موسى اليوسف من بيروت : ايقونات الثورة اللبنانية والعقل الذكوري العربي

خاص : موسى اليوسف/ بيروت

كل ثورة لها أيقونة ، أو اغنية ، أو طرفة.
في كل ثورة يكثر «المنظرين» على القنوات التلفزيونية …ومعظم الثورات لها شامتين وشتامين و» ثورة مضادة». وكل ميدان أو ساحة فيه طرفة أو نكته.
والنكته الواحدة تجر خلفها عشرات النكت، واغلبها يدور حول الحكام المستهدفين من قبل الثوار.

لبنان لم يشذ عن هذا الحال .. ظهر فيه كل
الخليط من « التفاعل» السلبي والايجابي.

مصر التي يقولون انها ام الدنيا ، وام النكته.. والبعض يقول « مهبط النكته» العربية بدأت النكته عن الثورة اللبنانية.
قبل ذلك كان الثوار اللبنانيون دخلوا في عمق قاموس الشتائم .

بدأت الشتائم »جادة» تستهدف رئيس التيار الوطني الحر ( الحاكم ) الذي يقف على قائمة المستهدفين في الساحات والشوارع، وهو يحتل أيضا قائمة غير المرغبين في الدولة …والأول في « السآلة بين السمجين» في صفوف المنظومة الحاكمة.
مع مرور الوقت انقلبت النكته « الجادة» الى أخرى فيها كثير من السخرية والاستهزاء ، وبعضها كان نكته « مصورة» ومركبة بطريقة حرفية.

في مصر النكته “تأتي وحدها» من دون مؤلفين وموزعين ، حدث ذلك إبان « ثورة يناير» ضد الرئيس حسني مبارك ، رغم أن الشعب المصري المعروف بخفة دمه لا يحتاج إلى مناسبة لإطلاق النكات .

من النكات الشائعة : « سألوا الرئيس حسني مبارك عن رأيه في التغيير ، قال : التغيير ده سنة الحياة .قالوا ؛ طب وسيادتك مش حتتغير؟ قال : انا فرض مش سنة.»

سريعا وصلت النكته المصرية إلى لبنان عن طريق رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس حول الحضور النسائي في ثورة اليمن ولبنان : “قاعد بتفرج على مظاهرات لبنان ، اول ما حسيت مراتي دخلت حولت على اليمن».

علاء مبارك ، نجل الرئيس المخلوع حسني مبارك تلى ساويرس ونشر على حسابه في» تويتر « صورة لمتظاهرات « حسناوات» في لبنان ، يقول : الناس دي لو كان نزل زيهم عندنا في ٢٥ يناير ، كان علاء وجمال نزلوا الميدان يهتفوا ضد أبوهم.

عقب ردود فعل غاضبة في لبنان ، صدر عن محتجين ، قال علاء مبارك : «نشر البوست لا يقصد به إساءة وانما مجرد دعابة بالتأكيد كل الاحترام والتقدير لشعب لبنان …يا سيدي شوية ضحك في وسط الهم اللي احنا فيه».

مغردون في لبنان اعتبروا أن نكتة ساويرس ومبارك فيها إساءة للمرأة اللبنانية ، خصوصا تعقيب لساويرس قال فيه « حتى لو خانني التعبير فأن ناقل الكفر ليس بكافر».
واعتبرت تغريدات لبنانية ، أن « تغريدت ساويرس فيها تمييزجنسي ، وانتقاص من مشاركة اللبنانيات في الحراك ، وإظهار اللبنانية الجميله والأنيقة ل « الفرجة» و « التلصلص» على مفاتنها ، وان تعاطيها في السياسة ليس جديا «.

لماذا كل هذا الغضب على وصفكم بالحسناوات ، هل اسقطم هذا الوصف على شئ ما موجود باذهانكم أو بسلوككم لم يكن مقصودا عند المغردين الذين تناولوكم في تغريداتهم ؟
سؤال طرحته على ناشطة في المجتمع المدني التحقت بالثورة من بدايتها.
تقول : كلا ، لم نفسر ما قيل أكثر مما فيه . في الحقيقة أن سوء النية وسوء القصد موجود عندهم ،لماذا ينشغلون بالصبايا ولا تشغلهم ثورة سوف تخلف تداعيات كبيرة في العالم العربي .

