نبيل البقيلي من هاليفاكس : الرئيس بري .. رجل التناقضات فوق حبل التوازن

حزب الله ضد ” حركة  امل” : حكم الحزب الواحد

نبيل البقيلي / canadavoice1@gmail.com

من عاش مسارات الحرب اللبنانية وتداعياتها حتى اتفاق الطائف وما تلاه من مكاسب للطائفة الشيعية على مستوى الدخول باعماق الدولة، ضمن ثلاثية التركيبة اللبنانية الحاكمة التي تمثلت بما يطلق عليه «الثنائية الشيعية» ، والسنة والمسيحيون ، حيث شكل هؤلاء التركيبة السياسية للنظام الطائفي اللبناني الجديد بدعم من النظام السوري الذي كان يقيم على ارض لبنان ويشرع القوانين ويفرضها لصالح حلفائه الشيعة .

على الرغم من هيمنة النظام السوري ورعايته للطائفة الشيعية ،كانت العلاقات بين حركة امل وحزب الله تمر بتاريخ طويل من العداوات التي كانت تصل الى حد الاشتباكات المسلحة الدامية .

الخلاف بين «الشياح» “وحي الجاموس” في ضاحية بيروت الجنوبية ، كان يعكس عداوة عميقة بين ايديولوجيتين متناقضتين في الجوهر ومن خلال البعد السياسي للشيعة العرب والفرس بزعامة الخميني وما تلاه من تطرف شيعي مدعوم من ايران .

الشيعة الذين انطلقوا من خلال افكار موسى الصدر «العلمانية» وبقيادة نبيه بري يدركون ان المكاسب التي تم تحقيقها للطائفة ما كانت لتتم لولا «نضالات»حركة امل .

من الحرب اللبنانية الى الاجتياح الاسرائيلي في عام 1982 الى حرب المخيمات الى مقاومة الاحتلال الاسرائيلي والعمليات النوعية ضد الاحتلال كانت عبر مقاتلين ينتمون الى حركة امل وتم فيما بعد « مصادرتهم « من قبل حزب الله .

بقي العداء مقيماً ولو بشكل باطني بين «امل» والخوارج الجدد الذين اسسوا في ما بعد ما يسمى بحزب الله تحت الراية الايرانية وبدعم مادي هائل من الحرس الثوري لتنفيذ اجنداته في لبنان والمنطقة .

بقي “المحرومون الشيعة” بلا مكاسب الا من خلال بعض الوظائف المتدنية في الدولة والخدمات التي وزعها الرئيس بري على اتباعه ومناصريه .

على الرغم من الود الظاهر على السطح داخل “الثنائي الشيعي” إلا أن الأمر مختلف في العمق بعدما اختطف حزب الله القرار في الطائفة الشهية ، ومفاصل الدولة ، وباتت حركة «أمل» تتحدث عن مخاوف تتعلق « بمغامرات « حزب الله الداخلية والخارجية.
حركة « امل « أيقنت أن الطائفة الشيعية مقبلة على دفع اثمان باهضه جراء مغامرات الحزب الذي وضع على قوائم الإرهاب في عواصم الإقليم والعالم.
وكان قادة في الحركة يتحدثون عن مخاطر أن تطال العقوبات التي قد تفرض على حزب الله ، اركان الطائفة الذين ينشطون خارج لبنان في عمليات اقتصادية وتجارية ومالية تقدر بالمليارات.
وفي هذا السياق ، يمكن القول إن الاشتباك الذي اندلع قبل يومين بين طرفي الطائفة الشيعية ، أن الاحتقان بينهما بدأ يطفو على سطح الأحداث في لبنان، رغم ثقلها السياسي والاقتصادي والامني .
في هذا البلد المنكوب في سياسييه وأحزابه ، وتحديدا حزب الله ، الذي جلب العداء للبنان من كل الأطراف والدول والجهات .

المجتمع الدولي ، كان واضحاً في مطالب الإصلاح التي على أساس تنفيذها سوف يتم تقديم قروض مالية ضخمة لإنقاذ البلاد من الانهيار الكامل الذي بدأت ملامحه تطغى على كامل المؤسسات والمرافق ، الرسمية والخاصة…وفي صلب المطالب الدولية ابعاد تأثير « حزب الله « الضار على إدارة البلاد، والتوقف عن « اللعب» باستقراره من خلال دفع اللبنانيين الى « خيارات مستفزة» عنوانها « التوجه شرقا إلى إيران «.

نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني وزعيم حركة أمل ، يدرك إلى أين ، والى اي جهة ، يدفع حزب الله لبنان ، ويدرك أيضا جسامة الأخطار التي قد تلحق بالوطن جراء هذه السياسة.

