بأقلامهمعربي ناصر القدوة : مرة أخرى .. الدولة الوطنية والثبات عليها هو الأساس by admin 28 يوليو، 2020 written by admin 28 يوليو، 2020 102 البعض من «أصدقائنا» إذن يقولون بحل الدولتين ولكن فقط بمعنى أن إسرائيل هي الطرف الذي يعطي الفلسطينيين دولتهم على أن يكون ذلك من خلال التفاوض، وبعض «أصدقائنا» يقولون الدولة الواحدة هي الحل دون أي تعريف ودون تقديم أي حقوق محددة وحقيقية للشعب الفلسطيني. بقلم : ناصر القدوة / سياسي ودبلوماسي فلسطيني، ووزير الخارجية الفلسطيني الأسبق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة عرفات، نحن الشعب الفلسطيني، شعب فخور بهويته الوطنية. شعب متجذر في الأرض ومؤمن بدوره الحضاري التاريخي في المنطقة. نعود قليلاً إلى الوراء لنتذكر ولنؤكد أننا أهل البلاد الأصليون وأصحاب الأرض لآلاف السنين. ومع ذلك ومع بداية القرن العشرين، نجحت الحركة الصهيونية بدعم من النظام الدولي وقتها، عصبة الأمم ثم الانتداب البريطاني الذي تضمن وعد بلفور، نجحت في فرض فكرة إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين. وفي أواخر الأربعينيات قامت الأمم المتحدة كممثل للمجتمع الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية باعتماد فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين مع اتحاد اقتصادي بينهما ونظام دولي خاص بالقدس. تم إعلان قيام إسرائيل على أساس قرار التقسيم ونشبت عندها الحرب العربية – الإسرائيلية. إثر الحرب احتلت إسرائيل نصف الأراضي التي خصصها قرار الجمعية العامة 181 للدولة العربية (قرار التقسيم)، وأنجزت إسرائيل الضم غير القانوني الأول في سياق كذبتها التاريخية الأولى، وهي القبول بقرار التقسيم رغم رفض الفلسطينيين والعرب له. بعد حوالى عام بدأت إسرائيل عملية ضم القدس، الغربية أولاً، في انتهاك آخر للقرار 181 والقرار 194. حلت النكبة إذاً على الشعب الفلسطيني وتم تدمير كيانيته الوطنية واقتلاع نصفه من أرضهم وبيوتهم، وحرم شعبنا من حقه في تقرير المصير وفي الاستقلال الوطني في دولته الطبيعية، وأصبح ما تبقى من الأرض الفلسطينية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية ممثلاً بالضفة الغربية وللإدارة المصرية ممثلاً بقطاع غزة. إثر حرب 1967 احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين التاريخية، وبدأت فوراً باستكمال ضم القدس من خلال توسيع حدود بلدية القدس الشرقية وفرض قانونها عليها. وبعد بضعة سنوات فقط، بدأت إسرائيل باستعمار الأرض فيما يمكن تسميته الاستعمار الاستيطاني لبلادنا مستخدمة نفس الأساليب والطرق والتكتيكات التي استخدمتها على أرض فلسطين في العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات فيما أصبح إسرائيل، مع فارق أساسي هو الانتهاك الجسيم للقانون الدولي هذه المرة. ومع نهوض الحركة الوطنية الفلسطينية، وصعود م.ت.