الأربعاء, يناير 22, 2025
الأربعاء, يناير 22, 2025
Home » هكذا اخترقت الاستخبارات السوفياتية ترسانة وولويتش العسكرية بلندن

هكذا اخترقت الاستخبارات السوفياتية ترسانة وولويتش العسكرية بلندن

by admin

 

القصة الخفية وراء شبكة التجسس البريطانية “غلادينج” التي كانت تعمل من شقة غرب العاصمة وأسقطتها السيدة “إكس”

اندبندنت عربية / حامد الكناني كاتب وباحث @kananihamed

في الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2025 كشف الأرشيف الوطني البريطاني عن مجموعة من الملفات التي رفعت عنها السرية حديثاً، والتي تناولت أنشطة جهاز الأمن البريطاني (MI5)، المعروف دولياً باسم “المكتب الخامس” أو القسم الخامس ضمن هيئة الاستخبارات العسكرية البريطانية. ومن بين هذه الوثائق، برز ملف مصنف تحت الرمز (KV 2/4662)، يتناول تفاصيل كشف شبكة تجسس بريطانية كانت تعمل لمصلحة الاتحاد السوفياتي قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية. عُرفت هذه القضية حينها بـ”THE WOOLWICH ARSENAL CASE” وتعتبر واحدة من أبرز حالات التجسس في المملكة المتحدة، حيث كشفت عن شبكة معقدة تتبع الحزب الشيوعي البريطاني وتعمل لمصلحة الاستخبارات السوفياتية. 

كان بيرسي إيديد غلادينج، وهو شيوعي إنجليزي وناشط نقابي وأحد مؤسسي الحزب الشيوعي لبريطانيا العظمى (CPGB)، يدير شبكة تجسس خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وكان عملاء غلادينج في الترسانة العسكرية “وولوتش” يسحبون المخططات في المساء بعد انتهاء العمل، ثم تُسلم هذه المخططات إليه أو إلى عضو آخر في الشبكة تدعى السيدة برانديس، في بعض الحالات. وكانت المخططات تُنقل إلى شقة السيدة “إكس”، حيث تُصور وتعاد إلى مكانها في صباح اليوم التالي، من دون أن يلاحظ أحد.

وأقر إيلينز، الذي اعتُقل وكان مسؤولاً عن العمليات غير القانونية في الترسانة، أنه لم يكن ينفذ المخططات بنفسه، بل كان يعتمد على عملاء آخرين من الحزب. وأوضح أن هناك نسختين من المخططات الخاصة بخطوط الطاقة من مكتب الترسانة، وأنه إذا تُعرف إلى إحدى النسخ يمكن تحديد النسخة الأخرى بسهولة. كما ذكر إيلينز أن غيليبرت، وهو صحافي كان شقيقه نائباً لمكتب البريد في وولويتش، كان يحتفظ بالمخططات في أرشيف مكتب البريد حتى موعد تسليمها، وأشار أيضاً إلى استخدام طائرة جيبليكسيتين روسية لنقل المخططات من المملكة المتحدة.

التجسس والاستخبارات: قصة السيدة “إكس” وإسقاط غلادينج

تشير وثائق هذا الملف إلى أن البداية كانت عام 1931، حين اتصلت إدارة الاستخبارات العسكرية البريطانية بالسيدة “إكس”، وطلبت منها مراقبة بعض الأشخاص والحركات بشكل غير مباشر. وافقت السيدة “إكس” على المهمة مدفوعة بواجبها الوطني، إذ انضمت لاحقاً إلى شبكة “أصدقاء الاتحاد السوفياتي” التي يقودها بيرسي إيديد غلادينج، وهو شيوعي إنجليزي وناشط نقابي وأحد مؤسسي الحزب الشيوعي لبريطانيا العظمى (CPGB) .