بري ، الذي تجاوز وجوده على رأس البرلمان اللبناني ثلث قرن ، يعرف كيف يوازي مواقفه وقراراته ، مع المحيط والاقليم ، وهو في السياسة الداخلية يوصف ب « الاطفائي « في إشارة إلى قدرته على تهدئة المواقف والخواطر للأطراف السياسية المتنافسة والمتنازعة.

على الرغم من الحب الظاهر بين «الثنائي» الذي تمثل في تقاسم المناصب السياسية ، الا ان حالة العشق هذه كانت في العمق تحفر بخسارات سياسية اقليمية ودولية كبيرة كان يدفعها الشيعة ثمناً لسياسات حزب الله المنفردة على الصعيد العربي والدولي وقذفت بالشيعة اللبنانيون الى قائمة الارهاب.

اذا اردنا النظر الى «الاشكال» الاخير وهتافاته وتداعياته وما يمكن ان ينجم عنه ، لا يمكننا فصله عن انفجار مرفأ بيروت وتداعياته والازمة السياسية التي ستدخل فيها البلاد لاحقاً.

المجتمع الدولي كان واضحاً في مطالباته بالاصلاح السياسي في بنية النظام وتركيبته ، والموقف الاميركي كان اكثر وضوحاً عبر المبعوث هيل «في ان الاميركيون تعاونوا في السابق مع حكومات لبنانية تضم حزب الله».

انه كلام اميركي اخير استخدم فيه المبعوث الاميركي لغة دبلوماسية فائقة الدلالات والود ايضاً !!.
لا شك ان حزب الله حاول ان يفهمه جيداً.
ولكن الرئيس بري سرعان ما فهمه بوضوح اكبر ، ومن هنا يأتي تحركه باتجاه قصر بعبدا قبل ان يحدث الاشكال .

من هذا الدور ، والمنطلق، حافظ بري على شعرة معاوية في علاقاته مع المجتمع الدولي والجانب الأميركي على وجه التحديد. وهو الذي كان حليفاً للسوريين ولم ينغمس في حربهم ، وصديقاً للايرانيين دون ان يعلق انصاره صور الخامنئي في بيوتهم ، مقاوماً لاسرائيل دون الحاجة الى صك النضال من حزب الله.

الاشتباك الذي وقع في جنوب لبنان بين « جناحي « الشيعة يكشف النقاب عن قرب انفراط عقد هذا « الثنائي» تحت ضغط العبء الذي يشكله حزب الله على الطائفة ، وعلى الدولة بشكل عام ، وما يمكن أن يسببه في المدى المنظور ، من متاعب لكل المكونات في البلاد.

لقد عايش ، وصمت ، بري طويلاً في التغاضي او تغطية ممارسات حزب الله ، وسار على حبل التوازنات اللبنانية محاولاً الخروج من اكثر الازمات السياسية حدة ، والان يسعى إلى « اللعب « منفردا في مهمة صعبة للغاية تتمحور حول إزالة آثار ممارسات حزب الله الداخلية وما وراء الحدود.

مهمة لن تكون سهلة، لا سيما لجهة النتائج الوخيمة على الطائفة الشيعية التي خلفها الحزب طيلة السنوات الأخيرة.

الاميركيون والفرنسيون والمجتمع الدولي يربطون مستقبل لبنان بتنفيذ اصلاحات سياسية واقتصادية ومالية من شأنها أن تفضي الى مؤتمر تاسيسي جديد لجمهورية الطائف.

هذه الاصلاحات لا يستطيع ان يدعو اليها سوى الرئيس بري.

استنادا إلى ما ستؤول إليه جهود بري ، سيتحدد دوره وقدرته في إعادة أحوال الطائفة الشيعية إلى مكانتها الطبيعية ، بعد محاولات حزب الله العبث بها وبدورها الوطني والقومي ، إضافة إلى استقرار سياسي مأمول يشمل كل لبنان الذي وضعه حزب الله في مهب العواصف الإقليمية والدولية.

هل ينجح ؟

الجواب ، لا بد أن يفعل ذلك ، بعد شكوك تتعزز في أوساط حركة أمل مفادها أن حزب الله يضمر سوءا به وبحركته من خلال اضعافه داخل الطائفة اولا ، وعلى مستوى الدولة ثانيا ، مقدمة لاحكام قضبة ” الحزب الواحد” على الطائفة والدولة ، على غرار الحزب الواحد الذي يحكم سوريا لأكثر من نصف قرن .

قد يضطر الرئيس بري الى اتخاذ قرارات قاسية وحاسمة عبر حركة امل . تعيد الى الاذهان المرحلة الدموية التي سبقت تشكيل “الثنائية” التي يبدو ان مفعولها قد نفذ.