لوحة للرسام هانيبال سروجي في المعرض (خدمة المعرض) ثقافة و فنون مهى سلطان تكتب عن: 3رسامين لبنانيين يعلنون نهاية الرومانسية by admin 18 مايو، 2025 written by admin 18 مايو، 2025 8 أعمال تسعى إلى عالم ما وراء الطبيعة وذاكرة الأنقاض والتأملات اندبندنت عربية / مهى سلطان زائر معرض “نهاية الرومانسية”، ويقام في غاليري جانين ربيز حتى الـ30 من مايو (أيار)، يدرك أن العنوان مضلل والروابط متباعدة، ما خلا أعمال سارغولوغو بمناخاتها الساحرة التي تصور نماذج مقلدة من المناظر الطبيعية وفق الأسلوب الرومانسي، مما يطرح عدداً من التساؤلات إزاء استعادة حقبة تاريخية قديمة في حاضرنا المعاصر. وفي الخطاب النظري الذي أسس لبنية العلاقات البصرية والبعد الفلسفي والأدبي الذي يجمع تحت رايته هواجس الفنانين الثلاثة، ثمة إقرار بهذا اللبس الذي يربك الزائر، وهو متعمد لدفع النقاش قدماً في تأمل التاريخ من خلال تداعيات الحقبة الزمنية لنهاية الرومانسية، وعلاقتها بأزماتنا الراهنة ومشهدية أنقاض المدن وكوارث الحروب التي نعيشها، حتى إن فكرة الهرب إلى الطبيعة التي شكلت فيما مضى ملاذاً آمناً للفنانين الرومنطيقيين بعيداً من ضجيج المدن التي اكتسحتها عجلة التصنيع، أضحت فكرة ساخرة وغير مجدية. لوحة للرسام غريغوري بوشكجيان (خدمة المعرض) ومن هنا تبدأ القواسم المشتركة التي تجمع بين سرديات ثلاثة فنانين من جيل الحرب الأهلية اللبنانية، وهي الحرب التي شكلت وعيهم وذاكرتهم وكانت محور انشغالهم الفني، الذي أخذ يتجلى في سعيهم إلى إبراز الصورة الخفية للمشاعر الذاتية والمخاوف والظنون التي راودتهم، ضمن بحثهم الجمالي المتأرجح بين الهوية وذاكرة الحرب والانتماء. وبعيداً من النظريات والمحمولات الفلسفية التي يضج بها النص المرافق للمعرض، هناك ما يجمع الفنانين في علاقتهم بالطبيعة من زوايا خفية، متصلة بالتقنيات الصورية والمفاهيم والايهامات البصرية. فألوان الصدأ الناتجة من تأكسد الصفائح المعدنية التي كثيراً ما يستخدمها سارغولوغو، بمظهرها وملمسها وإيحاءاتها، تشكل حاملاً بصرياً لجميع الصور التي ستتعاقب على سطحها، وهي تتبدى أيضاً لدى سروجي من خلال العلاقة الجوهرية التي يقيمها بين النار والحديد والأسيد، في إنتاج لون الصدأ المتأتي من الطبيعة. وإن كانت الطبيعة تعد ركيزة في مناظر سارغولوغو لتجسيد الرومانسية، فإن الركيزة الثانية في حقبة الرومانسية تتمثل في مناظر الأوابد وأطلال الآثار العائدة إلى حضارات الشرق المنسية، والتي شكلت قوام السردية المعقدة (الشبيهة بأحجة الـPuzzle) التي يقوم عليها العمل الجداري المذهل والبسيط في آن واحد الذي نفذه بوشكجيان، إذ يهيمن الخراب، بألوانه الرمادية الباهتة وحوائطه المتآكلة، بوصفه الموضوع الرومانسي بامتياز. شبح الماضي لوحة للرسام فرانسوا سارغولوغو (خدمة المعرض) العمل التركيبي لبوشكجيان عبارة عن صورة مطبوعة بأسلوب ورق الجدران، تغطي مساحة تبلغ أربعة أمتار ونصف المتر، تجسد موقعاً صناعياً قديماً كان في السابق معملاً للكلس (في قرية عاليتا- قرب متحف مقام)، وخرج عن الخدمة في زمن الحرب، ويحوي الموقع