الإثنين, مايو 12, 2025
الإثنين, مايو 12, 2025
Home » مونتسكيو يخرق صرامة “روح الشرائع” بكتابة لئيمة ساخرة

مونتسكيو يخرق صرامة “روح الشرائع” بكتابة لئيمة ساخرة

by admin

 

بدت مؤلفات المفكر التنويري الفرنسي في غاية الحداثة مستخدماً اللغة المضادة لتعرية عنصريي زمنه وكل الأزمنة

اندبندنت عربية / إبراهيم العريس باحث وكاتب

.

للوهلة الأولى يترك المفكر الفرنسي التنويري البارون دي مونتسكيو (1689 – 1755) انطباعاً جاهزاً بالصرامة والغرق في الجدية لدى من يقرأون له أو يعرفون شيئاً عن مؤلفاته ونضالاته الفكرية، فهذا المؤلف الكبير صاحب الكتاب التأسيسي في قوانين الأمم والباع الطويل في شؤون البشر وتفاعلهم مع تقلبات المناخ، الذي يعد عادة من بين رهط من فلاسفة ومبدعين مهدوا لمجيء الثورة الفرنسية من دون أن يكونوا مسؤولين عن الإرهاب الذي تحولت إليه، هو في نهاية الأمر صاحب “شرائع الأمم” الذي يضم في أجزائه التي تناهز الـ30 جزءاً تفاصيل تتعلق بكل ما عرفه الفكر البشري والمجتمعات الإنسانية من قوانين وقواعد، لم يكن من شأنه أن يكون خفيف الظل سلس الكتابة متصالحاً مع روح العالم. لكنه كان كل ذلك في حقيقة أمره، بل لعله، إلى جانب فولتير وجان جاك روسو، الأخف ظلاً والأطرف لغة بين المفكرين والفلاسفة على مر الأزمنة.

وإذا كان في مقدورنا أن نعثر على كثير من الشواهد على ما نقول، ربما سيكون التحدي الأكبر الذي نطرحه في هذا السباق، مرتبطاً بكتابه الأصعب، والذي قد يضاهي في صعوبته وثقله المفترض، كتاب “السياسة” لأرسطو بل حتى كتاب “فينومينولوجيا الروح” لهيغل مجتمعين، ففي “روح الشرائع” لن يفوتنا أن نمر بين الحين والآخر على لفتات وفقرات يبدو فيها الكاتب وكأنه ينتمي إلى عالم الكتابة الساخرة التي تمكن صاحبها الضليع في استخدام اللغة وتفاعلاتها، من التبحر في مواضيع تبدو للوهلة الأولى شديدة الحساسية. ولسوف نكتشف عبر استعراض نموذج محدد من هذه الكتابة كيف أن مونتسكيو لم يكن، في اللجوء إليها، يلهو أو يحاول اللعب على قرائه المفترضين، بل يجعل ذلك اللجوء جزءاً أساسياً من فكرانيته ومعركته.

لغة لقول عكس ما تقول

نموذجنا الذي نتناوله هنا مأخوذ مباشرة من الطبعة الأولى من “روح الشرائع” وتحديداً من فصل سيشتهر كثيراً عنوانه “حول استعباد الزنوج“. وفي الفقرة التي تعنينا من هذا الفصل ينطلق مونتسكيو قائلاً، “إنني إذا ما وجدت لزاماً علي أن أساند الحق الذي حصلنا عليه (نحن معشر الأوروبيين) متمثلاً في حقنا في تحويل الزنوج إلى عبيد لنا، ذلكم ما سأتمكن من قوله لمن يسألونني محتجين، إنه لمن حق الشعوب الأوروبية، بعدما تمكنت من استعباد الشعوب الأفريقية، أن تستخدم تلك الشعوب لاستصلاح قطع كبيرة من الأراضي غير الصالحة قبلاً للزراعة”.

ومن المؤكد أن السكر سيكون باهظ الكلفة أكثر مما ينبغي إن نحن لم نستخدم عبيدنا في زراعة النباتات التي ننتج السكر منها. أما العبيد الذين نستفيد من استغلالهم في هذا الشأن، فهم سود البشرة من أعلى رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم، وأنوفهم فطساء إلى درجة يصبح معها من المستحيل أن يتمكنوا من إبداء أي شكوى على ذلك”.

لا أرواح لتلك الأجساد

بعد أن ينطلق مونتسكيو في ذلك “التأكيد” يتحول إلى ناحية أخرى قائلاً إن الواحد منا (ودائماً ’نحن معشر الأوروبيين’ في تعبيره) “لا يمكنه أن يحمل نفسه فكرة أن الرب، الذي هو كان عاقلاً إلى أبعد حد، قد وضع روحاً، لا سيما روحاً طيبة، داخل جسد أسود اللون إلى هذا الحد”، وذلك بالتحديد لأن الكاتب يرى، مع آخرين أنه من الطبيعي الاعتقاد بأن اللون هو ما يشكل جوهر البشرية، “وأن شعوب القارة الآسيوية، لا سيما المخصيون من بينهم قد أمعنوا في حرمان السود في العلاقة التي يقيمها هؤلاء معنا، بشكل صارخ لا لبس فيه”.