خبر من صحيفة “ذا ستار” حول القبض عن شبكة التجسس عام 1938​

كانت هناك مؤشرات إلى أن الاستخبارات الروسية كانت تعمل على جمع معلومات التصنيع العسكري البريطاني لا سيما السعي إلى اختراق ترسانة وولويتش، وهو مصنع للذخيرة بُني في عام 1641 بمدينة لندن ويمتد على مساحة 1300 فدان تقريباً.

كان غلادينج على دراية بأن السيدة “إكس” كانت متخصصة في العمل الإداري ولديها مهارات سكرتارية عالية. في منتصف فبراير (شباط) 1937، وبعد معرفته بها لمدة خمسة أعوام، اقترح عليها أن تستأجر شقة تكون هي المالك الاسمي لها، ليمكن استخدامها للاجتماعات السرية. لم يكن لديها أية معرفة سابقة بمجال التصوير الفوتوغرافي، لكنه تحدث معها بصراحة عن العمل الذي كانوا منخرطين فيه بعد استجوابها من قبل بول هاردت، مما جعلها تدرك أنها جُندت من قبل جهاز الاستخبارات الروسي. ولا يُعرف كثير عن تفاصيل تجنيد غلادينج وشركائه، لكن يُعتقد أن غلادينج كان يشرف على تجنيد العملاء في منظمة “أرسنال”، تماماً كما فعل مع السيدة “إكس”.

وكما ظهرت في المحكمة لاحقاً، كانت “إكس” فتاة نحيفة ذات شعر أشقر، مرتدية ملابس سوداء وفراءً طويلاً منسدلاً على إحدى كتفيها، إضافة إلى قبعة سوداء أنيقة. أدلت بشهادتها في قضية التجسس لمصلحة الاتحاد السوفياتي، كاشفة عن أنشطة أحبطت خطط بيرسي إيديد غلادينج، الذي وُصف بأنه زعيم شبكة تجسس ضمت أربعة رجال.

أثارت شهادة “إكس” الدهشة عندما ظهرت كشاهدة درامية بعد تصريحات قدمها المدعي العام، الذي اتهم غلادينج وزملاءه بالخيانة لتحقيق مكاسب شخصية والعمل لمصلحة دولة أجنبية. وفي المحكمة طلب محامي الدفاع، الكشف عن هوية السيدة “إكس”، لكن المحكمة رفضت ذلك وقررت أن يُناقش الأمر لاحقاً في جلسة مغلقة. كما رُفضت الكفالة للرجال الأربعة خوفاً من هربهم خارج المملكة المتحدة.

تفاصيل تجنيد السيدة “إكس” 

في منتصف فبراير 1937، اقترح غلادينج على السيدة “إكس” استئجار شقة لتستخدمها الشبكة كقاعدة سرية، التي وافقت بعد استشارتها جهاز الأمن البريطاني، لتستأجر شقة في 22 طريق هولاند بارك بغرب لندن مقابل 100 جنيه إسترليني سنوياً، مدفوعاً من قبل غلادينج.

وفي أبريل (نيسان) 1937 زار غلادينج الشقة بصحبة ضابط الاستخبارات الروسية بول هاردت، المعروف باسم السيد بيترز. لم يُناقش أي شيء مهم في هذا الاجتماع الأول، لكن لاحقا طُلب من السيدة “إكس” تصوير وثائق سرية باستخدام كاميرا صغيرة تحت إشراف الحزب.

نشاطات مشبوهة وملاحظات مهمة

في إحدى الليالي زار غلادينج السيدة “إكس” وهو في حال سُكر، معترفاً بأنه لم يعد يعمل بشكل كبير لمصلحة الحزب، بل لخدمة جهات أخرى.

بحلول أغسطس (آب) 1937 أبلغ غلادينج السيدة “إكس” بأنها ستتلقى تعليمات محددة حول المهمات الجديدة. ومع استمرار العمليات أصبحت الشقة مركزاً لاجتماعات سرية ضمت شخصيات رئيسة من الشبكة، بما في ذلك رجال أُحضروا من الخارج لإتمام المهمات. وفي إحدى المحادثات أشار غلادينج إلى الأخطار التي تواجه الأفراد العاملين في الشبكة، موضحاً أن كثيراً منهم يعيشون وكأنهم “على بركان”، إذ لا يعود بعضهم إلى منازلهم فترات طويلة، إن عادوا على الإطلاق.

