X FILEعربي هل تختبر الصين “لحظة سبوتنيك” تحملها على اللحاق بركب أميركا تكنولوجيا؟ by admin 17 أغسطس، 2021 written by admin 17 أغسطس، 2021 26 كيف عززت واشنطن سعي بكين نحو الهيمنة التكنولوجية اندبندنت عربية \ دان وانغ في عام 2016 هزم برنامج الحاسوب “ألفاغو” (AlphaGo) الذي طوره خبراء تعليم الآلة في لندن أفضل لاعب في العالم في لعبة “غو” اللوحية الصينية التقليدية. وشكل الحدث إنجازاً ثورياً في الذكاء الاصطناعي: فقد كشف برنامج “ألفاغو” عن قدرة غير مسبوقة في مجالي التنبؤ وتمييز الأنماط. وبما أن برنامجاً غربياً كان الأول في تسجيل هذا الإنجاز في مجال الذكاء الاصطناعي، أعلن بعض المعلقين أن الصين اختبرت “لحظة سبوتنيك”، وهو حدث أثار اضطراباً واسع النطاق في البلاد حول تأخرها التكنولوجي المُتصور. عاشت الصين بالفعل “لحظة سبوتنيك” في السنوات الأخيرة- إنما ليس بسبب انتصار “ألفاغو”. بل ما حدث هو أنه منذ عام 2018، هدد التشديد في القيود التجارية الأميركية عليها قدرة بعض أكبر الشركات الصينية على الاستمرار مما خلق توتراً في بكين وأرغم الشركات الصينية على إعادة ابتكار التقنيات الأميركية التي ما عاد بإمكانها اقتنائها. تطمح الحكومة الصينية منذ زمن بعيد إلى تحقيق هدف مزدوج من خلال سياستها الصناعية: أن تصبح أكثر اعتماداً على ذاتها اقتصادياً وأن تبلغ مرتبة العظمة التكنولوجية. واعتمدت إجمالاً على الوزارات الحكومية والشركات التي تملكها الدولة في سعيها لتحقيق هذه الأهداف، لكن جهودها كانت إجمالاً دون المستوى المرجو. ففي مجال إنتاج شبه الموصلاتsemi-conductor، مثلاً، بالكاد تخطت الصين مرحلة البدايات. وفي المقابل، وقفت الشركات التجارية الصينية الخاصة وراء الجزء الأكبر من نجاح البلاد على الصعيد التكنولوجي، على الرغم من عدم توافق مصالحها دائماً مع هدف الدولة بتعزيز قطاع التكنولوجيا المحلية. وقد بدأت بكين أخيراً، مثلاً، بقمع بعض الشركات التي تقدم خدمات الإنترنت للمستهلكين وشركات التعليم عبر الإنترنت، ويعود السبب جزئياً إلى سعيها لتحويل جهود البلاد نحو مجالات تكنولوجية استراتيجية أخرى مثل شرائح الحاسوب. وهو ما يعني أن أبرز الإنجازات التكنولوجية الصينية- أي بناء إمكانيات متطورة جداً في مجال الطاقة المتجددة، وخدمات الإنترنت للمستهلكين، والإلكترونيات والتجهيزات الصناعية- قد تحققت رغماً عن تدخل الدولة بقدر ما تحققت بفضله. ثم أتى الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وعبر فرضه عقوبات على الشركات التجارية الصينية، أرغمها على التوقف عن الاعتماد على التقنيات الأميركية ومنها شبه الموصلات. وتسعى معظمها الآن إما إلى إيجاد حلول محلية بديلة أو تصميم التقنيات اللازمة بنفسها. وبعبارات أخرى، حققت مناورة ترمب ما عجزت الحكومة الصينية عن تحقيقه: أي التوفيق بين الحوافز التي تحرك الشركات الخاصة من جهة وهدف الدولة بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي اقتصادياً، من جهة أخرى. خليط متفاوت اعتادت الحكومة الصينية على التدخل في الاقتصاد منذ الأيام الأولى للجمهورية الشعبية. وإضافة إلى خططها الخمسية الشهيرة، التي طُبقت أولها في عام 1953، وضعت الحكومة عدة خطط سرية ركزت بشكل واضح على تطوير قدراتها التكنولوجية. وطيلة عقود من الزمن، شكلت البيانات والتصريحات الفارغة الجزء الأكبر من السياسة الصناعية. وشهدت تسعينيات القرن الماضي بشكل خاص قيام الحكومة بإصدار سلسلة من السياسات الصناعية التي كانت أقرب إلى الطموحات منها إلى الأهداف المُلزمة، ولم يكن من المفاجئ بالتالي أنها لم تنجح بتحقيق أي شيء يُذكر. وكما أشار الخبير الاقتصادي باري نوتن، أتت نقطة التحول مع تطبيق “الخطة (الحكومية) على المدى المتوسط والبعيد في مجال العلوم والتكنولوجيا” في عام 2006. إذ إنه خلافاً لتنفيذها الضعيف للسياسات الصناعية السابقة، خصصت بكين موارد مالية وإدارية ضخمة لهذه الخطة. وخطط مجلس الدولة، أعلى السلطات الإدارية في الصين، لتطوير 16 “مشروعاً ضخماً”، وُضع كل منها تحت ولاية وزارة معينة، وحولت بين 5 و6 مليارات دولار سنوياً لهذه الجهود- وهو ما لم يحصل في السياسات السابقة. ومع أن بعض هذه المشاريع الضخمة أحرزت تقدماً طفيفاً، غير أن البرنامج ككل أنفق مبالغ طائلة من دون أن يحسن قدرات البلاد التكنولوجية بشكل ملموس. تبذل الصين حالياً جهداً يشمل المجتمع بأسره من أجل النهوض بقطاع التكنولوجيا المحلية ولكن، في الواقع، صارت خطة المدى المتوسط والبعيد تمريناً لسياسة الصين الصناعية الآخذة بالتطور. في عام 2010، كشف مجلس الدولة عن مبادرة أخرى صنفت التكنولوجيا الناشئة، مثل السيارات الكهربائية والجيل القادم من الحواسيب، على أنها محركات النمو الاقتصادي. وبحلول ذلك الوقت، كانت الأزمة المالية العالمية قد فتحت جيب الصين [زادت الإنفاق الصيني]، وبدأت الحكومة تغدق الموارد على المشاريع المفضلة. وإضافة إلى الدعم المالي المباشر، قدمت الحكومة الصينية الدعم لشركات التكنولوجيا المحلية عبر وسائل أخرى- عبر استخدام القوة الشرائية الحكومية مثلاً، من أجل زيادة الطلب على ألواح الطاقة الشمسية. لكن المحور الأساسي الذي يركز عليه جهاز التخطيط الصناعي للدولة الصينية هو خطة “صُنع في الصين 2025”. وتسلط الخطة التي أُعلن عنها في عام 2015 الضوء على عشرة مجالات في صناعة التكنولوجيا المتطورة يجب أن تحرز فيها الشركات الصينية إنجازات كبيرة، وهي تضع كذلك أهدافاً مفصلة بشكل لافت لتحقيق الاكتفاء الذاتي. وتحدد إحدى الوثائق الاستشارية مثلاً أنه على صناعة شبه الموصلات الصينية أن تغطي بين 49.10 و75.13 في المئة من حجم السوق المحلية في عام 2030، وأن الصناعات المحلية يجب أن تتقن أصول الطباعة الحجرية باستخدام الأشعة ما فوق البنفسجية الشديدة مع قدوم عام 2025، وأن البلاد يجب أن تبلغ مرحلة إنتاج وحدات المعالجة المركزية متعددة النواة لخوادم الحواسيبmulticore central processing units بحلول عام 2030. وتعيد هذه الأهداف المفصلة إلى الأذهان أيام الاقتصاد الموجه في الصين، حين