ثقافة و فنونعربي هل رسمت آرتيميسيا سيرتها من خلال نساء صارعن الرجال بقوة هزت عالمهم؟ by admin 24 يناير، 2022 written by admin 24 يناير، 2022 29 عاشت في القرن 17 لتستعيد مكانتها والسجال من حولها بعد قرون اندبندنت عربية \ إبراهيم العريس باحث وكاتب قد يكون من غير الصحيح، أو من غير الدقيق، أن عالم الفن لم يعرف قبل القرن الثامن عشر رسامات نساء باستثناء الفنانة الإيطالية آرتيميسيا جنتيليسكي التي عاشت بين 1593 و1656 وتعتبر اليوم رسامة أوروبية بامتياز، وهي التي تنقلت بين عدة مدن إيطالية في وقت كانت كل مدينة تعتبر دولة في حد ذاتها، كما أمضت سنوات من أواخر حياتها في لندن ترسم لكبار أعيانها بمن فيهم ملكة البلاد، لكن آرتيميسيا كانت متميزة إلى درجة تجعل من الممكن ذكرها على حدة واعتبارها فنانة لم تَجُد تلك المرحلة بمن يساوينها في قوتها، ولكن كذلك في ذلك الارتباط المفترض بين حياتها وفنها. فرادة امرأة فنانة تتجلى تلك الفرادة في ثلاثة مجالات أساسية: أولاً في كونها اختارت لنفسها دروباً وأساليب فنية تجعلها الوريثة الوحيدة للرسام كارافاجيو حتى وإن كان أبوها أورازيو، معلمها الأول قد سار هو الآخر على درب ذلك الرسام الكبير. ففي النهاية يبدو واضحاً في مواضيع آرتيميسيا أنها استقت منه مباشرة وليس بواسطة أبيها، ثانياً في كونها عرفت كيف تجعل من فنها ردّاً على “المأساة” التي عرفتها في صباها المبكر حين اغتصبها رسام كان بدوره من مريدي أبيها، فزعزع ثقتها بالرجال، وجعلها تختار للوحاتها رسم نساء قويات ماكرات بل دمويات جاءت بحكاياتهن من الأساطير القديمة والكتب المقدسة، فأنتجت متناً فنياً تلقفته الحركات النسوية في القرن العشرين وبنت عليه نظريات لا تنتهي، وثالثاً أنها على عكس حال النساء من قبلها ومن بعدها عرفت كيف تعيش حياتها وحرفتها الفنية باستقلال كأم عازبة سبقت كل نظريات الأم العازبة التي سادت في القرن العشرين. فإذا أضفنا إلى هذا، ما ذهب إليه معظم الباحثين من أن آرتيميسيا لم تكتف بأن ترسم نفسها بقوة وروعة في لوحة تصورها وهي منكبة على الرسم، بل تعمدت أن تجعل من نفسها وملامحها موديلاً لمعظم النساء “الإشكاليات” اللواتي رسمتهن في لوحات تصور جوديث أو مريم المجدلية أو غيرهن ممن يسمين “النساء القويات”، اللواتي تفننت الحركات النسوية الحديثة في تحليل حياتهن، يصبح لدينا موضوع شائك وشيّق نعرف أن مبدعات بل حتى مبدعين من القرن العشرين لم يتوانوا في الدنو منه محولين تلك الفنانة المشاكسة إلى أيقونة بل إلى أسطورة. ولكن هل كانت تستحق هذا؟ التاريخ في بعد باروكي إذا تأملنا في إبداعات واصلت آرتيميسيا إنتاجها طوال أكثر من ثلث قرن، معظمها لوحات تاريخية تتسم بنزعة باروكية تميزت عن معظم ما كان ينتجه الرسامون في ذلك العصر الباروكي، يمكننا أن نعد آرتيميسيا بين كبار فناني العصر لنتساءل عن الأسباب التي جعلت مؤرخين للفن كباراً يتجاهلونها، فإن ذكروها ربطوها بفن أبيها أورازيو في نزعة ذكورية مغرضة لا شك فيها. ولعل هذا ما حرك نسويات ومبدعات القرن العشرين للاهتمام بآرتيميسيا، بيد أن السيء في الأمر هو أن ما حركهم أكثر هو تلك الفرضيات التي ارتبطت بحياتها أكثر مما ارتبطت بفنها، كصبية اغتُصبت ولم تحصل لها المحاكم حقها فحصلته منتقمة من خلال فنها، وكامرأة عزباء ربت من أبقاه الموت المأسوي المبكر من أولادها متنقلة من بلد إلى آخر مستقلة في قراراتها وحياتها، محولة ابنتها بالميرا إلى رسامة من المؤسف أن أياً من أعمالها لم يصلنا. والحقيقة أننا إذا شئنا