بوستر معرض كنوز غزة امام معهد العالم العربي في باريس (خدمة المعرض) ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن : 5 آلاف سنة من آثار حضارة غزة في معرض باريسي by admin 11 أبريل، 2025 written by admin 11 أبريل، 2025 17 الكنوز التي ترفض أن تموت يقدمها معهد العالم العربي ومتحف جنيف اندبندنت عربية / مهى سلطان ليست غزة مجرد ركام من الدمار وحرب طاحنة، بل هي حكاية مدينة عابقة بالتاريخ، تزخر بالمواقع الأثرية التي تعود لشتى العصور. على امتداد آلاف السنين، كانت غزة محطة رئيسة على درب القوافل، وميناء مزدهراً يربط بين البحر ومدن المتوسط. هي مدينة تجارية نابضة، سكت النقود منذ القرن الرابع قبل الميلاد، وكانت منفذاً لطرق البخور، وموئلاً للحجاج في طريقهم إلى بيت المقدس. أما اليوم، فغزة تقف على حافة الخطر، إذ يتعرض تراثها الإنساني والثقافي العريق لتدمير ممنهج، لا سيما مع اتساع رقعة العمليات العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي، في سعيه إلى السيطرة على مساحات شاسعة من القطاع. تمثال وأواني من الطين (خدمة المعرض) وليس مستبعداً أن يتحمل الإرث التاريخي لغزة العبء الأكبر من تداعيات هذا التوسع مع تزايد أعمال الهدم والجرف والسلب. في ظل هذه المخاوف يأتي المعرض الذي يقيمه معهد العالم العربي في باريس (يستمر لغاية الثاني من نوفمبر 2025)، بدعم من متحف الفن والتاريخ في جنيف (MAH) وبمساندة السلطة الوطنية الفلسطينية، ليقدم مجموعة استثنائية من القطع الأثرية الثمينة التي أنقذتها تقلبات الزمن من الكارثة، لتكشف عن كثافة تراث غزة الغني بالكنوز عبر التاريخ. تتخذ غزة وجهاً آخر، وجه الحضارة المهددة ولكنها لا تزال تتألق بلا هوادة حتى في أجزاء منها. فالمعرض الذي يضم مجموعة مختارة من 130 قطعة فنية مميزة، يمثل خلاصة التنقيبات الأثرية الفرنسية – الفلسطينية التي بدأت في عام 1995. أبرزها فسيفساء بيزنطية مذهلة عثر عليها في موقع “أبو بركة”، تصور مشهداً من حرب طروادة، وتبرز الأهمية الاستراتيجية لغزة بوصفها مفترق طرق منذ العصور القديمة. واكتشف هذه الفسيفساء مزارع فلسطيني بالمصادفة، واعتبرها علماء الآثار بأنها من أعظم الكنوز الأثرية في قطاع غزة. ويضم المعرض أيضاً قطعاً نادرة من مجموعة جودت الخضري الخاصة، التي أهديت إلى السلطة الوطنية الفلسطينية عام 2018، وتعرض للمرة الأولى في فرنسا. تحفة من العصر الاسلامي مع نقش بالعربية (خدمة المعرض) يتيح المعرض فرصة الاطلاع على جانب غير معروف من التاريخ بالنسبة إلى الجمهور العريض: وهو الماضي المجيد للقطاع الفلسطيني. فقد كانت غزة واحة مشهورة بمجدها وحلاوة العيش فيها، ومحل أطماع بسبب موقعها الاستراتيجي ضمن الصراعات المصرية – الفارسية، وأرضاً خصبة لتجار القوافل، وميناء لثروات الشرق العربي وأفريقيا والبحر المتوسط. غزة حكاية التاريخ إن القطع الأثرية المعروضة في معهد العالم العربي لا تمثل سوى جزء من البضائع الثمينة التي كانت محفوظة في الميناء الحر بجنيف، التي يبلغ عددها 529 