الروائي المصري الراحل إدوار الخراط (دار الشروق) ثقافة و فنون مي التلمساني توقع إدوار الخراط في فخ الكتابة المشتركة by admin 18 أبريل، 2024 written by admin 18 أبريل، 2024 98 “صدى يوم أخير” كتاب يضم قصتين إحداهما نشرت سابقاً في مجموعة لصاحب “رامة والتنين” اندبندنت عربية / عبد الكريم الحجراوي تشكل علاقة إدوار الخراط (1926 – 2015) بجيل كتّاب التسعينيات في مصر حالاً خاصة، تبلورت في كتاباته النقدية عنهم ودفعهم إلى الواجهة، ومشاركتهم الكتابة الإبداعية كما هي الحال في الرواية القصيرة (النوڤيلا) مع مي التلمساني “غرام وانتقام: الفنان والصحافية” التي كانت نشرتها مجلة “سيدتي” اللندنية مسلسلة في نهاية عام 2001 وبداية 2002. الرواية أعادت مي التلمساني نشرها هذا العام بعنوان مغاير “صدى يوم أخير” (دار الشروق – القاهرة)، وقدمت لها بمقدمتين شغلتا ثلث حجم الكتاب الذي يضم متن الرواية، وتسرد في أولاهما طبيعة علاقتها بإدوار الخراط ودعمه لها ولجيلها، وتركز في الثانية التي حملت عنوان “الكتابة بيديْن” على ظروف كتابة هذه الرواية عبر المراسلة بين قارات ثلاث (أفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية). ترسل فصول إدوار الخراط من القاهرة إلى لندن حيث مكتب المجلة، ومن لندن إلى مي التلمساني في مقر إقامتها في مونتريال في كندا، عبر الفاكس. ولكن بتقصي الأمر، اتضح أن الجزء الذي كتبه الخراط كان في الأصل قصة قصيرة نشرها ضمن مجموعة قصصية، وبذلك انتفت مسألة الكتابة المشتركة من أساسها. ويبدو أن مي التلمساني نفسها لم تكن تعرف هذه الحقيقة وقتها، وحتى بعدما دفعت العمل إلى النشر في كتاب يحمل توقيعها إلى جوار توقيع إدوار الخراط. وبعد أعوام من تجربة النشر في مجلة “سيدتي”، راحت التلمساني تبحث عن مخطوطها، أو أعداد المجلة التي نشرت فيها “الرواية” بفصولها الستة، وبحثت كذلك في مكتبة الخراط، ولكن من دون جدوى. لكنها تمكنت مصادفة من الحصول على المخطوط في أحد الصناديق المهملة في بيتها في كندا لتعيد كتابته على الكمبيوتر، مع إضافة تعديلات بسيطة هنا وهناك كما ذكرت، بينما تركت نص الخراط بلا تعديل. الغائب الحاضر الكتاب المزدوج (دار الشروق) تحتفي التلمساني بتلك التجربة الثنائية وتصفها بأنها “شكل من أشكال الكتابة التفاعلية التي بدأت بالانتشار على الإنترنت”، مشيرة إلى أنها “جاءت بلا خطة مسبقة وبلا سقف للتوقعات”، وتتعجب كيف جرى بينهما ذلك الحوار الصامت عبر المحيط وجمعهما لأشهر عدة، بينما لم تتَح لهما في الواقع فرصة الحديث عن التجربة نفسها. (ص19: 20) هذا التفاعل الذي تشير إليه التلمساني بحاجة إلى وقفة، خصوصاً إذا عرفنا أن إدوار الخراط كان بالفعل انتهى من كتابة الجزء الخاص به من تلك الرواية التي لم يكتبها كرواية بالأساس وإنما كقصة قصيرة ونشرها في مجموعته القصصية “مضارب الأهواء” (دار البستاني – القاهرة/ 2003)، وهي سابع قصص المجموعة من حيث الترتيب وتشغل الصفحات من 75 إلى 97 تحت اسم “النحات والصحافية”. كتبها الخراط في أتيليه القاهرة، في الـ26 من يوليو (تموز) 2001 وحتى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2002، كما يبين في نهاية القصة المنشورة، علماً أن نشر حلقات الرواية بدأ في أكتوبر (تشرين الأول) 2002 وانتهى في مارس (آذار) 2003 على صفحات المجلة. وهذا يفتح باب التساؤل حول هل شارك الخرط بالفعل في كتابة رواية تفاعلية بقلمين أم أن نصه كان جاهزاً منذ البداية؟