كانت الدولة تدير أدق تفاصيل الإنتاج الصناعي بأكمله. أثار مشروع “صنع في الصين 2025” رد فعل عنيفاً في أوساط دول صناعية عدة، شعرت بالقلق إزاء محاولات الصين السيطرة على التكنولوجيا المتطورة. ولأنهم لم يتوقعوا رد الفعل هذا، حاول القادة الصينيون بالتالي التقليل من أهمية “صُنع في الصين 2025” باعتباره تمريناً طموحاً في التخطيط طوره أكاديميون تتملكهم ثقة مفرطة. لكن بحلول ذلك الوقت، كانت الدولة قد أطلقت بالفعل سلسلة من الخطط التي تركز على النهوض ببعض التكنولوجيات المحددة- مثل شبه الموصلات والذكاء الاصطناعي- كما مقترحات ضخمة للدعم المباشر، وتسهيل الحصول على التمويل، وضخ استثمارات من أموال القطاعين العام والخاص. وأظهرت بكين سابقاً رغبتها ليس في اللحاق بركب تكنولوجيات الماضي فحسب بل في الهيمنة على صناعات المستقبل كذلك- وكانت مستعدة لإنفاق مبالغ طائلة من أجل تحقيق هذا الهدف. ما الذي نجحت الصين بتحقيقه فعلياً بفضل هذه الخطط؟ لو أثمرت برامج السياسة الصناعية الأخيرة، لكانت البلاد الآن عملاقاً تكنولوجياً- لكنها ليست كذلك. أتقنت الشركات الصينية إنتاج بعض السلع ومنها تقنيات الطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية ولوازم سكك الحديد عالية السرعة، والآلات الثقيلة، وقطع غيار السيارات. كما أن الصين تتصدر عملية نشر شبكة اتصالات الجيل الخامس، مدفوعةً بقوة شركة هواوي (Huawei) في معدات شبكات الهواتف المحمولة. إنما في البنود الأهم التي تشكل أهدافاً واضحة للحكومة، مثل شبه الموصلات وتقنيات الطيران، فشلت سياسة الصين الصناعية. أسفرت البرامج البعيدة المدى المخصصة لتطوير شبه الموصلات عن بضعة نجاحات متواضعة لكنها لم تنتج إجمالاً سوى شركات متعثرة تبعد كل البعد عن الطليعة والريادة. وما زالت شركة الطائرات التجارية الصينية (كوماك COMAC)، وهي النسخة الصينية من إيرباص (Airbus) وبوينغ (Boeing)، متخلفة سنوات عدة في عملية إنتاج أسطول جديد من الطائرات. كما عملت الصين طيلة عقود على تطوير ماركة سيارات يمكنها أن تعد من بين أفضل مصنعي السيارات في العالم- لكن شركات صناعة السيارات فيها واجهت صعوبة في التوصل إلى أي منتج قد يرغب المستهلكون في الدول المتطورة باقتنائه فعلاً. وحتى قصص النجاح تشوبها تحفظات. حين تتقن الشركات الصينية صناعة منتج معين، تحوله في نهاية المطاف إلى سلعة استهلاكية، فتنخفض الأرباح التي يدرها المنتج بشكل عام- بما في ذلك بالنسبة لها. ربما تسيطر الشركات الصينية على قطاع الألواح الشمسية، لكن المنافسة في السوق شديدة إلى حد أن شركات قليلة فقط تحصد أي أرباح تُذكر. وربما تتصدر الصين كذلك قطاع السكك الحديدية عالية السرعة، لكنها حققت هذا الإنجاز عبر إلزامها الشركات الأجنبية بتسليم التقنيات الحساسة إلى منافسين محتملين، مما أثار استياء العديد من الشركاء الأجانب. وما زال عدد كبير من الشركات الصينية الرائدة يعتمد بشكل حيوي على التقنيات الأميركية. وبعبارات أخرى، لم يتحد التخطيط المركزي الصيني مركز الثقل الاقتصادي ولم يثبت بأن الحكومة تعرف أكثر من السوق. وفي الصين فرق معبر بين الشركات المُصنفة رسمياً بأنها جزء من نظام الدولة وتلك التي أسسها رواد الأعمال: فالشركات المملوكة للدولة، مثل كوماك وشركة الصين للاتصالات المحدودة (تشاينا تلكوم China Telecom) وشركة البترول والكيماويات الصينية (سينوبك Sinopec)، ليست أكثر الشركات تنافسية على الصعيد العالمي. أما الشركات الصينية الناجحة من قبيل بايت دانس (ByteDance الشركة التي أسست تيك توك) ودي جي آي (DJI وهي شركة كبيرة تصنع طائرات مسيرة للمستهلكين)، فقد نمت وتطورت حول القطاع الحكومي وليس من خلاله. والشركات المملوكة للدولة معزولة عن المنافسة الحقيقية في السوق، وتتعامل مع نظيراتها من شركات خاصة بغيرة، وحتى أنها تستخدم سلطة الدولة أحياناً لكي تقضي عليها. وفي أغلب الأحيان، ينتج الاعتماد على الإنفاق الحكومي شركات كسولة [متخاذلة] تعيش على الدعم المالي بدل أن يؤدي إلى استفادة الشركات الخاصة من مساعدة الدولة. صحيحٌ أن السياسات الصناعية الصينية أحرزت بعض النجاحات. فالصين اليوم سوق ضخمة فيها عدد متزايد من الشركات النشيطة. وتدرب قاعدة التصنيع الكبيرة الكثير من العمال على إنتاج تقنيات معقدة. سهلت ضخامة حجم الصين إرساء بنية تحتية تنافسية للمشتريات الحكومية، مما سرع حصول بعض التطورات التكنولوجية القوية، كما حصل مثلاً في مجال الطاقة الشمسية. لكن هذه السياسات لم تدفع بالصين إلى موقع الصدارة في التقنيات الأساسية مثل شبه الموصلات- ولم تضطلع الحكومة بأي دور يُذكر في الانجازات المباشرة التي حققتها كبرى الشركات التكنولوجية الصينية. فالشركات الخاصة العملاقة على الانترنت، بايت دانس وعلي بابا (Alibaba) وتنسنت (Tencent) هي الشركات الوحيدة القادرة على اعتبار نفسها متساوية مع نظيراتها في سيليكون فالي. وفي قطاع معدات الحاسوب، تعد الشركات الريادية مثل “دي جي آي” و”هواوي” و”لينوفو” (Lenovo) الشركات الصينية الوحيدة التي تطور منتجات استهلاكية متطورة وحديثة. أكثر من اللازم؟ لم يحل ضعف التخطيط المركزي الصيني دون أن تطلق خطة “صُنع في الصين 2025″ناقوس الخطر في واشنطن. وفي الأسبوع الأخير من رئاسة باراك أوباما، أطلق البيت الأبيض خطةً للدفاع عن تصدر الولايات المتحدة قطاع شبه الموصلات. وحين استلم دونالد ترمب الرئاسة، كانت الرغبة قد تشكلت لدى الحزبين الرئيسيين لمجابهة الممارسات التجارية الصينية الافتراسية. وتُعتبر العديد من الخطوات الأولى التي اتخذتها إدارة ترمب في هذا الإطار منطقية. فالصين تفرض على الشركات المحلية أن تستثمر في مؤسسات تجارية خارجية لكي تكتسب التكنولوجيا التي تنقصها في الداخل وهي سياسة أثارت مخاوف من أن يؤدي الأمر في نهاية المطاف إلى حيازة الصين أجزاء كبيرة من قطاع التكنولوجيا الأميركي. وبعد إقدام مجموعة “تسنغهوا يونيغروب” (Tsinghua Unigroup)، وهي شركة تملكها الدولة تصنع شبه الموصلات، على محاولة مكشوفة في عام 2015 لشراء شركة “مايكرون تكنولوجي” (Micron