مونتاني (1533 – 1592) (غيتي) ثقافة و فنون هؤلاء هم معلمو النهضوي الفرنسي مونتاني المخفيون by admin 3 أغسطس، 2024 written by admin 3 أغسطس، 2024 70 أعفى كاتبي سيرته من التحري لمعرفة أساتذته الكبار من أب علمه اللاتينية واليونانية إلى مفكرين وفلاسفة أوصلته كتبهم إلى ما يدنو من الكمال الإنساني اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب يمكننا أن نفهم من سياق بعض حديثه عن نفسه في كتابه الأساس “المقالات” أن المفكر الإنساني النهضوي الفرنسي المؤسس ميشال مونتاني (1533 – 1592) كان منذ طفولته المبكرة يتكلم كما كل أفراد عائلته، اللغة الفرنسية مع الخدم أما في ما بينهم فكانوا يتكلمون اللاتينية بوصفها اللغة الأم. أما هو شخصياً فإن أباه أضاف إلى ذلك، بما يشبه الإكراه، اللغة اليونانية الكلاسيكية التي تمكنت في النهاية من أن تنقل إليه علوم الأقدمين وأفكارهم منذ صباه المبكر. والطريف أن موناني يخبرنا في ذلك السياق أن الأمر لم يكن يخل بالنسبة إليه من مكافآت يومية تغدق عليه بأمر من الأب لاجتهاده في تعلم تينك اللغتين الأساسيتين اللتين صنعتا في نهاية الأمر كينونته الثقافية. فعند كل صباح اعتاد الأب أن يأمر عاملاً في القصر العائلي بأن يعزف قريباً من أذني ابنه المفضل مقطعاً من لحن يستيقظ عليه هذا الأخير بكل قوة ونشاط بحيث باتت تلك العادة ترافقه حتى سن النضج. ومن هنا فإن مونتاني، في معرض إجابته عمن كانوا أساتذته الذين نقلوا إليه ذلك المقدار الهائل من الثقافة التي طبعت حياته ومؤلفاته بصورة رئيسة يعلن أولاً أن الفضل في ذلك لأبيه ثم للموسيقى، ثم لاحقاً في حياته لراهب عالم متنور من أصل إيطالي هو أنطونيو غادي احتضنه باكراً ولا سيما حين ارتبط بصداقته الكبيرة مع مزامنه، إتيان دي لا بويسي صاحب كتاب “العبودية الطوعية” ورفع من ثقافة الاثنين معاً أضعافاً مضاعفة. يونانيون ولاتينيون غير أن مونتاني لا يفوته بعد ذلك أن يتوقف، هذه المرة بوضوح أكبر، عند سبعة مفكرين يونانيين ولاتينيين يمتد وجودهم زمنياً من العهد الإغريقي القديم حتى الأزمنة الأكثر حداثة بالنسبة إليه معلناً في “المقالات” أنهم كانوا جامعته الأساس والأساتذة الذي كونوه تحديداً من طريق تلك الكتب التي خلفها كل واحد منهم وكانت سبيله إلى التكون الفكري والإنساني. وإذ يوضح هذا يفرد مونتاني لفضل كل واحد منهم عليه فقرات شديدة الاختصار لكنها مفعمة بالدلالة. وهو ينطلق في حديثه من أفلاطون (428 – 348 ق م) الذي يقول عنه إنه إنما استمد اسمه ومكانته بالتالي من مكانته السماوية، وهو أمر “ثمة إجماع كوني بصدده” ولا يسعى أحد إلى منازعته فيه، إذ إنه معترف له بامتلاكه الروح الأكثر وعياً بين البشر والعقل الأكثر سلامة من أي عقل آخر، في زمنه في الأقل. والمعلم الثاني بالنسبة إلى مونتاني لم يكن سوى الشاعر والكاتب الهزلي اللاتيني تيرنس (185 – 159 ق م) الذي، على رغم انصرافه إلى الكتابة الهزلية الساخرة في كل ما أنتجه “وجدت لديه ما كنت في حاجة إليه من رهافة تحفل بها اللغة اللاتينية، والوصف المدهش لكل ما يتعلق بالروح البشرية والعلاقات بين البشر، ناهيك بدخوله في تفاصيل الشروط الأخلاقية التي تسير حياة هؤلاء البشر”. ويتابع مونتاني هنا مؤكداً ما لاحظه دائماً في حياته من أن كل أفعال “أرصدها ومواقف أعيشها إنما تعيدني إليه. وأنا في كل مرة أقرأه فيها وأعيد قراءته لا يمكنني أن أتمالك نفسي من العثور لديه على ما يدفعني إلى التفكير في أبناء زماننا من المتعاملين مع شؤون الحياة وكوميدياتها، وكيف أن هؤلاء إنما يعيشون ويعملون بفضل استخدام الواحد منهم ثلاث أو أربع محاججات يأتي بها من تيرنس ليستخدمها مفصحاً عبرها عن (مقدرته) الإبداعية”! كتاب “المقالات” لمونتاني (أمازون) فصاحة قائد أما التالي في تراتبية مونتاني فهو شيشرون (106 – 43 ق م) رجل السياسة والقانون الروماني الداهية “المعروف بأن ما من أحد ضاهاه في فصاحة لسانه ومحاججاته، وهو الذي اشتهر بخطبه اللامعة كما بمحاولاته الفلسفية، كما الحال في كتابيه “في القوانين” و”في الروح” كما يقول مونتاني، مضيفاً “مهما يكن من أمر أكاد أرى مع معظم المعلقين أن شيشرون لا يملك عدا عما يمتلكه من علم داخل روحه ما قد يميزه حقاً. ومع ذلك يعلمنا كيف نكون