الإثنين, نوفمبر 25, 2024
الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Home » “همس العقرب” تروي حب مصري وبريطانية في الصحراء

“همس العقرب” تروي حب مصري وبريطانية في الصحراء

by admin

استعادة شخصية حسنين باشا معلم الملك فاروق والمغامر الذي أحبته نازلي وجذبته أسمهان

اندبندنت عربية \ لنا عبد الرحمن 

قليلة هي الروايات التي تجمع بين الجغرافيا والتاريخ في آنٍ واحدٍ، وبشكل لصيق، بحيث يصبح الانصهار في “الزمكان” هو اللعبة الفنية التي تؤطر الرواية وأحداثها، لذا لا يمكن قارئ رواية “همس العقرب” للكاتب محمد توفيق (دار العين – القاهرة) الاستغراق في عالمها من دون استدعاء حمولة تاريخية تأتي مع ظلال مهيمنة، لتركيبة شخصية بطلها أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكي في عهد الملك فاروق، وهو إحدى الشخصيات المحورية التي تشكل عماد الرواية وأحداثها. فمن المعروف تاريخياً مدى الدور المؤثر الذي لعبه حسنين باشا على المستوى السياسي والاجتماعي داخل البلاط الملكي وخارجه، فهو كان بمثابة المعلم للملك الشاب فاروق، رجل مولع بالسفر والصيد والرحلات، محب للفن والموسيقى وشغوف بالحياة وما تمنحه من مسرات. وتكشف ملامحه واختياراته عن دهاء لا يستهان به. هذه الشخصية المؤثرة، التي ألهمت الكاتب تناولها في عمل روائي، تترك بصمتها على كل من يقترب منها، وإلا كيف تمكن حسنين باشا من السيطرة على ملك شاب، وأن تهيم به الملكة نازلي، وأن يشاغل في الوقت عينه المطربة أسمهان. هو رجل قادر على تحويل نظرته في لحظة “من حياء الرومانسيين إلى حدة الصقور”. ولا تنشغل الرواية بكل هذه التفاصيل، بل إنها تلقي الضوء على شخصية تاريخية خضعت لتحولات كبرى بسبب غواية “الكبرياء”.

لا يختار الكاتب أن تبدأ روايته مع حسنين باشا، بل مع السيدة الإنجليزية روز التي توازي الباشا أهمية في اللعبة السردية. تبدأ الأحداث في عام 1938 في مدينة الإسكندرية، ولكن ترتكز بؤرة السرد على ما حدث في زمن الرحلة عام 1920، الرحلة التي قام بها حسنين باشا مع الرحالة الإنجليزية “روزيتا فوريز” إلى صحراء مصر الغربية، وصولاً إلى صحراء ليبيا بغرض استكشافها، ثم البقاء في واحة “الكفرة”، التي يحمل الوصول إليها انعطافاً في التركيب الشخصي للبطلين.

عمق الصحراء

تتكون الرواية من اثني عشر فصلاً، يتولى السرد في جميع الفصول راوٍ عليم، ما عدا بعض المقاطع السردية، التي تدور عبر تقنية المونولوغ والحوار. تعكس الصحراء ثقافتها الخاصة وتتمظهر في أحداث الرحلة العاصفة، إنها مكان لا يمنح أسراره إلا لأهله، الذين يتآخون مع ذرات الرمال، ويدركون كيف يمكن مداواة سم الأفاعي والعقارب، والاسترشاد بالنجم حين يشتد الظلام. فما الذي أتى بالسيدة روز وحسنين باشا إلى عمق الصحراء، سوى النداء الملح للاكتشاف، على الرغم من تكبد عناء السفر وكل المشاق التي سيواجهانها معاً، وهي لن تؤدي بهما إلى اليأس من الطبيعة، أو الإحساس بالغضب للقيام بهذا الاختيار. هنا تحضر مقولة روحية عن مفهوم الرحلة تقول: إننا لسنا أنفسنا بعد الرحلة كما كنا قبلها، وهذا يتجلى أكثر بعد مرور سنوات طويلة، وافتراق الأحبّة.

الرواية المصرية (دار العين)

وما يجدر ذكره أن هذه الرحلة قام بها حسنين باشا فعلاً، لكن الكاتب يستلهمها لتكون محور طرحه لقضايا جوهرية تمضي في مرمى التشكيل النفسي لشخصية رجل فذ ومختلف، جمع في ذاته بعض التناقضات الفكرية التي جاءت نتاج ظروف متعددة، منها تعليمه الأزهري، ثم سفره للدراسة في أوروبا، زواجه من أميرة، حيرته الداخلية بين ثقافتين… عطفاً على صراعه بين اعتبار الإنجليز محتلين، وانبهاره بثقافتهم وإعجابه بنسائهم. كأن يقول لروز: “القصص تكون أكثر إثارة حين ترويها امرأة، على الأقل بالنسبة لأمثالي من أحفاد شهرزاد”، فترد عليه روز: “قتلة العذارى”.

