"المزرعة" (1923 – 1924) لخوان ميرو (موقع الفن الحديث) ثقافة و فنون هكذا انتقل خوان ميرو إلى التيار السوريالي من دون ضجيج by admin 7 أغسطس، 2024 written by admin 7 أغسطس، 2024 64 حول فنه جذرياً من حال إلى حال تحت تأثير رهط من جيرانه الشعراء والرسامين متمسكاً بجذوره اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب للوهلة الأولى إن تأمل متفرج في آن معاً لوحتين للفنان الإسباني خوان ميرو الذي كان يقيم ويمارس فنه طوال حياته في فرنسا على غرار معظم مواطنيه ولا سيما منهم فنانو الشمال الشرقي الإسباني، سيصعب عليه رصد الفروق بين تينك اللوحتين. ونتحدث هنا بالطبع عن لوحتين تعتبران الأشهر في نتاج ذلك الفنان الكبير: أولاهما “المزرعة” التي رسمها بين 1923 و1924 والثانية “الأرض المحروثة” التي أنجزها بين 1924 و1925. ولعل ما يمكننا اعتباره تتابعاً زمنياً بين اللوحتين لعب دوراً كبيراً في ذلك التشابه. غير أن هذا البعد الأخير سيبدو إن نحن تعمقنا في الأمر للوهلة الأولى فحسب. فالحقيقة أن اللوحتين المعلقتين اليوم أولاهما في واشنطن والثانية في نيويورك، أي أن الاثنتين في الولايات المتحدة الأميركية، تعكسان في المقارنة الحقيقية والمعمقة بينهما خط قطيعة أساسية في تاريخ ميرو الفني. وذلك حتى ولو أن سيرة حياته تقول لنا إنه ابتدأ يرسم “الأرض المحروثة” في الوقت نفسه الذي كان فيه يضع اللمسات الأخيرة على “المزرعة”. فما الحكاية بعد كل شيء؟ جيران لا أكثر الحكاية يمكن وصفها باختصار شديد بأنها مسألة جيرة لا أكثر. فعند بدايات عام 1924، أي العام الذي سيسجل في مدونات التاريخ الفني والثقافي الفرنسي والعالمي بأنه عام بدايات تكون التيار السوريالي على يدي أندريه بريتون ورفاقه، حدث لميرو أن انتقل ليعيش في شارع بلوميه بالدائرة الباريسية الخامسة عشرة (على بعد أمتار من الشقة التي يقطنها الآن كاتب هذه السطور!!). وهناك اكتشف لفرحه أن جاره الأقرب إليه في السكن لم يكن سوى الرسام أندريه ماسون الذي كان من أوائل الفنانين الذين انضموا منذ اللحظات الأولى إلى جماعة السورياليين، واكتشف إلى ذلك أن ماسون كان يقيم لقاءات أسبوعية وأحياناً يومية مع رهط من فناني وأدباء السوريالية كان بعضهم يسكن بدوره في الجوار وبعضهم الآخر يحضر السهرات واللقاءات آتياً من مناطق أخرى. وهكذا وجد ميرو نفسه سوريالياً من دون أن يقرر ذلك بصورة مسبقة. ووجد سورياليته قادرة على إبقائه على ارتباط وثيق بجذوره الكتالونية الإسبانية التي دائماً ما كان استلهمها في العناصر الأساسية ولا سيما التلوينية في فنه. ولقد كان فنه من الأصالة أنه لم يحقق نقلته التي جعلته سوريالياً انطلاقاً من تلك الجيرة وانغماسه فيها، إلا من ناحية التفسيرات التي طاولت فنه من دون أن تبدو تلك التفسيرات ذات مغزى عميق… أول الأمر في الأقل. فوارق جذرية؟ ويقيناً أن التأمل المعمق في الفوارق بين “المزرعة” و”الأرض المحروثة” وبصرف النظر عن الفرق الأساسي في المقاييس بين اللوحتين (123 سم ارتفاعاً للمزرعة مقابل عرض يصل إلى 141 سم وارتفاع 66 سم للثانية مقابل عرض لا يزيد على 94 سم) يدفع الناظر إلى اللوحتين ليلاحظ العناصر نفسها حاضرة في كل منهما بل لعل الناظر إليهما سيفاجأ بأن الموضوع واحد فيهما وكأن الرسام حاكى نفسه لسبب ما. لكن هذه النظرة بالغة البعد عن الصواب. فلئن كان مركز اللوحتين يتشكل من بيت ريفي محاط بما يبدو في الحالتين أرضاً مزروعة تمتلئ بنباتات وحيوانات معظمها أليف مما يوجد عادة في مزرعة ريفية في كل بيت، وعلى الطريقة الإسبانية الكتالونية في الحالتين، فإن الفوارق الأساسية تكمن ها هنا. ومن هنا لم يكن غريباً أن يعلق الشاعر الفرنسي لوي آراغون الذي كان حينها من أبكر من انضموا إلى السوريالية ومن زوار ميرو المواظبين وكذلك من أول الذين شاهدوا “الأرض المحروثة”، قائلاً في صددها بكل وضوح “إن الشاعرية في هذه اللوحة تفتح أمامي دروباً جديدة في تأمل الأعمال الفنية وتجعلني أغوص إلى أبعد من الرسم كثيراً”. إذاً بالنسبة إلى آراغون سجلت تلك اللوحة نفسها علاقة جديدة لم يعد في مقدورها أن تنفصم بين ما هو شاعري وما هو مرسوم. فالحقيقة أن تلك العناصر النباتية والحيوانية التي رسمها ميرو في “المزرعة” انطلاقاً من منطق يكاد يكون واقعياً على رغم انحناءات شكلية قد تلوح لنا اليوم مفتعلة، تحولت في اللوحة الجديدة – السوريالية