مواطنين صالحين كما كان هو. ومع ذلك لا بد من الإقرار بأنه كان مرح الخصال خدوماً كما حال كل الرجال السمان. وعلى رغم أنه كان رخواً وشديد التطلع” فإن ذلك لا يمنع من اعتباره معلماً حقيقياً في رأي مونتاني. لكنه “لم يكن كما أراد دائماً أن يوحي لنا، شاعراً كبيراً، لكن فصاحته تشفع له لأنها فصاحة لا يمكن لأي كائن في حياتنا الدنيا هذه أن يضاهيها”. وفي المقابل يخبرنا مونتاني هنا أنه دائماً ما يقرأ كتابات يوليوس قيصر (100 – 44 ق م) رجل السياسة والحرب الروماني بقدر كبير من الاحترام والتبجيل، ولا سيما كتاباه الرئيسان “تعليقات على الحروب الغولية” و”تعليقات على الحرب الأهلية”، ومونتاني يقول لنا مستوحياً يوليوس قيصر هنا “إن علينا في هذا النوع من الكتب التاريخية أن نقرأ وحتى من دون تمييز كل أنواع المؤلفين سواء كانوا من القدامى أو الجدد. غير أنه يبدو لي أن الأكثر جدارة بأن نقرأه من بينهم إنما هو يوليوس قيصر الذي لا ينبغي فقط قراءته بعناية بل دراسته بتعمق شديد وليس فقط من أجل ما يرويه لنا في تواريخه، بل من أجل الطريقة التي يروي لنا بها. من أجل أسلوبه الأقرب إلى الكمال من أسلوب أي كاتب آخر من طينته…”. فرجيل المفضل ومع ذلك فإن مجموعة “معلمي” مونتاني تصل هنا إلى شاعره المفضل فرجيل (70 – 19 ق م) حين يتوقف المفكر الفرنسي النهضوي عند مؤلفات سلفه اللاتيني الكبير الأساس “ملحمة الإنيادة” ومجموعة “الجورجيات” ليقول لنا بوضوح “لقد بدا لي دائماً أن فرجيل ولوكريس وكالولي وهوراس يقفون دائماً وغالباً معاً عند طبقة أولى لا يدنو إليهم فيها كثر من الآخرين. ومع ذلك فلا شك أن في إمكاني أن أقول إن لفرجيل نفسه مكانة أولى في تلك الطبقة الفضلى ولا سيما بفضل مجموعته (الجورجيات) التي لا شك عندي في أنها الأكثر كمالاً بين كل ما عرفت من مجموعات شعرية في تاريخ الإنسانية، بل إن مقارنة بين هذه المجموعة وملحمة الشاعر نفسه (الإنيادة) يمكنها أن تخبرنا أنه كان في وسع فرجيل حتى أن يحسن من هذه الأخيرة على ضوء ما توصل إليه هو نفسه من قوة تعبيرية في (الجورجيات). وهنا من دون أن أنكر أن أروع ما ألف فرجيل يبقى الجزء الخامس من الإنيادة، قد يصح أن أقول إنه في نهاية الأمر مؤلف عرف ليس فقط كيف يتفوق على الآخرين بل على نفسه”. وينقل هذا الحكم المبرم مفكرنا الفرنسي إلى من يعدهما “توأمين” ينبغي دائماً الحديث عنهما معاً: بلوتارخ وسينيكا. أولهما (46 – 12 ميلادية) هو كاتب السير المعروفة بتناولها عظماء الأزمنة السابقة في المجالات جميعاً، والثاني الفيلسوف الرواقي المؤسس سينيكا (4 – 65 ميلادية) ويقول عنهما مونتاني “… أما المؤلفان الأخيران اللذان أريد أن أتحدث عنهما هنا بوصفهما معاً يوفران لي عبر قراءتهما قدراً كبيراً من اللذة الفكرية والروحية فهما هذان اللذان لا أتوقف عن قراءتهما بشغف وأستخدم أفكارهما بكل ممنونية، وذلك بالتحديد لأن مزاج كتابتهما وفكرهما ناهيك بقوة اللغة لديهما تتناسبان أيما تناسب مع ما أتوق دائماً إلى التعبير عنه ليس فقط في كتاباتي بل في حياتي اليومية على الإطلاق”. ولعل ما أحبه موناني لديهما هو ذلك التكامل الذي يتبينه بين أحادية الأول في تعامله مع أفكاره وتنوعية الثاني في تعبيره عن الفكر والحياة. ومع ذلك فإن أولهما يعرف كيف يسلح الفكر والحياة بما يقيهما أي وهن وتخاذل، فيما الثاني برواقيته بل على رغم عنها يسارع الخطى دائماً فيصل بسرعة إلى هدفه. “ولعل الفارق بينهما هو الفارق بين أفلاطونية الأول ورواقية الثاني وتعامل كل من النظريتين مع الحياة وصعوباتها” لذا فإن الاثنين لازمان للحياة لزوم الماء والهواء لها على تمايزهما. المزيد عن: ميشال مونتانيعصر النهضة الأوروبيةاللغة اللاتينيةأفلاطونشيشرونيوليوس قيصرفرجيل 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post المغنيسيوم صباحا ومساء لتمضية يوم رائع في العمل next post الرئيس الإيراني يعيد “مهندس الاتفاق النووي” إلى الواجهة You may also like مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 أنعام كجه جي تواصل رتق جراح العراق في... 21 نوفمبر، 2024 عبده وازن يكتب عن: فيروز تطفئ شمعة التسعين... 21 نوفمبر، 2024 “موجز تاريخ الحرب” كما يسطره المؤرخ العسكري غوين... 21 نوفمبر، 2024