ميكولاس تشورليونيس وفي الخلفية لوحة _الجنة_ (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) ثقافة و فنون ميكولاس تشورليونيس… فنان ليتوانيا الأعظم الذي رسم الكون قبل اكتشافه by admin 29 مايو، 2025 written by admin 29 مايو، 2025 19 تحتفل بلاده هذه السنة بمرور 150 سنة على ميلاده اندبندنت عربية / علي شرف الدين صحافي @AlCharafeddine داخل قاعة دافئة، تتوسطها مجموعة من الكراسي الدوارة، يجلس الحضور وهم يرتدون نظارات الواقع الافتراضي. بعد لحظات قليلة سيسبرون عالماً خيالياً جميلاً تملؤه كائنات غريبة ويعيش فيه المشاركون مشاهدات خيالية، لكنها واقعية جداً تواكبها موسيقى مستوحاة من الأجواء السوريالية هذه. لم تكن جلسة الواقع الافتراضي هذه سوى تجربة فنية مبتكرة، مستوحاة بالكامل من أعمال ميكولاس تشورليونيس الفنية والموسيقية، ذلك الفنان النابغة الذي تحتفل ليتوانيا طوال العام الحالي بمرور 150 سنة على ميلاده، والذي جمع بين الألوان والأصوات، بين الفن والموسيقى، فابتكر عوالم كاملة من الخيال. ليس من المبالغة القول إن قلة من الأمم تفتخر بأحد أبنائها العباقرة كما تفخر ليتوانيا بـتشورليونيس – رمز نهضتها الثقافية الحديثة، وأحد أبرز فناني أوروبا في مطلع القرن الـ20. ولد تشورليونيس عام 1875 في فارينا، التي تقع اليوم في جنوب شرقي ليتوانيا، في زمن كانت فيه البلاد ترزح تحت الحكم القيصري الروسي. وعلى رغم أن لغته الأم كانت البولندية، كما كان الحال لدى معظم سكان المدن في المقاطعات الليتوانية – البولندية، إلا أن أعماله، التي نهلت من روح الطبيعة الليتوانية، شكلت دليلاً واضحاً على هويته وانحيازه الفني والثقافي لوطنه. النهضة الليتوانية اعتبر تشورليونيس نفسه ليتوانياً بلا مواربة، فجسدت أعماله الموسيقية والتشكيلية ملامح الطبيعة المحلية، وتغنت بتفاصيلها. كما كان له دور بارز في النهضة الثقافية مطلع القرن الـ20، إذ تبنى الأغاني الشعبية الليتوانية، وأعاد تقديمها في قوالب موسيقية حديثة، ما جعل من فنه صوتاً وطنياً بامتياز. حكاية خرافية عن الملوك (1909) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) وعلى رغم عدم إلمامه باللغة الليتوانية في شبابه، فإنه حرص على تعلمها لاحقاً بمساعدة زوجته صوفيا. فتجربة تشورليونيس في التماهي ثقافياً مع البولنديين، إلى جانب ما تعرض له من تمييز كليتواني في كل من وارسو ولايبزيغ، أدتا إلى تنمية حس بالعدالة الاجتماعية لديه فيما يخص حقوق الليتوانيين. فأسس جوقة لـ”جمعية وارسو الليتوانية للمنفعة المتبادلة”، كما أصبح نائب رئيس “جمعية الفن الليتوانية” عام 1907. لعب تشورليونيس دوراً فاعلاً في تأسيس مجموعات تعنى بتعزيز الثقافة والمصالح الوطنية الليتوانية، وكان من أبرز من أسهموا في دفع الحركة الثقافية الوطنية قدماً رغم أنه لم يعش ليرى استقلال بلاده عام 1918. تمازج الموسيقى والرسومات من أبرز ما يميز تجربة تشورليونيس الفنية ظاهرة نادرة تعرف بـ”التزامن الحسي” Synaesthesia وهي ظاهرة إدراكية يؤدي فيها تحفيز مسلك حسي أو إدراكي واحد إلى تجارب لا إرادية في مسلك حسي أو إدراكي ثانٍ. بكلام آخر كان يسمع الألوان ويرى الأصوات، ما ساعده على ابتكار أعمال فنية متعددة الحواس وغنية بالطبقات وتعبر في آنٍ واحدٍ عن الموسيقى والرسم وتنبض بالحياة من كل الجهات. ويقول الباحث في مجال الفنون ديلان مكنيل في هذا الصدد، “كان واضحاً أن القصد من أعماله الفنية والموسيقية أن تعرض بصورة متزامنة للجمهور من خلال ’الحس المتزامن‘”. ففي عام 1909 في سانت بطرسبورغ قدم تشورليونيس مؤلفته السيمفونية “البحر” مصحوبة بعرض مجموعة من لوحاته الفنية بعنوان “سوناتا البحر”. ويضيف مكنيل “يعد هذا العرض من أبرز تعبيرات ’الحس المتزامن‘، حيث يدمج الفن في مجال الموسيقى والموسيقى في الفن”. إنتاج غزير في وقت قصير استكشفت مؤلفات تشورليونيس الأساطير، والطبيعة، والعالم الروحاني، والكون. وتضم أعماله التشكيلية مجموعات متنوعة، من أبرزها “سوناتا”، و”الأبراج