ف كممثل سياسي شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، بدأ العمل على استعادة الكيانية الفلسطينية على الأرض، أولاً في العام 1974 من خلال برنامج النقاط العشر أو برنامج إنشاء السلطة الفلسطينية على أي جزء يتم تحريره من بلادنا، ولاحقاً في العام 1988 من خلال إعلان الاستقلال من قبل المجلس الوطني الفلسطيني ممارسة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. استند إعلان الاستقلال إلى الحق الطبيعي والتاريخي للشعب الفلسطيني وإلى الشرعية الدولية، تحديداً القرار 181 كأساس قانوني لدولة فلسطين، وعملياً ومن خلال البرنامج السياسي الذي اعتمده المجلس استند إلى قرار مجلس الأمن 242 وحدود 1967 كأساس سياسي يحدد حدود الدولة، وذلك استجابة للموقف الدولي العام المصر على أن تلك الأرض هي فعلاً أرض فلسطينية لا يجوز لإسرائيل استعمارها ويجب أن تشكل دولة فلسطين المستقلة. وبالفعل استجابت أغلبية دول العالم للإعلان واعترفت بدولة فلسطين على حدود 1967 على الرغم من كونها تحت الاحتلال. بعد ذلك جاء مؤتمر مدريد للسلام، ثم اتفاق أوسلو بين م.ت.ف وحكومة إسرائيل، والذي اعتمد أساساً فكرة الحكم الذاتي المؤقت والتفاوض على الحل النهائي بين الجانبين. وبدأ تنفيذ ذلك فعلاً وعادت الحركة الوطنية الفلسطينية المهاجرة للوطن وبدأت عملية بناء السلطة الفلسطينية. لم يستمر العمل الإيجابي للتنفيذ طويلاً وتم اغتيال إسحق رابين وبعد ذلك تم اغتيال ياسر عرفات، وقام اليمين الإسرائيلي المتطرف بعكس نتائج أوسلو وتسريع الاستعمار الاستيطاني ونجح في خلق حالة تسيطر فيها إسرائيل على كافة مناحي الحياة الفلسطينية ولا علاقة لها بالحكم الذاتي، إضافة إلى استمرارها طويلاً بعد السنوات الخمس المتفق عليها. ونجح بطبيعة الحال بمنع التسوية السياسية ومنع الاستقلال الوطني الفلسطيني في دولة فلسطين. مؤخراً طرح ما تسمى «رؤية ترامب للسلام والازدهار»، والتي تستند إلى فكرة أن كل الأرض هي إسرائيلية، أي فكرة إسرائيل الكبرى، وتنكر الوجود والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وإن كانت تحاول إيجاد حلول «للسكان الفلسطينيين» على شكل كيان مبعثر يمكن للفلسطينيين أن يسموه دولة إذا قاموا بتنفيذ شروط إضافية تعجيزية. الرؤية بطبيعة الحال تحاول شرعنة المستعمرات الإسرائيلية وتقر بإمكانية ضم إسرائيل لحوالى 30% من مساحة الضفة الغربية. إثر ذلك بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي حملة التهديد والاستعداد لضم مساحات من الأرض الفلسطينية. أي أنه يستعد في الحقيقة للقيام بالضم الرابع الذي تقوم به إسرائيل بعد ضم نصف الأرض المخصصة للدولة العربية في قرار التقسيم، وبعد القدس بمراحلها المختلفة وبعد الجولان السوري. إسرائيل، أو اليمين الإسرائيلي المتشدد بدعم من اليمين الأميركي الإنجيلي المتشدد تريد الاستيلاء على كل شيء، على كل الأرض وبأقل عدد ممكن من الفلسطينيين. ويبدو أنّ المنطق الداخلي لرؤية ترامب يمضي في نفس الاتجاه ويتيح فرصة للتخلص من أعداد من الفلسطينيين، وإن بشكل تدريجي، باعتبارهم مجرد «سكان». إنّ هدف اليمين الإسرائيلي الحاكم، المدعوم من القطاع الأوسع من الإسرائيليين، وإستراتيجيته هو الاستيلاء على كل الأرض أو معظمها والحفاظ على الطبيعة اليهودية للدولة. يأتي هذا الهدف الإجرامي على الرغم من التنازلات الكبيرة والمتتالية التي قدمها الجانب الفلسطيني، وهو هدف يلغي في الحقيقة التسوية السلمية أو التفاوضية ويحاول الاستيلاء على كل شيء بدلاً من التقسيم إلى دولتين. السؤال المركزي الآن أمام الشعب الفلسطيني والحركة الوطنية الفلسطينية هو حول الهدف الوطني