هانز فالادا- سقوط مجتمع بأكمله (غيتي) ثقافة و فنون هل يستعيد “الرجل – الحرباء” في الأدب الألماني مكانته السابقة؟ by admin 21 مارس، 2024 written by admin 21 مارس، 2024 181 فالادا حقق شهرته برواية أسست لنوع من الدفاع المرير عن بورجوازية صغيرة متدهورة اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب هل سمعتم يوماً باسم هانز فالادا؟ وهل من شأن هذا الاسم أن يستوقفكم ويثير فضولكم كما فعل كتاب صدر حول سيرته قبل سنوات قليلة في ألمانيا وما لبث أن ترجم إلى لغات أوروبية عديدة فإذا به يوقظ ذكرى هذا الكاتب الذي فوجئ كثر، حتى بين القراء الألمان بأنه ألماني بعدما كان اسمه هذا محيراً لهم؟ كان الاسم يبدو غريباً إلى حد كبير ولا سيما بالنسبة إلى أجيال متعاقبة من القراء الذين لئن كان اسمه قد مر بهم يوماً فإنما عبر وروده بين لوائح الكتاب الألمان الذين كانوا في زمنهم من أقل الناس تعرضاً للقمع النازي، ولا سيما إذا كان من أبناء جيل من الكتاب والمفكرين الألمان الذين انقسموا خلال الربع الثاني من القرن الـ20 بين فارين وملاحقين من النازية إن لم يكونوا من ضحاياها، وزملاء لهم سايروها عن خوف أو عن اقتناع فمرروا تلك السنوات المريرة من الحكم النازي بشكل لم يدفعهم إلى الشكوى منتجين ما يرضي سادة البلاد الجدد طوال سنوات الثلاثينيات ومنتصف الأربعينيات، من دون أن يؤثر عنهم أنهم نازيون وربما أيضاً من دون أن يعرف عنهم كونهم كتاباً كباراً. وفالادا كان من هؤلاء، وهو الذي عاش تلك السنوات من دون قلق فعرف بـ”الرجل الحرباء” بفعل تقلباته التي عبر روايات له لم يعارضها النازيون كثيراً كان أكثر ما يهمه فيها توصيفه لسقوط الطبقات البورجوازية الصغيرة في أفخاخ البؤس الاقتصادي، الذي قدم المساهمة الأكبر في مسار سقوطها الطبقي والاقتصادي والاجتماعي سائراً في ذلك على خطى مكسيم غوركي! ثلاثية برلينية ومع ذلك فإن رواية هانز فالادا الأولى، “وماذا الآن أيها الرجل الصغير؟”، التي شكلت الجزء الأول من ثلاثية برلينية باتت واسعة الشهرة في أيامها، لن تنشر في العام الذي أنجز فيه الكاتب كتابتها ـ 1932 – بل في العام التالي له، وهو العام الذي وصل فيه هتلر ونازيوه إلى السلطة وفرضت رقابة صارمة أجبرت فالادا على إحداث عديد من التبديلات المهمة، حتى وإن كانت تخلو مما يمس التوجهات النازية بالنظر إلى أنها إنما تبدو بشكل واقعي وإلى حد كبير أشبه بمرآة أنثروبولوجية لما كانت عليه أحوال تلك الطبقات في ألمانيا عشية وصول النازيين إلى الحكم، أحوال تمكنت التبديلات على أية حال من تبريرها كما سيرى قراء الجزأين التاليين من الثلاثية، “كان لدينا طفل” و”يا لبؤس الفؤاد المغامر”، اللذين نشرا بل كتبا حتى خلال استشراء الحكم النازي من دون أن يبتعد الكاتب فيهما عن تفاعله الأدبي مع تلك المرحلة الحرجة من التاريخ المعاصر لبلاده. وهذا البعد الأخير ناتج بالأحرى عن تضافر سياسات فالادا مع التوجهات العامة للرواية الواقعية باللغة الألمانية في الزمن النازي، تفاعل هو ما أسبغ عليه لقب “الرجل الحرباء” لتلونه وذاتيته