في الساحة الحمراء بموسكو، 29 مارس 2024، بعد أسبوع من هجوم مميت شنه مسلحون على قاعة للحفلات الموسيقية (أ ف ب) X FILEعربي هل لدى روسيا حلفاء في مواجهتها الضارية مع الغرب؟ by admin 1 أبريل، 2024 written by admin 1 أبريل، 2024 234 هذه ليست الإمبراطورية السابقة الوحيدة التي تجد صعوبة في التخلي عن أمجادها الغابرة وهي محقة في النظر إلى تسوية الحرب الباردة باعتبارها غير عادلة اندبندنت عربية / سعيد طانيوس صحفي لبناني قبل 20 عاماً بالضبط، في الـ29 من مارس (آذار) 2004، أقدم حلف شمال الأطلسي على ضم سبع دول من حلفاء روسيا السابقين في المعسكر الاشتراكي السابق إلى المنظمة التي كثيراً ما ناصبت روسيا العداء والجفاء، والمفارقة الغريبة أن عملية ضم حلفاء روسيا الآنفين إلى المعسكر المناهض لها والتقدم نحو الحدود الروسية مباشرة حدثت في عز تحسن العلاقات بين موسكو والغرب عامة، والولايات المتحدة على وجه الخصوص. هذه الخطوة أشعلت في روسيا آنذاك فتيل مناقشات جادة وحادة. لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اكتفى بوصف قرار الناتو بأنه “خطوة خاطئة على طريق تعزيز الأمن الأوروبي”. وكان جوهر الموقف الروسي يتلخص في إطلاق عملية تفاوضية، بالتوازي مع توسع منظمة حلف شمال الأطلسي، في شأن إنشاء بنية أمنية أوروبية جديدة. ومع ذلك لم يكن هذا ممكناً، لأن الاتحاد الأوروبي كان هو الآخر يعد العدة لزيادة واسعة النطاق في صفوفه، على قدم المساواة مع الناتو في زيادة عدد الدول الأعضاء المنضوين تحت مظلته. على أثر ذلك بدأت الاحتجاجات الجماهيرية في أوكرانيا، واجتاحت حمى الانضمام إلى “الجنة” الأوروبية الموعودة دول أوروبا الشرقية قاطبة، بما في ذلك الدول التي كانت في عداد الاتحاد السوفياتي السابق، وفي هذه اللحظة بالذات وصل فيكتور يوشينكو المؤيد بحماس للغرب إلى السلطة في أوكرانيا، محدثاً تحولاً جيوسياسياً رهيباً كان ينذر بقرب هبوب العاصفة، وبقرب اشتعال أول حرب برية في أوروبا بين الدول منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. الناتو وروسيا المنهكة استغل حلف شمال الأطلسي روسيا الخارجة منهكة من جلباب الاتحاد السوفياتي، والمثقلة بالديون وبخزانة خاوية، واستثمر علاقاته التي لم تعد ندية معها بصورة عامة، ليقوم بأكبر عملية توسع للحلف في التاريخ. ولأول مرة – فلم تكن هناك سوابق من هذا القبيل حتى ذلك الوقت – انضمت بلدان كانت في عداد الاتحاد السوفياتي السابق إلى حلف شمال الأطلسي، وهي لاتفيا وليتوانيا وإستونيا. ومن مفارقات الصدف أن وجهة النظر التي كانت سائدة في تسعينيات القرن الماضي، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة، هي أن انضمام هذه الدول إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) كان خطراً للغاية وغير مرغوب فيه، لأنه كان محفوفاً بأخطار تصعيد العلاقات مع روسيا. بالمناسبة، تم التعبير عن وجهة النظر هذه شخصياً من قبل الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، الذي كان آنذاك في أواخر التسعينيات، يترأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي. لكن في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 وافقت الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى على هذا التوسع جهاراً، ومن دون أدنى مراعاة لمصالح روسيا وأمنها ومداها الحيوي. يعتقد الغرب أن إرهاق العقوبات سيتراكم مما سيخلق الشروط لنوع من الصفقة مع موسكو (أ ف ب) تم اتخاذ القرار في شأن التوسع الجديد في عام 2002، بعد وقت قصير من أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001 – وكانت هذه الفترة ذروة تحسن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. حين أنشئت شراكات وثيقة للغاية، بما في ذلك على المستوى الشخصي بين الرئيسين فلاديمير بوتين وجورج دبليو بوش، اللذين وقعا على معاهدة خفض القدرات الهجومية الاستراتيجية، وأسهما في اعتماد إعلان روما في شأن إنشاء مجلس روسيا-الناتو بمبادرة روسية. بل إن روسيا أرادت أن تذهب أبعد من ذلك، حتى إلى حد أن تصبح عضواً غير رسمي