قطعة أثرية. إنه كنز تروي رحلته، قبل أن يخزن في سويسرا، فصلاً من تاريخ غزة الحديث. فمنذ عام 2007، شكل متحف الفن والتاريخ في جنيف (MAH) ملاذاً آمناً لتلك المجموعة الأثرية التي لم يكتب لها العودة لغزة. روائع تضم أمفورات، وتماثيل صغيرة، ونصباً جنائزية، ومصابيح زيتية، وقدوراً، وفسيفساء. تعود لحقب تمتد من العصر البرونزي حتى الحقبة العثمانية، باتت مرجعاً أثرياً بالغ الأهمية. وأسهم نفيها إلى سويسرا في حماية هذه الشواهد الفريدة على التاريخ العريق لقطاع غزة من الدمار والنسيان. جزء من موزاييك بيزنطي من موقع جباليا (خدمة المعرض) “غزة، أكثر من أي وقت مضى، تستحق أن يروى تاريخها، خصوصاً منذ السابع من أكتوبر وما تلاه من دمار. لأن القطع الأثرية المعروضة في هذا المعرض الفريد أنقذت من التدمير بفضل المنفى، ولأن الحرب التي تشتد يوماً بعد يوم تشوه، بل تمحو أحياناً، أجزاء كاملة من هوية هذه الأرض التي كانت يوماً ما مزدهرة، ومفترق طرق حيوي للحضارات بين آسيا والبلاد العربية وأفريقيا والمتوسط”، بحسب تعبير جاك لانغ، رئيس معهد العالم العربي. فقد استغرق تنظيم المعرض أربعة أشهر ونصف شهر، كما أوضحت أمينة المعرض إلودي بوفار في البيان الصحافي الصادر عن المعهد: “يتعلق الأمر باستعادة تاريخ غزة، التي أصبحت الآن معزولة عن جذورها بسبب وضعها كسجن مفتوح. فكرنا على الفور في مجموعة غزة التي توجد خاملة في جنيف. في وقت قياسي قمنا بفتح ما يقرب من 100 صندوق في سويسرا، وتم اختيار العناصر، وتخيل الطريق، ولكن التحدي يستحق المخاطرة”. منذ بداية الحرب بين إسرائيل و”حماس” في أكتوبر 2023، وبحسب منظمة “يونيسكو”، تضرر 94 موقعاً تاريخياً وثقافياً في غزة، بما في ذلك بعض المواقع ذات الأهمية الكبرى، منها: 10 مواقع دينية (من بينها الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية للقديس برفيريوس التي دمرت في الـ19 من أكتوبر 2024)، و43 مبنى ذو أهمية تاريخية وفنية، وسبع مواقع أثرية، وستة معالم، واثنين من مستودعات الممتلكات الثقافية المنقولة، فضلاً عن عدد من المتاحف الرسمية والخاصة. في هذا السياق يقدم معرض “كنوز غزة” نظرة ثاقبة على بعض المعالم المدمرة كلياً أو جزئياً، من خلال عرض وثائقي للصور الملتقطة قبل وبعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. تمثال امرأة قبرصية مع غطاء رأس من اكوس- منتصف القرن الخامس ق.م (خدمة المعرض) من قصر الباشا ذي الطراز المملوكي بجدرانه الجميلة التي استقبلت نابوليون بونابرت خلال حملته على مصر والشام، ولم يبق منه سوى أكوام من الأنقاض، إلى مسجد العمري الأقدم في المنطقة الذي تعرض للتدمير جزئياً، ومتحف دير البلح الذي يعد نافذة على تاريخ المدينة وكنوزها المفقودة، انتقالاً إلى دمار السقف الذي كان يحمي المقبرة الرومانية والبيزنطية الضخمة في جباليا. ومع ذلك، فإن دير القديس هيلاريون، أول دير مسيحي في الأرض المقدسة، الذي يمكن زيارته عبر فيديو ثلاثي الأبعاد من معهد العالم العربي، لا يزال سليماً، وربما