الفلسطيني والإستراتيجية الفلسطينية الأنجع في مواجهة كل ذلك. كاتب هذه السطور يؤمن بأن الإستراتيجية الوطنية المنطقية الوحيدة هي التمسك بالهوية الوطنية وبالحقوق الوطنية وبالدولة الوطنية، وهي أيضاً الدفاع عن الأرض في مواجهة الاستعمار الاستيطاني. أي التمسك بدولة فلسطين القائمة وإن كانت تحت الاحتلال، والدفاع عن أرضها ضد المستعمرات والمستعمرين، إضافة إلى المطالبة بأراضي لاجئي فلسطين والتي تبلغ خمسة ملايين ونصف المليون دونم وفق وثائق لجنة التوفيق للأمم المتحدة. هذا بوجود أو من دون تسوية تفاوضية كما هو الحال في هذه الحقبة الزمنية. لعل واحداً من أكبر أخطاء الحركة الوطنية الفلسطينية ما بعد أوسلو وخلال فترة وجود السلطة هو ما يبدو أنه قبول بفكرة أن التسوية السياسية هي التي تعطي الشعب الفلسطيني دولة، بل ربما تكون إسرائيل هي من تمنح الشعب الفلسطيني هذه الدولة. هذا بالطبع قلب لكل شيء، للتاريخ وللحقائق وللقانون وللموقف السياسي الصحيح. حتى الآن ما زال الكثيرون من الرسميين الفلسطينيين يقولون بضرورة العمل من أجل إقامة الدولة الفلسطينية ويعنون بطبيعة الحال إقامتها من خلال عملية التفاوض مع إسرائيل. وفي الحقيقة فإن الموقف المشار له يشكل جوهر الخطاب الفلسطيني كما ترجم في موقف عربي وحتى في موقف دولي. هذا يجب أن يتغير، وعلى الشعب الفلسطيني والحركة الوطنية الفلسطينية الخروج من هذا الصندوق، ولعل طرح رؤية ترامب والتهديد بضم أراض فلسطينية يشكل فرصة لإنهاء ما سبق والخروج من ذلك الصندوق؛ لأن العالم بأجمعه سيتفهم أن أي ضم ستقوم به إسرائيل سيشكل إنهاءً للتسوية التفاوضية، أي إنهاءً لما تسمى عملية السلام دون تخلي الجانب الفلسطيني عن هدفه الوطني المدعوم دولياً، والتأكيد على أن دولة فلسطين قائمة وأن وجودها لا يخضع للتفاوض، وأن مصدر شرعيتها هو الشعب الفلسطيني وليس إسرائيل، وأن أي تفاوض يجب أن يكون مشروطاً بقبول ذلك، وأن مثل ذلك التفاوض يكون على ترسيم الحدود والعلاقة بين الدولتين. في نفس الوقت تم ارتكاب خطأ آخر يتمثل في التقليل من شأن الاستعمار الاستيطاني وحقيقة كونه نقيض الحل السياسي التفاوضي. وتساوق بعض المسؤولين مثلاً مع استخدام تعبير الأعمال أحادية الجانب لوصف الاستعمار الاستيطاني إلى جانب ما يسمى التحريض الفلسطيني. هذا العار يجب أن ينتهي، وعلينا أن نفهم أن هذا الاستعمار الاستيطاني هو نقيض الوجود الفلسطيني ويهدف لإحلال المستعمرين الإسرائيليين مكان شعبنا، أي أن الأمر ببساطة بالنسبة لنا هو حياة أو موت. ويشكل هذا الاستعمار الاستيطاني جريمة حرب وفقاً للقانون الدولي، وهناك منظومة كاملة من القوانين الدولية تحرم هذا الاستعمار الاستيطاني، وتمكن الجانب الفلسطيني من مواجهته وكسره ودحره كمقدمة لإنهاء الاحتلال وإنجاز الاستقلال الوطني في دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس. ما سبق ليس خروجاً عن الشرعية الدولية، بل قد يكون تمسكاً بها، وما سبق ليس رفضاً للتسوية التفاوضية ولكنه يشترط تفاوضاً على أساس واضح وبهدف محدد، وليس استمرار العبث الطويل الذي عشناه لسنوات طويلة. هل يمكن تسمية ما سبق «حل الدولتين»؟ لا أعتقد ذلك، على الأقل من زاوية أن هذه التسمية أصبحت مرتبطة بما تسمى عملية السلام الفاشلة، والأهم من زاوية ما يبدو أنه اشتراط قيام دولة فلسطين بالتفاوض وبقبول إسرائيل. وفي كل الأحوال فإنه ليس من مهام الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية عند تحديد هدفه الوطني المركزي أن يطرح تصوراً لحل سياسي، على أهمية ذلك بشكل منفصل. الموضوع بالنسبة لنا هو الحقوق الفلسطينية ووجود دولة فلسطين وهدف الاستقلال الوطني في هذه الدولة. هل هناك هدف وطني مركزي منطقي آخر أمام الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية؟ لا يبدو هذا سؤالاً جيداً لأنه لا يجوز التلاعب بالبرنامج الوطني أو تقويضه بمقولات وحجج أخرى، وإن تغييره له طريقته ويشترط إجماعاً وطنياً أو ما يقاربه. ومع ذلك وبسبب بعض اللغط لا بأس من بعض النقاش. هناك فئة فلسطينية لها حجمها ومنطقها تقول بهدف تحرير كل فلسطين، إزالة الكيان الصهيوني وبناء كيان ديمقراطي حقيقي بدلاً منه. وعلى الرغم من العدالة التي ينطوي عليها هذا الطرح، إلا أن إمكانية تحقيقه تبدو عسيرة للغاية، ناهيك عما يسببه ذلك من خسائر فادحة على مستوى المجتمع الدولي ومواقف الدول الفاعلة. في كل الأحوال يبدو لي أنه من المنطق حتى بالنسبة لأصحاب هذا الطرح الانضمام لهدف الاستقلال الوطني في دولة فلسطين على حدود 1967 وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون. ما الفارق الأساسي بين الهدف الوطني الفلسطيني المركزي وهدف تحرير كامل التراب الفلسطيني؟ الفارق الأساسي هو توفر الدعم الدولي غير المحدود للهدف الوطني المركزي وغيابه التام عن الثاني، بل وجود عداء جدي له. يجب عدم التقليل من أهمية القانون الدولي والموقف الدولي. صحيح أن القانون بحد ذاته لا يشكل ضمانة لتحقيق أي شيء في غياب توازن القوى اللازم، ولكنه شرط لا بد منه لتحقيق ذلك التوازن المطلوب وهو الذي يجب أن نعمل على خلقه، إضافة إلى ما يشكله من حماية سلبية للحقوق الفلسطينية وما يضعه من العراقيل أمام المخططات الإسرائيلية. أشير هنا إلى أنه في الحقيقة لا يوجد شيء اسمه «حل الدولة الواحدة»، الدولة الواحدة تقوم عندما ينتصر أحد الجانبين ويُخضع الجانب الآخر. إذ انتصر الجانب الفلسطيني سيكون ممكناً له إقامة دولة ديمقراطية في كل فلسطين، وإذا انتصر الجانب الإسرائيلي سيكون ممكناً له إقامة دولة يهودية على كل «أرض إسرائيل» وفي الحالتين لا يوجد «حل» وحتى لا يوجد «حل وسط» تفاوضي. أشير أيضاً وعلى الرغم مما سبق إلى ظهور بعض الأصوات التي تقول بدولة واحدة وإن بغموض شديد، دون توضيح معنى ذلك. هل دولة واحدة ثنائية القومية وبحقوق متساوية لكل مواطنيها؟ بالطبع لا يتأتى ذلك لا الآن ولا في المدى الزمني المنظور، وأظن أن رؤية ترامب أثبتت أن مثل هذا الأمر أكثر شيء مكروه للجانب الإسرائيلي وداعميه. هل يمكن فرض ذلك على الرغم مما سبق؟ حتى أصحاب هذا القول يقرون بأن الأمر سيحتاج لسنوات طويلة وربما عقود. أما في الحقيقة فإن الأمر أسوأ من هذا بكثير. واقعياً يخدم هذا الطرح بقصد أو بغير قصد تمكين إسرائيل من إنشاء إسرائيل الكبرى، والبدء في التخلص التدريجي من السكان. بكلمات أخرى، هذا يعني استسلاماً فلسطينياً كاملاً، التخلي عن الوجود الوطني والحقوق الوطنية الفلسطينية، مقابل بعض الحقوق الفردية نعرف جميعاً أنها لن تأتي. إضافة إلى ذلك فإن القيمة الواقعية الوحيدة لهذا الموقف الذي يزيل عملياً من وجهة نظر فلسطينية خط 1967 هي شرعنة المستعمرات والمستعمرين في أرض دولة فلسطين. وهو هدف أساسي للجانب الإسرائيلي شكل ركيزة العمل الإسرائيلي السياسي في العقود الماضية. ماذا يمكن لإسرائيلي متطرف أن يتمنى أفضل من ذلك؟ فلسطيني يتخلى عن حقوقه الوطنية ويتسبب في شرعنة الاستعمار الاستيطاني! أما عن الحقوق، فذلك الإسرائيلي المتطرف يعلم جيداً أنها لن تأتي أبداً، وأن المحتمل أكثر هو طرد هذا الفلسطيني من أرضه والتخلص منه لمصلحة الدولة اليهودية. دولياً، هناك عدد محدود من الجهات والأفراد الأجانب، بما في ذلك في إسرائيل، يطرح كلاماً شبيهاً. يقال مثلاً: إن أي ضم يدمر حل الدولتين. ماذا يعني هذا؟ هل يعني هذا تدمير فلسطين وتدمير إسرائيل؟ بالطبع لا، إنه يعني فقط تدمير فلسطين. ولهذا بالضبط يجب أن يكون غير مقبول. الضم يدمر التسوية التفاوضية، ولكنه لا يمكن أن يدمر الدولة الوطنية للشعب الفلسطيني، لأن حقوق الشعوب لا تذهب طالما أصر أصحابها على تحقيقها. يقود هذا إلى تعبيرات أخرى عن طريقة تفكير أو أرضية نظرية مفادها أن ما تقوم به إسرائيل يصبح حقيقة غير قابلة للتراجع عنها أو حتى قدراً يجب أن يحترم وأن يتم التعايش معه. لماذا؟ لأنهم إسرائيليون؟ لماذا هذه الانهزامية والاستسلام تحت قناع الصداقة للشعب الفلسطيني. الشعب الفلسطيني يقول ويصر على أن كل إجراء إسرائيلي غير قانوني وغير مقبول من الشعب الفلسطيني سيبقى كذلك إلى أن يزول، شأنه في ذلك شأن ما قام به كل المستعمرين السابقين. بعض الأصدقاء الأجانب من أصحاب النوايا الحسنة، يرون الكلام عن الدولة الواحدة حلاً لمشكلتهم هم لإرضاء ضمائرهم. من جهة فإن هذا الكلام يعكس قبولاً، وإن غير معلن، بأن الأرض لإسرائيل وهو يجنبهم الصراع المباشر مع إسرائيل، على الأقل في هذه المرحلة، ومن جهة ثانية هناك القيمة الأخلاقية لتجربة النضال في جنوب أفريقيا ضد «الأبارتهايد»، وكأن كل الحالات العادلة مثلها. هناك بالطبع قواسم مشتركة فكلاهما يشكل جريمة جسيمة وفقاً للقانون الدولي ولكن الفرق كبير. أولاً إن البيض في جنوب أفريقيا حتى العنصريين منهم، أصبحوا بعد 400 عام جزءاً من شعب جنوب أفريقيا، وثانياً الحل في جنوب أفريقيا كان تفكيك نظام «الأبارتهايد» وبقاء الجميع في إطار نظام ديمقراطي جديد. أما في دولة فلسطين فالحل هو إنهاء الاحتلال ودحر الاستعمار الاستيطاني ورحيل المستعمرين عن بلادنا، مثلهم مثل كل المستعمرين الذين سبقوهم في بلدان أخرى. ويصبح الأمر أكثر درامية عندما يحاول أحد هؤلاء إقناع الفلسطينيين بأننا في عالم تغير فيه مفهوم سيادة الدولة، بمعنى لا داعي ولا مبرر لإصرار الفلسطينيين على ممارسة سيادتهم في دولتهم. أو إقناعهم بما هو أسوأ مثل أن حق تقرير المصير مفهوم عفا عليه الزمن. هنا يبلغ الأمر حد الإهانة، ليس فقط الإهانة لوطنيتنا وحقوقنا الوطنية مثل أي شعب آخر على وجه الأرض، وإنما أيضاً إهانة لذكاء المواطن الذي يفترض فيه هؤلاء الغباء المطلق. ما جاء في رؤية ترامب حول هذا الموضوع مثال جيد. تقول الرؤية: «تقرير المصير هو للأمم. ستحاول الرؤية تنفيذ تقرير المصير بحد أقصى بينما تأخذ العوامل ذات الصلة بعين الاعتبار». سخافة ما بعدها سخافة لكنها تؤكد