الفلكية”، و”خلق الكون” وهي واحدة من أكثر مجموعاته إدهاشاً، إذ تتألف من 13 لوحة تصور رؤيته لقصة الخلق، وتدمج عناصر أسطورية وتفسيرات صوفية خاصة به، وتحوي تشكيلات تشبه سدماً دوامة ونجوماً متوهجة تماثل بصورة غريبة صوراً من أطراف الكون التقطت بعد قرن من الزمن. كتب تشورليونيس في إحدى رسائله عن هذه المجموعة من اللوحات “أعتزم مواصلة رسمها حتى آخر أيامي… هذه صورة إبداعية لعالم مختلف عن عالمنا، وليس وفقاً للكتاب المقدس. عالم آخر – عالم خيالي”. كما أبدع تشورليونيس سبع مجموعات “سوناتا” وهي رسومات فنية استوحت كل منها من حركة أو شعور محدد، تحمل عناوين مثل “سوناتا الشمس”، و”سوناتا الربيع”، و”سوناتا البحر”. تظهر هذه المجموعات قدرته الفريدة على ترجمة المبادئ الموسيقية إلى أشكال بصرية. أعمال ميكولاس تشورليونيس الفنية وتعدان السوناتا الخامسة والسادسة (البحر والنجوم على التوالي) أسمى إنجازات تشورليونيس في سعيه لتجسيد البنية الموسيقية للفوغا والسوناتا. فهذه السلسلة، التي تصور أمواج بحر البلطيق والكثبان الرملية التي تنمو عليها أشجار الصنوبر، تمنح المشاهد انطباعاً فورياً، إذ إن الأيام السعيدة التي قضاها مع خطيبته المحبوبة على شاطئ البحر قد أضفت على السوناتا ألواناً مبهجة وإيقاعات باعثة على الانتشاء. وإضافة إلى ما أنجز من تحديث للفلكلور الليتواني، ضم الإنتاج الموسيقي لـتشورليونيس أكثر من 200 مؤلفة للبيانو ومقطوعاًت للأوركسترا أهمها، “في الغابة”، و”البحر”. النهاية المبكرة كان تشورليونيس، بوصفه شخصية استثنائية، ذا تأثير قوي من حوله. تكتب شقيقته يدفيغا في مذكراتها أن صديقه المقرب فلودزيميج مورافسكي، شقيق الملحن البولندي أوغينيوش مورافسكي – دومبروفا كان يقول عنه “كنا نشعر جميعنا أن بيننا شخص غير عادي، يتميز ليس فقط بذكاء حاد، بل بقوة أخلاقية هائلة”. وجاء أيضاً في مذكراتها أن أكثر ما كان يزعجه هو أن يطلب منه “شرح” محتوى إحدى لوحاته. كان يستاء ويقول: “لماذا لا يتمعنون بالنظر؟ لماذا لا يجهدون أنفسهم؟ فكل شخص يرى الأعمال الفنية ويفسرها بصورة مختلفة”. سوناتا رقم 7 (سوناتا الأهرام). أليغرو (1908) (الموقع الإلكتروني لمتحف تشورليونيس) منذ عام 1909، وخلال إقامته في سانت بطرسبورغ، أنهك تشورليونيس نفسه بالعمل في محاولة للخروج من وضعه المالي الصعب هو وزوجته. لكن صحته تدهورت بشدة، فغادر المدينة وانتقل إلى منتجع صحي في بولندا. لكنه، ككثير من العباقرة، لم يعمر طويلاً. ففي أبريل (نيسان) 1911، وأثناء فترة تعافيه، أصيب بالتهاب رئوي خلال إحدى نزهاته، وتوفي قبل أن يبلغ الـ36 من عمره. رغم قصر حياته، ترك تشورليونيس إرثاً غنياً من نحو 300 لوحة فنية ونحو 400 مؤلف موسيقي، وقدم مساهمة مهمة في تيارات “الرمزية” وفن “آرت نوفو”، وكان من ممثلي الحقبة المعروفة بـ”نهاية القرن” fin de siècle. ويعد من بين رواد الفن التجريدي في أوروبا. المزيد عن: ميكولاس تشورليونيسليتوانياالتزامن الحسيحقبةالفن الأوروبي 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post Canada Post, union set to return to bargaining table as OT ban continues next post “سويني يحتضر” تمرين إليوت الأولي على الكتابة المسرحية You may also like “سويني يحتضر” تمرين إليوت الأولي على الكتابة المسرحية 29 مايو، 2025 شوقي بزيع يكتب عن: «دون جوان» صديق المرايا... 28 مايو، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: قطع عاجية من موقع... 28 مايو، 2025 بول موران يعود في “جلاد إشبيلية” إلى علاقة... 27 مايو، 2025 مهى سلطان تكتب عن: الهوية والذاكرة في الفن... 27 مايو، 2025 نتائج سياسية للدورة الـ78 في «كان» 27 مايو، 2025 الرواية وخطابها في “صلاة القلق” لمحمد سمير ندا 27 مايو، 2025 كيف توزعت جوائز مهرجان كان السينمائي؟ 27 مايو، 2025 “عائشة لا تستطيع الطيران” في قاهرة الغربة 25 مايو، 2025 “أسطورة العود الأبدي”… تأسيس للموسوعة الكبرى في تاريخ... 25 مايو، 2025