جورج فيدو (1862 – 1921): إمبراطور على الخشبة (موقع المسرح الحر) ثقافة و فنون هل كان المسرحي الفرنسي فيدو ابنا غير شرعي لنابليون الثالث؟ by admin 15 أغسطس، 2024 written by admin 15 أغسطس، 2024 108 كاتب المسرحيات الكوميدية المبدع كان يعتقد ذلك أو يريد من الناس أن يعتقدوه في الأقل اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب تعود بنا هذه الحكاية إلى نهايات العقد الثاني من القرن الـ20 وبدايات العقد الذي يليه، وتحديداً إلى بلدة روي مالميزون الواقعة غير بعيد من الضاحية الشمالية الغربية للعاصمة الفرنسية باريس. ولعل مما لا يعرفه كثر عن هذه البلدة أنها تضم – وهو أمر يعنيه اسمها الذي يمكن ترجمته بـ”بيت السوء”، مع أنه يشير بوضوح إلى وجود مأوى للمرضى العقليين فيها وفي الأقل منذ زمن الإمبراطور نابليون – تضم ذلك المأوى الذي يعد الأشهر في المنطقة الباريسية. أما بطل الحكاية فهو جورج فيدو (1862 – 1921) الكاتب المسرحي الفرنسي الذي اشتهر بكونه واحداً من أقطاب كتاب مسرحيات الفودفيل التي انتشرت حين ترجمت إلى لغات كثيرة في العالم وغالباً من دون ذكر اسم المؤلف، وبخاصة في تاريخ المسرح العربي إذ قد يفاجأ قارئنا هنا حين نخبره أن من بين أعمال فيدو بعض أنجح وأشهر المسرحيات التي قدمها أمين الريحاني في مصر وفرقة الهزلي شوشو في لبنان. ففي مصر يدين حتى فيلم حسن الإمام “خللي بالك من زوزو” الذي أوصل بطلته الرائعة سعاد حسني إلى ذروة نجوميتها، بل حتى أعاد الحياة إلى السينما المصرية خلال السبعينيات، يدين لمسرحية فيدو “خذ بالك من إميلي”، من دون أن ننسى مسرحيات رائعة أخرى لفيدو مُصرت ولبننت وقدمت عبر أفلام ناجحة كحال معظم مسرحيات فيدو في معظم أنحاء مدن العالم. غير أن حكايتنا التي نحب أن نرويها هنا لا تبدو شديدة القرب من مسرحه حتى وإن كانت تصلح لأن تكون واحدة من مسرحياته. متنزهون من 3 فئات والحقيقة أن الشخصيات الذين يملأون هذه الحكاية ليسوا سوى متنزهي بعد الظهر والمساءات الرائقة في تلك البلدة الوديعة الهادئة. وهم بالنسبة إلى حكايتنا هنا كانوا ينقسمون بصورة رئيسة إلى ثلاث فئات. وانقسامهم الذي نشير إليه لم يكن سياسياً أو اجتماعياً ولا من نوع ينم عن مثل هذه الأمور، بل يتعلق بتنوع رد فعل كل فئة منهم تجاه نفس الشخص المتنزه مثلهم عشية كل يوم يلقون عليه التحية أو لا يلقونها. وكان هو الشخص نفسه دائماً والمتنزه في الوقت نفسه حاملاً تجاه الجميع نفس الابتسامة مواجهاً إياهم بنفس الطيبة. منهم فئة تبتسم له بشيء من الترحاب وقدر بسيط من الحذر قائلة له “طاب مساؤك مسيو جورج!” وهي قد تتبادل معه بعض العبارات المختصرة قبل أن تتابع طريقها مدمدمة بما يشبه الإعجاب أو الحذر أو بمزيج من الاثنين. وفئة ثانية ما إن تراه حتى تحاول تجنبه وقد سارعت حتى لتبديل مسارها إن كانت لا تزال بعيدة منه بصورة قد لا تمكنه من ملاحظة وجودها. ومن المؤكد أن معظم أبناء هذه الفئة هم العائلات المصطحبة صغارها الذين أخشى ما تخشاه أن يحلو لـ”المسيو جورج” أن يحمل