إحدى وثائق الأرشيف الوطني البريطاني

وفي الـ16 من سبتمبر (أيلول) 1937 زار رجل يُعرف باسم “السيد ستيفنز” شقة السيدة “إكس”. أوضح غلادينج أن “السيد ستيفنز” (بول هاردت) قد عاد إلى “الوطن”، وعُين بديل له، ثم أخبر غلادينج السيدة “إكس” أن زوجة “السيد ستيفنز” ستزور الشقة بعد شهر للقيام ببعض المهمات. وتُعرف إلى الزوجين لاحقاً كويلي وموريك براندس، وهما فرنسيان حصلا على جوازات سفر مزورة من خلال شبكة تجسس روسية تعمل بين كندا والولايات المتحدة.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1937 أبلغ غلادينج السيدة “إكس” عن خطط لشراء طاولة طعام طويلة، تُستخدم في تجهيز الصور مع الحفاظ على مظهرها كأثاث عادي. وصلت الطاولة في الـ16 من أكتوبر، وبعد يومين زار السيد والسيدة براندس الشقة، حيث تدربا لمدة ثلاث ساعات ونصف الساعة على استخدام جهاز نسخ “لايكا” للتصوير، إضافة إلى إجرائهما تجارب باستخدام خرائط من مترو أنفاق لندن.

التصوير الفوتوغرافي والجاسوسية: السيدة “إكس” في قلب شبكة غلادينج

في حين كانت السيدة براندس تعمل في مجال التصوير الفوتوغرافي منذ خمسة أعوام، فإنها كانت تعاني التوتر والهستيريا، مما أثار قلق غلادينج. وبسبب حالها العاطفية، وبخاصة وقوعها في حب براندس، تقرر إعادتها إلى وطنها، ونصح غلادينج السيدة “إكس” بأخذ دورة في التصوير الفوتوغرافي بسبب عدم كفاءة السيدة براندس، آملاً في تقليل اعتماده على الأجانب وتحسين كفاءة الفريق المحلي.

في الـ21 من أكتوبر 1937 زارت السيدة براندس الشقة حاملة مخططاً كبيراً مغلفاً في صحيفة، يتطلب تصويره على 42 لقطة منفصلة. صُوِّر بنجاح، وسلمت السيدة براندس المخططات لاحقاً إلى جورج هوماك في هايد بارك كورنر.

هوماك كان مهندس أسلحة يعمل لدى مفتش إدارة الذخائر البحرية في ترسانة وولويتش، وأثبت التحقيق أنه كان متعاطفاً مع الشيوعية. تسلم هوماك المخططات التي تضمنت تفاصيل لتركيب مدفع بحري، إذ كان توزيع هذه الوثائق محصوراً على خمس نسخ فقط، أُرسلت إلى شركات محددة مثل فيكرز ومصانع الأسلحة.

وفي الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 1937 أبلغ غلادينج السيدة “إكس” أن براندس وزوجته سيعودان إلى موسكو بسبب مرض ابنة براندس. بعد ذلك أُوقف العمل موقتاً حتى ما بعد عيد الميلاد. وخلال هذه الفترة، خطط غلادينج للاستمرار في تدريب السيدة “إكس” على التصوير الفوتوغرافي، بهدف تطوير العمل بصورة أكثر استقلالية.

بعد ذهاب براندس أصدر تعليمات إلى غلادينج بأن يظل على اتصال بجميع عملائه أثناء غيابه. وكان هذا الأمر مصدر قلق وانزعاج لغلادينج، إذ شعر أن ذلك قد يعرضه لأخطار غير ضرورية، إذ كان يرفض بشدة الاعتماد على الأجانب الذين يسيطرون عليه، ويرى أن كثيراً من الأشخاص الذين يتعامل معهم هم مجرد مرتزقة يبيعون المعلومات مقابل المال، مما جعل مهمة الاتصال بهم أكثر تعقيداً.