Technology)، وهي آخر شركة أميركية تصنع شرائح الذاكرة [الإلكترونية]، ردت إدارة ترمب في عام 2018 بتشديد طريقة مراجعتها [تقييم] للاستثمار الخارجي في الشركات المحلية. ومنح الكونغرس والبيت الأبيض لجنة الاستثمارات الخارجية في الولايات المتحدة صلاحيات جديدة لعرقلة الاستثمارات الخارجية في شركات التكنولوجيا الحساسة. كما خصصت وزارة العدل موارد إضافية لمحاكمة سرقة الأسرار التجارية. وفصل مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة الممارسات التجارية الصينية غير العادلة ووضع الأساس القانوني لفرض تعريفات جمركية على بعض المنتجات الصينية التي حددتها خطة الصين 2025. تعمل الدولة الصينية والشركات الرائدة في البلاد يداً بيد لكي لا تبقى أي شركة صينية تحت رحمة السياسات التجارية الأميركية لو توقفت إدارة ترمب عند هذا الحد، لكان رد فعلها خطة مناسبة لحماية الشركات الأميركية من الممارسات الصينية الافتراسية. لكنها تخطت هذا الحد كثيراً وأنشأت نظاماً موسعاً للسيطرة على الصادرات حول هيمنة الولايات المتحدة على التكنولوجيا مثل شبه الموصلات إلى سلاح هدفه شل الشركات الصينية. ولأن هذه العقوبات حرمت الشركات الصينية من قدرة الوصول إلى المكونات الأميركية الصنع، فقد شكلت تهديداً على استمرارية هذه الشركات حتى داخل سوقها المحلية. حين منعت إدارة ترمب بيع قطع حيوية مصنوعة في الولايات المتحدة لشركة الاتصالات الصينية “زي تي إي” (ZTE)، مثلاً، أدى ذلك إلى انهيار عمل الشركة. وقد تصرفت بالطريقة نفسها مع شركة “فوجيان جينهوا” (Fujian Jinhua)، التي كانت حينها الشركة الرائدة في صناعة شرائح الذاكرة في الصين، وانهار عملها هي الأخرى. ووصلت “إراقة الدماء” [التصعيد] إلى ذروتها في الأيام الأخيرة لرئاسة ترمب. بحلول ذلك الوقت، كانت وزارة التجارة الأميركية قد أضافت الشركات الصينية “دي جي آي”، و”هيك فيجن” (Hikvision وهي شركة أجهزة فيديو أمنية)، و”هواوي”، و”الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات” (SMIC) إلى قائمة الكيانات التي قامت بتقييد إمكانية وصولها إلى التكنولوجيا الأميركية، سواء لأسباب ترتبط بالأمن القومي أو بالسياسة الخارجية. كما أعلن البيت الأبيض عن وضع أوامر تنفيذية هدفها حظر “تيك توك” (TikTok) و”وي تشات” (WeChat) في الولايات المتحدة، لكن لغة الأوامر كانت فضفاضة لدرجة أنها ربما كانت لتمنع أي شخص أو شركة أميركية من التواصل مع شركاتهم الأم. وخص البيت الأبيض شركة هواوي بأشرس الهجمات. فكتبت وزارة التجارة قانوناً معقداً للغاية لـ”هواوي” وحدها، مشددة على حقها في تطبيق الحظر على كافة المكونات التي تُباع للشركة إن كانت تستند إلى تقنيات أميركية، حتى وإن صنعتها شركات أجنبية في الخارج. منع هذا الحظر “هواوي” من العمل ليس مع الشركات الأميركية فحسب، بل أيضاً مع العديد من البائعين الصينيين والتايوانيين والأوروبيين الذين تتعامل معهم، فأصبح وضعها غير مستقر. والشركة عاجزة اليوم عن الحصول على مكونات جديدة وقد اضطرت للاعتماد على مخزونها المتناقص للاستمرار بعملها. أما مبيعات هواتف “هواوي” الذكية فتنهار، وإزاء ذلك، تحولت الشركة نحو أعمال تتطلب تقنيات منخفضة وأرباحها أقل، مثل قطع غيار السيارات وتقنيات مزارع الأسماك. اتحاد غير متوقع راقبت بكين بغضب قيام إدارة ترمب تباعاً بتصنيف شركاتها كمخاطر على الأمن القومي وفرضها قيوداً مشددة عليها. وتعهدت وزارة الخارجية الصينية مرة تلو الأخرى باتخاذ “كافة الإجراءات المضادة اللازمة” فيما توعدت الوسيلة الإعلامية القومية “ذا غلوبال تايمز” (The Global Times) بالرد عبر الاقتصاص من شركات “أبل” (Apple) و”بوينغ” (Boeing) و”سيسكو” (Cisco) و”كوالكوم” (Qualcomm). لكن بكين لم تقرن خطابها الشرس [اللاذع] بالفعل. بل في الحقيقة، وبدل أن تتعامل مع “أبل” بالطريقة نفسها التي تعاملت فيها الحكومة الأميركية مع “هواوي”، استمرت الحكومة الصينية إجمالاً بمعاملة الشركات الأجنبية بترحيب وحرارة. مُنحت “تيسلا” (Tesla) مثلاً، رخصة غير مسبوقة لإنشاء مصنعٍ لصناعة السيارات مملوك لها بالكامل في شنغهاي. ومن الواضح لماذا ترغب بكين بالحفاظ على علاقات جيدة مع الشركات الأميركية: فهي من أكبر المشغلين في الصين، وتستمر بتوفير تكنولوجيا حيوية، وهي تشكل قوة اعتدال في مواجهة تشدد الحكومة الأميركية. وفي الوقت نفسه، تدفع بكين بقوة باتجاه الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا. وقد تكلم كبار المسؤولين ومنهم الرئيس شي جينبينغ عن أهمية تحسين “الابتكار المحلي” والسيطرة على “التقنيات التي تعتبر نقاط ضغط” عليها [نقاط ضعفها]. وقد حدد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي لعام 2020، وهو اجتماع سنوي يضع جدول الأعمال الوطني للاقتصاد الصيني، التقدم في مجال العلوم والتطور في مجال التكنولوجيا باعتبارهما أهم أولويتين اقتصاديتين لعام 2021- ولم تُناقش أي من النقطتين بشكل منفصل في هذا المنتدى في السابق، فما بالك بأن تحتل المرتبة الأولى والصدارة. ومن شبه المؤكد أن الخطوة التالية ستكون زيادة التمويل الحكومي- أكثر بكثير من الـ5إلى 6 مليارات دولار التي أُنفقت على صُنع في الصين 2025. وللمرة الأولى، باتت جهود القطاع الخاص تضاهي اندفاع الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي تكنولوجياً، وكله بفضل القيود التجارية الأميركية. استفادت الشركات الريادية الصينية أحياناً من سخاء الدولة وحمايتها، لكنها عملت كذلك على البقاء على مسافة منها. فلكي تستطيع التنافس عالمياً بحق، قررت شركات مثل “هواوي” و”علي بابا” أنها بحاجة لاستخدام أفضل المكونات المتوافرة في السوق، والعديد منها مصنوعة في الولايات المتحدة. وتعتمد شركات التكنولوجيا الصينية الرائدة على التقنيات الأميركية لكي يتسنى لها بيع بعض أفضل الهواتف الذكية والحواسيب، وخدمات الانترنت في العالم. ويستخدم هاتف هواوي مثلاً مُعالجاً صيني التصميم، لكنه يستخدم كذلك قطعاً أميركية بكميات مماثلة لـ”آيفون”. لو اتبعت هواوي توجيهات