في الناتو. لدرجة أن فلاديمير بوتين أثار بعد سلفه بوريس يلتسين مسألة إمكانية انضمام روسيا إلى حلف شمال الأطلسي، غير أنه تلقى جواباً صادماً من بوش، على غرار الرد المهين الذي أسمعه بيل كلينتون ليلتسين، حين قال له إن روسيا لم تبلغ بعد ذلك المستوى الذي يمكنها أن تحلم معه بالانضمام إلى حلف الناتو الذي يجمع الدول النخبوية في العالم. لكن التحسن الذي طرأ على العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي آنذاك، وإظهار الاهتمام الروسي بالتعاون مع الناتو، لعب دوراً سلبياً تجاه موسكو، التي لم تتلق منه سوى الخيبة والمهانة. فمن نواح عديدة، أدت رغبة روسيا في تعزيز الشراكات مع حلف الأطلسي إلى تقليل مخاوف الناتو من التوسع باتجاه حدودها، وسهلت انضمام لاتفيا وليتوانيا وإستونيا إلى الحلف المتبقي من أيام الحرب الباردة، والبدء بمغازلة أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا. وفي حلف شمال الأطلسي، وفي سياق هذا الاهتمام الروسي الواضح، فكروا: لماذا نخشى رد فعل روسيا السلبي على التوسع، إذا كانت روسيا نفسها تسعى لاهثة إما إلى إقامة علاقات وثيقة للغاية مع حلف شمال الأطلسي، وإما حتى الانضمام إلى الحلف والانخراط في عضويته. والسبب الآخر وراء اتخاذ الناتو والدول الغربية أكبر خطوة توسع في عام 2004، هو غياب أي رد فعل مادي سلبي شديد من جانب روسيا على الموجة الأولى من التوسع في عام 1999. صحيح أن روسيا اعتبرت آنذاك ومن باب الحفاظ على ماء الوجه، أن توسع حلف شمال الأطلسي أمر غير مقبول، ولكن على رغم ذلك اقتصرت ردود فعل المسؤولين الروس على الخطاب الإنشائي فقط، من دون اتخاذ أية تدابير جوابية. وقد أدى هذا أيضاً إلى تبسيط الموجة الثانية من توسع الناتو، لأن رد الفعل السلبي من روسيا، وتحديداً من الناحية اللوجيستية لم يعد متوقعاً. السبب الثالث: أن إدارة المحافظين الجدد بقيادة جورج دبليو بوش كانت في السلطة في الولايات المتحدة، مما مهد الطريق للتأكيد الحاسم للهيمنة الغربية، مما أدى إلى تعظيم الهيمنة ليس فقط في أوروبا، بل وأيضاً في العالم ككل، وصولاً إلى غزو العراق عام 2003 على رغم أنف كل الدول التي عارضت هذا الغزو في مجلس الأمن، بدءاً من فرنسا وألمانيا وانتهاء بروسيا. وبدرجة أكثر بكثير، لم تقتصر الولايات المتحدة في عهد جورج دبليو بوش على بعض خطوات السياسة الخارجية المحفوفة بالأخطار والموجهة نحو الهيمنة، حتى مقارنة مع إدارة بيل كلينتون، بل تعدتها وأقدمت على الانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ مع روسيا. وينطبق الشيء نفسه على توسع منظمة حلف شمال الأطلسي، الذي سعى حقاً إلى تحقيق هدف توسيع الهيمنة الأميركية وإضفاء الطابع المؤسسي عليها في كل أوروبا تقريباً، وصولاً إلى حدود روسيا. وأخيراً السبب الأخير والرابع لمثل هذا التوسع الكبير لحلف شمال الأطلسي هو أن الولايات المتحدة كانت في ذلك الوقت في ذروة جبروتها. وكان ينظر إلى روسيا في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 على أنها دولة ضعيفة وهشة هزمت في الحرب الباردة وعليها تحمل كلفة هزيمتها. لقد اعتقد الغرب أن عليها حتماً أن تتصالح مع هيمنته وأن تجد مكانها كشريك تابع. وقد سادت وجهة النظر هذه بصورة مطلقة في ذلك الوقت سواء في الولايات المتحدة أو في المجتمع الغربي ككل، الذي صار يعتبر روسيا قوة إقليمية وليس دولة عظمى على الساحة الدولية. الأعداء الجدد نجحت الولايات المتحدة عبر التوسع “الذكي” لحلف الناتو عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، بإعادة تعريف “الاتحاد الروسي” كعدو مركزي، على رغم تبني القيادة الروسية للرأسمالية وتبعاتها ولكل القيم والمفاهيم الغربية حتى تلك المتعارضة مع القيم الروسية الأصيلة. أما في الفترة الراهنة فقد تم إحياء الاصطفاف القديم للشرق والغرب باستخدام العقوبات والسياسات الاقتصادية الهجومية وبلطجة الدولار ضد روسيا والصين وكل من لا يتفق مع واشنطن ومصالحها. لذلك يعاني الوضع الدولي في واقعنا اليوم “رهاباً” بصورة أصبح معها أي نقاش واقعي عن قضايا مركزية كروسيا والصين