الأزمات المالية والصراعات الشخصية: القصة الخفية وراء شبكة غلادينج

في الـ12 من نوفمبر 1937، تلقى غلادينج رسالة من قيادة الحزب الشيوعي البريطاني، التي تذكره بأنه قد أبلغهم منذ أكثر من عام برغبته في إنهاء عضويته. وقد كتبوا له بعد ذلك لمحاولة إقناعه بالعدول عن قراره والانضمام مرة أخرى إلى الحزب، مع تقديم فرصة له للتواصل معهم.

تذكر الوثائق أنه في الـ23 من نوفمبر أخبر غلادينج السيدة “إكس” أنه سيتعين عليه تناول الغداء مع امرأة كان يكرهها، ووصفها بأنها امرأة رائعة حاولت جذب انتباهه بجمالها من دون جدوى. كانت هذه المرأة قد عملت في وظيفة واحدة فقط خلال خمسة أعوام، لكنها كانت على درجة من الأهمية، إذ كانت تعرف ما يكفي لتكون خطرة. اعتقدت السيدة “إكس” بشدة أن هذه المرأة كانت جانو بينيت جين ميد، على رغم أنه لم يكن من الممكن إثبات ذلك، وعلى رغم تأكيد أن جين بينيت كانت تعمل لمصلحة المنظمة نفسها كما فعلت ميلي باروخ.

وثيقة تتعلق بالشبكة من الأرشيف الوطني البريطاني

وفي الـ13 من يناير، أُخبرت السيدة “إكس” أن برانديس سيعود إلى المملكة المتحدة لمدة أسبوع تقريباً، إضافة إلى أن هناك رجلاً جديداً سيصل ليكون الرئيس الإداري للمنظمة. ومن هنا بدأ غلادينج يشعر بالقلق لأنه لم يكن لديه أية معلومات عن وصول هذا الرجل الجديد، كما كان يواجه صعوبة في توفير الأموال، وكان خائفاً من أن يؤدي التأخير الروسي إلى وضعه في موقف صعب. وفي الـ17 من يناير، ذكر أن أمواله قد نفدت تقريباً، وأنه إذا لم يحدث شيء في وقت قريب، فسيضطر إلى الاقتراض. وكان واضحاً من حديثه في ذلك الوقت أن طموحه كان السيطرة على الجانب التجاري للعمل بالكامل. والمفارقة التي تذكرها الوثائق أن غلادينغ كان لا يحب الروس شخصياً، وكان يرى أنهم غير ضروريين في هذا البلد بسبب طبيعتهم الأجنبية والإقامة غير القانونية تقريباً.

تفكيك شبكة التجسس في محطة تشيرينغ كروس

في الـ21 من يناير 1938، نحو الساعة 7:30 مساءً، أخبرت السيدة “إكس” أن غلادينج قد غادر للتو وكان في طريقه إلى محطة تشيرينغ كروس، حيث كان من المفترض أن يلتقي شخصاً آخر للحصول على مادة لالتقاط الصور، بينما كانت تجهل ما هذه المادة.

في نحو الساعة 8:15 مساءً، لاحظه ضابط من فرع خاص من شرطة العاصمة غلادينج في محطة تشيرينغ كروس. وبعد خمس دقائق انضم إليه ألبرت ويليامز، الذي كان يعمل في قسم كبير مفتشي الأمن في رويال أرسنال في وولويتش. ذهب الاثنان إلى ساحة المحطة، حيث سلم ويليامز غلادينج ورقة بنية اللون. وسرعان ما احتُجز غلادينج وويليامز ونُقلا إلى سكوتلاند يارد، وعند فتح الورقة بحضورهما، تبين أنها تحوي أربعة مخططات زرقاء تُظهر الترتيبات الصوتية وتفاصيل جهاز ضغط.