التي منحته شعبية هائلة، لكنها ستكون في خلفية إهماله وإهمال ذكره بعد سقوط النازيين الذي سبق رحيله في عام 1947 وبعد أن ختم حياته الأدبية بعدة نصوص ندد فيها بالنازيين وجرائمهم كشاهد عيان لم يغادر ألمانيا خلال حكمهم! مشهد من اقتباس سينمائي هوليوودي (1932) لرواية فالادا بإخراج الألماني الأصل بورزاغي (موقع الفيلم) نسيان بعد شعبية كبيرة مهما يكن من أمر فإن رودولف ديتزن وهو الاسم الحقيقي لفالادا (1893 – 1947)، إنما تمكن في أعماله الأدبية التي كانت ذات شعبية هائلة زمن صدورها لم يكن في حاجة إلى كل ذلك. فهو كان في ذلك الأدب وفي الأحوال جميعاً مؤرخ مرحلة ما قبل النازية كما أشرنا، تمكن بعينه الثاقبة ودقة ملاحظته وقلمه السيال من أن يصف ذلك السقوط المريع للطبقة التي كان ينتمي إليها، وكانت هي بالتحديد الطبقة التي دفعت أكثر من غيرها ثمن الهزيمة الألمانية عند انتهاء الحرب العالمية الأولى مما تسبب قطعاً في وصول النازية بشعبويتها إلى الاستيلاء على السلطة وإلى خوض تلك الحرب الثانية لتدفع الثمن مرة أخرى لمجرد محاولتها الإجابة عن السؤال “البسيط” الذي يحمله عنوان الجزء الأول والموجه أساساً إلى الرجل الصغير الذي صاره بطل الرواية، الذي مع انهياره الكلي بات عليه أن يجد الجواب من دون أن يصل الكاتب طبعاً إلى الزعم أن “النازية هي الحل”. وحتى التبديلات التي أحدثها فالادا عند طباعة الجزء الأول لن تقول هذا بالنظر إلى أن الأحداث تدور بين أواسط عام 1930 وخريف عام 1932 أي قبل أن يبدو النازيون في الصورة في وقت يسبق تحقق الحلم النازي واستشراء كوابيسه. القرار المستحيل و”الرجل الصغير” الذي يوجه فالادا السؤال الحائر إليه ليس في نهاية الأمر سوى محاسب شاب يعمل في شركة تجارية يدعى يوهان بينبرغ يلتقي يوماً بالصبية إيما مورشل في متنزه عام. إنهما يحاولان أول الأمر أن يعيشا علاقتهما من دون الدنو من حياة زواج عائلية تشي كل الظروف باستحالتها مادياً. لكنهما إذ يكتشفان بعد شهرين أن إيما حامل بطفلهما، لا يجدان مفراً من سلوك الدرب التي كان يبدو لهما أنهما قادران على سلوكها نظراً إلى أن التضخم وتضاعف الأسعار مئات بل ألوف المرات بات يهدد بالسقوط الاجتماعي الشامل للملايين من الشبان من أمثالهما. وينتهي بهما الأمر إلى اتخاذ القرار الصعب الذي كاد يبدو مستحيلاً لولا مجيء مايا أم يوهان من برلين حيث تعمل مضيفة في ملهى ليلي لتدبر لابنها وفتاته، وظيفة تقيه وتقي عروسه الشابة مهانة العوز ومرارة الجوع. لكن حتى هذا الحل الواعد سيبدو من دون جدوى، وذلك تحديداً لأن رب العمل الذي يلتحق يوهان بالعمل لديه كان قد بدأ بفعل الظروف القاسية بفرض كمية محددة من المبيعات على العاملين لديه تدفع لهم مكافآتهم تبعاً لها. ومن هنا في وقت كان فيه العريس الشاب يستعد وزوجته إيما لاستقبال مولودهما الأول تتفاقم صعوبات العيش في وجهه بشكل مريع، ليعبر بذلك عن الوضع العام للطبقة التي لا يمكنها أن تعيش إلا وسط ازدهار فتكتشف الآن أن ازدهارها بالغ الهشاشة. وسينتهي الأمر هنا بتفاقم ظروف يوهان وأسرته الصغيرة