AFP الكاتب الياباني هاروكي موراكامي خلال جلسة تصوير بعد عرض موسيقي في طوكيو، 29 يونيو 2024 ثقافة و فنون هاروكي موراكامي والرواية بوصفها مهنة by admin 14 أبريل، 2025 written by admin 14 أبريل، 2025 20 شخص عادي بدأ الكتابة في وقت فراغه المجلة / إسماعيل غزالي أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب في أبوظبي الكاتب الياباني هاروكي موراكامي شخصية العام الثقافية لعام 2025، وذلك تقديرا لتجربته الثرية في عالم الرواية. هنا مقال يتناول عوالم موراكامي من خلال كتابه “مهنتي هي الرواية” الصادرة ترجمته حديثا عن “دار الآداب”. يضم الكتاب الذي ترجمه أحمد حسن المعيني، 11 مقالا يوجز معنى أن يكون روائيا، هي محض مقالات مكتوبة وفق نزوع ذاتي لا علاقة له بطلب من لدن الآخر، ناشرا كان أو مؤسسة ثقافية، وقد نشر الفصول الستة الأولى منها في مجلة “منكي بزنس”، التي يديرها موتويوكي شيباتا، وأطلق عليها عنوان المقالات السيرية، بالنظر إلى أن المنطلق في كل كتابة عن الرواية كيفما كان موضوعيا هو في الآن نفسه خطاب عن الذات. أكثر من 35 سنة في كتابة الرواية شيء استثنائي، يتوزع أسرارها الحميمة الحظ أولا، الإرادة والاستمرار ثانيا، والأهم الحفاظ على حس الدهشة الذي يراه موراكامي الهاجس المركزي وراء إنشائه هذا الكتاب في المجمل، وقد أخضع خلقه لأكثر من صوغ، مرة تلو الأخرى، ابتغاء تحقيق منظور متعدد وشمولي، متحاشيا ما أمكن سلوك مسلك خطاب التراسل، وإن بدا كل عمله توثيقا شخصيا يروم به أثرا لا كدليل وإنما كمطبخ تجربة قد يعين القارئ بقدر قليل من المنفعة وفق تعبيره دوما. أنوية الكتاب الفادحة عن أنوية الكتاب الفادحة ومزاجيتهم الحادة في ما يتعلق بحس الصداقة المتوتر، يستهل موراكامي حادثة حفل العشاء الذي جمع بين مارسيل بروست وجيمس جويس في باريس عام 1922، إذ تعمد المنظمون إجلاسهما الواحد حذو الآخر، بحماسة من ينتظر حوارا تاريخيا مثيرا لم يحدث قط بينهما، إذ لم يخاطب الواحد منهما الثاني والعكس، والسبب الراجح اعتداد كل منهما بنفسه. شرع موراكامي في الكتابة بغير ما تدريب، وقد كانت معرفته الجامعية في ستينات القرن الماضي محصورة في السينما على نحو موهوب شرع موراكامي في الكتابة بغير ما تدريب، وقد كانت معرفته الجامعية في ستينات القرن الماضي محصورة في السينما. جرب كتابة أول رواية بعنوان “اسمع الريح تغني”، وحالفه الحظ في أن فازت بجائزة للكتاب الجدد في رعاية من مجلة أدبية، وهكذا واصل الكتابة إلى أن أمسى محترفا، يعيش من مهنة الكتابة لا غير، على الرغم من أن الكتابة محض عمل شاق، بدءا من العزلة الشاقة التي ينزوي فيها الروائي إلى إنجازه التخييلي يوما تلو آخر، حتى صدور روايته التي لا يرى القارئ فيما وراء ألق عنوانها حجم المشقة المزمنة التي تجشمها الكاتب عبر مدارج فصول إنجازها الجسيمة. في المقابل، لا امتياز يجعل الكاتب معتدا بنفسه كونه يحترف هذا الأسلوب من العمل، فربما يعيش أسعد بدون كتابة لو قدر له أن يمارس شيئا خارجها أو بدلها. AFP امرأة تتصفح الكتب داخل مكتبة هاروكي موراكامي في جامعة واسيدا، طوكيو، 22 سبتمبر 2021 واقعة لعبة البيزبول وسحر لعبة الرواية بزغ اسم موراكامي روائيا لحظة فوزه بجائزة غونزو للكتاب الجدد وعمره يناهز الثلاثين، قادما من تجربة مغايرة تتأرجح بين التزام الزواج المبكر، والعمل في مقهى الجاز الخاص، بقدر هائل من المديونية والتقشف الذي تفرضه إكراهات العيش في طوكيو. عنوان الطور