ثقافة و فنونعربي مهى سلطان: سمفونيّة الكون وجماليّاتها في لوحات شوقي شمعون by admin 8 يونيو، 2021 written by admin 8 يونيو، 2021 72 مهى سلطان / بيروت- النهار العربي منذ بداياته، استمدّ الفنان شوقي شمعون إلهامات أعماله من قوى الطبيعة وسطوتها، جبالاً وأنهاراً وصحاري ورياحاً عاتية وسهولاً خصيبة، غير أن معرضه الأخير “سماء مزهرة” (غاليري مارك هاشم)، جاء مستمداً من ذكريات طفولته، حين كان يتأمل السماء المليئة بالنجوم، مستلقياً على ظهره، على سطح بيت منزل العائلة في سرعين (البقاع الشرقي). تأملات مثل نوافذ مفتوحة على اللانهائي، ليذهب البصر إلى ما هو أبعد من الفضاء، ليقطف هذا السحر الوجودي بشاعرية الخلاء. إنه السحر الذي نادى الإنسان منذ فجر البشرية ليضعه في حيرةٍ من أمره حيال المنظور القريب والبعيد، إذ كيف يمكننا أن نراقب حركات النجوم وإشعاعات الأضواء البعيدة، وأن نتلمس هذا الوجود الذي ينقسم ويتساقط كي يضيء؟ إنها ليست المقاربة الأولى لمسائل الفضاء لدى شوقي، بل لعلّها الأسئلة المتعالقة ما بين الأفق الأرضي حيث الوجود المتضائل للإنسان إزاء الفضاء كمطلق. ثمة حافة دوماً للوقوف والتطلع الى ما يُدهش، وهي الحافة التي لا يتخلّى عنها شوقي بتاتاً لأنها أمست توقيعه الثاني، وإن كانت تردداتها الشكلية واللونية مثل اللازمة الموسيقية في الإيقاع، ولكنها تعكس الرغبة الدفينة في البقاء على التخوم العاطفية للذات المحرِّكة لعوالمها البصرية خشية المحو الكلي للأنا، في غمرة التجريد اللوني بطبيعته البصرية. التمدّد الفضائي القراءة السيميولوجية للوحة شوقي تشير الى مدى انغماسه في إعطاء أعماله صفاتها البصرية المتجردة، كما تؤكد كذلك فرضية إحالتها الى نظريات العلم عن التمدد الفضائي والثقوب السوداء والاختفاء والإظهار والسطوع والانسجام والتجمّع والتناثر، أي سمفونية الكون في أبهى تجلياتها. لذلك يسعى شوقي في أعماله نحو النظام ليقدم عملاً بسيطاً في محتواه البصري ومعقداً في مساراته التقنية. عندما تزهر سماء شوقي شمعون وتتفتح ورودها يكون الربيع قد حلّ، وتتدلى حبات الثّريا ببريقها الأخّاذ لنكتشف أننا لسنا إلا أمام عالم مفتوح بلا حدود، عالم متغير في ضيائه الأبدي، بأفلاكه وكواكبه الدوّاره. في مهب الحركة الكونية، ليس من سكون البتة، بل ثمة نظام محكوم بالحركة لأنّها مصدر الحياة وينبوع استمرارها. وعندما تتحرك يد الفنان تبعث في حركتها الطاقة مبعث السرعة، فالتوثب الحيويّ الذي تحدّث عنه الفيلسوف برغسون قد غيّر كل العادات في الرسم، وأضحى السعي لاقتحام الفضاء في عصر الضوء والعلم والتطور التكنولوجي شعاراً فنياً استفزازياً يحدد طبيعة العمل الفني. الفوضى القزحيّة شوقي شمعون المنخرط تلقائياً في طريقة التقطير اللوني الذي زاوله لسنوات طويلة على طريقة فناني مدرسة نيويورك، يتخطى في تجاربه الأخيرة أسلوب “الأكشن” نحو اختبارات موادية على لوحات كبيرة بأحجام جدارية تعكس تأثيرات الألق البصري للسماء النجمية في ليلها ونهارها وأعاصيرها ودواماتها. هذه الدوامات ذات الطبيعة المركزية الضخمة التي استجدت بعد انفجار 4 آب 2020، تشير الى غورٍ مستعصٍ، هو حال من الغرق داخل متاهةٍ مثل فوضى قزحية دوّارة وسط كائنات الأثير. فالصورة عابرة والحقيقة دائمة، والمرئي منسوب إلى جوهر أشمل، وكأن ما نراه في الوجود ليس إلا قبساً من وجود أعظم وأكبر. هكذا يأخذ الاتساع معنى الشسوع، وليس من قبيل المصادفة أن تقوم تصميمات شوقي على تصوير أطباق عائمة في فضاء لوني كتيم، على مسافات أفقية متساوية مثل نوتات موسيقية مرتبة أو كلمات على سطور. والأطباق نظائر عدسات العيون، لا تحتمل انزياحات غنائية، ولا تتجاوز حدود عباءة الفضاء بل تلامس الوجود بمجرد النظر اليه. النّثار الكوني شوقي شمعون يمشي في اللوحة، كمن يمشي في حديقة اللون التي ينثر بذارها ويزرعها وينمّي أشجارها ويشم أزاهيرها ويتفيأ ظلالها تحت سماء واطئة، يتسكع من دون أن يتيه أو يضل الطريق، يظل متيقظاً وهو يقطّر اللون ويدور حول القماش ليوزع خيوطه المكوكية التي يتوشى بها نسيجه اللوني وهو يشفّ حيناً ويتكاثف في أحيان أخرى. في بعض الأعمال يتفوّق التبقيع على التقطير، فتبدو قماشاته مثل حدائق ربيعية موشاة