عُثر على مذكرات غلادينج بعد اختفائه، واقتُحم منزله حيث عُثر على كاميرتين ومواد فوتوغرافية أخرى، إضافة إلى لغم مسدس مضاد للدبابات وبعض المواد الأخرى المرتبطة بأنشطته التجسسية. وطبع قسم التصوير الفوتوغرافي في سكوتلاند يارد بكرات الصور الموجودة في منزله، ووجد أنها تحوي نسخة من كتاب عن المتفجرات المستخدمة في الخدمات عام 1925.

اعتقالات وتحقيقات تكشف خيوطاً سرية

في الـ29 من يناير 1938، بعد ثمانية أيام من اعتقال غلادينج وويليامز، اعتُقل جورج ووليك وتشارلز موندي، ووجهت إليهما تهمة التورط مع بيرسي غلادينج في الحصول على معلومات يُعتقد أنها مفيدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة للعدو. وبتفتيش منزل ووليك، عُثر على مذكرات ودفتر ملاحظات ومصحنة وصندوق ذي قاع مخفي. أدى تفتيش منزل موندي إلى العثور على عدد من الوثائق الفوتوغرافية وتذكرة رهن، التي تفيد بأن موندي رهن كاميرا بمبلغ جنيهين إسترلينيين في اليوم التالي لإلقاء القبض على غولدينج وويليامز.

نتيجة للدعاية التي حظيت بها قضية غلادينج، في الرابع من فبراير 1938، قدم السيد فريدريك فولر، الذي كان يعمل وكيلاً لدى شركة تطوير عقاري في “ساوث هارو”، معلومات جديدة للشرطة. وذكر السيد فولر أنه يعرف غلادينج جيدًا من شكله، وأنه خلال الأسبوعين الأخيرين من سبتمبر 1937 رآه نحو ست مرات بصحبة رجل تعرف لاحقاً إليه بأنه ويلي براندس. ورأى براندس في الحي بصحبة ماري براندز.

في الـ14 من مارس (آذار) 1938، حُوكم الرجال الأربعة ولم يُقدم أي دفاع. وبُرئ موندي، الذي لم تثبت أدلة ضده، وحكم على غلادينج وويليامز وووليك بالسجن مدة ستة وأربعة وثلاثة أعوام على التوالي.

خلال فترة سجنه استُجوب غلادينج مرتين من قبل ضباط هذا القسم، لكنه لم يقدم أية معلومات عن تنظيمه التجسسي. سُجن ويليامز وووليك في “باركهيرست”، حيث أصبحا صديقين لسجين يدعى ويليام باركنسون. باركنسون، الذي كان رجلاً ذكياً، تطوع لمحاولة كسب ثقتهما وتزويد السلطات بالمعلومات. ونجح جزئياً في خطته، إذ تمكن من إيهامهما بأنه يتعاطف مع الشيوعية، مما أتاح له الحصول على قدر معين من المعلومات عن أنشطتهما لمصلحة جهاز الاستخبارات الروسي.

بين فبراير 1937 واعتقال غلادينج في يناير 1938 كانت المعلومات حول منظمة غلادينج تُجمع تحت إشراف ضابطين من وحدة الشرطة المركزية: بول هاردت وويلي براندس. من المحتمل أن هناك ضابطاً ثالثاً قد ساعدهما، لكنه لم يُتعرف إليه بشكل دقيق. ولم يُسمح للسيدة “إكس” ببدء العمل أو معرفة طبيعته إلا بعد أن التقت هاردت مرتين.