ولا سيما بعدما بات من المستحيل الاستجابة لما يتطلبه الطفل ما يربك يوهان وزوجته التي تفشل حتى في محاولاتها القيام ببعض الأشغال في مجال الخياطة الذي تتقنه. ويطرد يوهان من عمله. حكاية بسيطة لتاريخ حافل طبعاً من ناحية مبدئية تبدو الحكاية بسيطة وخطية يمكننا أن نجد ما يتطابق معها، في بلدان عديدة كانت في الحقبة نفسها تستعد للبؤس المستشري في سنوات الركود الكبير، ولا سيما في أميركا حيث برع كبار كتابها في تناول هذا النوع من المواضيع (أسوة بجون شتاينبك صاحب رواية “عناقيد الغضب” التي اقتبسها جون فورد بنفس العنوان في فيلمه المعتبر عادة من أفضل 10 أفلام واقعية في تاريخ السينما الأميركية)، ومع ذلك، في التعامل مع رواية فالادا هذه، سيكون علينا قبل أي شيء آخر، وحتى قبل أن نتوقف عند موضوعها وحبكتها ورسم الكاتب البديع للشخصيات، أن نلتفت صوب بعد أساس آخر في الرواية: البعد المتعلق بالبراعة المطلقة التي عبر بها الكاتب عن الصورة التي نادراً ما تمكن قلم ألماني ينتمي إلى تلك المرحلة من رسمها: صورة تكاد تكون توثيقية ملموسة لما كان عليه المجتمع الألماني في ذلك الحين، إذ في مقابل نخبوية كثر من كتاب يعتبرون أكثر أهمية من فالادا بكثير، ومنهم توماس مان وروبرت موتزيل وألفريد دوبلن، تمكن فالادا من أن يقدم الصورة الأكثر صدقية واستفزازية لما بدت عليه ألمانيا ومجتمعاتها عشية السقوط النازي الكبير. ومن دون أن يبدو عليه حقاً أنه يفعل ذلك، تمكن صاحب ثلاثية برلين هذه من أن يقدم لوحة شاملة بلغة شعبية شديدة الدقة، لعالم الهبوط إلى الجحيم. لوحة ربما لا نكون مبالغين إن نحن تحدثنا عن إمكان استخدامها للتعبير عما حدث لتلك الطبقات الوسطى نفسها وفي كثير من مناطق العالم، منذ سقوط العالم الثنائي الأقطاب منذ نهايات القرن الـ20، سقوطاً جعل كل الحداثات المستشرية وفي المجالات كافة، تبدو وكأنها انطلقت في معركة مذهلة لا هم لها سوى تفعيل ذلك السقوط!! المزيد عن: هانز فالاداالأدب الألمانيالنازيةجون شتاينبكمكسيم غوركي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post رحلة عصرية بين عجائب الغرناطي وغرائب القزويني next post تسليم أول كمبيوتر كمومي تجاري لشركة خاصة في الاتحاد الأوروبي You may also like مهى سلطان تكتب عن: جدلية العلاقة بين ابن... 27 ديسمبر، 2024 جون هستون أغوى هوليوود “الشعبية” بتحف الأدب النخبوي 27 ديسمبر، 2024 10 أفلام عربية وعالمية تصدّرت المشهد السينمائي في... 27 ديسمبر، 2024 فريد الأطرش في خمسين رحيله… أربع ملاحظات لإنصاف... 27 ديسمبر، 2024 مطربون ومطربات غنوا “الأسدين” والرافضون حاربهم النظام 27 ديسمبر، 2024 “عيب”.. زوجة راغب علامة تعلق على “هجوم أنصار... 26 ديسمبر، 2024 رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري… الراسخ في... 26 ديسمبر، 2024 محمد حجيري يكتب عن: جنبلاط أهدى الشرع “تاريخ... 26 ديسمبر، 2024 دراما من فوكنر تحولت بقلم كامو إلى مسرحية... 26 ديسمبر، 2024 يوسف بزي يتابع الكتابة عن العودة إلى دمشق:... 26 ديسمبر، 2024