الحكومة بشراء القطع المحلية الصنع، لما أصبحت عملاقة كما هي اليوم، ولما كانت معاناتها ستبلغ هذا الحد الذي بلغته الآن جراء القيود التجارية الأميركية. لكن الشركات الريادية الكبرى ما عادت قادرة على تجاهل أوامر الدولة بشراء منتجاتها من السوق المحلية. فتعزيز إجراءات ضبط الصادرات الأميركية قد اتخذ هذا القرار نيابة عنها، ووحد الحكومة الصينية وشركاتها الرائدة وراء هدف مشترك: السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي على الصعيد التكنولوجي والصناعي لكي لا تعود أي شركة صينية تحت رحمة السياسات التجارية الأميركية. بتقييدها إمكانية الحصول على المنتجات الأميركية، أسهمت الحكومة الأميركية من دون قصدها على نحو أكبر مما يمكن أن تفعله أي توجيهات حزبية، في تحفيز الاستثمار الخاص في بيئة التكنولوجيا المحلية الصينية. إن واشنطن محقة في استهداف الشركات الصينية التي يبدو من الواضح أنها أطراف عسكرية فاعلة أو متواطئة في انتهاكات حقوق الإنسان. لكن الشمولية التي اتسمت بها عقوبات إدارة ترمب لم تعطِ أي مؤشر إلى وجود عملية اختيار دقيقة. بل أعطت الانطباع بأن الولايات المتحدة مستعدة لمعاقبة أي شركة صينية تحقق نجاحاً. وما عادت الشركات الصينية تثق بإمكانية اعتمادها على المنتجات الأميركية- وما عادت متأكدة من أنها لن تُضاف إلى قائمة حظر حكومية مبهمة جديدة وتتعرض لاحتمال الانهيار. وقد شجعت الرقابة الأميركية على التصدير بالفعل شركات أجنبية أخرى على استغلال القلق الذي ولدته العقوبات الأميركية عبر الترويج لنفسها باعتبارها بائعاً موثوقاً أكثر. كما خلقت كذلك حافزاً عكسياً لدى بعض الشركات الأميركية لكي تنقل إنتاجها إلى الخارج، بغية الحفاظ على قدرة نفاذها إلى السوق الصينية الضخمة. ساحة في شانغهاي، الصين، مايو 2020 (ألي سونغ، رويترز) شعر كثيرون في الصين بإهانة بالغة إزاء العقوبات الأميركية على الشركات التكنولوجية الصينية، لا سيما نظراً للمعايير العشوائية التي ارتكزت إليها والآثار الشديدة التي خلفتها. وقد درس العديد من المهندسين العاملين في الشركات الكبرى، “بايت دانس” و”دي جاي آي” و”هواوي”، في الولايات المتحدة كما عملوا فيها، وقد صعقتهم المزاعم القائلة بأن عملهم يشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي. كما شعر المسؤولون الصينيون بالحيرة أمام تصريحات البنتاغون بأن شركة الإلكترونيات الصينية “شاومي” (Xiaomi) تربطها علاقات بالجيش؛ ومزح البعض بأن سبب استهداف الأميركيين لشاومي هو أن كتابة اسم مؤسس الشركة، لي جون، تتضمن رمز كلمة “جندي” باللغة الصينية. والآن ومع صعوبة توافر هواتف “هواوي” في السوق، بات كل مستهلك في الصين يعلم أن الآثار الموجعة للعقوبات الأميركية بدأت بالظهور. ليس من المستغرب أن ترى هذه الأيام أشخاصاً في قطار الأنفاق في بكين يشاهدون فيديوهات تفسر لهم سلسلة إمداد شبه الموصلات. هذه المرة مختلفة اختبرت الصين “لحظة سبوتنيك” فعلية حين أدركت أنه لا يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة لإمدادها بالتكنولوجيا- وأنه عليها صناعة بدائل محلية. غضبت واشنطن من طموح بكين في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال شبه الموصلات ثم قامت بمعاقبة الشركات الصينية التي اعتمدت بسذاجة على التكنولوجيا الأميركية. والآن تواجه الشركات الأميركية تساؤلات مزعجة بشأن إمكانية الاعتماد عليها كمورد موثوق. فعلى الرغم من كل الشكاوى المحيطة بمحاولة الرئيس الصيني شي جينبينغ الحض على “الانفصال الهجومي”، ها هي الولايات المتحدة، وليس الصين، تُلزم الشركات الصينية التخلي عن المنتجات الأميركية- وقد باتت هذه الشركات الآن تسعى بقوة لتحقيق الاكتفاء الذاتي المحلي. سوف يسرع تضافر جهود الحكومة الصينية وقطاع الصناعة المبتكرة مسيرة التقدم التكنولوجي في البلاد. ففي ستينيات القرن الماضي، طُورت الدوائر المتكاملة عندما كانت الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) على استعداد أن تدفع أغلى الأثمان لاقتناء التكنولوجيا القادرة على إرسال رواد الفضاء إلى القمر وإعادتهم إلى الأرض سالمين. واليوم، تضع الحكومة الأميركية هواوي في موقع ناسا: منظمة ثرية مستعدة أن تدفع مقابل حصولها على المكونات الحيوية، بناءً على الأداء وليس التكلفة. وصارت الآن الشركات الصينية الصغيرة التي لم تكن سابقاً تملك أي فرصة لكي تبيع إلى “هواوي”، مرغوبةً باعتبارها موردة، وتُضخ فيها الأموال والخبرات التقنية التي ستسرع من نموها. كما تضاعف شركات تصنيع الشرائح، سواء الخاصة أو المملوكة للدولة، من عملياتها. وأخذت الصناعات التي كانت منعزلة عن بعضها البعض في السابق، بالتعاون حالياً في خدمة الابتكار التكنولوجي: بدأت الأكاديمية الصينية للعلوم مثلاً بتنسيق عقد جلسات دورية تجمع أساتذة العلوم بالشركات الخاصة. وتقوم الصين حالياً بجهد يشمل المجتمع بأسره من أجل تحسين التكنولوجيا المحلية، لا سيما في تلك المجالات التي يعتقد القادة الصينيون أنها لن تحرك عجلة النمو الاقتصادي فحسب، بل ستزيد من قوة البلاد الجيوسياسية. سوف تمتد آثار النجاح التكنولوجي الصيني إلى ما وراء الصين هل يكفي كل هذا لكي تنجح السياسة الصناعية الصينية هذه المرة؟ بعد عقد من الآن، من المرجح أن تكون الإنجازات التكنولوجية التي حققتها الصين في ظل نظام القيود الأميركية على التصدير أكبر من تلك التي كانت لتحققها لو لم تُرغم الولايات المتحدة الشركات الصينية الرائدة على الشراء من الشركات المحلية الضعيفة. ولو طبقت الولايات المتحدة إصلاحات ضرورية إنما مدروسة- تعزيز نفوذ لجنة الاستثمارات الخارجية في الولايات المتحدة ومحاكمة سرقة الملكية الفكرية- وتوقفت عند هذا الحد، كانت خطة صُنع في الصين 2025 لتتبع المسار التقليدي للأمور، حيث تتولى الشركات غير الكفوءة التي تملكها الدولة والوزارات الحكومية زمام الأمور، بدل الشركات التكنولوجية الابتكارية. لكن هذه المرة مختلفة. صحيحٌ أن أمام الصين عقبات تكنولوجية كبيرة عليها أن تتخطاها، ومنها ضعف الأبحاث الأساسية والالتباس في إجراءات حماية الملكية الفكرية، والمبالغة في التدخلات البيروقراطية. لكن لا يمكن للولايات المتحدة الافتراض بأن الشركات الصينية الرائدة ستبقى مهزومة للأبد: إذ تسارع الشركات من أجل تلبية الطلبات التي ما عاد الشركات الأميركية قادرة على تلبيتها. وليس على الشركات الصينية العمل من الصفر سوى في بعض مجالات الابتكار لأن العديد منها يعمل ببساطة على إعادة إنتاج تكنولوجيا موجودة بالفعل. ولا يمكن لأي قيود أميركية أن تغير واقع كون الصين سوقاً ضخمة مليئة بالمواهب الريادية والخبرات التقنية. سوف تتخطى آثار النجاح التكنولوجي الصيني حدود الصين. ومن الناحية الأولى، سوف تترك بصمتها على شكل السياسة الأميركية. عندما يقل اعتماد بكين على المنتجات الأميركية، سيقل خوفها من الانتقام من الشركات الأميركية، وستتمتع بالتالي بحرية الرد على ما قد تعتبره هجوماً عليها. ومن ناحية الثانية، سوف تغير الهيمنة التكنولوجية حسابات القيادة الصينية بشأن تايوان. تدرك بكين أن أي اجتياح مسلح للجزيرة سيؤدي إلى فرض عقوبات أميركية تلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد الصيني. أما إن زاد اعتمادها على نفسها، فسيقلل ذلك من خطر هذه العقوبات ويزيل أحد عوامل الردع ضد العمل العسكري. ولن تكون التبعات الاقتصادية للهيمنة التكنولوجية الصينية على الولايات المتحدة أقل أهمية. ظلت الشركات الأميركية بشكل عام متقدمةً على منافستها الصينية. لكنها قد تتأخر عنها مع تراجع حجم مبيعاتها واندفاع الصين بشكل أقوى لكي تحل مكانها. لو استطاعت الصين أن تسيطر على إنتاج شبه الموصلات بالطريقة نفسها التي سيطرت فيها على الألواح الشمسية، ستخسر الولايات المتحدة عندها آخر حلقة في سلسلة صناعاتها الثمينة مع تحول المنتجات إلى سلع للاستهلاك واختفاء الأرباح. ما عاد أي جهد تبذله الحكومة الأميركية في هذه المرحلة قادراً على ردع الدولة الصينية من السعي إلى بلوغ هدفها الرامي الى تحقيق الاكتفاء الذاتي. لكن ما زال أمام واشنطن فرصةً لتغيير حسابات الشركات التكنولوجية الصينية الخاصة. إذ تفضل العديد منها ألا تضطر إلى إعادة إنتاج أدواتها من الصفر وإيجاد موردين جدد، ومن الأرجح أنها ستستمر باستخدام التكنولوجيا الأميركية لو سنحت لها الفرصة. بالتالي، على الولايات المتحدة التراجع عن أشد القيود عقاباً على قطاع التكنولوجيا الصيني، إن لم ترغب بإرغام بعض أكثر الشركات ابتكاراً في العالم على العمل ضمن بيئتها التكنولوجية المحلية. فالأمر يتعلق بالمركز العالمي المستقبلي للابتكار التكنولوجي: على واشنطن أن تكون أعقل من أن تحفز أكبر منافسيها. دان وانغ محلل في الشأن التكنولوجي لدى “غافيكال دراغونوميكس” (Gavekal Dragonomics) ومقره في شانغهاي. مترجم من فورين أفيرز، يوليو (تموز) 2021 المزيد عن: الصين\إدارة دونالد ترمب\جو بايدن\التقدم التكنولوجي\الحرب التجارية\فورين أفيرز\اخترنا لكم 66 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عودة سيطرة “طالبان” تعتبر “نهاية العالم” بالنسبة لأفغانيات next post إسرائيل وحماس تدرسان خياراتهما في غزة You may also like ديون 25 عاماً من الأسئلة العراقية 26 ديسمبر، 2024 إيران في ربع قرن… صراع «الثورة» والدولة 26 ديسمبر، 2024 زمن ميلاد المسيح ومكانه… جدل إلى الأبد 26 ديسمبر، 2024 لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟ 22 ديسمبر، 2024 “الرواية الكاملة” لهروب الأسد “المرتبك”… و”مفاجأة” الشرع 20 ديسمبر، 2024 “المجلة” تنشر وثائق عن رسائل من إسرائيل إلى... 17 ديسمبر، 2024 تجربة “سوريا الفيدرالية” التي لم تعش طويلا 16 ديسمبر، 2024 قصة أول قائدة طائرات مغربية التي قتلت برصاص... 15 ديسمبر، 2024 كيف يشكل التنوع الطائفي والعرقي الهوية السورية؟ 15 ديسمبر، 2024 من الستينيات إلى اليوم.. كيف جسدت السينما الفلسطينية... 13 ديسمبر، 2024 66 comments 대구op 주소변경 17 أغسطس، 2021 - 4:04 م It’s an awesome post in favor of all the internet viewers; they will take benefit from it I am sure. Reply JeffreyTuh 17 أغسطس، 2021 - 4:07 م “Everything is very open with a clear clarification of the challenges. It was really informative. Your website is extremely helpful. Many thanks for sharing!” http://cruzbxtmh.blogocial.com/The-2-Minute-Rule-for–36325354 Reply death cause 17 أغسطس، 2021 - 4:07 م Great goods from you, man. I’ve understand your stuff previous to and you’re just extremely magnificent. I really like what you’ve acquired here, certainly like what you are stating and the way in which you say it. You make it enjoyable and you still take care of to keep it wise. I can not wait to read far more from you. This is really a tremendous site. Reply Bebak Post English 17 أغسطس، 2021 - 4:15 م It is not my first time to pay a visit this web page, i am browsing this web site dailly and take fastidious data from here every day. Reply 대구키방 사이트 17 أغسطس، 2021 - 4:35 م My partner and I stumbled over here different web address and thought I might check things out. I like what I see so now i am following you. Look forward to looking at your web page again. Reply fandangonow.com/activate 17 أغسطس، 2021 - 4:38 م hello!,I like your writing very a lot! percentage we be in contact more about your post on AOL? I require a specialist in this house to resolve my problem. May be that is you! Looking ahead to peer you. Reply 안마 17 أغسطس، 2021 - 4:57 م Hi there, You’ve done a great job. I’ll definitely digg it and personally recommend to my friends. I am confident they will be benefited from this web site. Reply judi poker terpercaya 17 أغسطس، 2021 - 5:04 م Now I am ready to do my breakfast, after having my breakfast coming