مؤيد الراوي و ممالكه ثقافة و فنون هواجس الاغتراب وتحولاته في ديوان ” ممالك لـ مؤيد الراوي . by admin 27 سبتمبر، 2023 written by admin 27 سبتمبر، 2023 279 ” الليل يا اُمي ذئبٌ جائع سفاح ، يُطارد الغريب أينما مضى ” محمود درويش . عدنان ابو أندلس – العراق . يُحيلنا عنوان ديوان ” ممالك ” بصيغة جمع لمفردة ” مملكة ” الى استنتاجات من خلال الموجه القرائي لها . نصوصه تتعدد مراحلها حسب موقع الحدث المواكب لمسيرة حياته الحافلة بالهواجس ، والتشرد ، والضياع ، ولأجل شحذ الهمم نفسياً ، لذا انطلق منها للتعظيم ؛ كتعضيد لحالته التي بدأت تتلاشى بُعداً عن الوطن ، هذه المسميات قد لمسها عند شعوره بالفقد ، والغربة ، والاغتراب ، والحنين ، والوحشة ، والتوجس ، والخوف ، والزهد . هذا التلبس الحياتي المتصدع الذي سايره في حياة التنقل والترحال ما بين المنافي التي استقطبتهُ مكرهاً , فكان الاغتراب الهاجس الذي يكتنفه في كل لحظة ، وحسب علماء النفس : ” ما يخطر من افكار او صور ببال الإنسان نتيجة قلق أو حيرة أو وهم أو تخوف من شيء ما ” *1 ..كم كان بوده ان يصرخ ويبدد الوحشة التي تنتابه ، لذا كانت قصيدة ” الذئب ” التي وظفها تلائم حالته المكبوتة والمنطوية على نفسها : ” مرةً أخرى يجيءُ الذئب المُبهم – غارزاً أسنانهُ في القطيع – لم تبق إلا بضعة شياه – مشتتة، ضائعة في البوادي ” *2 . جاءت أي الممالك كحُصنٍ يأويه ؛ ربما يُخفف عنه وطأة البعاد. فممالك ” الراوي ” رؤيويه نفسية موحشة ، وقد بدأت تتكاثر منذ صباه من سجن الوطن الى بغداد ، عمان ، بيروت وصولاً الى برلين التي توسد اخيراً ترابها غريباً . تقول ” عالية ممدوح ” : بأن ديوان ” ممالك ” : ” يحشر فيه الشاعر أنفه وبطريقة نموذجية في كل ما يعنيه من صبر البشر كطرائد وهم يحاولون العبور بين قارات الرفاهية ” * 3 … وكما في نصه : ” ماذا تصنع في هذا الوقت الطويل – تمشي وئيداً – ضارباً قدمك في النوم – يدك بأوراق الصحف – مريضاً بالصحو * 4. لذا أسس ممالكا افتراضية بصيغة المفرد قد تأويه لبعض الوقت . فهذه المراحل التي وظفها في نصوصه كعناوين هي : مملكة الدهشة ، مملكة غير مفترضة ، مملكة مختلفة ، مملكة اليقين ، مملكة وسيطة ، مملكة الناس ، مملكة راهنة. سيرة حياته تبدو حافلة بأحداث لمراحل تأريخيه صنعها بنفسه من بدء التكوين والى نهاية حياته , وقد يلاحظ تطابق ” ممالكه ” وفق الممالك الحضارية التي حكمت العراق من مملكة سومر، وبابل ، وأكد ، وأشور ، والحضر ، واشنونا ، وميشان . ربما التطابق جاء كمسايرة للواقع الذي عاشه في خضم التصدعات الحياتية التي اجتاحته . أفرزت كل واحدة منها لواعجاً من الحنين الدافق لتلك البقعة التي تسمى ” ممالك ” أي ” الوطن ” الذي تركه خلفه وهاجر الى بلاد تلم شتات نفسه المتصدعة بغربة طويلة مُكرهاً . فضل الغربة كحالة معايشة لما يسايره من ذلك الضغط النفسي في حاضرة بلده . يمكن أن نلمس دفقة الشعور بالاغتراب كظاهرة ألمت به ، لهذا كانت عنونة ديوانه بـ ممالك ، فـ الاغتراب هو جذر من الغُربة :” هو النفي عن البلاد ، وايضاً من غرُبَ – بعد أي تباعد “.