بأقلامهم نديم قطيش يكتب عن: بلاد ما بين الجنازتين by admin 18 فبراير، 2025 written by admin 18 فبراير، 2025 27 جنازة نصر الله تبدو محطة أخيرة في مسار تراجع بدأ قبل سنوات. وداعه سيكون إقراراً بأن الزمن الذي مثّله قد انتهى. فالسؤال لا يدور حول مستقبله، بل بات يطرح بشأن جدوى بقاء الحزب نفسه فكرةً وكياناً. الشرق الاوسط / نديم قطيش إعلامي وكاتب سياسي لبناني، عمل مقدماً لبرنامج «دي إن إيه» اليومي الساخر الذي بُث على شاشتي «العربية» و«المستقبل». يقدم حالياً برنامج «الليلة مع نديم» على شاشة «سكاي نيوز عربية» الذي يجمع فيه بين السخرية والتعليق السياسي الجاد. ليس من العدل مقارنة غيابين، تماماً كما لا يُقارن حضوران. فإذا كان الميل إلى المقارنة يبدو بدهياً، وهو بديهي بالفعل، في لحظة التزامن بين الجنازة المؤجلة لحسن نصر الله، زعيم ميليشيا «حزب الله»، والذكرى العشرين لجنازة رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، فإن ما يُغفل في العادة هو أن المقارنة، مهما بدت دقيقة، تفترض تماثلاً بين كيانين لم يكونا متماثلين أصلاً، وتلغي التعقيدات التي تفصل بين تجربتين ظاهرهما متشابه وجوهرهما لا يكاد يلتقي. وما يُفاقم هذا القصور أن المقارنة سرعان ما تصير آلية لاختزال الظواهر بدلاً من أن تكون وسيلة لفهمها عبر تحويل التحليل إلى عملية إسقاط صرفة. لكن للقدر منطقه القاسي، وللمصادفات طريقتها في رسم المعاني التي تفلت عادةً من التحليل المباشر، كما هو الحال في تلاقي الجنازتين. مصادفة التوقيت تفرض سؤالاً لا مفرّ منه: كيف تحوّل غياب الحريري امتداداً لحضوره السياسي والمعنوي طوال عقدين، في حين أن نصر الله، وهو الذي أمضى حياته في صناعة فائض الحضور في يوميات اللبنانيين، غاب أو يكاد عن أي نقاش حول مستقبل لبنان ومستقبل حزبه؟ لم يكن اغتيال رفيق الحريري مجرد نقطة في مسار سياسي، بل لحظة انفتاح مشروعه على احتمالات جعلت منه، رغم غيابه، حضوراً متجدداً، لا بوصفه ذكرى تُستعاد كل عام، بل بصفته منهجاً يفرض نفسه، عند كل منعطف، في صياغة الخيارات التي لا تزال تتصارع عليها البلاد. بقي مشروع الدولة الذي مثّله – رغم كل المحاولات لإجهاضه أو تحويره – نقطة استدلال عند كل نقاش حول الاقتصاد والسلطة والمستقبل، على النحو الذي جعل من اسمه الثابت الأبرز في قاموس السياسة في لبنان. في المقابل، بدا اغتيال نصر الله إعلاناً صريحاً عن استنفاد اللحظة التاريخية لوظيفته ومشروعه وحروبه وخياراته، إن كان بمعنى التراجع المرحلي ومحاولات إعادة التموضع اليائسة لحزبه، أو بالمعنى الأبلغ أثراً لتحوّل الحزب من قوة صاعدة إلى إرث ينتمي إلى ماضٍ يتقلّص. ستستدعى تجربة نصر الله، كلما استُعيد النقاش حول تجربة الصراعات الكبرى، لا بوصفه خياراً يفرض نفسه، بل بوصفه نموذجاً لحقبة وصلت إلى نهايتها، ولا ينبغي تكرارها. ليس من باب الصدفة أن النظام السوري الذي نجا من كل محاولات إطاحته لعقد كامل، لم ينجُ من الفراغ الذي خلّفه اغتيال نصر الله. سبعون يوماً كانت كافية لكي تترجم خسارة «حزب الله» إلى انهيار الأسد، كأنه استكمال موضوعي لصفحة تطوى في تاريخ المنطقة. اغتيال نصر الله، بوصفه مركز الثقل لاستراتيجيات إيران، والرجل الذي أعادت طهران عبره رسم موازين