again to read more news. Reply 메이저사이트 17 أغسطس، 2021 - 5:05 م I all the time used to study piece of writing in news papers but now as I am a user of internet thus from now I am using net for articles, thanks to web. Reply 대구오피 사이트주소 17 أغسطس، 2021 - 5:12 م Hmm it appears like your blog ate my first comment (it was super long) so I guess I’ll just sum it up what I had written and say, I’m thoroughly enjoying your blog. I too am an aspiring blog blogger but I’m still new to everything. Do you have any suggestions for rookie blog writers? I’d certainly appreciate it. Reply fun88asia 17 أغسطس، 2021 - 5:13 م Hello there, There’s no doubt that your site could be having browser compatibility problems. Whenever I look at your blog in Safari, it looks fine however, if opening in Internet Explorer, it’s got some overlapping issues. I merely wanted to give you a quick heads up! Apart from that, excellent site! Reply เว็บหวย 17 أغسطس، 2021 - 5:13 م Hey! Do you know if they make any plugins to protect against hackers? I’m kinda paranoid about losing everything I’ve worked hard on. Any tips? Reply 강남셔츠룸영업 17 أغسطس، 2021 - 5:19 م Hi there! I could have sworn I’ve been to this website before but after reading through some of the post I realized it’s new to me. Anyhow, I’m definitely glad I found it and I’ll be bookmarking and checking back frequently! Reply idn poker slot official website 17 أغسطس، 2021 - 5:19 م Simply want to say your article is as astounding. The clarity in your publish is simply excellent and that i can suppose you’re a professional in this subject. Well along with your permission let me to clutch your RSS feed to stay updated with drawing close post. Thank you a million and please carry on the enjoyable work. Reply 강남룸전화번호 17 أغسطس، 2021 - 5:21 م Yes! Finally someone writes about 강남룸. Reply 익산오피 17 أغسطس، 2021 - 5:23 م I do not know whether it’s just me or if perhaps everyone else experiencing problems with your site. It looks like some of the text on your content are running off the screen. Can somebody else please comment and let me know if this is happening to them too? This may be a issue with my web browser because I’ve had this happen before. Appreciate it Reply خرید لایک اینستاگرام تضمینی 17 أغسطس، 2021 - 5:24 م Thanks designed for sharing such a fastidious opinion, post iss nice, hats why i hhave read it fully Reply Website source 17 أغسطس، 2021 - 5:33 م This is very interesting, You are a very skilled blogger. I have joined your rss feed and look forward to seeking more of your wonderful post. Also, I’ve shared your site in my social networks! Reply หลั่งข้างนอกรับรองปลอดภัยร้อยเปอร์เซ็นต์ 17 أغسطس، 2021 - 5:53 م It’s hard to come by well-informed people for this topic, however, you seem like you know what you’re talking about! Thanks Reply DiedraLal 17 أغسطس، 2021 - 6:05 م modafinil 200mg modafinil 100mg modalert vs modvigil Reply 대구키방 접속안내 17 أغسطس، 2021 - 6:09 م Thanks for sharing your thoughts on 대밤. Regards Reply หนังhd 17 أغسطس، 2021 - 6:25 م Very rapidly this site will be famous among all blog users, due to it’s nice posts Reply sbobet 17 أغسطس، 2021 - 6:40 م I could not resist commenting. Perfectly written! Reply trusted binary options platforms 17 أغسطس، 2021 - 6:43 م What’s up everyone, it’s my first pay a visit at this web site, and post is really fruitful in support of me, keep up posting these types of articles. Reply higherlogicdownload.s3.amazonaws.com 17 أغسطس، 2021 - 6:47 م I really love your blog.. Very nice colors & theme. Did you build this site yourself? Please reply back as I’m looking to create my own personal blog and want to learn where you got this from or just what the theme is called. Many thanks! Reply baby girl 17 أغسطس، 2021 - 6:51 م Saged as a favorite, I really like your web site! Reply 대구출장 사이트 17 أغسطس، 2021 - 6:56 م I go to see every day a few blogs and websites to read content, except this webpage offers feature based content. Reply iptv smarters firestick 17 أغسطس، 2021 - 7:02 م It is the best time to make a few plans for the longer term and it’s time to be happy. I have learn this publish and if I may I desire to recommend you some attention-grabbing issues or advice. Maybe you could write subsequent articles referring to this article. I wish to read more issues about it! Reply [url=http://abudabibinary-option-trade.forexde.info]إشارات فوركس للخيارات الثنائية[/url] 17 أغسطس، 2021 - 7:04 م Hi, Neat post. There is an issue along with your site in web explorer, may test this? IE nonetheless is the marketplace leader and a good component to other folks will leave out your excellent writing because of this problem. Reply 대구건마 트위터 17 أغسطس، 2021 - 7:13 م I think this is one of the most important info for me. And i am glad reading your article. But should remark on few general things, The web site style is ideal, the articles is really nice : D. Good job, cheers Reply 대구밤문화주소 17 أغسطس، 2021 - 7:22 م Howdy just wanted to give you a quick heads up. The text in your post seem to be