نسخة من وثيقة تتحدث عن غلادينج

على رغم أن غلادينج كان يدير مجموعة من العملاء الفرعيين، فإنه لم تكن لديه حرية تامة في توجيههم أو تجنيدهم، إذ كان يخضع لإشراف دقيق طوال الوقت، مع وجود رقابة مستمرة من قبل جهات خارجية، باستثناء الفترة القصيرة بين مغادرة براندس البلاد واعتقال غلادينج، حين لم يكن هناك خليفة فوري له. ومن الواضح أن غلادينج كان تحت إشراف مستمر من قبل مسؤولين في جهاز الاستخبارات الروسي، كذلك يُحتمل أنه كان هناك تفاعل مع عناصر إضافية مثل بول أل آر دي تي. وعلى رغم بعض المحاولات التي أدلى فيها غلادينج للسيدة “إكس” بمعلومات مختارة، يبدو أنه كان يتلقى تعليمات مباشرة من مسؤوليه في شأن المعلومات التي يجب جمعها.

ويبدو أن غلادينج لم يبذل جهوداً كبيرة لتوفير غطاء لنفسه. على عكسه كان كل من ويلي براندس وبول هاردت يستخدمان هويات وأغطية كاذبة أثناء وجودهما في إنجلترا. كان براندس يعمل كوكيل لشركتين أميركيتين هما “فانتوم رود كوزماتيكس” و”تشاراك للأثاث”، بينما كان بول هاردت وكيلاً لشركة جيدة أُسست في هولندا خصيصاً من قبل شركة “أو سي بي يو”.

يبدو من الواضح أن السفارة السوفياتية لم تكن متورطة في تمويل منظمة غلادينج، ولم يسعَ غلادينج إلى الحصول على مساعدتها. علاوة على ذلك، كان غلادينج نفسه غير قادر على نقل مواد التجسس، وكان معروفاً أنه في غياب دعم براندس كان قلقاً في شأن التخلص من الوثائق الداخلية. ومع ذلك أخبر باركنسون في السجن أن كيس الزرع كان يُستخدم لاستخراج الخطط من المملكة المتحدة.

العلاقات مع الحزب الشيوعي البريطاني

يبدو أن الموظفين البريطانيين العاملين في منظمة التجسس التابعة لغلادينج لم يكونوا مرتبطين بالحزب الشيوعي في بريطانيا العظمى. ومن الواضح أن هؤلاء الأفراد قد تركوا الحزب الشيوعي أو انسحبوا منه بمجرد تجنيدهم للعمل في التجسس. لم يكن لدى ويليامز أي انطباع بأنه كان يقدم معلومات لمصلحة الحزب الشيوعي، ولم يكن لدى السيدة “إكس” أي شك في هوية القادة الرئيسين للمنظمة.

عندما سأل السجين باركنسون زميله ويليامز في السجن عما إذا كان هذا العمل غير القانوني معترفاً به رسمياً من قبل الحزب، أجاب ويليامز أن “النوع الذي كانوا يقومون به، هو وهاوك (عميل آخر)، لم يكن معترفاً به رسمياً. ومع ذلك اعتُرف بمخبري وزارة الخارجية ووزارة الداخلية، إذ كان هذا ضرورياً لأغراض الحماية لتجنب جعل الحركة غير قانونية تماماً”. وكان هذا العمل غير القانوني تحت إشراف جهاز الاستخبارات السوفياتي.

التمويل

كان غلادينج يعتمد بالكامل على المدفوعات النقدية التي كان يحصل عليها من ضباط جهاز الاستخبارات الروسي مثل هاردت وبراندس. في أبريل 1937 أخبر غلادينج “أتش آر دي تي” في حضور السيدة “إكس” أنه بحاجة إلى شراء سجادة كبيرة لغرفة جلوسه، وأذن له “أتش آر دي تي” بشراء واحدة.

في الخامس من نوفمبر 1937، قبل يوم من مغادرته، سحب ويلي براندس 300 دولار من حسابه الجاري، ويُعتقد أن جزءاً من هذا المال سُلم إلى غلادينج لتمويل منظمته حتى وصول خليفة براندس في يناير 1938. ومع تأخير وصول هذا الخليفة، كان غلادينج في وضع مالي صعب جداً. وقبيل اعتقاله مباشرة أعلن أنه قد يضطر إلى اقتراض مبلغ صغير من والد زوجته لمواصلة العمل.