الأولى في مسار ميرو الذي لن يتخلى عن سورياليته أبداً بعد ذلك، وسنقول بعد سطور لماذا نتحدث عنها بوصفها سورياليته الخاصة – تحولت إلى جزيئات من لغة سوريالية جديدة سرعان ما ستعم لدى العدد الأكبر من الفنانين السورياليين رسامين كانوا أو شعراء أو غير ذلك. ونعني بهذا أن ميرو الذي بدأ مسيرته الجديدة هذه في مثل هذه الأيام تماماً قبل 100 سنة يوماً بيوم، متأثراً بجيرانه السورياليين سرعان ما تحول ليصبح واحداً من كبار المؤثرين في الفنون السوريالية. ولكن ناقلاً معه في مسيرته عناصر إسبانية كثيرة ستصبح مذاك ولاحقاً من مكونات السوريالية اللغوية والتشكيلية. وهو ما لم يتمكن من فعله الإسبانيان الكبيران الآخران اللذان لعبا وبالتوازي دوراً كبيراً في تاريخ السوريالية، بابلو بيكاسو وسلفادور دالي، لكن هذا موضوع آخر بالطبع. “الأرض المحروثة” (1924 – 1925) (موقع الفن الحديث) الجذور الحاضرة بالنسبة إلينا هنا يبقى الموضوع الأساس خوان ميرو وكتالونيته الأصيلة تحديداً من خلال “الأرض المحروثة” وأكسسوارياً من خلال “المزرعة”. غير أن ما لا بد من التوقف عنده هنا هو واقع لم يفت كثراً من محللي فن ميرو أن يلفتوا النظر إليه، وهو أن في الإمكان دائماً اعتبار “الأرض المحروثة” عملاً انتقالياً في مسيرة الفنان التي زحفت وربما بصورة مباغتة نحو السوريالية، وذلك انطلاقاً من واقع كونها قد جمعت “على أية حال” بين نوع من الواقع المضمخ بالسوريالية وتجريدية مطلقة في السياق نفسه ستعبر عنها لوحة تالية لميرو نفسه هي “الأرض الكتالونية” التي رسمها مباشرة بعد “الأرض المحروثة”، وربما لرغبة منه في أن يوضح بصورة أكثر قوة انطلاقه “النهائي” في خوض الفن السوريالي، مما سيقوده لاحقاً إلى ذلك التجريد اللوني الخالص الذي سيطبع فنه مذاك وصاعداً ومن دون أن يبدو عليه وكأنه يخوض مغامرة فنية جديدة في حياته. فمقابل “الأرض المحروثة” التي تنشر مهما كان الأمر رائحة التربة الكتالونية وتنطلق من الطبيعة العائدة إلى منطقة الجذور تلك في إصرار من الفنان يمكن فهمه، ها هو الآن في اللوحة التي سماها وربما بصورة مفتعلة، “الأرض الكتالونية” مع أنها عرفت جماهيرياً باسم “الصياد” ها هو يكتفي من مسقط رأسه بأن جعل منه عنواناً للوحة وحسب. وهو هنا نقل إلى ذلك المكان الصحراوي الذي قد يكون جديراً بأن يكون مسرح رواية يان باتوفسكي “مخطوطة وجدت في سراغوسطة” كأرض رعب جرداء، عدداً كبيراً من العناصر والأدوات التي كان استخدمها في “الأرض المحروثة” منتشرة في المكان معلقة على الأشجار، مبدلاً في طريقه الحيوانات التي بدت هناك أقرب إلى الواقعية برخويات تكاد تشبه الرخويات المنتشرة في لوحات سلفادور دالي. تجريد كلي للسوريالية وعلى ذلك النحو تمكن ميرو من أن يجرد المشهد الذي به افتتح سورياليته بأن حوله إلى عناصر تشكيلية معلقة في اللازمان واللامكان. ومن هنا يمكننا القول إن “الأرض المحروثة” بدت في هذا السياق عملاً فنياً يستأنف من ناحية ما كان غير سوريالي على الإطلاق في “المزرعة” التي تبدو في كل الحسابات، الأكثر إسبانية وارتباطاً بالطبيعة والجذور الإسبانيتين – بل لنقل تحديداً، الكتالونيتين – سينطلق في بعد سوريالي لا شائبة فيه على رغم أنه كان لا يزال في حاجة إلى “تشذيب” ما في “الأرض المحروثة” ليصل إلى خوض التجريد السوريالي بصورة مطلقة وخالصة في “الأرض الكتالونية” حيث باتت حتى عنونة اللوحة نفسها جزءاً من تجريديتها السوريالية. وبقي أن نذكر أن خوان ميرو المولود في برشلونة نفسها في عام 1893، ليرحل بعد ذلك بـ90 عاماً تماماً عام 1989 في مايوركا الإسبانية عاش وعمل وحقق شهرته الواسعة في فرنسا متنقلاً بين باريس والجنوب الفرنسي، وهو الذي يعد دائماً من كبار فناني القرن الـ20. المزيد عن: خوان ميروالحركة السورياليةالفن التشكيليأندريه بريتون 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عبده وازن يكتب عن: رولان بارت يصف الرياضة بالعقد الإنساني ويهجو ثقافة العضلات next post كيف عززت إسرائيل آلة القتل الاصطناعية في حربها؟ You may also like المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024 فيلم “مدنية” يوثق دور الفن السوداني في استعادة... 21 نوفمبر، 2024 البلغة الغدامسية حرفة مهددة بالاندثار في ليبيا 21 نوفمبر، 2024 من هي إيزابيلا بيتون أشهر مؤثرات العصر الفيكتوري؟ 21 نوفمبر، 2024