مكاناً للتخرين شبيهاً بإهراءات مرفأ بيروت، تعلوها رسمة بقلم الرصاص تظهر منظراً التقط بواسطة طائرة مسيرة (درون) لأنقاض معبد روماني. ويشير العنوان الملغز للعمل “HN051 فوق جسد الفنان”، إلى أن الرسم اليدوي يغطي صورة ذاتية مخفية غير مرئية لا تظهر للمشاهد إلا إذا قام بتفكيك التكوين التركيبي للعمل، ويدل العنوان على أن المعلم المذكور هو معبد حصن نيحا الكبير، الواقع على المنحدر الشرقي لجبل صنين، ويحمل الرمز “HN51” الذي خصصته له المديرية العامة للآثار. وما يميز عمل بوكاشجيان هو منظور “عين الطائر”، إذ يحوم فيه شبح الذات ويتردد صداه في التصورات التي يبنيها الفنان والناقد الفني والأستاذ الجامعي، عبر اللعب على المصادفات التي تحمل في طياتها إسقاطات لرؤى علمية مرتبطة بهيئة بناء المعابد، وفق مبادئ فيتروفيان التي دعت إلى استخدام الدائرة في تشكيل المباني المقدسة. فرانسوا سارغولوغو وهنيبال سروجي وغريغوري بوشكجيان ( خدمة المعرض) في حين أن الانتقال إلى الصور المطبوعة للمناظر الرومانسية في أعمال سارغولوغو يعيدنا إلى قواعد إيجاد الأعماق من خلال منظور ألبرتي، فإن المشاهد الفوتوغرافية التي يقدمها تتسم بالحضور الطاغي لطبيعة فائضة وغامرة، وتحمل نفس اسم المعرض، إذ تعد بمثابة “الحلم اليقظ”. فهي، وفقاً لقناعاته، تمثل عملاً مستوحى من هيمنة الحلم والمحاكاة الساخرة للرومانسية، تلك التي لم يعدها بودريار مجرد زيف بل رأى فيها “استبدال علامات الواقع بالواقع”. ومن هذا المنطلق، قد تبدو سخرية سارغولوغو مبطنة وغير مدمرة، نظراً إلى الاجتهادات التقنية الدقيقة، وملاحظاته البصرية الدقيقة للطبيعة ومناظر الغابات الفرنسية التي يجول فيها بحثاً عن إلهامه، لا سيما التفاصيل التي يستنبطها من تحت الظلال، وبين أعطاف الأشجار وهمس النباتات، استلهاماً لفضائل أسلوب الفنان نيكولا بوسان. ويضاف إلى ذلك طريقته في التقاط إشعاعات الأنوار المنبعثة من الأعماق، في مديح للطبيعة التي يستحيل تفادي جمالياتها أو النجاة من فخاخها البصرية. أما سروجي فهو أستاذ “المنظور العائم” الياباني، إذ لا تلتقي خطوط التأليف في بؤرة مركزية واحدة بل تتعدد مصادر الرؤية واتجاهاتها، في صيرورة لونية رقيقة، قوامها ضباب وتلال ومستنقعات وغيوم عابرة ما بين الأرض والسماء. وهذه الرؤى لا تنبع فقط من تأملاته للطبيعة في الشرق الأقصى، بل أيضاً من ذكريات مشاهداته الطفولية في قرية عين السنديانة، حين كان ضباب الوديان يتصاعد ويملأ الأجواء بسحر يطمس الحدود بين الأرض والسماء. وكأن الماضي وفق منطق التفكيك عند دريدا، لا يمضي نهائياً بل يبقى حاضراً، والحاضر ذاته لا يخلو من شحوب الماضي. وهكذا يحضر شبح الماضي في أعمال سروجي، لا في لحظاته السعيدة في أحضان الطبيعة بل في ذكريات الحرب، التي لطخت ذاكرته بصور فوهات طلقات الرصاص. ويرسمها مراراً وتكراراً أو يستعيدها من خلال الحروق التي يحدثها على قماش اللوحة، محتفظاً بألوان تلك الحروق والثقوب التي تنتشر في فضاء مخيلته. لكن، بعد تأمل طويل، يعود ليطفئها ببقع صفراء ويجملها بألوان وردية، لتغدو أشبه بتفتح الأزهار في