وإذ يقول مونتسكيو هذا بالغموض الذي تعمده فيه، ينتقل من فوره للإشارة إلى أن “من شأننا هنا أن نحكم على لون البشرة انطلاقاً من لون شعر صاحبها، وفي هذا السياق يجدر بنا أن نعلم أن المصريين بوصفهم أعظم فلاسفة عرفهم العالم كانوا في هذا الصدد حاسمين، وبخاصة حين أجهزوا على كل الرجال ذوي الشعر الأصهب الذين كانوا يقعون في أيديهم”.

وفي انتقال إلى “ما يفتقر إليه السود من حس سليم”، كما يخبرنا مونتسكيو ناقلاً الفكرة عن أنصار استعباد السود، ها هو الكاتب يخبرنا كيف أن هؤلاء السود يفضلون عادة العقود الزجاجية على الذهب الذي يتعامل معه أهل الحضارات المتحدثة بوصفه معدناً ثميناً، ومن هنا نرى البيض ما أن يصلوا إلى بقعة يحتلونها في أفريقيا، يبدأون قبل إبادة السود أو الاستيلاء عليهم لتحويلهم عبيداً يخدمونهم، يبدأون بأن يعطوهم عقوداً زجاجية يحصلون مقابلها على كميات كبيرة من الذهب الرنان.

هل هم بشر حقيقيون؟

وإذ يتحدث صاحب “روح الشرائع” عن تلك التبادلات التجارية العادلة مستنداً إلى معلومات وأخبار موثوقة، ينتقل إلى بعض الاستخلاص بتساؤل بالغ الجدية يقول فيه إنه “من المستحيل علينا في الأرجح أن نفترض أن هؤلاء السود بشر حقيقيون”، وذلك لأننا إذا افترضناهم بشراً سيكون علينا أن نبدأ بالافتراض بأننا نحن من ناحيتنا لسنا مسيحيين.

وفي هذا السياق يذكرنا مونتسكيو على أي حال بأن ثمة في هذا العالم ذوو عقول صغيرة يبالغون في حديثهم عن الظلم الذي نحيطه بالأفريقيين، وذلك بالتحديد “لأنه لو كانت الأمور كما يقولون ظالمة لهؤلاء لما كان من شأنها أن تخطر على بال أمراء أوروبا الذين يمضون جل وقتهم وهم يوقعون ويتبادلون في ما بينهم اتفاقات ومعاهدات ومواثيق غير مجدية، همها العمل المعمم في سبيل الرحمة والمحبة والبر بين البشر.

سيرة مؤلف

كان البارون دي مونتسكيو، الذي عاش حياته الفكرية تحت شعار مفاده أن “الطاعة القصوى تفرض بممارسها أن يكون جاهلاً تماماً ما يطيع فيه”. كان أرستقراطياً متنوراً مؤلفاً في العلوم وبرلمانياً ورجل مجتمع وعالماً ورحالة محباً للعلوم والآداب يلتهمه شغف بالمعرفة وفضول هائل، وهو دائماً ما يعد رائداً من كبار رواد الفكر التنويري في فرنسا.

وعرف هذا التنويري بعقله الناقد وأسلوبه الساخر وإصداره عديداً من المؤلفات الاقتصادية والتاريخية والقانونية التي دائماً ما يتصدرها مبدأ التسامح الذي كان عزيزاً عليه. وهو أمضى معظم سنوات حياته في رصد دقيق وواع للمجتمعات والأنظمة السياسية، ودأب على تحليل معمق لتصرفات البشر.

ومن المعروف أنه في مؤلفه الأساس “روح الشرائع” اهتم برصد القوانين والأعراف المعمول بها في الحضارات القائمة كما في تلك التي اندثرت. كما أنه من ناحية أخرى وفي مضمار ثان ارتبط به طرح تساؤلات علمية كثيرة من حول المؤثرات السيكولوجية والفيزيولوجية للمناخ على أحوال البشر ومسالكهم، بحيث يمكن اعتباره من مؤسسي الجغرافيا الاجتماعية والسياسية في تاريخ العلوم الإنسانية.

المزيد عن: أوروباأفريقيافرنساالسودالعبيدالمسيحيةالبارون دي مونتسكيو

 

You may also like

Editor-in-Chief: Nabil El-bkaili

CANADAVOICE is a free website  officially registered in NS / Canada.

 We are talking about CANADA’S international relations and their repercussions on

peace in the world.

 We care about matters related to asylum ,  refugees , immigration and their role in the development of CANADA.

We care about the economic and Culture movement and living in CANADA and the economic activity and its development in NOVA  SCOTIA and all Canadian provinces.

 CANADA VOICE is THE VOICE OF CANADA to the world

Published By : 4381689 CANADA VOICE \ EPUBLISHING \ NEWS – MEDIA WEBSITE

Tegistry id 438173 NS-HALIFAX

1013-5565 Nora Bernard str B3K 5K9  NS – Halifax  Canada

1 902 2217137 –

Email: nelbkaili@yahoo.com 

 

Editor-in-Chief : Nabil El-bkaili