بالبقع الخضر واللازوردية وأحمر الأزاهير، تعيش في حال من الامتلاء الأقصى، بل في خاصية التمازج والاندماج والتمويه والسحر. كما أن الوقت والزمن والحركة والسرعة، هي دلالات لمرور الأجسام الصغيرة الملونة التي لا يمكن أن تُرى إلا من بعيد، سواءً في سماء الظهيرة الزرقاء أو في عباءات الليل. ضوء في الظّلام يسعى شوقي لإيهام البصر بذلك النثار الكوني من خلال نثر قطع صغيرة من الأكريليك الناشف الملوّن، على سطح القماش، فتبدو تلك الجسيمات كقطع الموزاييك الزجاجية المعلقة في الفضاء، وهي تتجلى كزينة العيد أو كرنفالات مشاعل الضوء في الظلام. الفن يحثنا دائماً للذهاب الى الأبعد، وكثر هم الذين اعتبروا أن الفن هو خرق لمفهوم الفضاء (لوتشيو فونتانا)، لذا كان الأزرق لإيف كلين هو قوة الفراغ في الفضاء الروحاني، ولطالما كانت الزرقة دليل البعد في المنظورية الهوائية لعلم الألوان، والأزرق الجويّ هو لون الهواء في البعيد الشفاف، وهو يبعث الروح والحيوية والبهجة وهو “الأزرق الكبير” كما وصفه غاستون باشلار في مؤلفه الذي يحمل العنوان نفسه. أما شوقي شمعون الذي ظلّ يحلم بالسماء، في ليله ونهاره، في ظلام الليل وشمس الظهيرة، فقد لجأ الى الأزرق السماوي والكوبالتي، استخدمه بمفارقاته البصرية وتعبيراته التشكيلية كعمق تصويري، يجذب البصر نحو الأبعاد أو يوحي بالاستدارات، كما يوهم بالقريب، فيتراءى قريباً من العين وواطئاً أحياناً يكاد يلامس الرؤوس. هكذا يأخذنا شوقي في تجريداته الفضائية الى متعة الصحو ولذائذ الأحلام والتأمل في غيوب السماء المليئة بالتأويلات، على ضوء الرغبة، و”الرغبة طاقة كهربائية حرّة في الفضاء الى أن تجد مصباحها”، على حد تعبير الشاعر أنسي الحاج، ورغبة شوقي قد وجدت ألوف مصابيحها في فضاء مزهر متألق بالتهيؤات. المزيد عن : سماء مزهرة/ معرض / شوقي شمعون 4 comments 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post لماذا تطالب الحركة الشعبية جناح الحلو بعلمانية الدولة؟ next post إدارة الغذاء والدواء الأمريكية توافق على دواء جديد للزهايمر للمرة الأولى منذ 20 عامًا You may also like أليخاندرا بيثارنيك… محو الحدود بين الحياة والقصيدة 24 نوفمبر، 2024 مهى سلطان تكتب عن: الرسام اللبناني رضوان الشهال... 24 نوفمبر، 2024 فيلمان فرنسيان يخوضان الحياة الفتية بين الضاحية والريف 24 نوفمبر، 2024 مصائد إبراهيم نصرالله تحول الرياح اللاهبة إلى نسائم 23 نوفمبر، 2024 يوري بويدا يوظف البيت الروسي بطلا روائيا لتاريخ... 23 نوفمبر، 2024 اليابانية مييكو كاواكامي تروي أزمة غياب الحب 22 نوفمبر، 2024 المدن الجديدة في مصر… “دنيا بلا ناس” 21 نوفمبر، 2024 البعد العربي بين الأرجنتيني بورخيس والأميركي لوفكرافت 21 نوفمبر، 2024 في يومها العالمي… الفلسفة حائرة متشككة بلا هوية 21 نوفمبر، 2024 الوثائق كنز يزخر بتاريخ الحضارات القديمة 21 نوفمبر، 2024 4 comments web hosting or 28 أغسطس، 2021 - 6:32 م I’m impressed, I have to admit. Rarely do I encounter a blog that’s both equally educative and engaging, and let me tell you, you have hit the nail on the head. The issue is something not enough folks are speaking intelligently about. Now i’m very happy that I came across this during my search for something concerning this. Reply t.co 30 أغسطس، 2021 - 6:50 ص I was very pleased to find this page. I need to to thank you for your time due to this fantastic read!! I definitely loved every bit of it and I have you book-marked to see new things on your web site. Reply t.co 31 أغسطس، 2021 - 11:06 م I blog often and I really appreciate your content. This article has really peaked my interest. I will take a note of your website and keep checking for new details about once per week. I subscribed to your Feed too. Reply j.mp 2 سبتمبر، 2021 - 6:01 م Why users still use to read news papers when in this technological globe everything is existing on web? Reply Leave a Comment Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.