الأول من حياة موراكامي هو الكدح من وريد الصباح إلى وريد الليل بغية تسديد القروض، فلا الحس الاجتماعي أسعفه على التناغم مع الآخرين، ولا موهبة التجارة المفقودة تؤهله لكي يتقدم ويستمر، إلى أن شطر وجوده الحادث الملازم لمعظم حواراته، حينما كان يشاهد مباراة بيزبول في الجوار، وصعقه صدى الضربة في الملعب، بينما التقى المضرب الكرة، كان الضارب من فريق هيروشيما ويدعى سانوشي تاكاهاشي، والمتصدي من فريق ياكولت هو تاكيشي ياسودا، وفيما احتد محفل التصفيق من الجمهور بالضربة الصاعقة، عنّ في بال موراكامي هذا الهاجس المحتدم: أعتقد أن في إمكاني أن أكتب رواية! النسخة الأولى من رواية موراكامي الأولى، “اسمع الريح تغني” وهذا ما حمله بشكل سحري إلى محاولة الكتابة على طاولة المطبخ في السويعات التي تسبق الفجر، وهو وقت الفراغ المتاح له، وفي غمرة ستة شهور من هذا الاعتياد الطارئ، أنجز روايته الأولى: “اسمع الريح تغني”. جدير بالإشارة إلى أن قراءاته للرواية لحظتئذ كانت مقتصرة على المترجم من السرد الروسي، فيما كان يجهل كل شيء عن الرواية اليابانية المعاصرة، وأما الغريب فأن يكتب موراكامي باللغة الإنكليزية التي لا يتقنها، وبعد ذلك يترجم بنفسه النص إلى اليابانية، وفي هذا النزوع اللامألوف ألفى أسلوبه الخاص، في حين علق كثيرون بأن كتابته تبدو أشبه بالترجمة وهذا صحيح، والأكثر لذوعية من ذلك أن يتهمه آخرون باقتراف إهانة في حق اللغة القومية لبلده اليابان، ومع ذلك التزم موراكامي بهذا النهج في الابداع مؤمنا بتجديده اللغته اليابانية عبر ذلك المسلك الغريب، خاصة أن أسلوبه أقرب إلى العزف الموسيقي وفق إحساسه الدامغ الذي لا يزال ينتابه حتى اليوم، إذ يمتن لنعمة الإيقاع أولا، ومصدر الكلمات وفق اعتقاده جماع جسده وليس رأسه على حدة. التزم موراكامي هذا النهج في الابداع مؤمنا بتجديده اللغته اليابانية عبر ذلك المسلك الغريب، خاصة أن أسلوبه أقرب إلى العزف الموسيقي بالقدر نفسه من السحرية التي بزغت في احتدام الضربة الصاعقة لحظة متابعته مباراة مغمورة في البيزبول، وأحدث الصدى أثرا عجيبا في نفسه إذ هجس بملء الحماسة أن في مقدوره كتابة رواية، وقد كتبها بالفعل، سيصادف موراكامي حمامة زاجلة في دغل شجيرات بحديقة حذو مدرسة، ويلتقطها إثر ملاحظته انكسار جناحها، ومع اكتشاف خاتم معدني يطوق ساقها سينتابه شعور مضاعف بأن روايته الأولى ستحصد جائزة مرموقة وهذا ما سيحدث بعد أيام. إنها وقائع رواية سحرية موازية لوقائع روايته التخيلية الأخرى، وبذا فالاعتقاد الراسخ هو وجود قوة غريبة منحته هذه الفرصة الاستثنائية لكتابة الرواية ولذا هو بالغ الامتنان لصدى ضربة البيزبول أولا، والحمامة الجريحة ثانيا. GettyImages / الكتّاب شين إيوهارا، يوي سوزوكي، وجوزيه أندو، بعد فوزهم بجوائز أدبية مرموقة في طوكيو، 15 يناير 2025 عن الجوائز الأدبية والأصالة وكتابة الرواية هو محض شخص عادي إذن، كتب رواية في وقت فراغه وحدث أن فازت تلك الرواية بجائزة الكتاب الجدد، وأما قواعده الصارمة فرباعية الاشتراط: النوم باكرا، الاستيقاظ باكرا، ممارسة الرياضة (الماراثون)، عدم الخروج ليلا وارتياد الحانات. ولولا الجائزة الأولى الأشبه بتذكرة لكي يصبح كاتبا، ما كان ليجنح اسمه بعيدا صوب الاحتراف، مع أن الخروج من المنافسة في جائزة أكوتاغوا مرتين، جعله لدى النقاد بضاعة مستهلكة، الى درجة أن أحدهم أصدر كتابا طريفا بعنوان “أسباب فشل هاروكي موراكامي في الفوز بجائزة أكوتاغوا”. يخص