إذا فشلت ثورتنا ربما نحتاج إلى جيل بكامله لإطلاق ثورة جديدة ، لماذا هذا الهزار ونحن في هكذا ظروف. لماذا هذا الاستخفاف بالمرأة اللبنانية.
– في السودان الذي سبقكم إلى الثورة تحدث العالم كله عن الكنداكات. أكثر من نصف الثوار هناك كانوا من النساء .ومثل لبنان غنوا وانشدوا ورقصوا. لا احتجاجات ولا غضب ولا عتب من نساء الثورة ..وكلها كانت تنقل على الهواء، لماذا عندكم الأمور مغايرة؟
– طيب ، اللبنانيون لا يقلدون أحدا ، نحن نصنع ثورتنا على طريقتنا ووفق ثقافتنا وهي للعلم متعددة كثيرا . نعم ..اذكر صورة الكنداكة التي صارت أيقونة الثورة هناك.
عندنا ثقافات متعددة ، وفي الدول العربية ثقافات متعددة أيضا .ما نقوم به تعبير عن ثقافتنا . تضيف غاضبة : نحن لا نعتبر أن صوت المرأة عورة.
– سأقولك لك أن كل ثقافة تنتج ثورتها وكل ثقافة تستوعب الثورة على طريقتها …أقصد هنا الخصوصيه لكل مجتمع وكل ثورة.

– كل الثقافات تريد الثورة وتعرف كيف تصنعها ،من مئات السنين تندلع الثورات هنا في الوطن العربي ، وانت تتحدثين عن خصوصية لبنانية؟
– لا بأس ، هل تطلب مني أن اشرح أكثر ؟
ام انت « مش مصدق ومش قابض حكايه الخصوصيه؟

سأوضح أكثر. في بعض الدول العربية تجلد المرأة بسبب عدم ارتداء الحجاب.هنا ، انظر حولك ، هذه تلبس بنطلون قصير ، وخلفها فتاة محجبه ، وهناك لباس سبور ..وعلى يمينك متظاهرة ترتدي قميصا من دون أكمام . انظر الى هذه الفتاة ترتدي سترة عسكرية من المفترض أن تكون حكرا على رجال الجيش .
كل ما تراه هنا تراه في كل مكان .في المحلات التجارية في الجامعات والمكاتب. أكثر من ذلك . في بعض الدول العربية يقرر الحاكم ماذا تريد أن تلبس أو تشرب او تأكل ..عندنا الدستور يقرر. وعند عدم الالتزام بالدستور تحدث ثورة.
هل فهمت ماذا اقصد بالخصوصية؟

تتوقف كأنها تتذكر شيئاً ما .

تواصل بعد لحظات:
الثورات العربية حدثت في الربيع ، هنا في الخريف .هل على اللبنانيين أن ينتظروا إلى الربيع المقبل لكي نشبه ثورات الآخرين .
قلت مازحا، هذا شيئ جيد .على الاقل يقول العالم أن الربيع العربي لم يتوقف ، فهو متواصل ليشمل كل فصول السنة.
توقفت للحظات وكأنها لم تعجب بما قلت . واصلت :
اللبنانيون لم يطالبوا بشئ مختلف عما طالبت به الثورات التي سبقتنا .هم هتفوا نريد إسقاط النظام ، وقالوا يسقط حكم الزعران ، والقضاء على الفساد…كل هذا نسعى خلفه.

وانا اغادر ساحة الشهداء بعد نهار طويل ، بلغني صوتها « الأنثوي» عاليا : خطران يهددان المجتمع العربي ، العقلية الذكورية والتفكير العسكري ، واحد يهدد السلم العائلي واخر يهدد السلم الأهلي.

سمعتها …رفعت صوتي واعتقد انها لم تسمع ..صوت هتافات الثورة يعلوا على الساحة فوق كل الأصوات.
قلت لها بالتوفيق والى اللقاء.

بعد ساعة تقريبا اتصلت بها هاتفيا:
كنت أود أن أسألك عن أيقونة الثورة.
– الثورة أيقونة ذاتها ، لكن قلبي يميل إلى مدينة طرابلس.
لماذا ، سألت ، والجواب جاء سريعاً :
كانوا يقولون إن طرابلس هي قندهار لبنان ، وكر الإرهاب . لعلهم الان يعيدون النظر في ظلمهم للمدينة. يقال عادة أن محبي الحياة هم من يطلقون الثورات ..انظر الى طرابلس ، لا تنام .تتظاهر في حشود غير مسبوقة .كبار ، صغار ، شيوخ ، صبايا وڜباب …كل العائلات تڜارك في الثورة..أليس من الواجب أن نعترف لها باننا غدرنا بها وافقرناها وظلمناها ؟

باي باي ..أنهت الكلام بهذا السؤال.
(انهيت النهار وانا أردد : صحيح الذين يحبون الحياه هم الثوار)