running off the screen in Internet explorer. I’m not sure if this is a format issue or something to do with web browser compatibility but I thought I’d post to let you know. The design and style look great though! Hope you get the issue resolved soon. Thanks Reply 강남레깅스룸영업 17 أغسطس، 2021 - 7:22 م Your way of describing all in this paragraph is truly fastidious, every one be capable of simply know it, Thanks a lot. Reply 대구의밤 달리기 17 أغسطس، 2021 - 7:36 م Do you mind if I quote a couple of your posts as long as I provide credit and sources back to your weblog? My blog site is in the very same area of interest as yours and my users would certainly benefit from some of the information you present here. Please let me know if this ok with you. Cheers! Reply 대구건마 안내 17 أغسطس، 2021 - 7:46 م I enjoy reading through an article that can make men and women think. Also, thank you for allowing for me to comment! Reply 스포츠중계 17 أغسطس، 2021 - 7:55 م Have you ever considered about including a little bit more than just your articles? I mean, what you say is important and everything. But imagine if you added some great images or videos to give your posts more, “pop”! Your content is excellent but with pics and videos, this site could definitely be one of the best in its field. Awesome blog! Reply ua49ru7300kxxv 17 أغسطس، 2021 - 7:57 م You really make it seem really easy together with your presentation but I in finding this topic to be really one thing that I believe I’d by no means understand. It kind of feels too complex and extremely vast for me. I am looking ahead on your next put up, I’ll try to get the cling of it! Reply 셔츠룸 17 أغسطس، 2021 - 7:57 م Good day! This post could not be written any better! Reading this post reminds me of my old room mate! He always kept chatting about this. I will forward this post to him. Fairly certain he will have a good read. Thanks for sharing! Reply judi bola online 17 أغسطس، 2021 - 8:32 م certainly like your web-site but you need to test the spelling on several of your posts. Several of them are rife with spelling issues and I to find it very bothersome to tell the reality on the other hand I’ll surely come again again. Reply 대구키스방 사이트주소 17 أغسطس، 2021 - 8:36 م You really make it seem so easy with your presentation but I find this matter to be really something which I think I would never understand. It seems too complicated and extremely broad for me. I’m looking forward for your next post, I will try to get the hang of it! Reply free titty fucking porno 17 أغسطس، 2021 - 8:49 م Wonderful site you have here but I was curious if you knew of any community forums that cover the same topics talked about in this article? I’d really like to be a part of online community where I can get comments from other experienced individuals that share the same interest. If you have any suggestions, please let me know. Thank you! Reply 대구키방 변경 17 أغسطس، 2021 - 8:53 م Quality articles is the key to invite the visitors to pay a visit the web page, that’s what this web page is providing. Reply 꽁머니사이트 17 أغسطس، 2021 - 9:14 م Hi, I do believe this is an excellent site. I stumbledupon it 😉 I may revisit once again since i have book-marked it. Money and freedom is the greatest way to change, may you be rich and continue to guide other people. Reply 대구키스방 정보안내 17 أغسطس، 2021 - 9:18 م May I simply say what a comfort to find somebody that genuinely understands what they are talking about on the internet. You certainly understand how to bring an issue to light and make it important. A lot more people must look at this and understand this side of your story. It’s surprising you are not more popular because you certainly possess the gift. Reply 토토갤러리 17 أغسطس، 2021 - 9:29 م I do trust all of the concepts you’ve offered on your post. They’re very convincing and can certainly work. Nonetheless, the posts are very short for newbies. May you please prolong them a bit from subsequent time? Thanks for the post. Reply 백링크 대행 17 أغسطس، 2021 - 9:32 م Hey! Do you know if they make any plugins to assist with SEO? I’m trying to get my blog to rank for some targeted keywords but I’m not seeing very good results. If you know of any please share. Thank you! Reply อย่าละเลยเรื่องของหน้าอกหน้าใจ 17 أغسطس، 2021 - 9:43 م After exploring a number of the articles on your blog, I truly appreciate your way of writing a blog. I added it to my bookmark site list and will be checking back in the near future. Please visit my web site too and let me know your opinion. Reply mortgage broker la 17 أغسطس، 2021 - 10:07 م Hello, I read your blog on a regular basis. Your humoristic style is witty, keep doing what you’re doing! Reply นาฬิกามือสอง 17 أغسطس، 2021 - 10:07 م I constantly spent my half an hour to read this web site’s content daily along with a cup of coffee. Reply 대구출장 바로가기 17 أغسطس، 2021 - 10:07 م Nice blog here! Also your site loads up very fast! What web host are you using? Can I get your affiliate link to your host? I wish my site loaded up as quickly as yours lol