طفلاً من الأطفال ويحاول مداعبته حتى وإن كان قد اعتاد أن يداعب الأطفال بكل لطف ومحبة. والحقيقة أن هاتين الفئتين كانتا تعرفان من هذا المتنزه اللطيف وتعرفان أنه كاتب المسرح الكبير النزيل الآن معززاً مكرماً في مأوى الأمراض العقلية، وهناك بالنسبة إليها ذلك الحذر المستشري تجاه “المجانين”. أما بالنسبة إلى الفئة الثالثة فإن رد الفعل لمرأى الرجل كان يختلف جذرياً. من تقديم لإحدى مسرحيات جورج فيدو (موقع المسرحية) ذهول أمام جلالته وآية ذلك الاختلاف أن هؤلاء المارة الذين من الواضح أنهم في غالبيتهم من الغرباء الذين نادراً ما يزورون البلدة ما إن يرون “المسيو جورج” حتى ينظرون إليه بمزيج من الذهول والتبجيل، بل إنهم حين يضحون في محاذاته لا يترددون عن أن يخروا على ركبتيهم أرضاً صارخين بقدر هائل من الاحترام “جلالة الإمبراطور!” مدمدمين في كورس من الأصوات “إننا لفي سعادة تغمرنا لمرآك يا مولانا!”. وإزاء هؤلاء كان ذلك الإمبراطور يبتسم بكل ود ومحبة ويداعب رؤوسهم بعظمة شاكراً إياهم على ما يقولون. ففي نهاية الأمر كان ذلك ما يشعره برضا عن ذاته وبخاصة أنه لم يطلق لحيته في تلك المرحلة من حياته سدى. فهو أصلاً أطلقها توخياً لمارة يلاقونه فيدهشهم تجواله بينهم، مارة لا يمكن بأية حال إقناعهم بأنه ليس الإمبراطور نابليون الثالث بشحمه ولحمه وملامحه وقامته وملابسه الأنيقة. بيد أننا نعرف من ناحيتنا وبعد كل ما قدمنا له أن “المسيو جورج” لم يكن الإمبراطور نابليون الثالث بل كان إمبراطوراً آخر، إمبراطور المسرح الفرنسي الهزلي المعروف باسم “مسرح الفودفيل”. فما هي الحكاية في نهاية الأمر؟ الحكاية أن الشبه الذي كان كبيراً جداً بين الكاتب والإمبراطور بات تطابقاً تاماً بينهما حين أطلق فيدو لحيته فور وصوله إلى البلدة. إما عن تيقنه من أنه ليس سوى تجسد لسيد البلاد، وهو تيقن سيقود بعض كاتبي سيرته إلى القول بأنه كان عند نهايات حياته واحداً من الأسباب التي أوصلته إلى مستشفى الأمراض العقلية، وإما عن رغبته الماكرة في أن يعتقد الناس أنه الإمبراطور حقاً ويطربه أن يفعلوا ذلك ما يرفه عنه ترفيهاً لا يضر أحداً. مولود غير شرعي غير أن ما حير الذين كتبوا دائماً عن جورج فيدو ولفت نظرهم عن معرفة شخصية به أو من خلال صوره ذلك الشبه الغريب والذي بات يتفاقم مع تقدمه في العمر بينه والإمبراطور، وبات عدم إطلاقه لحيته وقد تقدم في ذلك العمر الشيء الوحيد الذي يفرق بينهما بالنظر إلى أن لحية الإمبراطور تبدو دائماً مميزة وكانت تشكل الفارق الأكبر بينهما، ومن هنا كان إطلاق الفنان لحيته. غير أن ثمة في تاريخ حياة جورج فيدو ما يجعلنا ننظر إلى الأمور نظرة أكثر عمقاً استقيناها من مجمل ما كتب عنه، ومن أهم المصادر التي روت سيرته ويمكنها أن تبرر كل تلك الحكاية التي انطلقنا هنا في الحديث عنها هي حكاية لا تخلو من منطق خاص بها، وفحواها أن جورج فيدو كان ابناً كما هو وارد في سجلات نفوسه لكاتب معروف في الأوساط الأدبية وصديق لفلوبير (صاحب “مدام بوفاري” بين تحف أدبية فرنسية أخرى). كان