موراكامي جائزة أكوتاغوا حيزا مستفيضا في الكتاب، ملمحا إلى عدم الاكتراث بالجوائز، كموقف ضد المؤسسة الرسمية، مثل حالة الكاتبين ريموند تشاندلر ونلسن ألغرن. في المقابل يرى أن القراء الجيدين هم الأهم، فلا شيء له معنى أكبر من أولئك الذين يدسون أيديهم في جيوبهم لكي يشتروا كتبه، لا الجوائز ولا الميداليات ولا الإطراء النقدي. ما يبقى أولا وأخيرا هو العمل الأدبي لا الجائزة الأدبية. AFP / هاروكي موراكامي يتلقى جائزة أميرة أستورياس للأدب 2023 في إسبانيا، 20 أكتوبر 2023 يولي موراكامي أهمية للأصالة الروائية، ويوجز معاييرها في ثلاثة اشتراطات: فرادة الأسلوب، أن يتجدد الأسلوب باستمرار مع ابتكار متواصل للذات، وأن يتحول إلى مرجع في ذوق المتلقي للحكم، مذكرا بمقولة الشاعر البولندي زبيغنيف هربرت: “لكي تصل إلى المنبع فلا بد من أن تسبح عكس التيار” في ما يتعلق بصخب معترك الكتابة والكتاب. لا يفتأ يقدم نصائح للناشئة من صلب تجربته وخبرته في الكتابة، إذ أمسى كاتبا بقدرة قادر، بغير ما استناد إلى برنامج أو سلسلة من الخطوات، محرضا على القراءة أولا، ثم ضرورة الانفراد بنظرة خاصة إلى العالم، مع الاعتماد على ما يتراكم من الأشياء في الخزانة الذهنية، مهما بدا للكاتب المبتدئ عدم إيجاد شيء يكتب عنه، فليحاول مثلما حدث له في كتابة رواية “اسمع الريح تغني” التي انطلق فيها من العدم، مع التعويل على الارتجال كما في موسيقى الجاز. كذلك لا بد من امتلاك أسلوب لكي يتحقق للكاتب وجوده، بعد أن يكون قد شحذ بصره واحتكم إلى ثراء ذاكرته. القراء الجيدون هم الأهم، فلا شيء له معنى أكبر من أولئك الذين يدسون أيديهم في جيوبهم لكي يشتروا كتبه، لا الجوائز ولا الميداليات ولا الإطراء النقدي يطابق موراكامي في استعارة تشبيهاته بين الرواية وسباق الماراثون، وينحاز للرواية كشريان حياة، فيما تتنحى القصة القصيرة كأداة رشيقة للمناورة، ومع الانخراط في إنجاز عمل روائي يستغرق وقتا طويلا، يبطل عنده الاهتمام بأي شيء عدا الرواية، ومنها الانقطاع الكلي عن كتابة المقالات والانصراف عن المشاريع الأخرى كيفما كانت، والقاعدة اليومية للكتابة أن يلتزم إنجاز نحو عشر صفحات، ما يعادل 1600 كلمة يوما تلو الآخر، ولو بالإجبار، إلى أن تكتمل المسودة، ويلي ذلك طور التعديلات الشاقة، مع الحرص على الحذف، وكما هو معتاد لدى معظم الكتاب تغدو إعادة الكتابة أهم ما في مشغل الرواية قبل المغامرة بالنص إلى النشر. الترجمة العربية لكتاب “مهنتي هي الرواية” عن المدارس والشخصيات والقارئ وأما عن دراسته فلا يمتن موراكامي لها إلا بشيء هو التهام المكتبات، في حين عول في كل ما كتبه على خياله، ولذا يوصي بإثراء الخيال لدى الطلاب في المدارس كضرورة. وعن مصادر شخصياته، تتأرجح بينما ما هو واقعي وتخييلي، وقد حرص على تسمية الشخصيات منذ عمله “الغابة النروجية”، كما انفردت رواية “تسوكورو تازاكي عديم اللون وسنوات حجه” بعنوان هو نفسه اسم الشخصية المركزية، وبالمثل في عنوان رواية ثانية هي “1Q84″، وكذلك رواية “كافكا على الشاطئ”. يكتب موراكامي لنفسه، ولم يخطر في ما كتبه على باله أي هاجس عمن يكون قارئه المفترض، والمبدأ أن حالة استمتاعه بما ينجزه، يقابله حتما استمتاع القارئ بالقدر نفسه. يدافع موراكامي عن نزوعه الكوزموبوليتاني دون القطع مع وثوق ارتباطه الحميم بيابانيته رغم التهمة المسبقة المرفوعة في وجهه ككاتب ذي معايير مزدوجة أنجز موراكامي روايتيه الأولى والثانية “اسمع الريح تغني” و”الكرة والدبابيس” على طاولة المطبخ، وبالاستناد إلى ذلك أطلق توصيف سرد المطبخ على الأمر، في حين أنجز روايته “الغابة النروجية” في المقاهي، على متن قوارب، في صالات المطار، في الحدائق، على طاولات الفنادق الرخيصة. أيا كان المكان، مغلقا أو مفتوحا، عملية الكتابة فردية وشخصية على نحو خالص، ولأن عمل الرواية يتطلب طاقة وصبرا، فلا بد من التمرين الرياضي حتى يستعين الروائي بلياقته البدنية في الكتابة. والحال أن موراكامي مثل لافت في احتراف العدو، إذ يركض على سبيل الماراثون يوميا، وقد شرع في أسلوب الحياة هذا، ابتداء من كتابته رواية “مطاردة خرفان وحشية”، وأمسى الركض لمدة ساعة يوميا طقسا ضروريا يزاوله حتى الان، وعن يوميات الركض هذه في علاقتها الوجودية بالكتابة أفرد موراكامي كتابا بعنوان “ما أتحدث عنه حينما أتحدث عن الركض” سبق أن ألمعنا إليه بتفصيل في “المجلة”. AFP / كتاب موراكامي “مهنتي هي الرواية” في مكتبة بطوكيو موراكامي في المحفل الأميركي مع الترجمة التي حظيت بها رواية “مطاردة خراف وحشية” إلى الإنكليزية، حفل اسم موراكامي بالاهتمام في أميركا، خاصة بعدما كتب عنه جون أبدايك، وعقبها نشر روايتين بالأثر نفسه، “أرض العجائب القاسية ونهاية العالم” و”رقص، رقص، رقص”، وفي الآن ذاته نشرت له مجلة “نيويوركر” قصصا قصيرة بلغت 27 على مدى 25 سنة، استقبلت بحفاوة، ولعل ترجمة موراكامي افي لموازاة للقاص ريموند كارفر إلى اللغة اليابانية، عزز من حضوره الأميركي، فضلا عن مبيعات رواية “الغابة النروجية” التي حققت رقم المليوني نسخة، رسخت اسمه في المشهد الثقافي الأميركي على نحو استثنائي. لم تكن مصادفة أن يمم موراكامي بوجهه شطر أميركا، بل أمرا مخططا له بعناية منذ اختار أن يكتب بالإنكليزية، وقد كسب الرهان ما أن طفقت رواياته تتصدر قائمة عناوين “نيويورك تايمز”، بدءا برواية “كافكا على الشاطئ”، وتبوأت رواية “تسوكورو تازاكي عديم اللون وسنوات حجه” المرتبة الأولى، فيما رسخت رواية “يوميات طائر الزنبرك” من اسمه بصورة أوسع، ولم يكتف الروائي بذلك إذ غادر اليابان ليقيم في أميركا بشكل نهائي. يدافع موراكامي عن نزوعه الكوزموبوليتاني دون القطع مع وثوق ارتباطه الحميم بيابانيته رغم التهمة المسبقة المرفوعة في وجهه ككاتب ذي معايير مزدوجة. المزيد عن: : هاروكي موراكامي رواية كتابة الجوائز 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post غسان شربل في حوار مع أمين الجميل: حاولت بطلب من صدام إبعاد شبح الحرب الأميركية على العراق(3 من 3) next post أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس يوسا You may also like خوليو سانتانا على طريق إيخمان أوفر حظا وأهدأ... 15 أبريل، 2025 ماريو فارغاس يوسا… حائز «نوبل» وعملاق الأدب اللاتيني 15 أبريل، 2025 فارغاس يوسا يسدل الستار على الجيل الذهبي لكُتَّاب... 15 أبريل، 2025 “غيبة مي” لنجوى بركات: الغائبة الحاضرة في كل... 14 أبريل، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: رثاء البشر في شيخوختهم... 14 أبريل، 2025 أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو... 14 أبريل، 2025 عبده وازن يكتب عن: 50 عاما على الحرب... 13 أبريل، 2025 فيلم هادي زكاك يشهد على ماضي “سينمات” طرابلس 13 أبريل، 2025 أفلام هوليوودية تمجد الانعزالية الأميركية “العائدة” 13 أبريل، 2025 ما الذي يفتح شهية المنصات لدراما المراهقين؟ 13 أبريل، 2025