، والإجابة أن الخراط يضعف فكرة أن يكون كتب فصوله من الرواية بصورة تفاعلية، إذ كان انتهى منها قبل أربعة أشهر من نهاية نشر حلقاتها في المجلة، أي إنها كانت عملاً مكتملاً قبل الشروع في نشرها. والأرجح أن الخراط قام بتقسيم قصته تلك إلى ثلاثة فصول متساوية وأحدث فيها بعض التغييرات الطفيفة ثم نشرت كحلقات من رواية تشاركه في الحبك على منوالها مي التلمساني على صفحات مجلة “سيدتي”، من دون أن يعرف أحد سواه ذلك. الكاتبة المصرية مي التلمساني (دار الشروق) ويدل ذلك على أن تفاعل الخراط مع ما تكتبه التلمساني لم يكُن كما كانت تظن، فهو لم يكن ينتظر ما تكتب ثم يتفاعل معه، “فتقوم هاديا سعيد مسؤولة مجلة “سيدتي” وقتها بجمعه وإرساله إلى إدوار ليمسك بخيط الحكاية من جديد ويوجهها حيث شاء” ص17. ولم يكُن الأمر كما اعتقدت التلمساني “بأنها بصدد كتابة رواية قصيرة من ستة فصول، نعرف كيف بدأت ونترقب كيف ستنتهي” ص18 لأن الخراط كان ممسكاً بخيوط اللعبة منذ البداية حتى النهاية، يعرف بدايتها ونهايتها، وحدّد عدد فصولها طبقاً لما خطّه مسبقاً، ولم يترك شيئاً، في الأقل من جانبه، للأخذ والرد، وتغيير شيء مما كتبه من قبل. فتفاعل الخراط كان محدوداً مع ما كتبته التلمساني بإضفاء تغييرات بسيطة هنا وهناك لتوحي بحدوثه، وهو ما تكشفه المقارنة بين ما هو موجود في الرواية التي نشرتها التلمساني والقصة التي نشرها الخراط، فتلك التغييرات لا تحدث فارقاً جوهرياً بين الاثنين. تغيير العنوان ويمكن رصد الاختلافات من العنوان الذي لحقته تغييرات عدة، فأثناء نشر العمل في مجلة “سيدتي”، اختار له إدوار الخراط عنوان “النحات والصحافية”، وهو نفسه الذي نشرت تحته القصة في مجموعة “مضارب الأهواء”. ثم تغير العنوان، كما تبين المراسلات بين المجلة والخراط ومي، أمدتني التلمساني بصورة من تلك المراسلات، بأنه جرى الشطب على كلمة “النحات” وأضيف بدلاً منها “الفنان” ليكون العنوان “الفنان والصحافية”، ونتيجة لهذا التغيير تغيرت كلمات داخل القصة بأن بدّل الخراط على سبيل المثال كلمة “منحوتة” التي تتوافق مع وظيفية النحات إلى كلمة “لوحة” للتوافق مع وظيفية الفنان التشكيلي. لكن مع الحلقة الثالثة من الرواية المسلسلة كما تبين المراسلات، ظهر للمرة الأولى اسم “غرام وانتقام” وتحته كعنوان فرعي “الفنان والصحافية”، علماً أن فيلم “غرام وانتقام” جرت الإحالة إليه من قبل التلمساني في الحلقة الثانية من الرواية. ورجّحت التلمساني في المقدمة أن هذا الاسم ربما كان من اختيار المجلة، أو إدوار الخراط نفسه، “المولع بأفلام السينما المصرية” ص 44. بينما اختارت التلمساني لهذا العمل المشترك عنوان “صدى يوم أخير”، معللة ذلك الاختيار بأنه “جملة تليق بأحداث الرواية وتحيل للنهايات الشجية، على رغم أن الحكاية بدأت مفرحة” ص 15. وبالفعل ترد هذه الجملة في الفصل الثالث الذي كتبه إدوار الخراط من الراوية ص 60. بين القصة والرواية ويمكن تقسيم الاختلافات التي جاءت بين القصة التي نشرها الخراط وما خطّه في الرواية إلى أشكال عدة، الأول جاء كنوع من التدقيق أثناء إعادة الكتابة. ومن هذه الاختلافات البسيطة التي تراعي الدقة وصف الخراط لتمثال فنان فرنسي “ولكنها بمجرد أن تمسها تتحرك حركة إيقاعية كأنها نغمات موسيقى هائلة” (الرواية، ص28) وفي قصة “النحات والصحافية” تأتي بصورة أكثر دقة، “ولكن بمجرد أن تمسّها تتحرك حركة إيقاعية، كأنها نغمات موسيقية غير مسموعة لكنها مرئية مجسّمة” (القصة، ص 76). وهناك تغييرات ربما قام بها محرر المجلة، مثل تغيير جملة “كان قد وضع عينيه” (القصة ص77) إلى “وضع على عينيه…” (الرواية ص29) “كان النحات الألماني ينهي…” (القصة، ص78) إلى “النحات الألماني ينهي…” (الرواية ص29). وهناك تغييرات جاءت بفعل الرقابة سواء الداخلية من قبل الخراط لأنه يراعي أن قصته ستنشر في مجلة عامة، أو ربما هي تغييرات من محرر المجلة نفسه، وتتعلق بالأوصاف الجنسية وألفاظ مثل الإيروسية والشبقية… إلخ. ففي القصة توجد جملة “وعلى مائدة