*5.. وأنها ذاكرة تتكئ على التغرب أو النأي القسري عن المكان ، يصدح حضور المهِ في القصيدة ، وربما منذ السطور الأولى ” *6. يلاحظ بأن مفهوم الغُربة والاغتراب في المعاجم اللغوية تعني المكان والبعد . فالغُربة تولد الحنين ، فالإنسان في غُربته يحن الى أهله ، أما الاغتراب يقاسي الم الوحدة ولا يرتبط بالمكان ..الغُربة نزوح مكاني ، والاغتراب نزوح نفسي ، فمفهوم الاغتراب أشمل وأوجع وأوسع من مفهوم الغُربة .*7. شاعريته ذهنية تنطلق من حاسة تشكيلية تكره الغنائية العاطفية والمرونة الانشائية لهذا جاءت من نسيج تجريبي موحد بخشونة ملموسة حسب واقعه الملموس ، وكما قيل عنهُ : ” نصوصه تحقق تناغماً بين الشكل والمضمون ، وهو غني بلا شك بتجربة شعرية طويلة ، لكن للأسف لم يحظ بالشكل الهندسي المطلوب ، فراحت قصائده تتكدس في سرداب ” *8 . هذا هو التوجس والترد والخوف بعينه الذي يشعر به كما ذكرت في مستهل المقالة .. أما ” فوزي كريم” نشر ما يواكب حالته بذكره : قصائده طويلة ، يعطيك محصلة صمت الايضاح الطويل هذا ، القصائد في معظمها مراثٍ ، للذات ، للآخر ، للوطن للجماعة والحياة ، لا صوت للعاطفة والرومانسية إلا بالنزر اليسير هذا إن وظفها براحة بال وحين تداهمه الفرحة المفقودة ، بالرغم من أن العاطفة تستقل حين تكون طليقة وكريمة ” *9. من خلال اطلاعي على رؤى قصائده في الديوان ؛ وكما يُقال : ” نلاحظ التواجد المكثف لمفردة ” الذئب في قصائده كونه متشائم ويميل للعبث لأن الحياة شرسة “*10..لذا اتكأ على صوت عواء الذئب ” لتؤدي وظيفتها الرمزية وليبدد الوحشة في ديار الغُربة لهذا استنجد صوتاً بصديقه ” سركون بولص ” كقوله هُنا : ” هو الذي ينام كل وقته ذئب جريح بي الذئاب ، يتأمل لحظة في منتصف الليل ، يأتي اليه العواء طالعاً من الروح ” *11 .. هذا الحيوان الشرس حين تداهمه حالة خطرة يستنجد بجنسه . وللناقد ” علي الفواز” رأي في شاعرية الراوي : ” دراما التخفي والمراقبة ، تنم عن صراع الشاعر ذاته مع الوقت والموت ، مقاتل ، مثلما يزاوج الشاعر بين اصوات تعوي داخله ، بما فيها صوت ذئب سركون، مع لحظة وجوده المضطرب في المكان ” *12 .هذا الهاجس والذي أقصده ” الخوف ” المتلبس به قد لاحقه الى ديار التغريب من المطاردة والتهديد والمساءلة جعلته يتذمر من الزمن الرديء . كان يتنمر حتى وصل الى حالة الجزع النفسي بفعل ما لاحقته من مسببات ذلك الصراع . ذلك الاستلاب القهري من كل نواحي الحياة ، اجتماعياً واقتصاديا وسياسيا ، لهذا حُورب وحوصر كونه عنيد وجدلي ومشاكس ومبدئي ، هذا الضغط النفسي جعله يوظف صراخه بعواء الذئب المجروح بصرخه مجازية على حياة بائسة في زمن ضاعت به كل المقاييس العقلانية . أكثر قصائده في ديوانه على تنوع رؤاها وخاصة المجاز والتجريب الذي اوغل به ينظمها خيط أساسي من رثاء النفس والفراق والوطن المكان الأول . وأخير سنلج الى كتاب ” مدخل تعريفي الى جماعة كركوك ” لصديقه ومعاصره وآخر من تبقى من الجماعة في كركوك ، باستثناء ” فاضل العزاوي ” في برلين و” صلاح فائق ” في لندن والبقية توسدوا الثرى منذ أمد بعيد . ألا وهو الأديب ” فاروق مصطفى ” الناطق الرسمي لهم بصفة مؤرشفاً ،رائياً ، استذكارياً ، والذي يحمل التسلسل الأبجدي 9 ، والتسلسل 12 في قائمة تلك الجماعة