من دون قصد أن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني هو حق حقيقي وواقعي لا يمكن إنكاره أو تفاديه ولا يجوز التخلي عنه. البعض من «أصدقائنا» إذن يقولون بحل الدولتين ولكن فقط بمعنى أن إسرائيل هي الطرف الذي يعطي الفلسطينيين دولتهم على أن يكون ذلك من خلال التفاوض، وبعض «أصدقائنا» يقولون الدولة الواحدة هي الحل دون أي تعريف ودون تقديم أي حقوق محددة وحقيقية للشعب الفلسطيني. كلا الموقفين لا يتحدى الرواية الإسرائيلية بل ويقبلها عملياً؟ وكلا الموقفين يحاول تجنب مواجهة ما تقوم به إسرائيل، خاصة في مجال الاستعمار الاستيطاني. والموقفان هكذا مرفوضان من شعبنا بشكل مطلق. أخيراً يدعي بعض هؤلاء أن موقف المواطنين الفلسطينيين قد تغير، خاصة الشباب منهم، من موقف مؤيد لحل الدولتين، إلى موقف مؤيد للدولة الواحدة. والخدعة هنا مزدوجة، أولاً الخلط بين التسوية السياسية والتفاوض إلى الأبد من جهة، وبين الهوية الوطنية والدولة والوطنية من جانب آخر. الكثيرون فقدوا الثقة بما تسمى التسوية السياسية ولكنهم حتماً لم يغيروا موقفهم بشأن وجود دولة فلسطين والحقوق الوطنية الفلسطينية. ثانياً الدولة الواحدة من دون تعريف أو توضيح، يظهر الحديث وكأنه عن دولة ديمقراطية بحقوق متساوية للجميع، وهو هدف أظنه أخلاقياً وحتى نبيلاً. المشكلة بالطبع أنه غير قابل للتحقيق بسبب الموقف الإسرائيلي الشرس والرجعي وغير القابل للتغيير حول هذا الموضوع، وبسبب الموقف الدولي المعادي لذلك كما أسلفنا. في مواجهة كل ما سبق، نحن الشعب الفلسطيني ببساطة نتمسك بهويتنا الوطنية، وبحقوقنا الوطنية وبدولتنا الوطنية، ونصر على إنهاء الاحتلال ودحر الاستعمار الاستيطاني، ونؤكد أن هدفنا الوطني هو إنجاز الاستقلال الوطني في دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس، إلى جانب استعادة حقوق لاجئينا في العودة والملكية والتعويض. آن الأوان في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها شعبنا تأكيد الوحدة على برنامجنا الوطني وهدفنا الوطني المركزي، وتخليصه من الشوائب وصياغته بالشكل السليم. لأن هذه نقطة البداية لكل شيء مفيد لشعبنا ولقضيته الوطنية. 2020-07-26 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post معلّمي… مقالة إدوارد سعيد عن إبراهيم أبو لغد (ترجمة) next post إيران تنقل أكاديمية أسترالية- بريطانية إلى سجن “أكثر سوءا” You may also like فرانسيس توسا يكتب عن: “قبة حديدية” وجنود في... 24 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: وقف النار في الجنوب... 24 نوفمبر، 2024 مايكل آيزنشتات يكتب عن: مع تراجع قدرتها على... 21 نوفمبر، 2024 ما يكشفه مجلس بلدية نينوى عن الصراع الإيراني... 21 نوفمبر، 2024 غسان شربل يكتب عن: عودة هوكستين… وعودة الدولة 19 نوفمبر، 2024 حازم صاغية يكتب عن: حين ينهار كلّ شيء... 19 نوفمبر، 2024 رضوان السيد يكتب عن: ماذا جرى في «المدينة... 15 نوفمبر، 2024 عبد الرحمن الراشد يكتب عن: ترمب ومشروع تغيير... 15 نوفمبر، 2024 منير الربيع يكتب عن..لبنان: معركة الـ1701 أم حرب... 15 نوفمبر، 2024 حميد رضا عزيزي يكتب عن: هل يتماشى شرق... 15 نوفمبر، 2024 Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.