أبوه يدعى إرنست فيدو وهو رجل لطيف مسالم لم يكن ثمة ما يزعجه في حياته سوى المغامرات الجامحة التي كانت زوجته الحسناء تنطلق فيها على سجيتها غير آبهة بحياتها العائلية، وكان هو درءاً للفضيحة يتستر عليها، وربما لأن مغامراتها كانت غالباً مع بعض كبار القوم وصولاً إلى الدوق دي مورني بل حتى إلى نابليون الثالث الذي ارتبطت معه لفترة. ومن هذه العلاقة الأخيرة التي نظر البعض إليها على اعتبار أنها قد حملت خلال تلك الفترة نفسها بالطفل الذي سيعطى اسم جورج خطوة سيقطعها على أية حال عدد ليس بالقليل من كتاب سيرة ذلك المولود، الذي سيصبح هو نفسه لاحقاً الكاتب الكبير جورج فيدو صاحب العدد الأكبر من المسرحيات الهزلية التي سيكون لافتاً فيها حقاً أنها تدور من حول… الخيانات الزوجية، ولكن دائماً في قوالب كوميدية تشي بأن فيدو لم يكن يبالي كثيراً بل ستشي في آخر أيامه بأنه يتمنى أن يعرف العالم كله أنه في حقيقته الابن غير الشرعي للإمبراطور، الذي عرف على أية حال بحبه للفنانين والمبدعين ورعايته لهم بل حتى حرصه على حضور المسرحيات الهزلية وغرقه في الضحك أمام مشاهد تلك الخيانات! في الحقيقة، إن تلك الواقعة كانت وربما لا تزال حتى اليوم ضمن إطار الأسئلة والتكهنات وربما في إطار فكاهات عابرة من نوع تلك التي كانت تحمل الكاتب هنري بيرنشتاين ينادي فيدو تحبباً بـ”جلالة الإمبراطور”، من دون أن يبدو أن ذلك يزعجه، بل كان ينزعج لأن أحداً لا يريد أن يصدق حقاً أنه ابن الإمبراطور ولو من علاقة غير شرعية. ولعل هذا ما حاول أن يعول عليه بنفسه خلال تلك الأعوام الأخيرة من حياته، وتحديداً من خلال إدراكه أن في إمكان لحية يطلقها أن تدفع كثراً إلى السير حذو بيرنشتاين ومناداته بـ”جلالة الإمبراطور” متخفياً خلف “جنون مزعوم” يعفيه من أية مساءلة… وبخاصة بعد زمن طويل من سقوط الإمبراطور الحقيقي وزوال الإمبراطورية! المزيد عن: المسرحي الفرنسي جورج فيدومسرحيات الفودفيلأمين الريحانينابوليون الثالث 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post تغيرات «مدمرة» يمر بها الجسم في هذين العمرين… ماذا يحصل؟ next post قبل والد يامال… وقائع الاعتداء على نجوم كرة القدم الأوروبية وأسرهم You may also like فلسطين حاضرة في انطلاق مهرجان القاهرة السينمائي 14 نوفمبر، 2024 أنجلينا جولي تواجه شخصية ماريا كالاس في فيلم جديد 14 نوفمبر، 2024 المسرح الباريسي يتذكر شوينبرغ من خلال 12 حياة... 14 نوفمبر، 2024 الكنز المفقود… ماذا يخفي نهر النيل؟ 13 نوفمبر، 2024 سيمون فتال: السومريون أنتجوا أجمل الفنون وهي الأساس 13 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: نصبان جنائزيان من مقبرة... 13 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: أي دور للكتاب والمبدعين... 13 نوفمبر، 2024 كيف تستعيد الجزائر علماءها المهاجرين؟ 12 نوفمبر، 2024 مثقفان فرنسيان يتناقشان حول اللاسامية في “المواجهة” 12 نوفمبر، 2024 مكتبة لورين غروف تتحدى حظر الكتب في أرض... 12 نوفمبر، 2024