محمياً بتصنيفه الطارئ، في يوليو (تموز) 2024، كموقع للتراث العالمي لليونيسكو، وهو استثناء في غزة. قد يكون من المثير للدهشة أن المساحة الإجمالية لقطاع غزة، هي 365 كيلومتراً مربعاً، وتحتضن مجموعة كبيرة من القطع الأثرية العريقة موزعة في المتاحف العامة والخاصة. لعل أهمها المتحف الذي أسسه رجل الأعمال وجامع التحف الأثرية جودت الخضري عام 2008 في شمال غزة. بدأ الخضري مشروعه بجمع الآثار على نفقته الخاصة، مستعيناً بخبرات مدرسة الآثار الفرنسية في القدس، التي لعبت دوراً مهماً في الحفريات الأثرية في غزة في تسعينيات القرن الماضي غداة اتفاق أوسلو. هكذا أخذت مجموعة المتحف تنمو حتى باتت تحتضن 4 آلاف قطعة أثرية، بما في ذلك ممر من الأعمدة البيزنطية ونحو 350 قطعة تعود للعصر البرونزي. موازييك بيزنطي (خدمة المعرض) وتشمل المجموعة تمثال نصفي لأفروديت، وأعمدة وعملات وأوان تعود للعصور الإسلامية والصليبية والرومانية والبيزنطية، إضافة إلى آثار من العصر البرونزي، وقدور وأعمدة وتيجان ومصابيح ومراس حجرية من العصر الروماني، فضلاً عن شواهد مزخرفة بنقوش إسلامية. في حديث إلى مجلة لاكروا (La croix)، وصف الأب جان بابتيست هومبرت الدومينيكاني وعالم الآثار في مدرسة الآثار الفرنسية في القدس، جودة الخضري الذي عمل معه كمستشار لمدة 30 عاماً قوله: “إنه شغوف بالتاريخ والآثار، وخصص جزءاً من ثروته لمكافحة هرب التراث الغزاوي إلى السوق السوداء الإسرائيلية”. في نهاية عام 2006، خرج نحو 260 قطعة أثرية من مجموعة الخضري من غزة للمشاركة في معرض “آثار غزة ملتقى الحضارات” في متحف الفن والتاريخ في جنيف، إضافة إلى مجموعة كان سبق أن شاركت في معرض عن آثار غزة أقيم في معهد العالم العربي في باريس عام 2000، الذي جرى تنظيمه بالتعاون بين وزارة السياحة والآثار والمدرسة الفرنسية للآثار. وفي العام التالي، استلمت حركة “حماس” السلطة في غزة. وعلى رغم محاولات عدة، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، لاستعادة تلك الممتلكات الأثرية، إلا أن الظروف لم تسمح بعودتها. هكذا ظلت القطع “منفية” مخبأة في صناديق ومحجوزة في ميناء جنيف تنتظر منذ ما يقرب من 20 عاماً للعودة لمهدها الأصلي، وهو الأمر الذي تأجل مرات عدة من دون أن تتمكن من ذلك، بسبب النزاع بين “حماس” والسلطة الفلسطينية وحصار القطاع والهجمات الإسرائيلية المتتالية في السنوات الأخيرة. الكنوز الناجية تمثال أفروديت إلهة الحب عند اليونان من العصر الهلنستي (خدمة المعرض) في مقابل المأساة المعاصرة تقف غزة لتباهي بآثارها المجيدة، كي تروي تاريخاً من الحضارة التي ترفض أن تموت. وفي هذا السياق يقدم المعرض شهادة حية على أن القطاع ليس مجرد منطقة للنزاع، بل أرض غنية بالآثار والتاريخ تستحق الحماية والدراسة. ذلك ما أكدته البعثة الأثرية الفرنسية في تنقيباتها التي أجرتها في تل العجول وكشفت عن بقايا مدينة كنعانية ضخمة تعود للألفية الثانية قبل الميلاد، تحتوي على أسوار دفاعية ومخازن للحبوب وقطع فخارية فاخرة تدل على