يلتقي الرفيقان حسنين وروز عند ولع المغامرة والاكتشاف، ولذا يمضيان معاً بلا وجل نحو قلب الصحراء، وهناك يواجهان تحولات مصائر كثيرة، تؤدي بكليهما إلى طرح الأسئلة الأعمق على ذاته. الرحلة، التيه، معاناة المرض ومواجهة الفناء، الحب والتخلي، بلوغ الحيرة والشغف، الخذلان والإحساس بالعار… كلها أحداث تجتمع في بوتقة واحدة لتؤجج صراعات خارجية وداخلية بين ثقافتين: الإنجليزية التي تمثلها روز، والعربية، ولها عدة تمثلات أبرزها حسنين باشا، ثم شخصيات ذكورية أخرى. تتجلى المواجهة الثقافية منذ لحظة وصولهما إلى الواحة وادعاء حسنين بأن روز زوجته، كي يتمكنا من البقاء معاً، حيث يكون مرفوضاً من قبل “سيدي فوزي”، شيخ الواحة، أن يسكنا معاً من دون وجود رابط رسمي بينهما، لكن هذا الزعم المخاتل لن تمتثل له روز لاحقاً حين يخطف الهوى قلبها في الواحة، وتقع في حب ياسين، مما يجعل من سلوكها ومن قبول الباشا به، موضع استفهام عند سكان الصحراء، كيف يرضى بما تقوم به زوجته؟ لنقرأ: “عند حضور روز إلى المنزل، وقبل أن يتمكن من الانفجار في وجهها كزوج تعرض للخيانة، كعشيق هجر، قبل أن يصيح: لا أنكر أنني كذبت، لكن حتى للكذابين مشاعر، قبل أن يهدر كجمل حزين غاضب: أنا عربي في الصميم، أنا رجل، أنا عاشق”.

قصة حب

“أنت أنا”، تختصر هذه الجملة ما يحسه حسنين باشا نحو روز، التي تتحول مشاعرها عنه، وعلى الرغم من هذا يظل يعتبر أن كل قصة حب هي تكرار لحب واحد يشغف المرء به. تتوقف الرواية عند تفاصيل من حياة حسنين باشا، والإشارة لغموض علاقته مع الملكة الأم نازلي، وزواجه من الأميرة لطيفة واضطراب علاقته بها، يقول: “انحنى حسين عند اقتراب الملكة على سبيل التحية. كانت بديعة متوهجة. هذه امرأة خطيرة قد ينتهي بها المطاف زوجة له. لا يعرف الرجل امرأة حقاً حتى ينام معها، حتى يستمتع بألف ميتة في نعومة بشرتها، وعنفوان شبقها، وإباحية كلمات تتفوّه بها في لحظة الغرام، أما لطيفة، ابنة أمير فقبلت أن تتزوج ابن الأزهري، ولم تكف يوماً عن تذكيره بفضلها عليه”.

الروائي المصري محمد توفيق (دار العين)

أما روز التي أحبها الباشا فهي تشعر أن روحها تهيم بالشرق وتتحرر فقط في الصحراء المفتوحة. هي مجرد ممرضة شابة تتحول إلى مستكشفة ومغامرة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتضع كتاباً عن الرحلة، وكانت رغبتها في أن تحفر اسمها بأحرف ذهبية كرحالة. ولم يتحقق لها هذا، فالاكتشافات الجغرافية اللاحقة سحبت الأضواء منها، إلا أن ندوب جرأتها في تلك الرحلة ظلت موشومة على ذراعها وروحها، لنقرأ: “بعد كل ما مرت به ها هي تنقب عن المعاني العقلية لا تزال. قد تملكها إدمان المعرفة المتوهمة، وسجنتها قناعة أن بوسع البشر تعريف الكون”.

لعبة الزمن

يمتد السرد وفق تكسير زمني، الحاضر عام 1938، ثم الرجوع إلى الماضي إلى لحظة الاتفاق على القيام بالرحلة عام 1920، أما الزمن الممتد بين هذه السنوات الطويلة بعد فراق روز عن الباشا ثم لقائها معه في إحدى الحفلات الملكية، فيتم التوقف عند المحوري منها، مثل نفوذ الباشا وسلطته وتدخله في الدوائر الانتخابية، وغيرها من التفاصيل الكثيرة التي غيرته، فهو لم يعد ذلك الشاب المغامر الذي كانه قبل عشرين عاماً.

تحتل روز مساحة كبيرة في السرد، وقد بدا حضورها عميقاً بكل الحمولة الثقافية والفكرية الملتبسة التي تشغلها في زمن لم يكن السفر فيه يسيراً حتى بالنسبة لامرأة إنجليزية شابة. تأتي إلى الصحراء في “رحلة” وتختار أن يصير اسمها بين أهل الواحة “الست خديجة”، محاولةً الاندماج مع الناس، مع إدراكها أنهم لن يتسامحوا معها في حال معرفتهم بخداعها، وقبولها بكل الأخطار المحتمل حدوثها. والأهم أنها اختارت هذه الرحلة في أعقاب الحرب العالمية الأولى التي تسببت بدمار كبير في أوروبا.

تعمد الكاتب المرور على بعض الأحداث السياسية المهمة في تلك المرحلة، مثل الوضع الداخلي في مصر إبان العهد الملكي، النفوذ الإنجليزي على مصر والبلدان المجاورة، تصديق الإيطاليين بدافع من الإنجليز على منح لقب أمير للزعيم البدوي إدريس السنوسي… والإشارة إلى الحرب العالمية الثانية، والقول على لسان إحدى الشخصيات الجانبية: ” أما الإمبراطوريات فإنها تسحق الأمم بأسرها”.

المزيد عن: رواية مصريةروائيرواية تاريخيةالإنتداب البريطانيالملك فاروقمصر

 

 

You may also like

Leave a Comment

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00