القوى في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق، ليس حدثاً عابراً، بل قاطرة دفعت بانهيارات متسلسلة. فقد المحور بوصلته، ووجدت إيران نفسها في موقف دفاعي غير مألوف، بعدما كانت تمسك دوماً بناصية قرار المواجهة. ووجد «حزب الله»، الذي لطالما عُرف بقدرته على التأقلم، أنه أمام معادلة جديدة لا يملك أدوات التعامل معها: زعيم غائب، قرار مرتبك، قاعدة شعبية أنهكها الاستنزاف، وتحالفات إقليمية باتت أكثر هشاشة مما تبدو عليه. ولئن ساد الاعتقاد لسنوات أن مصير لبنان لا يُرسم إلا على إيقاع التحولات الكبرى في طهران، وأن تربته لا تنتج إلى ما يزرع خارجها، بات من الواجب، أخذاً بالوقائع الأخيرة بوصفها البرهان الأكثر جلاءً، إعادة النظر في هذه المسلّمة. لم يكن التغيير الذي هزّ المنطقة نتيجة قرار دولي ولا امتداداً لتسوية إقليمية، بل لحظة انكسار داخلي، حيث بدأ الانهيار من الضاحية الجنوبية لبيروت قبل أن يتمدد إلى الخارج. سقط المحور لا لأن معادلات القوى الكبرى فرضت ذلك، بل لأن الرأس الذي كان يُمسك بتوازناته قُتل، ليكشف غيابه عن أن ما بدا كتلة صلبة لم يكن، في جوهره، إلا بناءً قائماً على وهم الاستمرارية المستحيلة. من يراقب خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع، ومن يدقق في تفاصيل النص السياسي في لبنان، أكان خطاب قسم رئيس الجمهورية جوزيف عون، أم تصريحات رئيس الحكومة نواف سلام، سيعثر بين مفردات السيادة والاستقلال والاقتصاد والتنمية، على نبرة صوت رفيق الحريري، كأن جنازته في فبراير (شباط) 2005، كانت لحظة إعلان شعبي أنه مقدر لغيابه أن يصبح بداية لحضور آخر، أعمق وأطول عمراً. في المقابل، جنازة نصر الله تبدو محطة أخيرة في مسار تراجع بدأ قبل سنوات. وداعه سيكون إقراراً بأن الزمن الذي مثّله قد انتهى. فالسؤال لا يدور حول مستقبله، بل بات يطرح بشأن جدوى بقاء الحزب نفسه فكرةً وكياناً. التاريخ ليس نصاً يُكتب بأيدي أصحابه وحدهم، بل هو الخلاصات التي تترسب حين يتوقف الصخب. ليس صعباً أن نتوقع أي الرجلين سيبقى اسمه محفوراً في ذاكرة لبنان، وأيّهما سيكون مجرد سطر في أرشيف النزاعات المنسية. 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post دراما جديدة عن موسوليني: “عندما تؤدي الكلمات إلى العنف” next post أشخاص يتناولون أدوية إنقاص الوزن يزعمون تدهور بصرهم You may also like منير الربيع يكتب عن: حديث الصراعات داخل “الحزب”... 20 فبراير، 2025 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: قمة السعودية ونظام... 20 فبراير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: العالم وإيران وبينهما نحن 20 فبراير، 2025 منير الربيع يكتب عن: أميركا وإسرائيل.. تطويق حزب... 19 فبراير، 2025 يوسف بزي يكتب عن: في ليل الجنوب.. بجوار... 18 فبراير، 2025 غسان شربل يكتب عن: الضباب الأميركي… والسنة الإيرانية 17 فبراير، 2025 حازم صاغية يكتب عن: لبنان.. برنامجا استكمال الهزيمة... 16 فبراير، 2025 رضوان السيد يكتب عن: الصراع على فلسطين وتحدي... 15 فبراير، 2025 منير الربيع يكتب عن: اسرائيل “الشرهة” تدفع بترامب... 14 فبراير، 2025 دلال البزري تكتب عن: زواج القاصرات وتسليع جسد... 13 فبراير، 2025