وجود تبادلات تجارية مع مصر وقبرص. أما في تل السكن فتم اكتشاف طبقات سكنية تعود للعصر البرونزي المبكر، مما جعله واحداً من أقدم التجمعات العمرانية في جنوب بلاد الشام. كما عثر على تمائم وأختام وأوان فخارية تحمل طابعاً مصرياً وكنعانياً، مما يعكس عمق التبادل الثقافي والتجاري بين غزة ومحيطها القديم، ويؤكد موقعها الاستراتيجي كممر حضاري وجسراً للتواصل بين القارات. في المعرض تنبري للعيان مزهرية مصنوعة من المرمر الشفاف، تحاكي تلك التي ملأها المصريون بالمراهم أوربما بالأفيون، وتمثال أوزوريس البرونزي، ورأس محارب فارسي (يعود للقرن الخامس ق.م.) اكتشف في خان يونس، وكذلك تمثال للإلهة الكنعانية “عنات” عمره 4500 عام، ومقابض خناجر وأعمدة وجرار وسجاديات كثيرة من الفسيفساء البيزنطية بكائناتها وثمارها الفردوسية. ولعل أكثر القطع التي استحوذت على الاهتمام بحسب صحيفة اللوموند الفرنسية هو التمثال الرخامي لأفروديت (من العصر الهلنستي أو الروماني) اكتشف في بلاخيا بقطاع غزة، وكان من بين معروضات متحف الفن والتاريخ في جنيف. من بعدها على مدى السنوات الـ17 الماضية، نامت إلهة الحب الجميلة هذه في صندوق في ميناء جنيف، إلى جانبها رقدت أيضاً مئات القطع الثمينة الأخرى التي أعارها جودت الخضري والسلطة الفلسطينية عام 2007 إلى المتحف المذكور. كان من المفترض أن يختفي هذا التمثال الرخامي لأفروديت، وكان من المفترض أن يسحق في الانفجار الذي حول متحف الخضري في غزة إلى رماد عام 2024، أو أن يختفي، مثل آلاف التماثيل الأثرية والعملات المعدنية والجرار، التي يجهل هذا الجامع الفلسطيني مصيرها بعد 16 شهراً من الحرب بين إسرائيل و”حماس”. في حديثه إلى صحيفة اللوموند، شدد الخضري من مقر إقامته في القاهرة، إذ لجأ إليها هو وعائلته في ديسمبر 2023 على أن “هذا النفي هو ما أنقذ في الأقل جزءاً من مجموعته، بعدما جرى تدمير متحفه في حي الشيخ رضوان في غزه بصورة كاملة، إنها معجزة”. المزيد عن: آثار غزةالتاريخ الفلسطينيمعرضمعهد العالم العربيمتحف جنيفقطع أثريةالحضارة الفلسطينيةباريس 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post “أطفال الإمبراطور” تعري الوسط الثقافي الأميركي next post الحلم الأميركي يستحيل كابوسا لـ”المهاجر والمغادر” You may also like “أطفال الإمبراطور” تعري الوسط الثقافي الأميركي 11 أبريل، 2025 بيرانديللو في “كسو العرايا” يجعل الحياة مجرد خيال... 11 أبريل، 2025 مدن من طين… بيوت العراقيين “تأكل” الأرض الزراعية 11 أبريل، 2025 إيلاري فورونكا شاعر الأخوّة الإنسانية المجهول 10 أبريل، 2025 صحراء السعودية كانت “واحة خضراء” قبل 8 ملايين... 10 أبريل، 2025 محمود الزيباوي يكتب عن: أسلحة مزخرفة من موقع... 10 أبريل، 2025 كتاب “قصة جريمة قتل” يبعث أدب الجريمة من... 9 أبريل، 2025 الطبقة العاملة بين مخرج فرنسي وتشارلي شابلن 9 أبريل، 2025 “أشخاص مستهترون” يكشف كواليس “فيسبوك” 8 أبريل، 2025 فرويد درس شخصية دافنشي انطلاقا من ترجمة خاطئة 8 أبريل، 2025