وإيران شبه مستحيل. ويصنف التعبير عن القلق بالرواية التقليدية حول النشاط الروسي في العالم اليوم، إلى “جاسوسية” لصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتوصف الإشارة إلى أن الفائض التجاري لصالح الصين هو في الغالب نتاج عمليات “إخراج” صناعة الشركات الغربية الضخمة من حيز التوطين، بالغباء. وينبع هذا التفكير الثنائي الذي يفضي إلى فكرة “إما أن تكون معنا أو ضدنا”، من الاستثنائية الأميركية والسعي الغربي الدؤوب إلى تعريف ذاته من خلال “الأعداء الشرقيين”. اجتاحت حمى الانضمام إلى “الجنة” الأوروبية الموعودة دول أوروبا الشرقية قاطبة (أ ف ب) واليوم من حق أي مواطن روسي، من أسفل الهرم إلى أعلى قمته وصولاً إلى فلاديمير بوتين شخصياً، أن يعيد طرح السؤال الكبير الذي طرحته في اليوم التالي لتفجيرات الـ11 من سبتمبر 2001، مجلة “نيوزويك” الأميركية، فعنونت على صدر صفحتها الأولى بخط عريض بارز ومثير للانتباه: لماذا يكرهوننا؟ نعم من حق روسيا، بل من واجبها أن تسأل الغرب وكذلك غالبية جيرانها: لماذا تكرهوننا؟ بعدما تكتل غرب أوروبا بأجمعه مع أصدقاء الأمس في شرق القارة العجوز، وشمال أميركا مع اليابان وأستراليا وحتى كوريا الجنوبية، وكثير من الدول في مشارق الأرض ومغاربها ليصبوا جام عقوباتهم على روسيا والروس أجمعين، وأفصحوا عن كره دفين لم تكن تعوزه إلا مناسبة محاولة روسيا استعادة بعض مجدها المهدور للجهر به. روسيا لم تكن في تاريخها دولة استعمارية، ولم تبادر يوماً للاعتداء على أية دولة قريبة أو بعيدة، بل على العكس من ذلك كانت دائماً وعلى مدى تاريخها هدفاً للغزاة، بدءاً من المغول والتتار والبولنديين ومروراً بالسويديين وحملة نابليون عليها، وصولاً إلى غزو فرنسا وبريطانيا القرم في منتصف القرن الـ19، وانتهاء بالهجوم النازي الصاعق في الحرب العالمية الثانية وما عرف بخطة “بارباروس” آنذاك. والمفارقة تكمن في أن كراهية روسيا والروس لا تقتصر على خصومها التاريخيين ولا تنتهي عندهم، بل تشمل أيضاً “أصدقاء الأمس القريب” وشعوباً ودولاً حررها جيشهم بثمن دموي غال من نير الاستعمار والتبعية، مثل بلغاريا التي حررها القياصرة من نير العثمانيين، ومعظم دول شرق أوروبا وشمالها ووسطها التي حررها الجيش الأحمر من الاحتلال النازي، بدءاً من بولونيا ومروراً بتشيكيا وسلوفينيا وهنغاريا ورومانيا والسويد والنرويج وصولا إلى ألمانيا نفسها. روسيا وحيدة في مواجهة الغرب في المرحلة الحادة من الصراع الراهن مع الغرب الجماعي، يتعين على روسيا أن تعتمد على نفسها فقط. ولم تعرب أي من القوى أو المنظمات العالمية الجادة، أو أي من القوى الكبرى، عن دعمها عملية نزع السلاح من أوكرانيا واجتثاث النازية الجديدة منها، التي تجريها روسيا حالياً، ناهيك بتقديم المساعدات العسكرية أو الإنسانية. إن الخوف من الولايات المتحدة والتوقعات الخبيثة لا تحدد الآن أجندة وسائل الإعلام فحسب، بل وأيضاً أجندة الدوائر الحاكمة في غالب البلدان. أدى غزو أوكرانيا، الذي بدأ عام 2022، إلى تقسيم التاريخ الروسي إلى ما قبله وما بعده. إن العمليات التدميرية التي بدأت أصبحت بالفعل غير قابلة للتراجع، بغض النظر عن كيفية سير العمليات العسكرية. إن التناقض المذهل بين حجم الصدمات الخارجية الناجمة عن الإخفاقات العسكرية والعقوبات، ومدى التغيير الضئيل داخل روسيا، لافت للنظر. لا يزال غالبية الروس يعيشون وكأن شيئاً لم يحدث، ويفضل النخب، بسبب الجمود، عدم التفكير في الغد، ويضعون ثقتهم الكاملة في فلاديمير بوتين. اعتبر الروس دائماً بلادهم دولة غير عادية. ويقولون إنها تحمل مهمة خاصة للعالم (أ ف ب) إن تدهور المكون الفكري للحياة الاجتماعية والسياسية ومفهوم نصف منسي مثل الأخلاق جعل الحل العسكري للقضية الأوكرانية أمراً لا مفر منه. لمدة ثماني سنوات، أي ما يقارب ضعف مدة الحرب العالمية الثانية، تعرض السكان المدنيون في دونباس، الذين لم يوافقوا على الانقلاب الذي رعاه الغرب في كييف، للإبادة الجماعية والقصف، بما في ذلك استخدام الطائرات والأطفال العزل والنساء وكبار السن. قتلوا، ثم اقتصرت روسيا