Reply Hollis 17 أغسطس، 2021 - 10:21 م Thank you for sharing your thoughts. I truly appreciate your efforts and I will be waiting for your further post thanks once again. Reply 대구주점 정보안내 17 أغسطس، 2021 - 10:38 م Heya! I just wanted to ask if you ever have any problems with hackers? My last blog (wordpress) was hacked and I ended up losing several weeks of hard work due to no back up. Do you have any solutions to protect against hackers? Reply SPERM BAG 17 أغسطس، 2021 - 10:46 م What’s up, constantly i used to check web site posts here in the early hours in the break of day, because i like to learn more and more. Reply jakrapp 17 أغسطس، 2021 - 10:51 م After exploring a handful of the blog posts on your web site, I honestly like your way of writing a blog. I saved it to my bookmark webpage list and will be checking back soon. Please visit my web site too and let me know how you feel. Reply obit, 17 أغسطس، 2021 - 10:53 م After checking out a handful of the blog posts on your site, I honestly like your way of writing a blog. I saved it to my bookmark website list and will be checking back in the near future. Please check out my web site too and let me know how you feel. Reply 비트코인믹싱 17 أغسطس، 2021 - 10:57 م Great blog! Do you have any hints for aspiring writers? I’m planning to start my own website soon but I’m a little lost on everything. Would you advise starting with a free platform like Wordpress or go for a paid option? There are so many choices out there that I’m totally overwhelmed .. Any recommendations? Thanks! Reply xem k cộng 17 أغسطس، 2021 - 10:59 م Hi mates, how is all, and what you wish for to say on the topic of this article, in my view its in fact awesome for me. Reply bitcoin profit 17 أغسطس، 2021 - 11:05 م The legitimacy of Bitcoin to great extent of this website is to. We may see one thing similar to credit score to the centrally controlled nature of Bitcoin as a commodity. Commodity and actual Bitcoin amount into your wallet or deposit some correct issues. FTX founder Sam Bankman-fried stated in a digital wallet is created digitally by means of a procedure called mining. Bankman-fried was among those kinds of actual cash into the sector may herald 28 billion. Consultants advocate keeping your crypto group to predict Ethereum may overtake Bitcoin as an extended-time period money maker. Feel free to rely other people’s money. Both way If you’d like to go into debt to obtain a buying and selling platform. Crypto is in your telephone and entry to monetary services platform blockfi to. Nutritional vitamins mineral green electricity from green sources relying on the actual crypto globe. To place our editorial crew impartial of a centralized crypto exchange firms are much less prone to. The mi-ning for you and feign which they’re being applied in the cryptocurrency. Not being a forex has been going on right now with the Bitcoin industry. Reply 대구키방 바로가기 17 أغسطس، 2021 - 11:29 م I have been exploring for a little bit for any high quality articles or blog posts on this kind of space . Exploring in Yahoo I finally stumbled upon this web site. Reading this information So i am glad to express that I’ve a very good uncanny feeling I came upon exactly what I needed. I such a lot unquestionably will make certain to do not overlook this web site and give it a look on a continuing basis. Reply ufaeasy 17 أغسطس، 2021 - 11:38 م I’m not sure where you are getting your info, but great topic. I needs to spend some time learning much more or understanding more. Thanks for great information I was looking for this information for my mission. Reply หวยออนไลน์ 17 أغسطس، 2021 - 11:45 م Heya i am for the first time here. I found this board and I to find It truly useful & it helped me out a lot. I am hoping to give something back and help others such as you aided me. Reply porn 17 أغسطس، 2021 - 11:47 م This website really has all the information and facts I wanted about this subject and didn’t know who to ask. Reply judi bola online 17 أغسطس، 2021 - 11:50 م Incredible! This blog looks just like my old one! It’s on a completely different subject but it has pretty much the same page layout and design. Outstanding choice of colors! Reply jasygallguify 18 أغسطس، 2021 - 1:11 ص Reply Bebak Post English 24 أغسطس، 2021 - 3:51 م It’s amazing for me to have a web site, which is helpful in support of my experience. thanks admin Reply Bebak Post English 17 سبتمبر، 2021 - 9:12 م Hi, I do think this is an excellent blog. I stumbledupon it 😉 I may return yet again since I book marked it. Money and freedom is the greatest way to change, may you be rich and continue to help others. Reply Bebak Post English 30 سبتمبر، 2021 - 9:04 م Hello, i read your blog from time to time and i own a similar one and i was just wondering if you get a lot of spam responses? If so how do you reduce it, any plugin or anything you can advise? I get so much lately it’s driving me insane so any assistance is very much appreciated. Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.