من الصعب تقدير المبلغ الذي خصصته موسكو لمنظمة غلادينج، ولكن يبدو أن غلادينج كان يعيش بمعدل من 500 إلى 600 جنيه إسترليني سنوياً. وكان إيجار مسكن السيدة “إكس” 100 جنيه إسترليني في العام، وسُمح لها بـ65 جنيهاً إسترلينياً لشراء الأثاث بنظام الأقساط. وكان غلادينج يتحمل كلف إجازتها ويوفر لها هدية كريسماس كبيرة. وتشير المعلومات المتوفرة عن حسابات غلادينج إلى أن المدفوعات الفردية للوكلاء تراوح ما بين 25 جنيهاً إسترلينياً و60 دولاراً.

احتياطات الأمان

لم تُتتبع أية صلة بين بول هاردت وويلي براندس أثناء وجودهما في المملكة المتحدة، على رغم تورطهما بشكل كامل في الأنشطة المتعلقة بالتجسس.

وأبلغ ويليامز باركنسون أن المنظمة لم تستخدم البريد للمراسلات لأنهم كانوا على علم من خلال أصدقائهم في مكتب البريد بأن الرسائل كانت تُفتح. لذلك كانت كل الأمور المهمة تُناقش شفهياً. كما أخبر غلادينج السيدة “إكس” أنه كان على علم بأن مراسلته قد اختُرقت.

العلاقات مع عمليات الاستخبارات الروسية الأخرى

أثناء فترة وجوده في المملكة المتحدة، كان بول هاردت مسؤولاً عن إدارة الشائعات حول كينج، الجاسوس في قسم شرطة فورسيم. كذلك قتل أيضاً، بمساعدة كريفيتسكي، الخائن المعروف باسم “المجلس الإمبراطوري”. علاوة على ذلك، كان هاردت على اتصال ببرايان جولد فيرشويل، وهو اسم قد يشير إلى أحد العملاء أو المساعدين في عمليات الاستخبارات الروسية.

لا توجد معلومات دقيقة حول المحتويات الأخرى التي ربما استقبلها السيد والسيدة ويلي براندس في شقتهما بلندن. من المحتمل أن تكون هذه المواد تتعلق بأنشطة تجسسية أو وثائق سرية، لكن التفاصيل غير واضحة في هذا السياق.

محاكمة غلادينج وأعضاء شبكة التجسس البريطانية بتهمة تسريب أسرار الدولة

دين بيرسي إيديد غلادينج (45 سنة) وألبرت ويليامز (39 سنة) وجورج ووليك (54 سنة) وتشارلز والتر مونداي (21 سنة) بموجب قانون الأسرار الرسمية لعام 1911. وُجهت إليهم تهم تتعلق بإعداد ونقل مخططات رسمية حساسة لجهة أجنبية، مع رفض بعضهم الاعتراف بالتهم.

وُلد بيرسي إيديد غلادينج في شرق لندن وعمل في وظائف شاقة ثم مهندساً في الترسانة الملكية. انخرط في السياسة العمالية بعد الحرب العالمية الأولى وأصبح عضواً نشطاً في الحزب الشيوعي البريطاني. كما كان غلادينج سفيراً للحزب في الخارج، وبخاصة في الهند، وشارك في اتحادات عمالية، إلا أن نشاطه السياسي أدى إلى فصله من الترسانة، إذ أدرجته الاستخبارات البريطانية “MI5” كمشتبه فيه. في نحو 1934 جندته الاستخبارات السوفياتية كجاسوس، وأصبح ضالعاً في أنشطة تجسس باستخدام منزل آمن في هولاند بارك.

بعد أن قضي ستة أعوام في السجن، أطلق سراحه قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ حافظ على علاقاته مع الحزب الشيوعي، وتوفي في الـ15 من أبريل 1970.

المزيد عن: بريطانياالاتحاد السوفياتيالجاسوسيةالحرب العالمية الثانيةالسوفييتالشيوعيةوثائق

 

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00