على إرسال القوافل الإنسانية في محاولة لحل الوضع سلمياً. نظمت سلطات كييف والمتواطئون معها مأساة أوديسا، عندما أحرقوا الناس أحياء، ونظموا حصاراً للطاقة والمياه على شبه جزيرة القرم وشعبها. ولم ينتبه ما يسمى المجتمع الدولي إلى هذه الحقائق، إذ تم بالفعل فتح قضايا جنائية في روسيا. لكن الآن أصبحت الأصوات حول “العدوان الروسي” مسموعة، حتى في الداخل، في روسيا. وهذا يعني أن المعايير المزدوجة والانحطاط الفكري والأخلاقي قد أثرا في الجميع أيضاً. وحتى التهديد المباشر بتصنيع قنبلة نووية قذرة واستخدامها ضد روسيا، الذي أصدرته القيادة الحالية في كييف، لم يفت أبداً في عضد الليبراليين الزائفين في روسيا، ولم يجبرهم على تذكر دولتهم أو مواطنيها. وأصبح الخيار العسكري حتمياً، وهو الخيار الوحيد. روسيا، كما حدث أكثر من مرة في تاريخها تركت وحيدة في مواجهة العنصرية الاستعمارية. الوضع معقد بسبب حقيقة أن اقتصادها الآن ليس مكتفياً ذاتياً، والسلطات ووسائل الإعلام مليئة بوكلاء النفوذ الغربي، والاقتصاد، كما أشارت في حق رئيسة مجلس الاتحاد ف. ماتفيينكو، ليس وطنياً بعد. الآن يمكن لروسيا في مواجهتها للغرب الجماعي الاعتماد فقط على قوتها والتطهير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأخلاقي الداخلي. فلا الصين، التي يحب مسؤولو وزارة الخارجية الروسية الإشارة إليها، ولا الدول الأخرى تقدم ولن تقدم الدعم المباشر لروسيا. إن إضعاف روسيا يشكل إجماعاً عاماً، وفهم هذه الحقيقة البسيطة يشكل أهمية بالغة لعودة الدولة الكاملة. إن الإرادة السياسية والإصلاحات الداخلية، حتى القسرية منها، والاعتراف بالوقائع التي تظهر أن غالبية البلدان المجاورة تطمح لبناء تحالفات بعيدة من روسيا، وتغييرات السياسة، التي غالباً ما تخاف منها “النخب” الروسية في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي، ستزود هذا البلد بالموارد التي يحتاج إليها للتنمية. الأشقاء الألداء… والمنتظرون بنظرة خاطفة على الواقع السياسي الراهن يمكن للمراقب أن يلاحظ بسهولة، أن أوكرانيا ومولدوفا وحتى أرمينيا التي كانت تاريخياً من أقرب حلفاء روسيا، تحث الخطى للالتحاق بهياكل السياسة الغربية، فأوكرانيا وجورجيا ومولدوفا تطمح إلى الانضواء في الاتحاد الأوروبي واكتساب عضوية الناتو، طبعاً على حساب علاقاتها مع روسيا التي كانت تشكل معها الاتحاد السوفياتي، وكذلك تسعى أرمينيا إلى توثيق أواصر علاقتها بالحلف والاحتماء تحت المظلة الأميركية والدخول إلى النادي الغربي من البوابة الفرنسية تحديداً. وإذا أضفنا هذه الدول الأربع إلى دول البلطيق الثلاث التي سبق أن التحقت بالناتو وانضوت في الاتحاد الأوروبي يكون نصف دول الاتحاد السوفياتي قد ابتعد فعلياً عن روسيا وانضم إلى مناوئيها، أما النصف الباقي فمنهم من ينتظر ويتحين الفرص، ومنهم من بدل تبديلاً جذرياً في علاقته مع موسكو، مثل كازاخستان التي تطبق العقوبات الغربية على روسيا من دون الإعلان عن ذلك، فيما قيرغيزيا وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وأذربيجان تقف على حياد هش، ولا تؤيد مواقف روسيا في صراعها مع الغرب في أوكرانيا، وهذا ما أظهره سلوكها السياسي وتصريحات مسؤوليها وتصويتها في الأمم المتحدة في شأن المسألة الأوكرانية، وتبقى بيلاروس الحليف الوحيد المخلص لروسيا من بين كل دول الاتحاد السوفياتي السابق. نظرة تاريخية سجل التاريخ ثلاث فترات قصيرة من انتصارات روسيا بقواها الذاتية الصرفة على القوى الغربية التي غزتها في عقر دارها. أولها انتصار بطرس الأول على ملك السويد كارل الثاني عشر وتراجع السويد في أوائل القرن الـ18، مما سمح لروسيا بتأكيد قوتها في بحر البلطيق وأوروبا. والانتصار الثاني حل في العقد الثاني من القرن الـ19 – وهو انتصار القيصر إسكندر الأول على نابليون الذي وصلت جيوشه إلى أبواب موسكو، آخذاً على عاتقه مهمة مستحيلة بصورة واضحة، وبفضل هذا أتيحت لروسيا الفرصة لتقرير مصير القوى العظمى في باريس. وانتصار ستالين على الفوهرر أدولف هتلر، الذي لعب ألعاب الحظ الجيوسياسية في الأربعينيات. وصلت روسيا التي اجتاحت الجيوش الألمانية معظم أراضيها الأوروبية إلى برلين وأنشأت شبكة من الدول التابعة لها في أوروبا الشرقية، ولعبت أيضاً دوراً مركزياً في ترتيب النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. نعم من حق روسيا، بل من واجبها أن تسأل الغرب وكذلك غالبية جيرانها: لماذا تكرهوننا؟ (أ ف ب) وبصرف النظر عن هذه الانتصارات، كانت روسيا دائماً قوة عظمى مهيمنة على أوروبا نسبياً. وهذا ما حدا ببريطانيا وفرنسا لشن حرب القرم عليها من دون سبب واضح من عام 1853 وحتى عام 1856، في محاولة لوضع حد لمجدها بعد الانتصار على نابليون. وخسرت روسيا أمام اليابان الذي ساندها الغرب في الصراع المسلح الذي دار بين عامي 1904 و1905، والذي كان أول هزيمة لقوة أوروبية على يد قوة آسيوية في العصر الحديث. خسارة الحلفاء والأراضي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 فقدت موسكو ما يقارب 5.2 مليون كيلومتر مربع من أراضي الإمبراطورية الروسية. وتتجاوز هذه المساحة أراضي الاتحاد الأوروبي بأكمله (4.4 مليون كيلومتر مربع) أو الهند (3.4 مليون). تخلت روسيا عن مطالباتها بألمانيا الشرقية، التي استحوذت عليها نتيجة الحرب العالمية الثانية، وبدول أخرى تابعة لها في أوروبا الشرقية. وجميعهم الآن في التحالف العسكري الغربي إلى جانب بعض الأجزاء المتقدمة من الاتحاد السوفياتي، مثل دول البلطيق. وتعمل جمهوريات سوفياتية سابقة أخرى مثل أذربيجان ومولدوفا وجورجيا وأوكرانيا وأرمينيا على الالتحاق بركب الغرب. وباستثناء عدد قليل من القواعد العسكرية غادرت روسيا أيضاً آسيا الوسطى. ومع ذلك، تظل روسيا الدولة الكبرى في العالم من حيث المساحة، ولكنها أصغر حجماً مما كانت عليه من قبل، لكن لم تعد الأراضي وحدها هذه الأيام تشكل أهمية بالنسبة إلى وضع القوة العظمى مثل رأس المال البشري والنمو الاقتصادي، وهي المجالات التي تشهد روسيا أيضاً انحداراً فيها، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي الروسي المقوم بالدولار ذروته في عام 2013، أعلى قليلا من تريليوني دولار، قبل أن ينخفض إلى نحو 1.2 تريليون مع انهيار أسعار النفط والروبل. وبطبيعة الحال، لم يكن الانكماش حاداً عندما تم قياسه من جهة تعادل القوة الشرائية. لكن من حيث القيمة الدولارية يمثل الاقتصاد الروسي 1.5 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و1/15 من الاقتصاد الأميركي، على رغم غنى الأراضي الروسية الفاحش بالمواد الخام الأولية وموارد الطاقة من غاز ونفط وفحم وغير ذلك. خصوصية روسيا لقد اعتبر الروس دائماً بلادهم دولة غير عادية. يقولون إنها، كونها وريثة الإمبراطورية البيزنطية، تحمل مهمة خاصة للعالم. في الواقع شعر سكان معظم القوى العظمى بشيء مماثل. لقد زعمت كل من الصين والولايات المتحدة أنهما تتمتعان بتفويض مقدس للاستثناء، كما فعلت بريطانيا وفرنسا طوال قسم كبير من تاريخهما الإمبراطوري. فقط قنابل الحلفاء هي التي أجبرت ألمانيا واليابان على التخلي عن ادعاءاتهما بالتفوق. إن روسيا لم ولن تتخلى بعد عن ثقتها في دورها الخاص. وفي عصور مختلفة اتخذت تعبيرات مختلفة: روما الثالثة، والمملكة السلافية، والمقر العالمي للأممية الشيوعية. نسمع اليوم عن الأوراسية. ووفقاً للنخب الفكرية الروسية، فإن روسيا ليست قوة أوروبية ولا آسيوية، بل إنها قوة فريدة من نوعها لا تضاهى، فهي مزيج غامض من الحضارات. وهذا يملأ المواطنين والقادة الروس بالفخر، ويغذي أيضاً استياءهم من الغرب، الذي يحاول دوماً التقليل من تفرد روسيا وأهميتها. وهكذا فإن الاغتراب النفسي يفرضه الاغتراب الجغرافي والتنظيمي والثراء الاقتصادي النسبي. ونتيجة لذلك تميل الحكومات الروسية إلى التأرجح بين السعي إلى إقامة علاقات أوثق مع الغرب والاستياء في الوقت نفسه من عدم احترام هذا الغرب لروسيا ومصالحها، من دون أن يصبح أي من الاتجاهين هو المهيمن. هناك عامل آخر يؤثر في دور روسيا في العالم وهو جغرافيتها الفريدة. فهي قارة كاملة بحد ذاتها، قسم منها في أوروبا وقسم أكبر في آسيا، كما أنه ليس لها حدود طبيعية، باستثناء المحيط