أن نضع الأمور في نصابها سيكون علينا أن نضع جانباً تلك الفرضيات لنكتشف وجوهاً عدة تبدو متناقضة مع تلك الصور التي أسقطت على الماضي مفاهيم تنتمي إلى الزمن الحاضر. ولسوف تكون الغاية هنا ليس فقط البحث عن الحقيقة التاريخية، بل أكثر من هذا إعادة القيمة الفنية لآرتيميسيا إلى مكانها الصحيح تحديداً، بالمقارنة مع المستوى الذي كان للفنون السائدة في زمنها. وفي يقيننا أن هذه هي السبيل الأفضل للحديث عن فنانة لا بد من التركيز على فنها بقدر التركيز على الحياة التي أنتجت هذا الفن. نحو نظرة موضوعية وفي هذا السياق سيكون من العدل تنحية حكايات حياة آرتيميسيا جانباً من دون رفضها كلياً، والعودة إلى النظر بموضوعية إلى فنها، وكيف تكونت الفنانة الحقيقية والكبيرة فيها، ولماذا تغاضى تاريخ الفن عن مكانتها تلك ليجعل الفكر النسوي من حياتها مصدراً لقيمتها سواء كان مخطئاً في ذلك أو مصيباً. ولا شك أن استعراضاً لنحو ستين لوحة هي ما اكتشف من أعمال آرتيميسيا حتى الآن، علماً بأنه لا تمضي حقبة من الزمن إلا ويعاد إليها حقها في لوحات إما كانت مخبوءة غير مكتشفة أو معروفة لا تحمل توقيعاً، وهكذا مثلاً “أعيدت” إليها لوحة كانت منسوبة إلى سواها، في العام قبل الماضي! اقرأ المزيد مسرح الإنجليزي جون أوزبورن قبل أن يتبنى الغضب منهجا واسما وتيارا “خلف محل مارتين”… الروائي الذي لم يرتدع عن “قتل” شخصياته استعراض من هذا النوع يضعنا أمام فن كبير يتجاوز ومن بعيد القيمة المعطاة مثلاً لفن أبيها أو لعدد كبير من الفنانين الرجال المعاصرين لها، يشتغل انطلاقاً من أساليب كارافاجيو، لكنه يمعن عميقاً في لعبة النور والعتمة واصلاً فيها إلى ما يسمى “أسلوب التعتيم الخالص” المتجاوز أسلوب كارافاجيو نفسه. ولنعد هنا إلى التركيز على نهل آرتيميسيا من المواضيع التاريخية بدءاً من لوحتها المبكرة “سوزانا والعجائز” التي قد نستشف منها ملامح الفنانة حين كانت في سن المراهقة، أي في السن التي اغتصبها فيها اغوستينو تاسي، ما أدى إلى تلك المحاكمة التي نالها فيها من التعذيب أضعاف ما ناله مغتصبها على أية حال. سيرة ذاتية في لوحات عديدة؟ والحقيقة أننا بدءاً من تلك اللوحة سيكون في مقدورنا تصور التغيرات التي طاولت ملامح الرسامة التي أوصلت بورتريهاتها الذاتية إلى مستوى مرتفع، إنما دون أن تتقصد ذلك، فإذا بلوحاتها في تسلسلها الزمني ترسم ما يكاد يكون سيرة لحياتها. ولكن يقيناً أن هذا الجانب لم يكن هو ما جعل كبار الأمراء وأرفع البلاطات الأوروبية وأثرى الجامعيين يشترون لوحات رسمتها، لوحات جعلت لها شهرة واسعة، بخاصة أنها راحت تستفيد مطورة فنها من خلال عيشها المتنقل كما أشرنا، فنجدها حيناً في البندقية لسنوات وحيناً في فلورنسا، ثم في نابولي أو في روما قبل أن تلتحق بأبيها الذي شغل في نهاية حياته منصب رسام البلاط في لندن. وفي يقيننا أن تاريخ الفن في تلك المرحلة لم يحدثنا عن فنان، وليس طبعاً عن فنانة، عاشت مثلها متنقلة تطور فنها وألوانها ومواضيعها من مدينة إلى أخرى، هي التي ولدت في روما وماتت في نابولي التي أمضت فيها المرحلة الأخيرة من حياتها التي تتوزع لوحاتها اليوم في أشهر متاحف العالم، بعدما أوصلت فنها إلى ذروته تحديداً في اللوحة التي رسمت فيها ذاتها، وهي ترسم تلك اللوحة الأجمل والأغرب بين أعمالها، لتعتبر “ترميزاً للرسم” أو “كناية عنه” (1638 – 1639) الموجودة الآن ضمن المجموعة الملكية في قصر وندسور الملكي البريطاني. والحال أن هذه اللوحة قد دُرست أكثر من أية لوحة تنتمي إلى تلك