رخامية رأى منحوتة إدريس: ليلى مضطجعة في إهابها الحجري الطوبي المحروق في وهج إيروسي يكاد يصل إلى نشوة صوفية” (القصة ص94: 95)، بينما في الرواية اكتفى بعبارة “وعلى الجدار المقابل لوحة إدريس” (ص80) والأمثلة متنوعة على هذا النوع من التغييرات. وهناك تعديلات جاءت نتيجة لعدم الدقة في جمع ما كتبه الخراط والنموذج الواضح على هذه النوعية من الأخطاء ما ورد في الرواية في الصفحة 78 “جحيم إدريس المدار بالظلمات”، بينما الصحيح هو ما جاء في القصة “جحيم هاديس الموَّار بالظلمات” ص92. فتحولت هاديس إلى إدريس، والموار إلى المدار، مما أفقد الجملة معناها المراد. فالهاديس هو العالم السفلي في الميثولوجيا اليونانية القديمة، ويعتبر النظير المظلم بالنسبة إلى سطوع جبل أوليمبوس مع مملكة الموتى المقابلة لمملكة الآلهة. الجحيم هو عالم غير مرئي للحياة، مصنوع فقط للموتى، علماً أن هذا الخطأ موجود في المخطوط الذي أرسلته إدارة تحرير مجلة “سيدتي” إلى التلمساني، وليس الخطأ نابعاً منها أثناء إعادة تجميع المراسلات لنشرها في رواية مستقلة. حذف وإضافة وهناك نوع من التغييرات ربما من صنع الخراط نفسه أيضاً يرتبط بإضافة فقرة ما أو حذفها وهي تحدث في أضيق الحدود، ومن ذلك مشهد الطفل الذي يسقط من أعلى الجبل وأنقذه إدريس. فكان هذا الموقف سبباً من أسباب إعجاب ليلى وتعلقها بإدريس، علماً أن هذا المشهد غير موجود في الرواية وموجود في القصة. والمشهد الثاني يتعلق بوليمة الطعام في منزل ليلى، فهو حاضر في الرواية وغائب عن القصة. ومن التغييرات التي صنعها الخراط ليحدث نوعاً من أنواع الربط مع ما كتبته التلمساني، جعل الحديث في الرواية على لسان شخصية ناهد، بينما في القصة يكون على لسان شخصية سناء. ومن ذلك أيضاً إنهاء التلمساني الفصل الثاني بجملة “هاتي ما عندك يا ناهد”، فيبدأ الخراط الفصل الثالث بجملة “تحكي ناهد، عيناها تتوهجان بخضرة مشتعلة وهي تحكي عن ليلة يوم ميلاد ليلى” ص 53 بينما في القصة، غير المقسّمة إلى أجزاء، تغيب جملة “تحكي ناهد”، وتبدأ الفقرة مباشرة “ناهد عيناها تتوهجان بخضرة مشتعلة وهي تحكي عن ليلة يوم ميلاد ليلى” (القصة ص87) ففي فقرة الرواية تبدو كلمة “تحكي” مقحمة ومكرّرة. وتظهر جملة “تحكي ناهد” في قصة الخراط لكن في موضع آخر، بينما تغيب عن هذا الموضع في الرواية، كأن الخراط غيَّر مكانها متعمداً، ليوهم بتفاعله مع ما تكتبه التلمساني ويحدث عملية الربط بين النصين. وعلى كلٍّ تظل هذا التغييرات محدودة ولا تقدم فرقاً جوهرياً في مسار الأحداث التي كتبها مسبقاً، وإن كان تفاعله مع ما كتبته التلمساني في أضيق الحدود. المزيد عن: كتاب مشتركالقصة القصيرةنصوصالواقعيةالقاهرةكنداكتابة مشتركةالسردحكاية 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post عبده وازن يكتب عن: وجدي معوض متهم باللاسامية في ألمانيا وبالتطبيع في لبنان next post المروحية “إنجينويتي” تبعث برسالتها الأخيرة من المريخ You may also like فلسطين حاضرة في انطلاق مهرجان القاهرة السينمائي 14 نوفمبر، 2024 أنجلينا جولي تواجه شخصية ماريا كالاس في فيلم جديد 14 نوفمبر، 2024 المسرح الباريسي يتذكر شوينبرغ من خلال 12 حياة... 14 نوفمبر، 2024 الكنز المفقود… ماذا يخفي نهر النيل؟ 13 نوفمبر، 2024 سيمون فتال: السومريون أنتجوا أجمل الفنون وهي الأساس 13 نوفمبر، 2024 محمود الزيباوي يكتب عن: نصبان جنائزيان من مقبرة... 13 نوفمبر، 2024 شوقي بزيع يكتب عن: أي دور للكتاب والمبدعين... 13 نوفمبر، 2024 كيف تستعيد الجزائر علماءها المهاجرين؟ 12 نوفمبر، 2024 مثقفان فرنسيان يتناقشان حول اللاسامية في “المواجهة” 12 نوفمبر، 2024 مكتبة لورين غروف تتحدى حظر الكتب في أرض... 12 نوفمبر، 2024