الهادئ والمحيط المتجمد الشمالي، التي أصبحت اليوم أيضاً مساحة متنازعاً عليها. فبعد أن عانت روسيا عبر التاريخ من غزوات خارجية مدمرة في بعض الأحيان، سواء من قبل المغول والتتار في شرق آسيا، أو من قبل السويديين والفرنسيين والبريطانيين في أوروبا والشرق، فإنها تشعر دائماً بأن أمنها مهدد وتدافع عن نفسها أحياناً بإجراءات استباقية. وأياً كانت الأسباب الأولية للتوسع الروسي، التي كانت عفوية في كثير من الأحيان، فإن عديداً من ممثلي النخبة السياسية بدأوا في نهاية المطاف يعتقدون أن الحركة الخارجية فقط هي القادرة على تأمين المكاسب السابقة. وهكذا حاولت روسيا دائماً ضمان أمنها من خلال التحرك استباقياً أكثر فأكثر من أجل إحباط أي هجوم. اعتقد الغرب أن على روسيا حتماً أن تتصالح مع هيمنته وأن تجد مكانها كشريك تابع (أ ف ب) واليوم، نادراً ما تعتبر البلدان الصغيرة الواقعة على حدود روسيا أصدقاء محتملين، بل ينظر إليها في كثير من الأحيان على أنها نقطة انطلاق محتملة للهجوم عليها. وتكثفت هذه الرؤية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فمع أن بوتين يعترف بوجود دولة أوكرانية منفصلة عن الأمة الروسية. ومع ذلك، فهو مثل ستالين، يعتبر جميع الدول المستقلة رسمياً التي تشترك في حدود مشتركة مع روسيا، بما في ذلك أوكرانيا، بمثابة سلاح في أيدي القوى الغربية، وعلى استعداد لاستخدامه ضد روسيا. كانت القوة الدافعة الرئيسة للسياسة الخارجية الروسية دائماً هي الرغبة في إنشاء دولة قوية. والمنطق هنا هو أنه في عالم محفوف بالأخطار، وفي غياب الحواجز الطبيعية مثل الجبال العالية أو المحيطات، فإن الضمان الوحيد للأمن قد يكون وجود دولة قوية راغبة وقادرة على تحقيق مصالحها الخاصة. ويعتبرونه ضامناً للنظام الداخلي. ونتيجة لذلك، بدأ هذا الاتجاه في الظهور والتمترس في العقل الجماعي الروسي، وقد لاحظه بدقة المؤرخ الروسي في القرن الـ19 فاسيلي كليوتشيفسكي، الذي وصف الألفية بأكملها في عبارة واحدة “لقد أصبحت الدولة الروسية سمينة، فيما أصبح الشعب هزيلاً”. ولكن من عجيب المفارقات أن الجهود الرامية إلى بناء دولة قوية أدت على نحو ثابت إلى تآكل الإطار المؤسساتي للدولة وظهور هيمنة الفرد القائد والحكم الاستبدادي. وبطرس الأكبر، أحد أوائل القياصرة الذين حاولوا إنشاء قوة قوية منيعة، على حساب الحريات والمبادرات الخاصة، لكن هذا أدى إلى تفاقم انعدام الثقة الحاد بالفعل بين الرجال ذوي السيادة وتعزيز ميول الراعي والعميل. وقد أسهم التحديث القسري في ظهور صناعات جديدة كبيرة ومتقدمة، لكن مشروع تعزيز الدولة أدى في الواقع إلى ترسيخ الحق في الاستبداد. هذه المتلازمة ميزت عهد قياصرة آل رومانوف، وسلطة لينين وبخاصة ستالين، وتستمر حتى يومنا هذا. فالشخصية الجامحة تجعل القرارات الاستراتيجية المهمة غامضة، وتعتمد على أهواء المستبد، إذ لا يمكن تمييز مصالح الدولة في هذه الحالة تقريباً عن مصالح الحاكم الفرد والحياة السياسية وتطلعات القائد الواحد. هل يجب أن يكون الماضي مقدمة؟ تتجلى نظرة الشك في نوايا الغرب والوطنية الروسية خصوصاً في شخصية بوتين وتجربته الحياتية، لكن الحكومة التي لا يهيمن عليها ضباط الكي جي بي السوفيات السابقون ستظل تشعر بالقلق في شأن ضعف روسيا في مواجهة الغرب وتريد أن يكون للبلاد دور خاص في السياسة وفي العالم. وبعبارة أخرى، فإن توجه السياسة الخارجية الروسية يشكل شرطاً موضوعياً بقدر ما هو اختيار. ولو كانت النخب الروسية قادرة على إعادة صياغة التفرد الذي تتمتع به البلاد واستخدامه بفعالية في المنافسة الضارية مع الغرب، لكان بوسعها توجيه الدولة على مسار تنمية واعد وأقل كلفة. وإذا حكمنا من خلال ديناميكيات التسعينيات، فقد بدا أن هذه هي الحال حتى تولى بوتين السلطة. ومرة أخرى بدأ الحديث في روسيا عن “سكين في الظهر”: فمن الواضح أن الغرب المتغطرس هو الذي أهمل مبادرات حسن النية الروسية في العقدين الماضيين، وليس العكس. وبطبيعة الحال استغلت واشنطن ضعف روسيا أثناء رئاسة بوريس يلتسين وبعدها مباشرة. ولكن ليس من الضروري أن نحلل كل جانب من جوانب