المرحلة. فنانة تحيط بالعالم ففي “ترميز الفن” تعلن آرتيميسيا انتماءها إلى كارافاجيو، لكنها تعلن في الوقت نفسه تميزها عنه، بل تجاوزها له من خلال التركيبة التشكيلية التي جعلتها للوحة. وحسبنا للتيقن من هذا أن نقارن هذا “البورتريه الذاتي” مع عدد كبير من لوحات لآخرين تنتمي إلى مبدأ “البورتريه الذاتي” نفسه لنلاحظ المنظور الذي انطلقت منه فنانتنا وغرابة هذا المنظور وفرادته، حيث إلى جانب التشديد على الأناقة غير المعهودة في ملابس فنان منهمك إلى هذه الدرجة في عمله، يلفتنا وقوف الرسامة بشكل يحيط باللوحة من كل جوانبها، وكأن ذراعي المرأة المرسومة يحاول الإحاطة بالعالم وبالفن وبالمكان في آن معاً، وذلك حتى دون أن نلمح ولو جزءاً من اللوحة التي ترسم، وكذلك دون أن يبدو لنا في وقفة الفنانة ولا في تركيزها الذي يشي بأعلى درجات الراحة والتركيز، ما يكشف عن تلك المعاناة التي اعتاد الفنانون التعبير عنها في رسمهم لذواتهم. والحقيقة أن حسبنا أن نرصد هذا الأمر حتى نستبعد كل تلك الدراما والميلودراما التي عزتها نسويات القرن العشرين لامرأة (رسامة) جعلن منها، وربما رغم أنفها، أيقونة لهن ولنضالاتهن. المزيد عن: إيطاليا \ الفن الإيطالي \ آرتيميسيا \ الرسم \ رسامات 3 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post ريم نجمي تعتمد التراسل السردي لتكسر تابوهات العلاقة next post هل تستطيع الفلسفة أن تشفي الإنسان من أمراضه الوجدانية؟ You may also like سامر أبوهواش يكتب عن: “المادة” لكورالي فارغيت… صرخة... 25 نوفمبر، 2024 محامي الكاتب صنصال يؤكد الحرص على “احترام حقه... 25 نوفمبر، 2024 مرسيدس تريد أن تكون روائية بيدين ملطختين بدم... 25 نوفمبر، 2024 تشرشل ونزاعه بين ثلاثة أنشطة خلال مساره 25 نوفمبر، 2024 فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم... 24 نوفمبر، 2024 قصة الباحثين عن الحرية على طريق جون ميلتون 24 نوفمبر، 2024 عندما يصبح دونالد ترمب عنوانا لعملية تجسس 24 نوفمبر، 2024 الجزائري بوعلام صنصال يقبع في السجن وكتاب جديد... 24 نوفمبر، 2024 متى تترجل الفلسفة من برجها العاجي؟ 24 نوفمبر، 2024 أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 3 comments binary options live graphs 24 يناير، 2022 - 6:09 م Greetings! I know this is somewhat off topic but I was wondering which blog platform are you using for this site? I’m getting tired of Wordpress because I’ve had problems with hackers and I’m looking at alternatives for another platform. I would be great if you could point me in the direction of a good platform. Reply Movers Los Angeles 24 يناير، 2022 - 6:28 م Hmm it seems like your blog ate my first comment (it was super long) so I guess I’ll just sum it up what I had written and say, I’m thoroughly enjoying your blog. I as well am an aspiring blog writer but I’m still new to the whole thing. Do you have any tips for beginner blog writers? I’d really appreciate it. Reply Main profile 24 يناير، 2022 - 6:39 م Heya just wanted to give you a brief heads up and let you know a few of the images aren’t loading properly. I’m not sure why but I think its a linking issue. I’ve tried it in two different web browsers and both show the same results. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.