كونه كان آنذاك اصغرهم سناً . هذه الاستذكارات قد وثقها كل ما سمعه وحاوره وخاطبه بالحديث يقول : ” إن الصفة الغالبة في ديوان ” ممالك ” هي أتسامها بالتطويل الي المطولات الشعرية التي تحمل نفساً ملحمياً وتنبسط على البراري الفسيحة وتسمح للمخيلة أن تشتغل على عوالمها المبتدعة ” *13 . وقد استشهد بنص ” الممثلون ” : ” مسرح للغواية على الممالك _ والناس يتدافعون لنصب العروش _في هذا المسرح ينبغي _ أن نعيد التكوين قبل الكلام ” 14 . اجمالا يمتلك الشاعر حساً شعرياً ونقدياً باذخين في التوظيف رغم اصداراتهِ القليلة الثلاث هي : احتمالات الوضوح ” شعر ” بيروت 1977 ، وممالك ” شعر” منشورات دار الجمل ” شعر ” بيروت 2010 ، وسرد المفرد ” شعر ” 2015 . هذه المدة الفاصلة بين الاصدارات ربما تدل على الكسل والخمول أو التحميص كي تنضج الأفكار بتداعياتها ، أو قد ركن مسوداته فوق الرفوف المهملة . كل ما ورد ، يلاحظ بان هاجس الخوف والتوجس والحذر طاغية على نفسيته المتصدعة غُربة ومرضاً ، لهذا كان الهاجس متشبثاً بهِ ، متلبساً ، لأن المرارات التي ذاقها في شبابه ترسخت بتداعياتها ، ولم تعد تغادر هواجسه رغم البعاد عن بؤرة الخطر التي كانت تهدده في كل حين . إحالات 1- ديوان ممالك ، مؤيد الراوي ، دار الجمل ، بيروت ، ط1 ، 2010 . 2- موقع جوجل ، الإنترنت ، كلمة هاجس . 3- ممالك مؤيد الراوي” وحشة التكاثر ” ، عالية ممدوح ، جريدة الرياض ، العدد ، 1563، 24- مارس -2011 . 4- المصدر نفسه كما في التسلسل 1 . 5- كتابات العراق ، مازن المعروف ، 3-8-2010 . 6- معجم الصحاح ، اسماعيل الجوهري ، تحقيق أحمد عبد الغفور ، دار العلم للملايين ، بيروت ، مادة غرب . 7- اختلاف الرؤية في شعر صلاح فائق وطيب جبار – دراسة مقارنة ، سارة جلال ، دار شهريار للنشر والتوزيع ، ط1 ، بغداد ، 2023 . 8- ممالك مؤيد الراوي ، عبد القادر الجنابي ، جريدة إيلاف ، 29-8-2010 . 9- مراثي مؤيد الراوي ، فوزي كريم ، جريدة المدى ، 11-5-2014 . 10- ممالك شعرية يبنيها مؤيد الراوي ، ملاحق المدى ، 13-12-2017 . 11- المصدر نفسه كما في التسلسل 1. 12- الشاعر مؤيد الراوي بوصفه رائياً ، علي حسن الفواز ، ملاحق المدى، 13-12-2017 . 13- مدخل تعريفي الى جماعة كركوك ، استذكارات ، مطبعة دزاين ، كركوك ، ط1 ، 2015 . 14- المصدر نفسه كما في تسلسل 1. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post حازم صاغية يكتب : … عن المقاومة واللغة في كلام المقاومين اللبنانيّين next post نهج الكفالة الفدرالية للوالديْن والأجداد موضع انتقاد You may also like بودلير وهيغو… لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم... 27 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد... 27 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: ماجان القديمة …أسرارٌ ورجلٌ... 27 نوفمبر، 2024 «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد 27 نوفمبر، 2024 محمد خيي ممثل مغربي يواصل تألقه عربيا 27 نوفمبر، 2024 3 جرائم سياسية حملت اسم “إعدامات” في التاريخ... 27 نوفمبر، 2024 سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024