السياسة الغربية الغادرة تجاه روسيا، لكي نفهم أن تطور سياسة بوتين لم يكن دائماً رد فعل على تصرفات خارجية. لكن وإلى حد أكبر كثيراً، أصبحت هذه السياسة أحدث مثال على كيفية العودة، تحت تأثير العوامل الداخلية، إلى نهج متجذر بعمق في النخبة السياسية الروسية. كان الفخر بالقوة العظمى وما ورثته من أمجاد وأفكار سوفياتية والشعور بمهمة خاصة في العالم سبباً في منع الغرب لروسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي من التحول إلى جزء آخر من المشروع الأوروبي أو من بناء شراكة متكافئة مع الولايات المتحدة (وهو أمر لا مفر منه). وإلى أن يقتنع هذا الغرب بضرورة مواءمة طموحاته مع قدراته، فإنه لن يتمكن من إقامة علاقات دولية “طبيعية” مع روسيا ــ بغض النظر عن نمو نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي أو غير ذلك من المؤشرات الكمية. تتجلى نظرة الشك في نوايا الغرب والوطنية الروسية خصوصاً في شخصية بوتين وتجربته الحياتية (أ ف ب) لنكن واضحين: روسيا حضارة مذهلة ذات عمق فكري وتاريخي كبيرين. وهذه ليست الإمبراطورية السابقة الوحيدة التي تجد صعوبة في التخلي عن أمجادها الغابرة وعدم الميل نحو استعادة صفة القوة العظمى بهدف تحقيق الاستقرار السياسي والتعايش على مضض مع الغرب. إن روسيا محقة في النظر إلى تسوية ما بعد الحرب الباردة باعتبارها غير متوازنة، بل وحتى غير عادلة. لأن الغرب عمد إلى إذلالها والتطاول عليها بصورة متعمدة، بحجة أنه حقق انتصاراً حاسماً عليها في المواجهة مع سلفها الاتحاد السوفياتي. وبذريعة أنه في المنافسة العالمية المتعددة الأبعاد ـ السياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية والعسكرية – فاز على الاتحاد السوفياتي على كل الجبهات! فبينما كانت روسيا تتخلى عن قاعدتها العسكرية في كوبا على بعد أميال من الشواطئ الأميركية، وتسحب قواعدها العسكرية من فيتنام وسوريا وإثيوبيا وغيرها، كان الغرب وحلف الناتو بالذات يتقدم بغرور كبير نحو حدودها، ويضم واحداً بعد الآخر من حلفائها السابقين إلى صفوفه، وينشر قواته العسكرية على مرمى حجر من عاصمتها موسكو، سواء في دول البلطيق الثلاث، أو في بولندا، وفي أوكرانيا لاحقاً لو لم تتحرك القوات الروسية لمنع ذلك بالقوة العسكرية وبسيل من الدماء. دروس وعبر لأسباب مجهولة وستظل لغزاً محيراً، اختار الكرملين في عهد ميخائيل غورباتشوف التراجع والتقهقر ومسايرة الغرب وترك اللعبة بدلاً من جر العالم إلى المواجهة، ولكن الغرب اعتبر ذلك هزيمة لروسيا، وهذه النهاية غير السعيدة لم تغير طبيعة النتيجة أو أسبابها، فروسيا لم تتصالح معها ما بعد الاتحاد السوفياتي قط. طالب فلاديمير بوتين الغرب في خطابه الشهير عام 2007 في مؤتمر ميونيخ للأمن بضمانات أمنية متساوية، وأكد للرؤوس الحامية في الغرب أنهم لا يمكن لهم تعزيز أمن دولهم على حساب روسيا، لكن الغرب صم أذنيه عن هذا الخطاب وتجاهله، معتقداً أنه خطاب رفع عتب وإنشاء لغوي بحت، فعاد في “نادي فالداي” للمناقشة في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، بعد وقت قصير من ضم شبه جزيرة القرم ليقول “يبدو أن من يسمون بالمنتصرين في الحرب الباردة مصممون على الاستيلاء على كل شيء وإعادة بناء العالم كي يخدم مصالحهم فقط على أفضل وجه”. كشفت الوقائع والسياسات والتصريحات عن أن التهديد الرئيس الذي يواجه روسيا يأتي من حلف شمال الأطلسي والغرب عامة، فليست روسيا هي من أقامت قواعد عسكرية على حدود الدول الغربية، بل العكس تماماً هو ما حصل، فمِن مَن ومن ماذا تحمي المقاتلات الأطلسية أجواء دول البلطيق؟ ولأي هدف تبحر القطع البحرية الأميركية والغربية عامة في البحر الأسود قبالة الشواطئ الروسية؟ ولماذا ينشر حلف الناتو مزيداً من القوات في جناحه الشرقي، لا سيما في بولندا ورومانيا ودول البلطيق، التي كانت حتى الأمس القريب تعتبر من حلفاء موسكو. لقد أنقذ بوتين الدولة الروسية من الانهيار، ووضعها على طريق يؤدي إلى استعادة مجدها السوفياتي المفقود، حتى ولو كان ذلك يتطلب ضخ مبالغ ضخمة من المال لتحديث الجيش، وتأمين القدرة على التنافس بنجاح، وتبوء مكان مستقر تستحقه في النظام العالمي. إن روسيا اليوم ليست قوة ثورية تهدد النظام العالمي، ولا هي رائدة الأيديولوجيا الشيوعية التي حاربها الغرب بحجة منعها من نشرها في العالم إبان العهد السوفياتي. فموسكو تعمل ضمن مدرسة القوى العظمى المألوفة في العلاقات الدولية، ومع ذلك تزعج روسيا الولايات المتحدة والغرب عامة، اللذين يستعدان لبدء حرب باردة جديدة رداً على هجماتها المزعومة. ويتلخص التحدي الحقيقي في رغبة موسكو في اعتراف الغرب بمجال النفوذ الروسي في الفضاء السوفياتي السابق (باستثناء دول البلطيق). وهذا هو ثمن المصالحة مع بوتين، وهو أمر لا يعترف به أنصار مثل هذه المصالحة علناً دائماً. وكان هذا بمثابة العقبة الرئيسة أمام التعاون الدائم بعد أحداث الـ11 من سبتمبر، ويظل هذا التنازل بمثابة تنازل لن يقدمه الغرب أبداً. ومع ذلك، لن يتمكن الغرب أبداً من حماية السلامة الإقليمية للدول الواقعة ضمن مجال نفوذ موسكو. الخداع لن يساعد الغرب هنا، إذاً ما العمل؟ يستحضر الغرب في الوقت الراهن روح جورج كينان، الدبلوماسي والمؤرخ الأميركي المعروف بإبداعه ما يعرف بـ”سياسة الاحتواء” تجاه التوسع السوفياتي خلال الحرب الباردة، وهو مؤلف عديد من المحاضرات والمنشورات حول تاريخ العلاقات بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية. وهو أيضاً أحد خبراء السياسة الخارجية الأميركية الستة المعروفين باسم “الحكماء”. ومع أن كينان تخلى عن فكرة “سياسة الاحتواء” لاحقاً، إلا أن الغرب ما زال متمسكاً باستخدامها، فالنخب الغربية التي ما زالت تعيش بعقلية الحرب الباردة تدعو إلى إحياء سياسة الاحتواء، وتزعم أن الضغوط الخارجية من شأنها أن تبقي روسيا مقيدة بإحكام إلى أن ينهار نظامها الاستبدادي أو يصبح ليبرالياً. وبطبيعة الحال تظل عديد من اعترافات كينان ملحة ــ على سبيل المثال، الاعتقاد الذي أعرب عنه قبل 70 عاماً في برقية طويلة من موسكو، مفادها أن السوفيات لا يشعرون بالأمان على الإطلاق وأن سلوكهم مدفوع إلى حد كبير بالشعور بالخطر. ويعتقد الغرب أن تبني تفكيره يستلزم الإبقاء على العقوبات أو تشديدها رداً على انتهاكات روسيا القانون الدولي، والدعم السياسي للتحالفات الغربية، وزيادة الاستعداد القتالي لحلف شمال الأطلسي. ولكن سياسة الاحتواء الجديدة قد تكون فخاً، لأنها من شأنها أن ترفع روسيا إلى مكانة القوة العظمى المنافسة، وهو نفس الوضع الذي أدى إلى المواجهة الحالية. يعتقد الغرب أن إرهاق العقوبات سيتراكم عاجلاً أم آجلاً، وهذا سيخلق الشروط المسبقة لنوع من الصفقة مع موسكو. لكن وفي الوقت نفسه من المحتمل ألا تنتهي المواجهة الحالية قريباً، لأن مطالبة روسيا بمجال النفوذ الأوراسي هي مسألة تقرير المصير الوطني، وحساب الكلف والفوائد لن يهدئ حماستها، لذلك على الغرب أن يفكر بأسلوب إبداعي جديد ومبتكر لمقاربة علاقاته مع روسيا، والخروج من عقلية الحرب الباردة البالية. المزيد عن: روسياحرب أوكرانياالغربالولايات المتحدةجو بايدنحلف الناتوالحرب الباردةالاتحاد السوفياتيبوتين 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Minimum wage up across Atlantic Canada with biggest jump in Newfoundland and Labrador next post Snowstorm bound for N.S. could bring outages, treacherous roads You may also like “الرواية الكاملة” لهروب الأسد “المرتبك”… و”مفاجأة” الشرع 20 ديسمبر، 2024 “المجلة” تنشر وثائق عن رسائل من إسرائيل إلى... 17 ديسمبر، 2024 تجربة “سوريا الفيدرالية” التي لم تعش طويلا 16 ديسمبر، 2024 قصة أول قائدة طائرات مغربية التي قتلت برصاص... 15 ديسمبر، 2024 كيف يشكل التنوع الطائفي والعرقي الهوية السورية؟ 15 ديسمبر، 2024 من الستينيات إلى اليوم.. كيف جسدت السينما الفلسطينية... 13 ديسمبر، 2024 ماهر الأسد… البعبع الذي أرعب السوريين 13 ديسمبر، 2024 موطئ روسيا على “المتوسط” يصارع موج الاحتمالات 10 ديسمبر، 2024 من يرسم الخطوط بين تونس وليبيا؟ 7 ديسمبر، 2024 مفاوضات سوريا وإسرائيل… دمشق تعزز روابطها العربية (3-3) 1 ديسمبر، 2024