” أوبئةُ الحروب والتطرف والاحتكارات والتنافس غير الشريف والصراعات على لقاحات كورونا. ورواية “رمادة” لا تفتأ تضمر وتعلن هذا النظر إلى الوباء، ليس في كوفيلاند أو الجزائر فقط، بل في العالم كله.

الجزء الثاني (دار الآداب)

اختار الوالد لرمادة هذا الاسم هرباً أو تبركاً بـ”الرماد” الذي حل بالبلاد سنة 1993، ودرءاً لعودة سنة الرمادة (18هـ) التي ضرب الهلاك فيها الأرض فسوّدها.

ورمادة هي الراوية التي تبني الرواية برسائلها إلى شادي الموسيقار. ولئن كان هذان العاشقان يتقاسمان بطولة الرواية، فالبطولة الروائية من قبل ومن بعد هي لكورونا والموسيقى. وبالوصول إلى الموسيقى، بعد ما تقدم في الكورونا، يبدأ الحديث بالبناء الموسيقي للرواية على هيئة الليليات التي ابتدعها شوبّان. فكل ليلية روائية تبدأ بمناجاة رمادة لشادي (بالحرف الطباعي المائل) ثم تأتي الرسالة / السردية، بحمولتها من الشخصيات والأحداث والأفكار والذكريات والتحليلات.

سحر الموسيقى

ما أكثر ما حضرت الموسيقى في روايات واسيني الأعرج، إن بالبناء كما في “سوناتا لأشباح القدس” أو بالشخصية كما في “مملكة الفراشة” أو “سيدة المقام”. وصنيع الكاتب هذا يعزز حضور الموسيقى في الرواية العربية منذ عهد مطاع صفدي وحنا مينة وجبرا إبراهيم جبرا وإدوار الخراط وأسعد محمد علي… إلى مي خالد وعلي بدر وربعي المدهون وسواهم. أما في “رمادة” فالموسيقى تحضر – بالأحرى تشكّل – البناء والشخصية معاً. حتى كريم زوج رمادة المتوحش والمتخلف تؤنسنه الموسيقى – بالطبع بفعل رمادة – فيصير يقبل بالكلاسيكي منها لمرافقة لحظته الحميمية مع زوجته. أما المايسترو شادي فيحدث رمادة عن نشأته الموسيقية على يد أبيه الموسيقي وصولاً إلى دراسته في فيينا، فعودته إلى كوفيلاند.

تتوالى اللحظات الحاسمة روحياً وبنائياً، من حفلة الأوبرا التي قادها المايسترو شادي مؤلف “آلام لالا مريم” إلى شرارة العشق التي قدحت بالفن، إلى الليلة الوحيدة التي توحد العاشقين وتورث حمل رمادة، إلى البوليسية التي تبدت واستطردت في انتحار الزوج كريم (!؟) وفي إيقاع رمادة وشقيقها بكر بالضابط الفاسد شريف، على النقيض من الضابط الشريف كمال.

أوقع الكورونا بالمايسترو في فيينا، وأجهضت رمادة التي أورثها المايسترو كل ما يملك، بينما السلطة التي أدمنت الكذب – كما تكتب رمادة للمايسترو – معطلة، والشعب غارق في بلهه. فالأمر كما يشخصه الدكتور هيري، هو تحكّم السياسي بالطبي والعلمي، وبدفع البلاد نحو الهلاك.

وعلى نقرات بيانو شوبّان التي تملأ قلب رمادة في الليلة السابعة عشرة، يأتي الختام، ملوحاً للمستقبل بما أوصى به المايسترو من تحويل بيته إلى دار للموسيقى الكلاسيكية، يتعلم فيها الشباب، أو إلى دار للضيافة تستقبل موسيقيين عالميين للعمل في عزلة تامة، أو تكوين جمعية موسيقية كلاسيكية يكون البيت مقرها، وتحمل اسم “إقامة الملكة الخضراء”.

إنها كوفيلاند البلاد وكوفيلاند الرواية التي يتلاطم فيها الوباء والتطرف والفساد والعنف، وتتفكك فيها الأسرة كما يتفكك المجتمع، فأنَّى للحب أو للفن أن يقوما في الكتاب غير المقدس لليباب والتباب؟

المزيد عن: رواية\روائي جزائري\كورونا\شوبان\موسيقى كلاسيكية\الحب\الأصولية\مراسلة

 

 

You may also like

17 comments

njhs essay examples 13 نوفمبر، 2021 - 12:54 م

Many thanks for sharing this fantastic webpage. http://multiessay.com/

Reply
cartoonnetwork sex games 18 نوفمبر، 2021 - 1:50 ص

With thanks! It a wonderful internet site! https://winsexgames.com/

Reply
keto diet recipe 19 نوفمبر، 2021 - 4:29 ص

I enjoy this website – its so usefull and helpfull. https://ketogendiets.com/

Reply
stickman sex games 19 نوفمبر، 2021 - 8:38 ص

You’re an extremely helpful website; couldn’t make it without
ya! https://sexygamess.com/

Reply
stickman sex games 19 نوفمبر، 2021 - 8:38 ص

You’re an extremely helpful website; couldn’t make it without ya! https://sexygamess.com/

Reply
keto diet for vegetarians 20 نوفمبر، 2021 - 3:07 ص

Passion the site– extremely individual pleasant and lots to
see! https://ketogendiet.net/

Reply
keto diet for vegetarians 20 نوفمبر، 2021 - 3:07 ص

Passion the site– extremely individual pleasant and lots to see! https://ketogendiet.net/

Reply
keto pancake recipe 21 نوفمبر، 2021 - 2:21 ص

Thanks for the purpose of supplying such good write-up. https://ketogenicdiets.net/

Reply
macros for keto diet 21 نوفمبر، 2021 - 5:06 م

Wow, attractive website. Thnx … https://ketogenicdietinfo.com/

Reply
pa online casino no deposit bonus 5 يناير، 2022 - 6:49 م

You’re a very useful website; could not make it without ya! pa online casino no deposit bonus

Reply
which senoir gay dating app has most members lakeland fl 11 يناير، 2022 - 1:59 م

gay tips for gay bottom datingwhich senoir gay dating app has most members lakeland
fladam4adam gay dating hook up site gay bear dating sites gayprideusa.com

Reply
high school memories essay 12 يناير، 2022 - 10:34 م

analysis essay examples bud not buddy theme essay good college
essay samples high school memories essay

Reply
gay dating apps 2019 12 يناير، 2022 - 10:51 م

gay conservative dating ap bi/gay dating apps sado masocism
dating gay site

Reply
definition essay examples 12 يناير، 2022 - 10:59 م

why wisconsin essay prompt essay help cimparison synthesis essay definition essay examples

Reply
i have no gay friends cuz everyone sees me as a potential dating partner 14 يناير، 2022 - 10:11 ص

white gay liberal dating interracial to avoid being seen as racist gay hairy men dating
sites dating gay costa rican men i have no gay friends cuz everyone sees me as a potential dating partner

Reply
free slots 12x12 21 يناير، 2022 - 8:52 م

hot shot free slots ceasars slots best way to win at
slots free slots 12×12

Reply
bio dr. jorgen slots 22 يناير، 2022 - 12:18 م

top dollar slots in vegas free adult slots online triple diamond slots bio dr. jorgen slots

Reply

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00