حقل ربيعي، خارج عن فصول الزمن. تفكيك الفكر الرومانسي المعروف أن الفكر الرومانسي رفض الميكانيكية التي فرضها الفكر الديكارتي العقلاني والحداثة الصناعية، ليتخذ الطبيعة البرية والغامضة والعظيمة، كقيمة جمالية مضادة للعقل والآلة. لذا كان تصوير الطبيعة في الفن الرومانسي أكثر من مجرد تمثيل بصري، كان تعبيراً عن رؤية ميتافيزيقية ووجودية للإنسان والعالم، غير أنه في ظل تصاعد النزعات القومية وثورات 1848 التي هزت أركان أوروبا، أصبح الفنانون أكثر وعياً بدورهم السياسي والاجتماعي. وتلاشت فكرة الفنان المنعزل في برج عاجي لتحل محلها رؤية أكثر التزاماً بالواقع المعاش، مما طبع الرومانسية المتأخرة بطابع تأملي سوداوي، إذ بدا العالم في تحول دائم وغير مأمون. وبدأ يظهر تحول ثقافي وفني نحو الفكر النقدي للحداثة. ولعل أهمية المعرض في بعده الثقافي واحتشاد الأضداد في النص البصري، تكمن في طريقة تفكيك منظومة نهاية الرومانسية وإعادة جمع عناصرها في سياق نقدي من وجهات نظر فلسفية متعددة، تتجاوز حدود الأعمال الفنية المعروضة سواءً من حيث الفكر أو التقييم. وانطلاقاً من ثنائية إيمانويل كانط الذي ميز بين الجميل والجليل، يستحضر مفهوم “الجليل” كرديف للرعب المبهج بالمعنى الذي تناوله إدموند بيرك في كتابه “تحقيق فلسفي في أصل أفكارنا عن الجليل والجميل”، أي الشعور الذي يتجاوز الجمال ويثير الرعب ويبقي المتفرج أسيراً بين الدهشة والألم. إن هذه الطبيعة السامية هي مرآة عصرنا الذي وإن كان يدهشنا بتقدمه وإنجازاته فإنه يبعث فينا المخاوف والقلق، نتيجة الأزمات المتعددة التي نواجهها وهي جميعها مؤشرات تنذر باحتمال نهاية العالم. هل نهاية الرومانسية هي بداية العسكرة والاستعمار؟ بالطبع لا، ولكنها تزامنت مع تصاعد الاستعمار والعسكرة الأوروبية الحديثة. فقد مهدت ثقافياً لبعض سرديات التفوق والاستشراق التي استخدمت لاحقاً لتبرير التوسع الإمبريالي، وشهدت تحول الفن من التعبير العاطفي الفردي إلى مواجهة عالم يتجه إلى العنف المنظم والاستغلال العالمي. المزيد عن: معرض تشكيليمعرض جماعيالرومنسيةما وراء الطبيعةالمناظر العميقةالذاكرةالأنقاضالتأمل 0 comment 0 FacebookTwitterPinterestEmail admin previous post إليف شافاك: تعرضت للمحاكمة والإعدام الإلكتروني next post قاتل كخنزير بري… لافونتين وقصيدة الغرام المستحيل You may also like هل يعالج الإغلاق “قصور” الثقافة المصرية؟ 18 مايو، 2025 الأم ليست كما عرفناها: سرديات مغايرة في مهرجان... 18 مايو، 2025 معرض بيروت للكتاب يتعافى ببطء من وعكة المدينة 18 مايو، 2025 قاتل كخنزير بري… لافونتين وقصيدة الغرام المستحيل 18 مايو، 2025 إليف شافاك: تعرضت للمحاكمة والإعدام الإلكتروني 18 مايو، 2025 بطرس المعري يلوذ بالفن “كي لا ننسى” آلام... 15 مايو، 2025 عبد الرزاق قرنح في الحب والخيانة والهجران 15 مايو، 2025 “حربنا” فيلم وثائقي سجالي يطلق شعلة مهرجان كانّ 15 مايو، 2025 فلاسفة العصور القديمة عاشوا وفق ما تقتضيه أفكارهم 15 مايو، 2025 عشرات النسخ من حكاية فاوست أفضلها بطل غوته... 15 مايو، 2025